عرض مشاركة واحدة
قديم 12-19-2003, 02:55 PM   #415
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وأما استدلالُكم بقوله تعالى: {والَّلائى يَئِسْنَ مِنَ المحِيضِ مِنْ نِسَائِكُم إن ارْتَبْتُم فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4].
فجعل كل شهر بإزاء حيضة، فليس هذا بصريح فى أن القروء هى الحيض، بل غاية الآية أنه جعل اليأسَ من الحيض شرطاً فى الاعتداد بالأشهر، فما دامت حائضاً لا تنتقل إلى عدة الآيسات، وذلك أن الأقراء التى هى الأطهار عندنا لا تُوجد إلا مع الحيض، لا تُكون بدونه، فمن أين يلزم أن تكون هى الحيض؟
وأما استدلالُكم بحديثِ عائشة رضى اللَّه عنها:
((طَلاَقُ الأَمِةَ طَلْقَتَانِ وقَرؤُهَا حَيْضَتَان))، فهو حديث لو استدللنا به عليكم لم تقبلُوا ذلك منا، فإنه حديثٌ ضعيف معلول، قال الترمذى: غريب لانعرفه إلا من حديث مظاهر بن أسلم، ومظاهر لا يُعرف له فى العلم غير هذا الحديث، انتهى. ومظاهر بن أسلم هذا، قال فيه أبو حاتم الرازى: منكر الحديث. وقال يحيى بن معين: ليس بشىء، مع أنه لا يعرف، وضعفه أبو عاصم أيضاً. وقال أبو داود: هذا حديث مجهول، وقال الخطابى: أهلُ الحديث ضعفوا هذا الحديث، وقال البيهقى: لو كان ثابتاً لقُلنا به إلا أنا لا نُثبت حديثاً يرويه من تُجهل عدالته، وقال الدارقطنى: الصحيح عن القاسم بخلاف هذا، ثم روى عن زيد بن أسلم قال: سئل القاسم عن الأمة كم تطلق؟ قال: طلاقها ثنتان، وعِدتها حيضتان. قال: فقيل له: هل بلغك عن رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فى هذا؟ فقال: لا. وقال البخارى فى ((تاريخه)): مظاهر بن أسلم، عن القاسم، عن عائشة رضى اللَّه عنها يرفعه: ((طلاقُ الأمِة طلقتان، وعِدتُها حيضتَانِ)). قال أبو عاصم: أخبرنا ابنُ جريج، عن مظاهر، ثم لقيتُ مظاهراً، فحدثنا به، وكان أبو عاصم يُضَعِّفُ مظاهراً، وقال يحيى بن سليمان: حدثنا ابنُ وهب، قال: حدثنى أسامة بن زيد بن أسلم، أنه كان جالساً عند أبيه، فأتاه رسولُ الأمير، فقال: إن الأميرَ يقولُ لك: كم عِدةُ الأمة؟ فقال: عِدة الأمة حيضتان، وطلاقُ الحر الأمة ثلاث، وطلاقُ العبد الحرة تطليقتان، وعِدة الحرة ثلاثُ حيض، ثم قال للرسول: أين تذهبُ؟ قال أمرنى أن أسأل القاسم بن محمد، وسالم بن عبد اللَّه، قال: فأقْسِمُ عليك إلا رجعتَ إلىَّ فأخبرتنى ما يقولان، فذهب ورجع إلى أبى، فأخبره أنهما قالا كما قال، وقالا له: قل له: إن هذا ليس فى كتاب اللَّه، ولا سنةِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولكن عَمِلَ به المسلمون.
وقال أبو القاسم بن عساكر فى ((أطرافه)): فدل ذلك على أن الحديثَ المرفوعَ غيرُ محفوظ.
وأما استدلالكم بحديث ابن عمر مرفوعاً، ((طَلاقُ الأَمَةِ ثِنْتَانِ، وعِدَّتُها حَيْضَتَانِ))، فهو من رواية عطية بن سعدٍ العَوْفى، وقد ضعفه، غيرُ واحد من الأئمة. قال الدارقطنى: والصحيح عن ابن عمر رضى اللَّه عنه ما رواه سالم، ونافع من قوله، وروى الدارقطنى أيضاً عن سالم ونافع، أن ابن عمر كان يقول: طلاقُ العبد الحرة تطليقتان، وعِدتها ثلاثة قروء، وطلاقُ الحر الأمة تطليقتان، وعدتها عدة الأمة حيضتان.
قالوا: والثابت بلا شك، عن ابن عمر رضى اللَّه عنه، أن الأقراء: الأطهار.
قال الشافعى رحمه اللَّه: أخبرنا مالك رحمه اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر قال: إذا طلَّق الرجل امرأته، فدخلت فى الدم من الحيضة الثالثة، فقد برئت منه، ولا ترثه ولا يرثها.
قالوا: فهذا الحديثُ مدارُه على ابن عمر، وعائشة، ومذهبُهما بلا شك أن الأقراء: الأطهار، فكيف يكون عندهما عن النبى صلى الله عليه وسلم خلافُ ذلك، ولا يذهبان إليه؟ قالوا: وهذا بعينه هو الجوابُ عن حديث عائشة الآخر: أمرت بريرة أن تعتدَّ ثلاثَ حيض. قالوا: وقد رُوى هذا الحديث بثلاثة ألفاظ: أمرت أن تعتد، وأمرت أن تعتد عدة الحرة، وأمرت أن تعتد ثلاثَ حيض، فلعل رواية من روى ((ثلاث حيض)) محمولة على المعنى، ومن العجب أن يكون عند عائشة رضى اللَّه عنها هذا وهى تقول: الأقراء: الأطهار، وأعجبُ منه أن يكون هذا الحديثُ بهذا السند المشهور الذى كُلُّهم أئمة، ولا يخرجه أصحاب الصحيح، ولا المسانِد، ولا من اعتنى بأحاديث الأحكام وجمعها، ولا الأئمة الأربعة، وكيف يصبر عن إخراج هذا الحديث من هو مضطر إليه، ولا سيما بهذا السندِ المعروف الذى هو كالشمس شُهرةً ولا شك بريرَة أمرت أن تعتد، وأما أنها أمرت بثلاثِ حيض، فهذا لو صحَّ لم نَعدُهُ إلى غيره، ولبادرنا إليه.
قالوا: وأما استدلالكم بأن الاستبراء، فلا ريب أن الصحيحَ كونه بحيضة، وهو ظاهرُ النص الصحيح، فلا وجه للاشتغال بالتعلل بالقول: إنها تُستبرأ بالطهر، فإنه خلاف ظاهر نصِّ الرسول صلى الله عليه وسلم، وخلاف القول الصحيح من قول الشافعى، وخلاف قول الجمهور من الأمة، فالوجه العدولُ إلى الفرق بين البابين، فنقولٌ: الفرقُ بينهما ما تقدم أن العِدة وجبت قضاء لحق الزوج، فاختُصَّت بزمان حقه، وهو الطهرُ بأنها تتكرر، فيُعلم منها البراءة بواسطة الحيض بخلاف الاستبراء.
قولكم: لو كانت الأقراء الأطهار لم تحصل بالقَرء الأول دلالة، لأنه لو جامعها ثم طلَّقها فيه حُسِبَتْ بقيته قَرءاً، ومعلوم قطعاً أن هذا الطهر لا يدل على شىء.
فجوابه أنها إذا طهرت بعد طُهرين كاملين، صحت دِلالته بإنضمامه إليهما.
قولُكم: إن الحدودَ والعلاماتِ والأدلة إنما تحصل بالأمور الظاهرة إلى آخره.
جوابه أن الطهر إذا احتوشه دمانِ، كان كذلك، وإذا لم يكن قبله دم، ولا بَعده دم، فهذا لا يُعتد به البتة.
قالوا: ويزيد ما ذهبنا إليه قوة، أن القَرء هو الجمع، وزمان الطهر أولى به، فإنه حينئذ يجتمع الحيضُ، وإما يخرج بعد معه. قالوا وإدخال التاء فى ثلاثة قروء يدل على أن القَرء مذكر، وهو الطهر فلو كان الحيض لكان بغير تاء لأن واحدها حيضة.
فهذا ما احتج به أربابُ هذا القول استدلالاً وجواباً، وهذا موضع لا يُمكن فيه التوسطُ بينَ الفريقين، إذ لا توسط بين القولين، فلا بد من التحيُّزِ إلى أحد الفئتين ونحن متحيِّزون فى هذه المسألة إلى أكابر الصحابة وقائلون فيها بقولهم: إن القَرء الحيضُ، وقد تقدم الاستدلالُ على صحة هذا القول، فنُجيب عما عارض به أربابُ القول الآخر، ليتبين ما رجحناه، وباللَّه التوفيق.
فنقول: أما استدلالُكم بقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، فهو إلى أن يكونَ حجة عليكم أقربُ منه إلى أن يكون حجة لكم، فإن المرأة طلاقها قبل العدة ضرورة، إذ لا يمكن حملُ الآية على الطلاق فى العِدة فإن هذا مع تضمنه لكون اللام للظرفية بمعنى- في - فاسد معنى، إذ لا يُمكن إيقاعُ الطلاق فى العِدة، فإنه سبُبها، والسببُ يتقدم الحكم، وإذا تقرر ذلك فمن قال: الأقراء الحيض، فقد عمل بالآية، وطلَّق قبل العدة. فإن قلتم: ومن قال: إنها الأطهار فالعِدة تتعقب الطلاق، فقد طلَّق قبل العدة، قلنا: فبطل احتجاجُكم حينئذ، وصحَّ أن المراد الطلاقُ قبل العدة لا فيها، وكلا الأمرين يصح أن يُراد بالآية، لكن إرادةُ الحيض أرجحُ، وبيانُه أن العِدة فعلة مما يعنى معدودة، لأنها تُعد وتُحصى، كقوله: {وَأَحْصُوا العِدَّةَ} [الطلاق: 1]، والطهرُ الذى قبل الحيضة، مما يعد ويُحصى، فهو من العِدة، وليس الكلامُ فيه، وإنما الكلام فى أمر آخر، وهو دخولُه فى مسمى القروء الثلاثة المذكورة فى الآية أم لا؟ فلو كان النصُّ: فطلقوهن لِقروئهن، لكان فيه تعلق، فهنا أمران. قوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَة قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، والثانى: قوله: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، ولا ريب أن القائل: افعل كذا لثلاث بَقِينَ مِن الشهر، إنما يكون المأمور ممتثلاً إذا فعله قبل مجىء الثلاث، وكذلك إذا قال: فعلته لثلاث مضين من الشهر، إنما يصدق إذا فعله بعد مضى الثلاث، وهو بخلاف حرف الظرف الذى هو ((فى)) فإنه إذا قال: فعلته فى ثلاث بقين، كان الفعل واقعاً فى نفس الثلاث، وههنا نكتة حسنة، وهى أنهم يقولون: فعلُته لثلاث ليال خَلَوْن أو بقين من الشهر، وفعلته فى الثانى أو الثالث من الشهر، أو فى ثانية أو ثالثة، فمتى أرادوا مضى الزمان أو استقباله، أتَوْا باللام، ومتى أرادوا وقوعَ الفعل فيه، أتوا بفى، وسِرُّ ذلك أنهم إذا أرادوا مضى زمن الفعل أو استقباله أتوا بالعلامة الدالة على اختصاص العدد الذى يلفظون به بما مضى، أو بما يُستقبل، وإذا أرادوا وقوع الفعل فى ذلك الزمان أتوا بالأداة المعينة له، وهى أداة ((فى))، وهذا خير من قول كثير من النحاة: إن اللام تكون بمعنى قبل فى قولهم: كتبته لثلاث بقين، وقوله: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، وبمعنى بعد، كقولهم: لثلاث خلون. وبمعنى فى: كقوله تعالى: {ونضع الموازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ} [الأنبياء: 47]، وقوله: {فَكَيْفَ إذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَ رَيْبَ فِيهِ} [آل عمران: 25]، والتحقيقُ أن اللام على بابها للاختصاص بالوقت المذكور، كأنهم جعلوا الفِعل للزمان المذكور اتساعاً لاختصاصه به، فكأنه له، فتأمله.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس