عرض مشاركة واحدة
قديم 12-19-2003, 01:37 PM   #386
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وقال الحسنُ بن حَي: الأمُ أولى بالبنت حتى يَكْعُبَ ثدياها، وبالغلام حَتَى يَيْفَعَ، فيُخيران بعدَ ذلك بين أبويهما، الذكرُ والأنثى سواء.
قال المخيِّرون في الغلام دون الجارية: قد ثبت التخييرُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الغلام، من حديث أبي هريرة:وثبت عن الخلفاء الراشدين، وأبي هريرة، ولا يُعرف لهم مخالفٌ في الصحابة ألبتة، ولا أنكره منك. قالوا: وهذا غايةٌ في العدل الممكن، فإن الأمَّ إنما قُدِّمتْ في حال الصغر لحاجة الولد إلى التربية والحمل والرضاع والمداراة التي لا تتهيأ لِغير النساء، وإلا فالأمُّ أحد الأبوين، فكيف تُقدَّم عليه؟ فإذا بلغ الغلام حداً يُعْرِبُ فيه عن نفسه، ويستغني عن الحمل والوضع وما تُعانيه النساء، تساوى الأبوانِ، وزال السببُ الموجبُ لتقديم الأم، والأبوانِ متساويانِ فيه، فلا يُقَدَّمُ أحدُهما إلا بمرجِّح، والمرجِّحُ إما من خارج، وهو القرعةُ، وإما من جهة الولد، وهو اختيارُه، وقد جاءت السنةُ بهذا وهذا، وقد جمعهما حديثُ أبي هريرة، فاعتبرناهما جميعاَ، ولم ندفع أحدهما بالآخر.
وقدمنا ما قدمه النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأخّرنا ما أخره، فقدم التخييرُ، لأن القُرعة إنما يُصار إليها إذا تساوت الحقوقُ مِن كل وجه، ولم يبق مرجِّحٌ سواها، وهكذا فعلنا هاهنا قدمنا أحدَهما بالاختيار، فإن لم يختر، أو اختارهما جميعاً، عدلنا إلى القُرعة، فهذا لو لم يكن فيه موافقة السنة، لكان مِن أحسن الأحكام، وأعدلها، وأقطعها للنزاع بتراضي المتنازعين. وفيه وجه آخر في مذهب أحمد والشافعي: أنه إذا لم يختر واحداً منهما كان عند الأم بلا قُرعة، لأن الحضانة كانت لها، وإنما ننقلُه عنها باختياره، فإذا لم يختر، بقي عندها على ما كان.
فإن قيل: فقد قدمتُمُ التخييرَ على القُرعة، والحديث فيه تقديمُ القُرعة أولاً، ثم التخيير، وهذا أولى، لأن القرعة طريق شرعي للتقديم عند تساوي المستحقين، وقد تساوى الأبوانِ، فالقياسُ تقديمُ أحدهما بالقُرعة، فإن أبيا القُرعة، لم يبق إلا اختيارُ الصبي، فيُرجح به، فما بالُ أصحابِ أحمد والشافعي قدَّموا التخييرَ على القرعة.
قيل: إنما قُدّمَ التخيير، لاتفاق ألفاظِ الحديث عليه، وعملِ الخلفاء الراشدين به، وأما القُرعة، فبعضُ الرواة ذكرها في الحديث، وبعضُهم لم يذكرها، وإنما كانت في بعضِ طُرق أبي هريرة رضي اللّه عنه وحده، فَقُدِّمَ التخييرُ عليها، فإذا تعذر القضاء بالتخيير، تعينت القُرعة طريقاً للترجيح إذ لم يبق سواها.
ثمَّ قال المخيرون للغلام والجارية: روى النسائي في ((سننه))، والإِمام أحمد في ((مسنده)) من حديث رافع بن سنان رضي اللّه عنه أنه تنازع هو وأمٌّ في ابنتهما، وأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقعَده ناحية، وأقعد المرأة ناحية، وأقعد الصبيةَ بينهما، وقال: ((ادْعُوَاها))، فمالَت إلى أُمِّها فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم ((اللَّهُمَّ اهْدِهَا)) فمَالَت إلى أَبِيهَا فَأَخَذَهَا قالُوا: ولو لم يَرِدْ هذا الحديثُ لكان حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه، والآثار المتقدمة حجةً في تخيير الأنثى، لأن كون الطفل ذكراً لا تأثير له في الحكم، بل هي كالذكر في قوله صلى الله عليه وسلم ((مَنْ وَجَدَ مَتَاعه، عِنْدَ رَجُل قَدْ أَفْلَسَ)) وفي قوله ((مَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ في عَبْدٍ))، بل حديثُ الحَضَانة أولى بعدم اشتراط الذكورية فيه، لأن لَفظ الصَبي ليس مِن كلام الشارع، إنما الصحابيُّ حكى القِصة، وأنها كانت في صبي، فإذا نُقِّحَ المناطُ تبين أنه لا تأثير، لكونه ذكراً.
قالت الحنابلة: الكلامُ معكم في مقامين، أحد هما: استدلالُكم بحديثِ رافع، والثاني: إلغاؤكم وصفَ الذكورية في أحاديث التخيير.
فأما الأول، فالحديثُ قد ضعّفه ابنُ المنذر وغيرُه، وضعف يحيى بن سعيد والثوري عبدَ الحميد بن جعفر، وأيضاً لقد اختلف فيه على قولين. أحدهما: أن المخيَّر كان بنتاً، وروي: أنه كان ابناً. فقال عبد الرزاق: أخبرنا سفيان، عن عثمان البتي، عن عبد الحميد بن سلمة، عن أبيه، عن جده، أن أبويه اختصما إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم أحدهما مسلم، والآخرُ،كافر، فتوجه إلى الكافر، فقال النبيِّ صلى الله عليه وسلم ((اللَّهُمَّ اهْدِهِ))، فتوجه إلى المسلم، فقضى، له به.
قال أبو الفرج ابن الجوزي: ورواية من روى أنه كان غلاماً أصحُّ.. قالوا: ولو سلم لكم أنه كان أنثى، فأنتم لا تقولون به، فإن فيه أن أحدهما كان مسلماً،

والآخر كافراً، فكيف تحتجون بما لا تقولون به.
قالوا: وأيضاً فلو كانا مسلمين، ففي الحديث أن الطفل كان فطيماً، وهذا قطعاً دون السبع، والظاهر أنّه دون الخمس، وأنتم لا تُخيرون من له دون السبع، فظهر أنه لا يُمكنكم الاستدلالُ بحديث رافع هذا على كل تقدير.
فبقي المقام الثاني، وهو إلغاء وصف الذكورة في أحاديث التخيير وغيرها، فنقول. لاريب أن مِن الأحكام ما يكفي فيها وصفُ الذكورة، أو وصفُ الأنوثة قطعاً، ومنها ما لا يكفي فيه، بل يُعتبر فيه إمّا هذا وإمّا هذا، فيُلغى الوصف في كل حكم تعلَّق بالنوع الإِنساني المشترك بين الأفراد، ويُعتبر وصفُ الذكورة في كل موضع كان له تأثير فيه، كالشهادة والميراث، والولاية في النكاح، ويعتبر وصفُ الأنوثة في كلِّ موضع يختصُّ بالإناث، أو يُقدمن فيه على الذكور، كالحضانة، إذا استوى في الدرجة الذكرُ والأنَثى، قُدِّمت الأنثى.بقي النظر فيما نحن فيه من شأن التخيير، هل لِوصف الذكورة تأثيرٌ في ذلك فيُلحق بالقسم الذي تعتبر فيه، أو لا تأثير له فيلحق بالقسم الذي يلغى فيه؟ ولا سبيل إلى جعلها من القسم الملغى فيه وصفُ الذكورة، لأن التخيير هاهنا تخيير شهوة، لا تخيير رأي ومصلحة، ولهذا إذا اختار غيرَ مَن اختاره أولاً، نقل إليه، فلو خيرت البنت، أفضى ذلك إلى أن تكونَ عند الأب تارة، وعند الأم أخرى، فإنها كلما شاءت الانتقال، أجيبت إليه، وذلك عكسُ ما شرع للإِناث مِن لزوم البيوت، وعدمِ البروز، ولزوم الخدور وراء الأستار، فلا يليقُ بها أن تمكن مِن خلاف ذلك. وإذا كان هذا الوصفُ معتبراً قد شهد له الشرعُ بالاعتبار لم يمكن إلغاؤه.
قالوا: وأيضاً فإن ذلك يُفضي إلى ألا يبقى الأبُ موكّلاً بحفظها، ولا الأم لتنقُّلِها بينهما، وقد عُرِفَ بالعادة أن ما يتناوبُ الناسُ على حفظه، ويتواكلون فيه، فهو آيل إلى ضياع، ومن الأمثال السائرة ((لا يصلُحُ القِدْرُ بَيْنَ طَبَّاخَيْنِ)).
قالوا: وأيضاً فالعادة شاهدة بأن اختيار أحدهما يُضعف رغبة الآخر فيه بالإِحسان إليه وصيانته، فإذا اختار أحدَهما، ثم انتقل إلى الآخر لم يبق أحدُهما تامَ الرغبة في حفظه والإِحسان إليه.
فإن قلتم: فهذا بعينه موجودٌ في الصبي، ولم يمنع ذلك تخييره. قلنا: صدقتم لكن عارضَه كونُ القلوب مجبولةً على حُبِّ البنين، واختيارِهم على البناتِ، فإذا اجتمع نقصُ الرغبة،. ونقصُ الأنوثة، وكراهةُ البنات في الغالب، ضاعت الطِّفلَةُ، وصارت إلى فسَاد يَعْسُرُ تلافِيه، والواقعُ شاهِدٌ بهذا، والفقه تنزيل المشروع على الواقع، وسِرّ الفرق أن البنتَ تحتاجُ مِن الحفظ والصيانةِ فوقَ ما يحتاجُ إليه الصبيُّ، ولهذا شُرِعَ في حق الإِناثِ مِنَ الستر والخَفَرِ ما لم يُشرع مثلُه للذكور في اللباس وإرخاء الذيل شِبراً أو أكثر، وجمع نفسِها في الركوع والسجود دونَ التجافي، ولا ترفعُ صوتَها بقراءة القرآن، ولا تَرْمُلُ في الطواف، ولا تتجرَّدُ في الإِحرام عن المخيط، ولا تكشِفُ رأسها، ولا تُسافِرُ وحدَها، هذا كلّهُ مع كبرها ومعرفتها، فكيف إذا كانت في سنِّ الصغر. وضعفِ العقل الذي يقبل فيه الانخداع؟ ولا ريب أن تردّدَها بين الأبوينِ مما يعودُ على المقصود بالإِبطال، أو يُخِلُّ به، أو يَنْقُصُه لأنها لا تستقِر في مكان معين، فكان الأصلحُ لها أن تجعل عند أحد الأبوين من غير تخيير، كما قاله الجمهور: مالك، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، فتخييرُها ليس منصوصاً عليه، ولا هو في معناه فيلحق به.
ثم هاهنا حصل الاجتهادُ في تعيينِ أحدِ الأبوين لمقامها عنده، وأيهما أصلحُ لها، فمالك، وأبو حنيفة، وأحمد في إحدى الروايتين عنه: عيَّنوا الأم، وهو الصحيحُ دليلاً، وأحمد رحمه اللّه في المشهور عنه، واختيارُ عامة أصحابه عيَّنوا الأبَ.قال مَن رجَّح الأم: قد جرت العادةُ بأن الأبَ يتصرَّف في المعاش، والخروج، ولقاءِ الناسِ، والأمُّ في خِدرها مقصورة في بيتها، فالبنت عندها أصونُ وأحفظ بلا شك، وعينُها عليها دائماً بخلاف الأبِ، فإنه في غالب الأوقات غائبٌ عن البنت، أو في مَظِنَّةِ ذلك، فجعلُها عند أمها أصونُ لها وأحفظ.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس