عرض مشاركة واحدة
قديم 12-19-2003, 01:42 PM   #390
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل
وفي الحديث مسلك خامس وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بها لخالتها وإن كانت ذاتَ زوج، لأن البنتَ تحرُم على الزوج تحريمَ الجمعِ بين المرأة وخالتها، وقد نبه النبيُّ صلى الله عليه وسلم على هذا بعينه في حديث داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكر الحديث بطوله، وقال فيه: ((وَأَنْتَ يَا جَعْفَرُ أَوْلَى بِهَا: تَحتَكَ خَالَتُهَا، وَلاَ تُنْكَحُ المَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، ولاَ عَلَى خَالَتِهَا))، وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم نصٌ يقتضي أن يكون الحاضن ذا رحم تحرم عليه البنتُ على التأبيد حتى يُعترض به على هذا المسلك، بل هذا مما لا تأباه قواعدُ الفقه وأصول الشريعة، فإن الخالة ما دامت في عصمة الحاضن، فبنتُ أختها محرمة عليه، فإذا فارقها، فهي مع خالتها، فلا محذورَ في ذلك أصلاً، ولا ريبَ أن القولَ بهذا أخير وأصلحُ للبنتِ مِن رفعها إلى الحاكم يدفعُها إلى أجنبي تكون عنده، إذ الحاكمُ غير متصد للحضانة بنفسه، فهل يشكُّ أحد أن ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة هو عينُ المصلحة والحكمة والعدل، وغايةُ الاحتياط للبنت والنظر لها، وأن كُلَّ حكم خالفه لا ينفك عن جَوْرٍ أو فسادٍ لا تأتي به الشريعةُ، فلا إشكالَ في حكمه صلى الله عليه وسلم، والإِشكالُ كُلُّ الإِشكالِ فيما خالفه، واللّه المستعان، وعليه التكلان.
ذكر حكمه صلى الله عليه وسلم في النفقة على الزوجات
وأنه لم يُقدِّرها، ولا ورد عنه ما يَدُلَّ على تقديرها، وإنما ردَّ الأزواج فيها إلى العرف.
ثبت عنه في ((صحيح مسلم)): ((أنه قال في خطبة حَجة الوداع بمحضر الجمع العظيم قبل وفاته ببضعة وثمانين يوماً ((واتَّقُوا اللّهَ في النِّسَاءِ فَإنَكُم أخَذْتُمُوهُنَّ بأَمَانَة اللّه، واسْتَحلَلْتُمْ فُرُوجَهُنّ َبكَلمَة ِاللّه. ولَهنَّ عَلَيْكُم رِزقُهن.ولهنَّ عليكم رزقُهُنَّ وكسوتُهُنَّ بالمعروفِ))

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في ((الصحيحين)): أن هنداً امرأة أبي سفيان قالت له: إن أبا سُفيان رجلٌ شحيحٌ ليس يُعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي إلا ما أخذتُ منه وهو لا يعلم، فقال: ((خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ)). وفي ((سنن أبي داود)): من حديث حكيم بن معاوية، عن أبيه رضي اللّه عنه، قال: أتيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقلتُ: يا رسول اللّه ! ما تقولُ في نسائنا؟ قال: ((أَطْعِمُوهُنَّ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَاكْسُوهُنَّ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَلاَ تَضْرِبُوهُنَّ وَلاَ تُقَبِّحُوهُنَّ)). وهذا الحكمُ من رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم مطابق لكتابِ اللّه عز وجل حيث يقول: {وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَولَيْنِ كَامِلَينِ لِمَن أَرَادَ أَن يتِمَّ الرَضَاعَةَ وَعَلى المَوْلُودِ لَه رِزْقُهنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بالمعروفِ} [البقرة: 233]. والنبي صلى الله عليه وسلم جعل نفقَةَ المَرأة مثل نفقة الخَادم، وسوَّى بينهما في عدم التقدير، وردَهما إلى المعروف، فقال: ((لِلْمَمْلوكِ طَعَامُهُ وكِسْوَتُه بِالمَعْرُوفِ)). فجعل نفقتهما بالمعروفِ، ولا ريب أن نفقة الخادم غيرُ مقدَّرة، ولم يقل أحد بتقديرها. وصح عنه في الرقيق أنه قال: ((أَطْعِمُوهُم مِمَّا تَأكُلُونَ، وأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ)). رواه مسلم، كما قال في الزوجة سواء.
وصح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: امرأتُك تقولُ: إما أن تُطعِمَنى، وإما أن تُطَلِّقَني، ويقول العبد: أَطْعمني واستعملني. ويقول الابن أطعمني إلى مَنْ تَدَعُني. فجعل نفقة الزوجة والرقيق والولد كلَّها الإِطعام لا التمليك.وروى النسائي هذا مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي. وقال تعالى: {مِنْ أوسَطِ مَا تطْعِمُونَ أَهْلِيكُم أَو كِسْوَتُهُمْ } [المائدة: 89]، وصح عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه قال: الخبز والزيت، وصح عن ابن عمر رضي اللّه عنه: الخبز والسمن، والخبز والتمر، ومِن أفضل ما تطعمون الخبز واللحم. ففسر الصحابة إطعامَ الأهلِ بالخبز مع غيره من الأدم، واللّه ورسولُه ذكرا الإِنفاق مطلقاً من غير تحديد، ولا تقدير، ولا تقييد، فوجب رَدُّه إلى العُرفِ لو لم يرده إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فكيف وهو الذي رد ذلك إلى العرف، وأرشد أمته إليه؟ ومن المعلوم أن أهلَ العُرف إنما يتعارفون بينهم في الإِنفاق على أهليهم حتى من يُوجب التقدير: الخبز والإِدام دون الحَبِّ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه إنما كانوا يُنفقون على أزواجهم، كذلك دون تمليك الحب وتقديره، ولأنها نفقة واجبة بالشرع، فلم تقدر بالحب كنفقة الرقيق، ولو كانت مقدرة، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم هنداً أن تأخذ المقدَّرَ لها شرعاً، ولما أمرها أن تأخذ ما يكفيها مِن غير تقدير، وردَّ الاجتهادَ في ذلك إليها، ومن المعلوم أن قدر كفايتها لا ينحصر في مُدَّين، ولا في رطلين بحيث لا يزيد عليهما ولا يَنْقُص، ولفظه لم يدل على ذلك بوجه، ولا إيماء، ولا إشارة، وإيجاب مدَّين أو رطلين خبزاً قد يكون أقلّ من الكفاية، فيكون تركاً للمعروف، وإيجابُ قدر الكفاية مما يأكل الرجل وولده ورقيقه وإن كان أقلَّ من مد أو من رطلي خبز، إنفاق بالمعروف، فيكون هذا هو الواجبَ بالكتاب والسنة، ولأن الحب يحتاجُ إلى طحنه وخبزه وتوابع ذلك، فإن أخرجت ذلك من مالها، لم تحصل الكفاية بنفقة الزوج، وإن فرض عليه ذلك لها من ماله كان الواجب حباً ودراهم، ولو طلبت مكان الخبز دراهم أو حباً أو دقيقاً أو غيرَه، لم يلزمه بذلُه، ولو عرض عليها ذلك أيضاً، لم يلزمها قبولُه لأن ذلك معاوضة، فلا يُجبر أحدُهما على قبولها، ويجوز تراضيهما على ما اتفقا عليه.
والذين قدّروا النفقة اختلفوا، فمنهم من قدَّرها بالحب وهو الشافعي، فقال: نفقة الفقير مدٌ بمد النبى صلى الله عليه وسلم، لأن أقل ما يدفع في الكفارة إلى الواحد مُدٌّ، واللّه سبحانه اعتبر الكفارة بالنفقة على الأهل، فقال: {فكَفَّارتُه إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُم أَو كِسْوَتُهُم} [المائدة: 89] قال: وعلى المُوسِرِ مُدَّانِ، لأن أكثر ما أوجب اللّه سبحانه للواحد مُدَّانِ في كفارة الأذى، وعلى المتوسط مُدٌ ونِصفٌ، نِصف نَفَقَة الموسِر، ونصف نفقة الفقير.
وقال القاضي أبو يعلى: مقدرة بمقدارٍ لا يختلِفُ في القِلة والكثرة، والواجب رِطلانِ من الخبز في كل يوم في حق المُوسِرِ والمُعْسِرِ اعتباراً بالكفارات، وإنما يختلفان في صفته وجودته، لأن المُوسِرَ والمُعْسِرَ سواء في قدر المأكول، وما تقُومُ به البنيةُ، وإنما يختلفان في جودته، فكذلك النفقة الواجبة.
والجمهور قالوا: لا يُحفظ عن أحد من الصحابة قطُّ تقديرُ النفقة، لا بمُدٍّ، ولا برطل، والمحفوظ عنهم، بل الذي اتصل به العملُ في كل عصر ومصر ما ذكرناه.
قالوا: ومن الذي سلَّم لكم التقدير بالمُد والرطل في الكفارة، والذي دلَّ عليه القرآن والسنة أن الواجبَ في الكفارة الإِطعامُ فقط لا التمليك، قال تعالى في كفارة اليمين: {فكفَّارتُهُ إطعامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُم} [المائدة: 89]، وقال في كفارة الظهار: {فَمنَ لَمْ يَسْتَطعْ فَإطْعَامُ سِتِّينَ مسْكِينا} [المجادلة: 4]، وقال في فدية الأذى:{فَفِدْيةٌ مِنْ صيَامٍ أوْ صدَقَةٍ أَو نُسُكٍ} [البقرة: 196]، وليس في القرآن في إطعام الكفارات غيرُ هذا، وليس في موضع واحد منها تقدير ذلك بمد ولا رطل، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمن وطىء في نهار رمضان: ((أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِيناً)). وكذلك قال للمظاهرِ، ولم يَحُدَّ ذلك بمد ولا رطل.
فالذي دل عليه القراَن والسنة، أن الواجب في الكفارات والنفقات هو الإِطعامُ لا التمليكُ، وهذا هو الثابتُ عن الصحابة رضي اللّه عنهم. قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو خالد، عن حجاج، عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي: يُغدِّيهم، ويُعشِّيهم خبزاً وزيتاً.
وقال إسحاق، عن الحارث كان عليّ يقول في إطعام المساكين في كفارة اليمين: يُغدِّيهم ويُعشيهم خبزاً وزيتاً، أو خبزاً وسمناً.
وقال ابن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن يعلى، عن ليث، قال: كان عبدُ اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه يقول:{مِن أوسطِ ما تطعِمُون أهليكم} [المائدة: 89] قال: الخبز والسمن، والخبز والزيت، والخبز واللحم.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس