عرض مشاركة واحدة
قديم 12-19-2003, 02:59 PM   #417
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



ونقول لأصحاب مالك رحمه اللَّه: وهذه عائشة رضى اللَّه عنها لا ترى التحريمَ إلا بخمس رضعات، ومعها جماعةٌ من الصحابة، وروت فيه حديثين، فهلاَّ قلُتم: النساء أعلم بهذا من الرجال، وقدمتُم قولَها على قول من خالفها؟ فإن قلتم: هذا حكم يتعدَّى إلى الرجال، فيستوى النساءُ معهم فيه، قيل: ويتعدى حكمُ العِدة مثله إلى الرجال، فيجب أن يستوىَ النساءُ معهم فيه، وهذا لخفاءَ به. ثم يُرجح قولُ الرجال فى هذه المسألة، بأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شهِد لِواحدٍ من هذا الحزب، بأن اللَّه ضرب الحقَّ على لِسانه وقلبه. وقد وافق ربَّه تبارك وتعالى فى عدة مواضع قال فيها قولاً، فنزل القرآنُ بمثل ما قال، وأعطاه النبىُّ صلى الله عليه وسلم فضلَ إنائه فى النوم، وأوله بالعلم وشهد له بأنه مُحَدَّثٌ مُلْهَمٌ، فإذا لم يكن بُد من التقليد، فتقليدُه أولى، وإن كانت الحجة هى التى تَفْصِلُ بين المتنازعين، فتحكيمُها هو الواجب.
قولكم: إن من قال: إن الأقراء الحِيَض، لا يقولُون بقول على وابن مسعود، ولا بقول عائشة، فإن علياً يقول: هو أحقُّ برجعتها ما لم تغتسل، وأنتم لا تقولون بواحدٍ من القولين، فهذا غايتُه أن يكون تناقضاً ممن لا يقول بذلك، كأصحاب أبى حنيفة، وتلْكَ شَكَاة ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا عمن يقول بقول على، وهو الإمام أحمد وأصحابه، كما تقدم حكاية ذلك، فإن العِدة تبقى عنده إلى أن تغتسل كما قاله على، ومن وافقه، ونحن نعتذِرُ عمن يقول: الأقراء الحِيض فى ذلك، ولا يقول: هو أحقُّ بها ما لم تغتسل فإنه وافق من يقول: الأقراء الحِيض فى ذلك، وخالفه فى توقف انقضائها على الغسل لمعارض أوجب مخالفته، كما يفعلُه سائر الفقهاء. ولو ذهبنا نعُدُّ ما تصرفتم فيه هذا التصرفَ بعينه، فإن كان هذا المعارض صحيحاً لم يكن تناقضاً منهم، وإن لم يكن صحيحاً، لم يكن ضعفُ قولهم فى إحدى المسألتين عندهم بمانع لهم مِن موافقتهم لهم فى المسألة الأخرى، فإن موافقة أكابر الصحابة وفيهم مَنْ فيهم مِن الخلفاء الراشدين فى معظم قولهم خيرٌ، وأولى من مخالفتهم فى قولهم جميعِه وإلغائه بحيث لايُعتبر البتة.
قالوا: ثم لم نخالفهم فى توقف انقضائها على الغسل، بل قلنا: لا تنقضى حتى تغتسِلَ، أو يمضى عليها وقتُ صلاة، فوافقناهم فى قولهم بالغسل، وزدنا عليهم انقضاءَها بمضى وقت الصلاة، لأنها صارت فى حكم الطاهرات بدليل استقرار الصلاة فى ذمتها، فأين المخالفةُ الصريحة للخلفاء الراشدين رضوان اللَّه عليهم.
وقولكم: لا نجد فى كتاب اللَّه للغسل معنى. فيقال: كتابُ اللَّه تعالى لم يتعرض للغسل بنفى ولا إثبات، وإنما علَّق الحِلَّ والبينونة بإنقضاء الأجل.
وقد اختلف السلف والخلف فيما ينقضى به الأجلُ، فقيل: بإنقطاع الحيض. وقيل: بالغسل أو مضى صلاة، أو انقطاعه لأكثره. وقيل: بالطعن فى الحيضة الثالثة، وحجة من وقفه على الغسل قضاءُ الخلفاء الراشدين، قال الإمام أحمد: عمر، وعلى، وابن مسعود يقولون: حتى تغتسِلَ من الحيضة الثالثة. قالوا: وهم أعلمُ بكتاب اللَّه، وحدودِ ما أُنزِل على رسوله، وقد رُوِىَ هذا المذهب عن أبى بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وأبى موسى، وعُبادة، وأبى الدرداء، حكاه صاحب ((المغنى)) وغيره عنهم. ومن ههنا قيل: إن مذهب الصديق ومن ذُكِرَ معه، أن الأقراء: الحِيض.
قالوا: وهذا القول له حظ وافر مِن الفقه، فإن المرأة إذا انقطع حيضها صارت فى حكم الطاهرات من وجه، وفى حكم الحُيَّضِ من وجه، والوجوه التى هى فيها فى حكم الحيض أكثر من الوجوه التى هى فيها فى حُكم الطاهرات، فإنها فى حُكم الطاهرات فى صحة الصيام، ووجوب الصلاة، وفى حُكم الحُيَّضِ فى تحريم قراءة القرآن عند من حرمه على الحائض، واللبث فى المسجد، والطواف بالبيت، وتحريم الوطء، وتحريم الطلاق فى أحد القولين، فاحتاطَ الخلفاءُ الراشدون وأكابر الصحابة للنكاح، ولم يُخرجوها منه بعد ثبوته إلا بقيد لا ريبَ فيه، وهو ثبوتُ حكم الطاهرات فى حقها من كل وجه، إزالةٌ لليقين بيقين مثله، إذ ليس جعلها حائضاً فى تلك الأحكام أولى من جعلها حائضاً فى بقاء الزوجية، وثبوت الرجعة، وهذا من أدق الفقه وألطفه مأخذاً.
قالوا: وأما قول الأعشى:
لِما ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائكا.
فغايته استعمال القروء فى الطهر، ونحن لا ننكره.
قولكم: إن الطهر أسبق من الحيض، فكان أولى بالاسم، فترجيحٌ طريف جداً فمن أين يكون أولى بالاسم إذا كان سابقاً فى الوجود؟ ثم ذلك السابق لا يُسمى قرءاً ما لم يسبقه دم عند جمهور من يقوله: الأقراء الأطهار، وهل يقال فى كل لفظ مشترك: إن أسبق معانيه إلى الوجود أحق به، فيكون عَسْعَسَ من قوله: {واللَّيْلِ إذَا عَسْعَسَ} [التكوير: 17]، أولى بكونه لإقبال الليل لسبقه فى الوجود، فإن الظلام سابق على الضياء.
وأما قولكم: إن النبى صلى الله عليه وسلم فسر القروء بالأطهار، فلعمرُ اللَّه لو كان الأمر كذلك، لما سبقتمُونا إلى القول بأنها الأطهار، ولبادرنا إلى هذا القول اعتقاداً وعملاً، وهل المعوَّل إلا على تفسيره وبيانه:
تَقُولٌ سُلَيْمَى لَوْ أَقَمْتُمْ بأرْضِنَا وَلَم تَدْرِ أَنىِّ لِلْمُقَامِ أَطُوفُ
فقد بينا مِن صريح كلامه ومعناه ما يدل على تفسيره للقروء بالحيض، وفى ذلك كفاية.
فصل
فى الأجوبة عن اعتراضكم على أدلتنا
قولكم فى الاعتراض على الاستدلال بقوله: ((ثلاثة قروء)) فإنه يقتضى أن تكون كواملَ، أى بقية الطهر قرء كامل، فهذا ترجمة المذهب، والشأن فى كونه قرءاً فى لسان الشارع، أو فى اللغة، فكيف تستدلون علينا بالمذهب، مع منازعة غيرِكم لكم فيه ممن يقول: الأقراء الأطهار كما تقدم؟ ولكن أوجدونا فى لسان الشارع، أو فى لغة العرب، أن اللحظة من الطهر تسمى قَرءاً كاملاً، وغايةُ ما عندكم أن بعض مَنْ قال: القروءُ الأطهار، لا كُلُّهم يقولُون: بقيةُ القرء المطلق فيه قَرء، وكَانَ ماذا؟، كيف وهذا الجزءُ مِن الطُّهر بعضُ طهرٍ بلا ريب؟ فإذا كان مسمى القَرء فى الآية هو الطهر، وجب أن يكون هذا بعضَ قرء يقيناً، أو يكون القرء مشتركاً بينَ الجميع والبعض، وقد تقدَّم إبطالُ ذلك، وأنه لم يقل به أحد.
قولكم: إن العرب تُوقِعُ اسم الجمع على اثنين، وبعض الثالث، جوابه من وجوه.
أحدها: أن هذا إن وقع، فإنما يقع فى أسماء الجموع التى هى ظواهرُ فى مسماها، وأما صيغ العدد التى هى نصوص فى مسماها، فكلاَّ ولَمَّا، ولم تَردْ صيغةُ العدد إلا مسبوقة بمسماها، كقوله: {إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرَاً فى كِتَابِ اللَّهِ} [التوبة: 36] وقوله: {ولَبِثُوا فى كَهْفِهِمْ ثلاثَ مِائةٍ سِنينَ وازْدَادُوا تِسْعاً} [الكهف: 25] وقوله: {فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ فى الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةُ} [البقرة: 196]. وقوله: {سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً} [الحاقة: 15]، ونظائره مما لا يُراد به فى موضع واحد دون مسماه من العدد. وقوله:{ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، اسم عدد ليس بصيغة جمع، فلا يَصِحُّ إلحاقه بأشهر معلومات، لوجهين.
أحدهما: أن اسم العدد نصٌّ فى مسماه لا يقبَلُ التخصيصَ المنفصل، بخلاف الاسم العام، فإنه يقبل التخصيصَ المنفصل، فلا يلزم من التوسعِ فى الاسم الظاهر التوسعُ فى الاسم الذى هو نص فيما يتناولُه.
الثانى: أن اسم الجمع يَصِحُّ استعمالُه فى اثنين فقط مجازاً عند الأكثرين، وحقيقة عند بعضهم، فصحة استعماله فى اثنين، وبعض الثالث أولى بخلافِ الثلاثة، ولهذا لما قال اللَّه تعالى: {فَإنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلأمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 16]، حمله الجمهورُ على أخوين، ولما قال: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} [النور: 6]، لم يحملها أحدٌ على ما دون الأربع.
والجواب الثانى: أنه وإن صح استعمال الجمع فى اثنين، وبعض الثالث، إلا أنه مجاز، والحقيقةُ أن يكون المعنى على وفق اللفظ، وإذا دار اللفظُ بين حقيقته ومجازه، فالحقيقةُ أولى به.
(يتبع...)
@ الجواب الثالث: أنه إنما جاء استعمالُ الجمع فى اثنين، وبعض الثالث فى أسماء الأيام والشهور والأعوام خاصة، لأن التاريخ إنما يكون فى أثناء هذه الأزمنة، فتارة يُدخلون السنة الناقصة فى التاريخ، وتارة لا يُدخلونها. وكذلك الأيامُ، وقد توسَّعُوا فى ذلك ما لم يتوسعوا فى غيره، فأطلقوا الليالى، وأرادوا الأيامَ معها تارة، وبدونها أخرى وبالعكس.
الجواب الرابع: أن هذا التجوزَ جاء فى جمع القِلة، وهو قوله: {الحجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}. [البقرة: 197] وقوله: {ثَلاَثَةَ قُروُءٍ} [البقرة: 228]، جمعُ كثرة، وكان مِن الممكن أن يُقال: ثلاثة أقراء، إذ هو الأغلبُ على الكلام، بل هو الحقيقة عند أكثر النحاة، والعدولُ عن صيغة القلة إلى صيغة الكثرة لا بد له من فائدة، ونفى التجوز فى هذا الجمع يصلح أن يكون فائدة، ولا يظهر غيرها، فوجب اعتبارُها.
الجواب الخامس: أن اسم الجمع إنما يُطلق على اثنين، وبعض الثالث فيما يقبل التبعيض، وهو اليومُ والشهر والعامُ، ونحو ذلك دونَ ما لا يقبله، والحيض والطهر لا يتبعضان، ولهذا جُعِلَتْ عدة الأمة ذات الأقراء قرءين كاملين بالاتفاق، ولو أمكن تنصيفُ القرء، لجعلت قَرءاً ونصفاً، هذا مع قيام المقتضى للتبعيض، فأن لا يجوزَ التبعيض مع قيام المقتضى للتكميل أولى، وسِرُّ المسألة أن القرءَ ليس لبعضه حكم فى الشرع.
الجواب السادس: أنه سبحانه قال فى الآيسة والصغيرة: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرِ} [الطلاق: 4] ثم اتفقت الأمة على أنها ثلاثة كوامل، وهى بدلٌ عن الحيض، فتكميلُ المبدل أولى.
قولكم: إن أهل اللغة يُصرحون بأن له مسميين: الحيض والطهر، لا ننازعكم فيه، ولكن حمله على الحيض أولى للوجوه التى ذكرناها، والمشترك إذا اقترن به قرائنُ تُرجِّحُ أحدَ معانيه، وجب الحملُ على الراجح.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس