عرض مشاركة واحدة
قديم 12-19-2003, 02:42 PM   #407
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



واختلف القائلون بالحولين فى حديث سهلة هذا على ثلاثة مسالك، أحدها: أنه منسوخ، وهذا مسلكُ كثير منهم، ولم يأتوا على النسخ بحجة سوى الدعوى، فإنهم لا يُمكنهم إثباتُ التاريخ المعلوم التأخر بينه وبينَ تلك الأحاديث. ولو قلَبَ أصحابُ هذا القول عليهم الدعوى، وادعوا نسخَ تلك الأحاديث بحديث سهلة، لكانت نظيرَ دعواهم.
وأما قولهم: إنها كانت فى أوَّلِ الهجرة، وحين نزول قوله تعالى:{ادْعُوهُمْ لآبائِهِمْ} [الأحزاب: 5]، ورواية ابن عباس رضى اللَّه عنه، وأبى هريرة بعد ذلك، فجوابه من وجوه.أحدها: أنهما لم يصرحا بسماعه مِن النبى صلى الله عليه وسلم، بل لم يسمع منه ابنُ عباس إلا دونَ العشرين حديثاً، وسائرُها عن الصحابة رضى اللَّه عنهم.
الثانى: أن نساء النبىِّ صلى الله عليه وسلم لم تحتج واحدةٌ منهن، بل ولا غيرُهن على عائشة رضى اللَّه عنها بذلك، بل سلكن فى الحديث بتخصيصه بسالم، وعدم إلحاق غيره به.
الثالث: أن عائشةَ رضى اللَّه عنها نفسَها روت هذا وهذا، فلو كان حديثُ سهلة منسوخاً، لكانت عائشةُ رضى اللَّه عنها قد أخذت به، وتركتِ الناسخَ، أو خفى عليها تقدُّمه مع كونها هى الراوية له، وكلاهما ممتنع، وفى غاية البعد.
الرابع: أن عائشةَ رضى اللَّه عنها ابتُليت بالمسألة، وكانت تعمَلُ بها، وتُناظر عليها، وتدعو إليها صواحباتِها فلها بها مزيدُ اعتناء، فكيف يكون هذا حُكماً منسوخاً قد بطل كونهُ من الدين جملة، ويخفى عليها ذلك، ويخفى على نساءِ النبى صلى الله عليه وسلم فلا تذكُرُه لها واحدةٌ منهن.
المسلك الثانى: أنه مخصوص بسالم دون من عداه، وهذا مسلك أمِّ سلمة ومَنْ معها من نساء النبى صلى الله عليه وسلم ومَنْ تبعهن، وهذا المسلكُ أقوى مما قبله، فإن أصحابه قالوا مما يُبين اختصاصَه بسالم أن فيه: أن سهلة سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد نزول آية الحجاب، وهى تقتضى أنه لا يَحِلُّ للمرأة أن تُبدى زينتها إلا لمن ذكر فى الآية وسُمِّىَ فيها، ولا يُخص من عموم من عداهم أحد إلا بدليل. قالُوا: والمرأة إذا أرضعت أجنبياً، فقد أبدت زينتها له، فلا يجوزُ ذلك تمسكاً بعموم الآية، فعلمنا أن إبداء سهلة زينتها لسالم خاصٌّ به. قالوا: وإذا أمر رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم واحداً مِن الأمة بأمر، أو أباح له شيئاً أو نهاه عن شىء وليس فى الشريعة ما يُعارضه ثبت ذلك فى حق غيره من الأمة ما لم ينصَّ على تخصيصه، وأما إذا أمر الناس بأمرٍ، أو نهاهم عن شىء، ثم أمر واحداً من الأمة بخلاف ما أمرَ به الناس، أو أطلقَ له ما نهاهم عنه، فإن ذلك يكون خاصاً به وحدَه، ولا يقولُ فى هذا الموضع: إن أمره للواحد أمرٌ للجميع، وإباحته. للواحد إباحةٌ للجميع، لأن ذلك يُؤدى إلى إسقاط الأمر الأول، والنهى الأول، بل نقول: إنه خاص بذلك الواحد لتتفق النصوصُ وتأتلفَ ولا يُعارض بعضها بعضاً، فحرم اللَّه فى كتابه أن تبدىَ المرأةُ زينتها لغير مَحْرَمٍ، وأباح رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لسهلة أن تُبدى زينتها لسالم وهو غيرُ مَحْرَمٍ عند إِبداء الزينة قطعاً، فيكون ذلك رخصةً خاصة بسالم، مستثناة من عموم التحريم، ولا نقول: إن حكمها عام، فيبطل حكم الآية المحرمة.
قالوا: ويتعيَّن هذا المسلك لأنا لو لم نسلكه، لزمنا أحدُ مسلكين، ولا بد منهما إما نسخ هذا الحديث بالأحاديثِ الدالة على إعتبار الصِّغر فى التحريم، وإما نسخُها به، ولا سبيلَ إلى واحد من الأمرين لعدم العلم بالتاريخ، ولعدم تحقق المعارضة، ولإمكان العمل بالأحاديث كُلِّها، فإنا إذا حملنا حديثَ سهلة على الرخصة الخاصة، والأحاديث الأخرَ على عمومها فيما عدا سالماً، لم تتعارض، ولم ينسخ بعضُها بعضاً، وعُمِلَ بجميعها.
قالوا: وإذا كان النبىُّ صلى الله عليه وسلم قد بَّين أن الرضاع إنما يكون فى الحولين، وأنه إنما يكون فى الثدى، وإنما يكون قبل الفِطام، كان ذلك ما يَدُلُّ على أن حديث سهلة على الخصوص، سواء تقدم أو تأخر، فلا ينحصِرُ بيانُ الخصوص فى قوله هذا لك وحدك حتى يتعيَّن طريقاً.
قالوا: وأما تفسيرُ حديث ((إنَّما الرَّضَاعَةُ مِنَ المجَاعَةِ)) بما ذكرتموه، ففى غاية البُعد من اللفظ، ولا تتبادر إليه أفهامُ المخاطبين، بل القولُ فى معناه ما قاله أبو عُبيد والناس، قال أبو عبيد: قوله: ((إنما الرَّضاعةُ مِنَ المجاعة)) يقول: إن الذى إذا جاع كان طعامُه الذى يُشبعه اللبن، إنما هو الصبىُّ الرضيعُ. فأما الذى شبعُه من جوعه الطعامُ، فإن رضاعه ليس برضاع، ومعنى الحديث: إنَّما الرضاعُ فى الحولين قبل الفطام، هذا تفسير أبى عُبيد والناس، وهو الذى يتبادر فهمُه مِن الحديث إلى الأذهان، حتى لو احتمل الحديثُ التفسيرين على السواء، لكان هذا المعنى أولى به لمساعدة سائر الأحاديثِ لهذا المعنى، وكشفها له، وإيضاحها، ومما يبين أن غيرَ هذا التفسير خطأ، وأنه لا يَصحّ أن يُراد به رضاعة الكبير، أن لفظة ((المجاعة)) إنما تدل على رضاعة الصغير، فهى تُثبتُ رضاعة المجاعة، وتَنفى غيرها، ومعلوم يقيناً أنه إنما أراد مجاعةَ اللبن لا مجاعةَ الخبز واللحم، فهذا لا يخطُر ببالِ المتكلم ولا السامع، فلو جعلنا حكم الرضاعة عاماً لم يبق لنا ما ينفى ويُثبت. وسياق قوله: لما رأى الرجل الكبير، فقال: ((إنما الرضاعةُ مِن المجاعة)) يبينُ المرادِ، وأنه إنما يُحرِّم رضاعة من يجوعُ إلى لبن المرأة، والسياق يُنزِّلُ اللفظ منزلة الصريح، فتغيرُ وجهه الكريم صلوات اللَّهِ وسلامه عليه وكراهتُه لذلك الرجل، وقوله: ((انظرن مَنْ إخوانُكن)) إنما هو للتَحفظ فى الرضاعة، وأنها لا تُحرَّمُ كلَّ وقت، وإنما تُحَرِّمُ وقتاً دون وقت، ولا يفهم أحدٌ من هذا أنما الرضاعة ما كان عددُها خمساً فيعبر عن هذا المعنى بقوله: ((من المجاعة))، وهذا ضدُّ البيان الذى كان عليه صلى الله عليه وسلم.
وقولكم: إن الرضاعة تطرُدُ الجوع عن الكبير، كما تطرد الجوعَ عن الصغير كلام باطل، فإنه لا يُعهد ذو لحية يُشبِعُهُ رضاعُ المرأة ويَطْردُ عنه الجوع، بخلاف الصغير فإنه ليس له ما يقومُ مقامَ اللبن، فهو يَطْرُدُ عنه الجوع، فالكبير ليس ذا مجاعة إلى اللبن أصلاً، والذى يُوضِّحُ هذا أنه صلى الله عليه وسلم لم يُرِدْ حقيقة المجاعة، وإنما أراد مَظنتها وزمنها، ولا شك أنه الصِّغَرُ، فإن أبيتم إلا الظاهرية، وأنه أراد حقيقتها، لزمكم أن لا يُحرِّمَ رضاعُ الكبير إلا إذا ارتضع وهو جائعٌ، فلو ارتضع وهو شبعان لم يؤثر شيئاً.
وأما حديث الستر المصون، والحُرمة العظيمة، والحِمى المنيع، فرضىَ اللَّه عن أم المؤمنين، فإنها وإن رأت أن هذا الرضاع يُثبت المحرمية، فسائرُ أزواج النبىِّ صلى الله عليه وسلم يخالفنها فى ذلك، ولا يرينَ دخولَ هذا السِّتر المصون، والحِمى الرفيع بهذه الرضاعة، فهى مسألة اجتهاد، وأحدُ الحزبين مأجور أجراً واحداً، والآخر مأجورٌ أجرين، وأسعدُهما بالأجرين من أصاب حكم اللَّهِ ورسوله فى هذه الواقعة، فكل من المدخل للستر المصونِ بهذهِ الرضاعة، والمانع مِن الدخول فائز بالأجر، مجتهد فى مرضاة اللَّه وطاعة رسوله، وتنفيذ حكمه، ولهما أسوة بالنبيين الكريمين داودَ وسُلَيْمانِ اللذين أثنى اللَّه عليهما بالحِكمة والحُكم، وخصَّ بفهم الحُكومة أحدَهُما.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس