عرض مشاركة واحدة
قديم 12-19-2003, 01:38 PM   #387
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



قالوا: وكل مفسدة يعرِضُ وجودُها عند الأم، فإنها تَعرِضُ أو أكثرُ منها عند الأب، فإنه إذا تركها في البيت وحدَها لم يأمن عليها، وإن ترك عندها امرأته أو غيرها، فالأم أشفَقُ عليها وأصونُ لها من الأجنبية.
قالوا: وأيضاً فهي محتاجة إلى تعلُم ما يصلُح للنساء من الغزل والقيامِ بمصالحِ البيت، وهذا إنما تقوم به النساءُ لا الرجال، فهي أحوجُ إلى أمها لتعلمها ما يصلح للمرأة، وفي دفعها إلى أبيها تعطيلُ هذه المصلحة، وإسلامها إلى امرأة أجنبية تُعلِّمها ذلك، وترديدها بين الأم وبينه، وفي ذلك تمرين لها على البروز والخروج، فمصلحةُ البنت والأم والأبِ أن تكونَ عند أمها، وهذا القولُ هو الذي لا نختار سواه.
قال من رجح الأب: الرجالُ أغيرُ على البنات مِن النِساء، فلا تستوي غيرةُ الرجل على ابنته، وغيرةُ الأم أبداً، وكم مِن أمٍّ تُساعِدُ ابنتها على ما تهواه، ويحملُها على ذلك ضعفُ عقلها، وسُرعةُ انخداعها، وضعفُ داعي الغيرةِ في طبعها، بخلافِ الأب، ولهذا المعنى وغيرِه جعل الشارعُ تزويجَها إلى أبيها دونَ أمها، ولم يجعل لأمها ولاية على بُضعها البتة، ولا على مالها، فكان مِن محاسن الشريعة أن تكون عند أمِّها ما دامت محتاجةً إلى الحضانة والتربية، فإذا بلغت حداً تُشتهى فيه، وتصلحُ للرجالِ، فَمِنْ محاسِن الشريعة أن تكونَ عند من هو أغيرُ عليها، وأحرصُ على مصلحتها، وأصونُ لها من الأم.قالوا: ونحن نرى في طبيعة الأب وغيره من الرجال من الغَيْرَةِ، ولو مع فسقه وفجوره ما يحمله على قتل ابنته وأخته وموليته إذا رأى منها ما يُريبه لِشدة الغيرة، ونرى في طبيعة النساء من الانحلال والانخداع ضدَّ ذلك، قالوا: فهذا هو الغالبُ على النوعين، ولا عبرة بما خرج عن الغالب، على أنا إذا قدمنا أحد ا الأبوين فلا بد أن نُراعي صيانته وحفظَه للطفل، ولهذا قال مالك والليث: إذا لم تحن الأم في موضع حرزٍ وتحصين، أو كانَتْ غيرَ مرضية، فللأب أخذُ البنت منها، وكذلك الإِمامُ أحمد رحمه اللّه في الرواية المشهورة عنه، فإنه يعتبر قدرتَه على الحفظ والصيانة. فإن كان مهملاً لذلك، أو عاجزاً عنه، أو غيرَ مرضي، أو ذا دِياثة والأم بخلافه، فهي أحقُّ بالبنتِ بلا ريب، فمن قدمناه بتخيير أو قرُعة أو بنفسه، فإنما نُقدِّمه إذا حصلت به مصلحة الولد، ولو كانت الأم أصون مِن الأب وأغيرَ منه قدمت عليه، ولا التفات إلى قرعة ولا اختيار الصبي في هذه الحالة، فإنه ضعيفُ العقل يؤثِرُ البطالة واللعب، فإذا اختار من يُساعِدُهُ على ذلك، لم يُلتفت إلى اختياره، وكان عند من هو أنفعُ له وأخيرُ، ولا تحتمِلُ الشريعة غيرَ هذا، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال: ((مُرُوهُم بِالصَّلاةِ لِسَبْعٍ واضْرِبُوهُم عَلى تَرْكِها لِعَشْرٍ وفَرِّقُوا بَينَهُم في المَضَاجِع)) والله تعالى يقول: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفسُكُم وأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ والحِجَارَةُ} [التحريم: 6]. وقال الحسن: علِّموهُم وأدبوهم وفقهوهم، فإذا كانت الأم تتركُه في المكتب، وتعلمه القرآن والصبيُّ يؤثر اللعب ومعاشرةَ أقرانه، وأبوهُ يُمكنه مِن ذلك، فإنه أحق به بلا تخيير، ولا قرعة، وكذلك العكسُ، ومتى أخل أحدُ الأبوين بأمر اللّه ورسوله في الصبي وعطَّله، والآخر مُراعٍ له، فهو أحق وأولى به.
وسمعت شيخنا رحمه اللّه يقول: تنازع أبوان صبياً عند بعض الحكام، فخيَّرَهُ بينهما، فاختار أباه، فقالت له أمه: سَلْهُ لأي شيء يختار أباه، فسأله، فقال: أمي تبعثني كل يوم للكتاب، والفقيه يضربني، وأبي يتركني للعب مع الصبيان، فقضى به للأم. قال: أنتِ أحق به.
قال شيخنا: وإذا ترك أحدُ الأبوين تعليم الصبي، وأمره الذي أوجبه اللّه عليه، فهو عاصٍ، ولا وِلاية له عليه، بل كُلُّ من لم يقم بالواجب في ولايته، فلا ولاية له، بل إما أن تُرفع يدُه عن الولاية ويُقام من يفعل الواجب، وإما أن يُضم إليه مَنْ يقومُ معه بالواجب، إذ المقصودُ طاعةُ الله ورسوله بحسب الإِمكان. قال شيخنا: وليس هذا الحقُّ من جنس الميراث الذي يحصل بالرحم، والنكاح، والولاء، سواء كان الوارث فاسقاً أو صالحاً، بل هذا مِن جنس الولاية التي لا بُدَّ فيها من القدرة على الواجب والعلم به، وفعله بحسب الإِمكان. قال: فلو قدر أن الأب تزوج امرأة لا تراعي مصلحة ابنته، ولا تقوم بها وأمها أقوم بمصلحتها من تلك الضرة، فالحضانة للأم قطعاً، قال: ومما ينبغي أن يعلم أن الشارع ليس عنه نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقاً، ولا تخيير الولد بين الأبوين مطلقاً، والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقاً، بل لا يقدم ذو العُدوان والتفريط على البَرِّ العادل المحسن، والله أعلم.
قالت الحنفية والمالكية: الكلامُ معكم في مقامين، أحدهما: بيان الدليل الدال على بطلان التخيير، والثاني: بيانُ عدم الدلالة في الأحاديث التي استدللتم بها على التخيير، فأما الأول: فيدُل عليه قوله صلى الله عليه وسلم ((أنت أحق به))، ولم يُخيره. وأما المقامُ الثاني: فما رويتُم مِن أحاديث التخيير مطلقة لا تقييد فيها، وأنتم لا تقولون بها على إطلاقها، بل قيدتم التخيير بالسبع، فما فوقها، وليس في شيء من الأحاديث مَا يدُلُّ على ذلك، ونحن نقول: إذا صار للغلام اختيار معتبر، خيَرَ بين أبويه، وإنما يعتبر اختيارُه إذا اعتبر قوله، وذلك بعد البلوغ، وليس تقييدكم وقتَ التخيير بالسبع أولى مِن تقييدنا بالبلوغ، بل الترجيحُ مِن جانبنا، لأنه حينئذ يعتبَرُ قولُه ويدل عليه قولها ((وقد سقاني من بئر أبي عنبة))، وهي على أميال من المدينة، وغيرُ البالغ لا يتأتى منه عادةً أن يَحْمِلَ الماءَ مِن هذهِ المسافة ويستقي من البئر، سلمنا أنه ليس في الحديث ما يدل على البلوغ، فليس فيه ما ينفيه، والواقعةُ واقعة عين، وليس عن الشارع نص عام في تخيير من هو دونَ البلوغ حتى يجبَ المصيرُ إليه، سلمنا أنه فيه ما ينفي البلوغ، فمن أين فيه ما يقتضي التقييدَ بسبع كما قلتم؟
قالت الشافعية والحنابلة ومن قال بالتخيير: لا يتأتَّى لكم الاحتجاجُ بقوله صلى الله عليه وسلم ((أنتِ أحقُ به ما لم تَنكِحي))، بوجه من الوجوه، فإن منكم من يقول: إذا استغنى بنفسه، وأكل بنفسه، وشرب بنفسه، فالأبُ أحقُّ به بغير تخيير، ومنكم من يقول: إذا اثَغَرَ، فالأبُ أحق به.
فنقول: النبي صلى الله عليه وسلم قد حكم لها به ما لم تنكح، ولم يفرق بين أن تَنْكِحَ قبل بلوغ الصبيِّ السِّنَّ الذي يكون عنده أو بعده، وحينئذ فالجوابُ يكون مشتركاً بيننا وبينكم، ونحن فيه على سواء، فما أجبتُم به، أجاب به منازعوكم سواء، فإن أضمرتُم أضمرُوا، وإن قيَدتُم قيَّدوا، وإن خَصَّصْتُمْ خصَّصُوا. وإذا تبين هذا، فنقول: الحديث اقتضى أمرين.
أحدهما: أنها لا حقَّ لها في الولد بعد النكاح. والثاني: أنها أحق به ما لم تنكح، وكونها أحق به له حالتان، إحداهما: أن يكون الولدُ صغيراً لم يميز، فهي أحق به مطلقاً مِن غير تخيير. الثاني: أن يبلغ سِنَّ التمييز، فهي أحقُّ به أيضاً، ولكن هذه الأولوية مشروطة بشرط، والحكم إذا عُلقَ بشرطٍ صدق إطلاقُه اعتماداً على تقدير الشرط، وحينئذ فهي أحقُّ به بشرط اختياره لها، وغايةُ هذا أنه تقييد للمطلق بالأدلة الدالةِ على تخييره. ولو حمل على إطلاقه، وليس بممكن ألبتة، لاستلزم ذلك إبطالَ أحاديث التخيير، وأيضاً فإذا كنتم قيدتموه بأنها أحق به إذا كانت مقيمة وكانت حرة ورشيدة وغير ذلك من القيود التي لا ذكر لشيء منها في الأحاديث ألبتة، فتقييدُه بالاختيار الذي دلت عليه السنة، واتفق عليه الصحابةُ أولى.
وأما حملكم أحاديث التخيير على ما بعد البلوغ، فلا يصح لخمسة أوجه. أحدها: أن لفظ الحديث أنه خيَّر غلاماً بين أبويه، وحقيقةُ الغلام من لم يبلُغ، فحمله على البالغ إخراج له عن حقيقته إلى مجازه بغير موجب، ولا قرينة صارفة.
الثاني: أن البالغَ لا حضانة عليه، فكيف يَصِحُّ أن يخير ابنُ أربعين سنة بين أبوين؟ هذا مِن الممتنع شرعاً وعادة، فلا يجوز حملُ الحديث عليه.
الثالث: أنه لم يفهم أحدٌ من السامعين أنهم تنازعُوا في رجل كبير بالغ عاقل، وأنه خُيِّر بين أبويه، ولا يسبق إلى هذا فهمُ أحد ألبتة، ولو فرض تخييرُه، لكان بين ثلاثة أشياء: الأبوين، والانفراد بنفسه.
الرابع: أنه لا يُعقل في العادة ولا العرف ولا الشرع أن تنازع الأبوان في رجل كبير بالغٍ عاقل، كما لا يعقلُ في الشرع تخييرُ من هذه حاله بين أبويه.
الخامس: أن في بعض ألفاظِ الحديث أن الولد كان صغيراً لم يبلغ ذكره النسائي، وهو حديثُ رافع بن سنان، وفيه: فجاء ابن لها صغير لم يبلغ، فأجلس النبي صلى الله عليه وسلم الأب هاهنا، والأم هاهنا ثم خيَّره.
وأما قولكم: إن بئر أبي عنبة على أميال من المدينة، فجوابُه مطالبتكم أولاً: بصحة هذا الحديث ومَن ذكره، وثانياً: بأن مسكن هذه المرأة كان بعيداً مِن هذه البئر، وثالثاً، بأن من له نحو العشر سنين لا يمكنه أن يستقي من البئر المذكور عادة، وكُلُ هذا مما لا سبيل إليه، فإن العرب وأهلَ البوادي يستقي أولادُهم الصغار مِن آبار هي أبعدُ من ذلك.
وأما تقييدنا له بالسبع، فلا ريب أن الحديث لا يقتضي ذلك، ولا هو أمرٌ مجمع عليه، فإن لِلمخيِّرين قولين، أحدهما: أنه يخيَّرُ لخمس، حكاه إسحاق بن راهويه، ذكره عنه حرب في((مسائله))، ويحتج لهؤلاء بأن الخمس هي السن التي يَصح فيها سماعُ الصبي، ويمكن أن يعقل فيها، وقد قال محمود بن الربيع:
عقلتُ عن النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجَّها في فيَّ وأنا ابن خمس سنين او القول الثاني: أنه إنما يُخيَّر لسبع، وهو قول الشافعي، وأحمد وإسحاق رحمهم اللّه، واحتج لهذا القول بأن التخييرَ يستدعي التمييزَ والفهم، ولا ضابطَ له في الأطفال، فضبط بمَظنَّتهه وهي السبعُ، فإنها أول سن التمييز، ولهذا جعلها النبي صلى الله عليه وسلم حداً للوقت الذي يُؤمر فيه الصَّبِى بالصلاة. وقولكم: إن الأحاديثَ وقائعُ أعيان، فنعم هي كذلك، ولكن يمتنع حملُها على تخيير الرجال البالغين، كما تقدم. وفي بعضها لفظ: غلام، وفي بعضها لفظ: صغير لم يبلغ، وبالله التوفيق.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس