عرض مشاركة واحدة
قديم 12-19-2003, 01:33 PM   #383
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل
وقوله صلى الله عليه وسلم ((أنتِ أحق به ما لم تنكحي)) فيه دليل على أن الحَضانة حقّ للأم، وقد اختلف الفقهاءُ، هل هي للحاضن أم عليه؟ على قولين في مذهب أحمد ومالك، وينبني عليهما هل لمن له الحَضانة أن يُسقِطَها فينزل عنها؟ على قولين.. وأنه لا يجب عليه خدمةُ الولد أيامَ حَضانته إلا بالأجرة إن قلنا:الحق له، وإن قلنا الحق عليه، وجب خدمته مجاناً. وإن كان الحاضن فقيراً، فله الأجرةُ على القولين.
وإذا وهبت الحضانة للأب، وقلنا: الحق لها، لزمت الهبة ولم ترجع فيها،وإن قلنا: الحق عليها، فلها العود إلى طلبها.والفرق بين هذه المسألة وبين ما لم يثبت بعد كهبة الشفعة قبل البيع حيث لاتلز م في أحد القولين: أن الهبة في الحضانة قد وُجِدَ سببُها، فصار بمنزلة ما قد وجد، وكذلك إذا وهبت المرأةُ نفقتها لزوجها شهراً ألزمت الهبة، ولم ترجع فيها. هذا كلهُ كلام أصحابِ مالك وتفريعهم، والصحيحُ أن الحضانة حق لها، وعليها إذا احتاج الطفل إليها، ولم يُوجد غيرُها، وإن اتفقت هي، وولي الطفل على نقلها إليه جاز، والمقصودُ أن في قوله صلى الله عليه وسلم((أنت أحق به))، دليلاً على أن الحضانة حقّ لها.
فصل
وقوله ((ما لم تنكحي))، اختلف فيه: هل هو تعليل أو توقيت، على قولين ينبغي عليهما: ما لو تزوَّجت وسقطت حضانتها، ثم طُلِّقت، فهل تعودُ الحضانة؟ فإن قيل: اللفظُ تعليل، عادت الحضانة بالطلاق، لأن الحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها، وعلة سقوط الحضانة التزويج، فإن طلقت، زالت العلة، فزال حكمها، وهذا قولُ الأكثرين، منهم: الشافعي، وأحمد، وأبو حنيفة.
ثم اختلفوا فيما إذا كان الطلاق رجعياً، هل يعودُ حقُّها بمجرده، أو يتوقف عودُها على انقضاء العدة؟ على قولين، وهما في مذهب أحمد والشافعي، أحدهما: تعود بمجرده، وهو ظاهر مذهب الشافعي. والثاني: لا تعود حتى تنقضيَ العدةِ، وهو قول أبي جنيفة والمزني، وهذا كله تفريع على أن قوله: ما لم تنكحي " تعليل، وهو قولُ الأكثرين. وقال مالك في المشهور من مذهبه: إذا تزوجت ودخل بها، لم يَعُد حقها من الحضانة، وإن طلقت، قال بعضُ أصحابه: وهذا بناء على أن قوله: "ما لم تنكحي "، للتوقيت أي: حقك من الحضانة مُوقّت إلى حين نكاحك، فإذا نكحت، انقضى وقت الحضانة، فلا تعودُ بعد انقضاء وقتها، كما لو انقضى وقتُها ببلوغ الطفل واستغنائه عنها. وقال بعض أصحابه: يعودُ حقها إذا فارقها زوجُها، كقول الجمهور، وهو قول المغيرة، وابن أبي حازم. قالُوا: لأن المقتضي لحقها من الحضانة هو قرابتُها الخاصة، وإنما عارضها مانع النكاح لما يُوجبه من إضاعة الطفل، واشتغالها بحقوقِ الزوج الأجنبي منه عن مصالحه، ولما فيه من تغذيته وتربيته في نعمة غير أقاربه، وعليهم في ذلك مِنَّةٌ وغَضَاضَة، فإذا انقطع النكاحُ بموتٍ، أو فُرقةٍ، زال المانع، والمقتضي قائم، فترتب عليه أثره، وهكذا كُلُّ من قام به من أهل الحضانة مانع منها، ككفر، أورِق، أو فسق، أو بدو، فإنه لا حضانة له، فإن زالت الموانعُ، عاد حقُّهم من الحضانة، فهكذا النكاح والفرقة.
وأما النزاعُ في عود الحضانة بمجرد الطلاق الرجعي، أو بوقفه على انقضاء العدة، فمأخذُه كون الرجعية زوجة في عامة الأحكام، فإنه يثبت بينهما التوارثُ والنفقة، ويَصِحُّ منها الظهارُ والإيلاء: ويحرم أن يَنكحَ عليها أختها، أو عمتها، أو خالتها، أو أربعاً سواها، وهي زوجة، فمن راعى ذلك، لم تعد إليها الحضانة بمجرد الطلاق الرجعي حتى تنقضي العدة، فتبينُ حينئذ، ومن أعاد الحضانة بمجرد الطلاق، قال: قد عزلها عن فِراشه، ولم يبق لها عليه قَسْمّ، ولا لها به شغل، والعِلة التي سقطت الحضانة لأجلها قد زالت بالطلاق، وهذا هو الذي رجحه الشيخ في "المغني " وهو ظاهر كلام الخرقي، فإنه قال: وإذا أخذ الولد من الأم إذا تزوجت ثم طلقت، رجعت على حقها من كفالته..
فصل
وقوله ((ما لم تنكحي))، اختُلِفَ فيه: هل المراد به مجرد العقد، أو العقد مع الدخول؟ وفي ذلك وجهان. أحدهما: أن بمجرد العقد تزول حضانتها، وهو قول الشافعي، وأبي حنيفة، لأنه بالعقد يَملِكُ الزوج منافع الاستمتاع بها، ويَملِك نفعها من حضانة الولد. والثاني: أنها لا تزول إلا بالدخول، وهو قولُ مالك، فإن بالدخول يتحقق اشتغالها عن الحضانة، والحديث يحتمل الأمرين، والأشبه سقوطُ حضانتها بالعقد، لأنها حينئذ صارت في مظنة الاشتغال عن، الولد والتهيؤ للدخول، وأخذها حينئذ في أسبابه، وهذا قولُ الجمهور.
فصل
واختلف الناسُ في سقوط الحضانة بالنكاح، على أربعة أقوال.
أحدُها: سقوطها به مطلقاً، سواء كان المحضون ذكراً، أو أنثى، وهذا مذهب الشافعي، ومالك، وأبي حنيفة، وأحمد في المشهور عنه. قال ابن المنذر: أجمع على هذا كلُ من أحفظ عنه من أهل العلم، وقضى به شريح..
والقولُ الثاني: أنها لا تسقطُ بالتزويج بحال، ولا فرق في الحضانة بين الأيِّم وذوات البعل، وحُكي هذا المذهبُ عن الحسن البصري، وهو قول أبي محمد ابن حزم.
القول الثالث: أن الطفل إن كان بنتاً لم تسقط الحضانة بنكاح أمها، وإن كان ذكراً سقطت، وهذه إحدى الروايتين عن أحمد رحمه اللّه نص عليه في رواية مهنا بن يحي الشامي، فقال: إذا تزوجت الأمُّ وابنُها صغير، أُخذَ منها. قيل له: والجارية مثل الصبي؟ قال: لا، الجاريةُ تكون مع أمها إلى سبع سنين. وعلى هذه الرواية: فهل تكون عندها إلى سبع سنين أو إلى أن تبلغ؟ على روايتين. قال ابنُ أبي موسى: وعن أحمد، أن الأم أحقُّ بحضانة البنت وإن تزوجت إلى أن تبلغ.والقول الرابع: أنها إذا تزوجت بنسيب من الطفل لم تسقط حضانتها، ثم اختلف أصحاب هذا القول، على ثلاثة أقوال. أحدها: أن المشترط أن يكون الزوج نسيباً للطفل فقط، وهذا ظاهرُ قولِ أصحاب أحمد. الثاني: أنه يشترط أن يكون مع ذلك ذا رحم محرم، وهو قولُ أصحاب أبي حنيفة. الثالث: أنه يشترط أن يكون بين الزوج وبين الطفل إيلاد، بأن يكون جداً للطفل، وهذا قولُ مالك، وبعض أصحاب أحمد، فهدا تحرير المذاهب في هذه المسألة.
فأما حُجةُ مَنْ أسقط الحضانة بالتزويج مطلقاً، فثلاث حجج:إحداها، حديث عمرو بن شعيب المتقدم ذكره. الثانية: اتفاق الصحابة على ذلك، وقدُ تقدَّم قول الصدِّيق لعمر: هي أحق به ما لم تتزوج، وموافقة عمر له على ذلك، ولا مخالف لهما من الصحابة ألبتة، وقضى به شريح، والقضاة بعده إلى اليوم في سائر الأعصار والأمصار.
الثالثة: ما رواه عبد الرزاق: حدثنا ابن جريج، حدثنا أبو الزبير، عن رجل صالح من أهل المدينة، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: كانت امرأةٌ من الأنصار تحتَ رجل من الأنصار، فقُتِلَ عنها يومَ أحد وله منها ولد، فخطبها عمُّ ولدها وَرَجُلٌ آخر إلى أبيها، فأنكح الآخرَ، فجاءت إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: أنكحني أبي رجلاً لا أريدُه، وترك عمَّ ولدي، فيؤخذ مني ولدي، فدعا رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم أباها، فقال: أنكحت فلاناً فلانة؟ قال: نعم، قال ((أَنتَ الذي لا نِكَاحَ لَكَ، اذْهَبِي فَانْكِحِي عمَّ وَلَدِكِ))، فلم ينكر أخذَ الولد منها لما تزوجت، بل أنكحها عم الولد لتبقى لها الحضانة، ففيه دليل على سقوط الحضانة بالنكاح، وبقائها إذا تزوجت بنسيب من الطفل.
واعترض أبو محمد بن حزم على هذا الاستدلال، بأن حديث عمرو بن شعيب صحيفة، وحديث أبي سلمة هذا مرسل، وفيه مجهول. وهذان الاعتراضان ضعيفان، فقد بينا احتجاجَ الأئمة بعمرو في تصحيحهم حديثه، وإذا تعارض معنا في الاحتجاج برجل قولُ ابن حزم، وقولُ البخاري، و أحمد، وابن المديني، والحميدي وإسحاق بن راهويه وأمثالهم، لم تلتفت إلى سواهم.
وأما حديث أبي سلمة هذا، فإن أبا سلمة مِن كبار التابعين، وقد حكى القِصة عن الأنصارية، ولا يُنكر لقاؤه لها، فلا يتحقق الإِرسال، ولو تحقق، فمرسل جيد، له شواهد مرفوعة وموقوفة، وليس الاعتمادُ عليه وحدَه، وعنى بالمجهول الرجل الصالح الذي شهد له أبو الزبير بالصلاح، ولا رَيبَ أن هذه الشهادة لا تُعرِّفُ به، ولكن المجهول إذا عدَّله الراوي عنه الثقة ثبتت عدالته وإن كان واحداً على أصح القولين، فإن التعديلَ من باب الإِخبار والحكم لا من باب الشهادة،؟لا سيما التعديل في الرواية، فإنهُ يكتفى فيه بالواحد، ولا يزيد على أصل نصاب الرواية، هذا مع أن أحد القولين: إن مجرد رواية العدل عن غيره تعديل له وإن لم يصرح بالتعديل، كما هو إحدى الروايتين عن أحمد، وأما إذا روى عنه وصرحِ بتعديله، فقد خرج عن الجهالة التي ترد لأجلها روايته لا سيَّما إذا لم يكن معروفاَ بالرواية عن الضعفاء والمتهمين، وأبو الزبير وإن كان فيه تدليس، فليس معروفاً بالتدليس عن المتهمين والضعفاء، بل تدليسُه من جنس تدليس السلف، لم يكونوا يُدلِّسون عن متهم ولا مجروح، وإنما كثر هذا النوعُ من التدليس في المتأخرين.
واحتج أبو محمد على قوله، بما رواه من طريق البخاري، عن عبد العزيز بن صُهيب، عن أنس قال: قَدِمَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم المدينة وليس له خادم، فأخذ أبو طلحة بيدي، وانطلق بي إلى رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول اللّه! إن أنساً غلامٌ كيِّسٌ، فَلْيَخْدُمْك. قال: فخدمتُه في السفر والحضر. وذكر الخبر.
قال أبو محمد: فهذا أنس في حضانة أمه، ولها زوج، وهو أبو طلحة بعلم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهذا الاحتجاجُ في غاية السقوط، والخبرُ في غاية الصحة، فإن أحداً من أقارب أنس لم يُنَازعْ أمه فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو طفل صغير لم يَثَّغِز، ولم يأكل وحدَه، ولم يشرب وحدَه، ولم يميز، وأمه مزوجة، فحكم به لأمه، وإنما يَتمُّ الاستدلال بهذه المقدمات كلها، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لما قَدِمَ المدينة كان لأنس من العمر عشرُ سنين، فكان عند أمه، فلما تزوَّجت أبا طلحة لم يأت أحدٌ من أقارب أنس يُنازعها في ولدها ويقول: قد تزوجتِ فلا حضانةَ لكِ، وأنا أطلبُ انتزاعَه مِنْكِ، ولا ريبَ أنه لا يحرم على المرأة المزوجة حضانةُ ابنها إذا اتفقت هي والزوجُ وأقارب الطفل على ذلك، ولا ريبَ أنه لا يجب، بل لا يجوزَ أن يفرّق بين الأم وولدها إذا تزوجت من غير أن يُخاصمها مَنْ له الحضانة، ويَطْلُب انتزاع الولد، فالاحتجاجُ بهذه القصة من أبعدِ الاحتجاج وأبرده.
ونظيرُ هذا أيضاً، احتجاجُهم بأن أمَّ سلمة لما تزوجت برسول الله صلى الله عليه وسلم لم تسقط كفالتها لابنها، بل استمرت على حضانتها، فيا عجبا من الذى نازع أمَّ سلمة في ولدها، ورغب عن أن يكون في حجر النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
واحتج لهذا القول أيضاً بأن رسولَ اللّه ِصلى الله عليه وسلم قض بابنة حمزة لخالتها وهي مزوَّجة بجعفر، فلا ريب أن للناسِ في قصة ابنة حمزة ثلاثَ مآخذ.
أحدها: أن النكاحَ لا يُسقط الحضانة. الثاني: أن المحضونةَ إذا كانت بنتاً، فنكاحُ أمهَا لا يُسقِطُ حضانتها، ويسقِطُها إذا كان ذكراً. الثالث: أن الزوج إذا كان نسيباً من الطفل، لم تسقط حضانتها، وإلا سقطت، فالاحتجاجُ بالقصة على أن النكاحَ لا يُسقط الحضانَة مطلقاً لا يَتِمُّ إلا بعدَ إبطال ذينك الاحتمالين الآخرين.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس