عرض مشاركة واحدة
قديم 12-19-2003, 02:47 PM   #411
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: فى هذه الحكاية عن الشافعى والقاضى نظر، أما القاضى، فمن أصله الوقف فى صيغ العموم، وأنه لا يجوز حملُها على الاستغراق إلا بدليل، فمن يَقِفُ فى ألفاظ العموم كيف يَجْزِمُ فى الألفاظ المشتركة بالاستغراقِ من غير دليل وإنما الذى ذكره فى كتبه إحالة الاشتراك رأساً، وما يُدعى فيه الاشتراك، فهو عنده من قبيل المتواطىء، وأما الشافعى، فمنصبُه فى العلم أجلُّ من أن يقول مثل هذا، وإنما استنبط هذا من قوله: إذا أوصى لمواليه تناول المولى مِن فوق ومِنْ أسفل، وهذا قد يكونُ قاله لاعتقاده أن المولى من الأسماء المتواطِئة، وأن موضعه القدر المشترك بينهما، فإنه من الأسماء المتضايقة، كقوله ((منْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلي مَوْلاَهُ)) ولا يلزمُ مِن هذا أن يُحكى عنه قاعدة عامة فى الأسماء التى ليس من معانيها قدرٌ مشترك أن تُحمَلَ عند الإطلاق على جميع معانيها.
ثم الذى يَدلُّ على فساد هذا القول وجوه.
أحدها: أن استعمال اللفظ فى معنييه إنما هو مجاز، إذ وَضْعهُ لِكل واحد منهما على سبيل الانفراد هو الحقيقة، واللفظُ المطلق لا يجوزُ حمله على المجاز، بل يجب حملُه على حقيقته.
الثانى: أنه لو قُدِّرَ أنه موضوع لهما منفردين، ولكل واحد منهما مجتمعين، فإنه يكون له حينئذ ثلاثةُ مفاهيم، فالحمل على أحد مفاهيمه دونَ غيره بغير موجب ممتنع.
الثالث: أنه حينئذ يستحيلُ حملُه على جميع معانيه، إذ حملُه على هذا وحدَه، وعليهما معاً مستلزم للجمع بين النقيضين، فيستحيلُ حملُه على جميع معانيه، وحملُه عليهما معاً حملٌ له على بعض مفهوماته، فحملُه على جميعها يُبطِلُ حمله على جميعها.
الرابع: أن ههنا أموراً. أحدها: هذه الحقيقة وحدها، والثانى: الحقيقة الأخرى وحدها، والثالث: مجموعهما، والرابع: مجاز هذه وحدها، والخامس: مجاز الأخرىوحدها، والسادس: مجازهما معاً، والسابع: الحقيقة وحدَها مع مجازِها، والثامن: الحقيقة مع مجاز الأخرى. والتاسع: الحقيقةُ الواحدة مع مجازهما، والعاشر: الحقيقة الأخرى مع مجازها، والحادى عشر: مع مجاز الأخرى، والثانى عشر: مع مجازهما، فهذه اثنا عشر محملاً بعضها على سبيل الحقيقة، وبعضها على سبيل المجاز، فتعيين معنى واحد مجازى دونَ سائر المجازات، والحقائق ترجيحٌ مِن غير مرجح، وهو ممتنع.
الخامس: أنه لو وجب حملُه علىالمعنيين جميعاً لصار من صيغ العموم، لأن حكم الاسم العام وجوبُ حمله على جميع مفرداته عند التجرد مِن التخصيص، ولو كان كذلك، لجاز استثناء أحدِ المعنيين منه، ولسبق إلى الذهن منه عند الإطلاق العموم، وكان المستعمِلُ له فى أحد معنييه بمنزلة المستعملِ للاسم العام فى بعض معانيه، فيكون متجوزاً فى خطابه غير متكلم بالحقيقة، وأن يكون من استعمله فى معنييه غيرَ محتاج إلى دليل، وإنما يحتاج إليه من نفى المعنى الآخر، ولوجب أن يفهم منه الشمول قبل البحث عن التخصيص عند من يقول بذلك فى صيغ العموم، ولا ينفى الإجمِال عنه، إذ يصيرُ بمنزلة سائر الألفاظ العامة، وهذا باطل قطعاً، وأحكام الأسماء المشتركة لا تُفارق أحكام الأسماء العامة، وهذا مما يعلم بالاضطرار من اللغة، ولكانت الأمة قد أجمعت فى هذه الآية على حملها على خلاف ظاهرها ومطلقها إذ لم يصر أحدٌ منهم إلى حمل ((القرء)) على الطهر والحيض معاً، وبهذا يتبين بطلان قولهم: حمله عليهما أحوطُ، فإنه لو قُدِّرَ حملُ الآية على ثلاثةِ من الحيض والأطهار، لكان فيه خروجٌ عن الاحتياط. إن قيل: نحمله على ثلاثة من كل منهما، فهو خلاف نص القرآن إذ تصير الأقراء ستة.
قولهم: إما أن يُحمل على أحدهما بعينه، أو عليهما إلى آخره قلنا: مثلُ هذا لا يجوز أن يَعرى عن دلالة تُبين المراد منه كما فى الأسماء المجملة، وإن خفيت الدلالة على بعض المجتهدين، فلا يلزمُ أن تكون خفية عن مجموع الأمة، وهذا هو الجواب عن الوجه الثالث، فالكلام، إذا لم يكن مطلقُه يدل على المعنى المراد، فلا بد من بيان المراد. وإذا تعين أن المراد بالقرء فى الآية أحدُهما لا كلاهما، فإرادة الحيض أولى لوجوه. منها: ما تقدم.
الثانى: أن استعمال القرء فى الحيض أظهر منه فى الطهر، فإنهم يذكرونه تفسيراً للفظه، ثم يُردفونه بقولهم: وقيل، أو قال فلان، أو يقال، على الطهر، أو وهو أيضاً الطهر، فيجعلون تفسيره بالحيض كالمستقر المعلوم المستفيض، وتفسيره بالطهرِ قول قيل. وهاك حكايةُ ألفاظهم. قال الجوهرى: القَرء بالفتح: الحيض، والجمع أقراء وقُروء، فى الحديث: ((لا صَلاَةَ أَيَّامَ أقْرائِك)).
القَرء أيضاً: الطهر، وهو من الأضداد.وقال أبو عُبيد: الأقراء: الحيض، ثم قال: الأقراء الأطهار، وقال الكِسائى: والفَراء أقرأتِ المرأة: إذا حاضت. وقال ابن فارس: القُروء: أوقات، يكون للطهر مرة، وللحيض مرة، والواحد قَرء ويقال: القرء: وهو الطهر، ثم قال: وقوم يذهبون إلى أن القرء الحيض، فحكي قولَ مَنْ جعله مشتركاً بين أوقات الطهر والحيض، وقولَ من جعله لأوقات الطهر، وقولَ من جعله لأوقات الحيض، وكأنه لم يختر واحداً منهما، بل جعله لأوقاتهما. قال: وأقرأت المرأة إذا خرجت من حيض إلى طهر، ومن طهر إلى حيض، وهذا يدل على أنه لا بُدَّ من مسمى الحيض فى حقيقته يُوضح أن من قال: أوقاتُ الطهر تُسمى قروءاً، فإنما يريد أوقات الطهر التى يحتوِشُها الدم، وإلا فالصغيرة والآيسة لا يقال لزمن طهرهما أقراء، ولا هُما مِن ذوات الأقراء بإتفاق أهل اللغة.
الدليل الثانى: أن لفظ القرء لم يستعمل فى كلام الشارع إلا للحيض، ولم يجىء عنه فى موضع واحد استعمالُه للطهر، فحملُه فى الآية على المعهود المعروفِ من خطاب الشارع أولى، بل متعين، فإنه صلى الله عليه وسلم قال للمستحاضة: ((دَعى الصَّلاَةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ)) وهو صلى الله عليه وسلم المعبِّرُ عن اللَّه تعالى، وبلغة قومِه نزل القرآنُ، فإذا ورد المشتركُ فى كلامِهِ على أحد معنييه، وجب حملُه فى سائر كلامه عليه إذا لم تثبت إرادة الآخر فى شىء من كلامه البتة، ويصيرُ هو لغةَ القرآن التى خوطبنا بها، وإن كان له معنى آخر فى كلام غيره، ويصير هذا المعنى الحقيقة الشرعية فى تخصيص المشترك بأحد معنييه، كما يُخَصُّ المتواطىءُ بأحد أفراده، بل هذا أولى، لأن أغَلبَ أسباب الاشتراك تسمية أحدِ القبيلتين الشىء باسم، وتسمية الأخرى بذلك الاسم مسمى آخر، ثم تشيع الاستعمالات، بل قال المبرَّد وغيره: لا يقع الاشتراكُ فى اللغة إلا بهذا الوجه خاصة، والواضع لم يضع لفظاً مشتركاً البتة، فإذا ثبت استعمالُ الشارع لفظ القروء فى الحيض، علم أن هذا لغته، فيتعينُ حملُه على ما فى كلامه. ويوضح ذلك ما فى سياق الآية مِن قوله: {ولاَ يَحِّلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فى أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] وهذا هو الحيضُ، والحمل عند عامة المفسرين، والمخلوق فى الرحم إنما هو الحيض الوجودى، ولهذا قال السلف والخلف: هو الحمل والحيض، وقال بعضُهم: الحمل، وبعضهم: الحيض، ولم يقل أحد قطُّ: إنه الطهر، ولهذا لم ينقله من عُنىَ بجمع أقوال أهل التفسير، كابن الجوزى وغيره. وأيضاً فقد قال سبحانه: {واللاَّئى يَئِسْنَ مِنَ المحيضِ مِنْ نِسَائِكُم إن ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أشْهُرٍ، واللاَّئىْ لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4]، فجعل كُلَّ شهر بإزاء حيضة، وعلَّق الحكم بعدم الحيض لا بعدم الطهر من الحيض.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس