عرض مشاركة واحدة
قديم 12-19-2003, 01:03 PM   #360
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل

والذين جعلوه أمراً وراءَ الإمساك اختلفوا فيه، فقال مالك فى إحدى الروايات الأربع عنه، وأبو عُبيد: هو العزم على الوطء، وهذا قول القاضى أبى يعلى وأصحابه، وأنكره الإمام أحمد، وقال مالك: يقول: إذا أجمع، لزمته الكفارة، فكيف يكون هذا لو طلَّقها بعد ما يُجمع، أكان عليه كفارة إلا أن يكون يذهبُ إلى قول طاووس إذا تكلم بالظهارِ، لزمه مثلُ الطلاق؟
ثم اختلف أربابُ هذا القول فيما لو مات أحدُهما، أو طلَّق بعد العزم، وقبل الوطء، هل تستقر عليه الكفارة؟ فقال مالك وأبو الخطاب: تستقِرُّ الكفارةُ. وقال القاضى وعامةُ أصحابه: لا تستقِرُّ، وعن مالك رواية ثانية: أنه العزم على الإمساك وحدَه، وروايةُ ((الموطأ)) خلاف هذا كله: أنه العزمُ على الإمساك والوطء معاً. وعنه رواية رابعة: أنه الوطء نفسه، وهذا قولُ أبى حنيفة وأحمد. وقد قال أحمد فى قوله تعالى:{ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3]، قال: الغشيانُ إذا أراد أن يغشى، كَفَّرَ، وليس هذا باختلاف رواية، بل مذهبُه الذى لا يُعرف عنه غيره أنه الوطء ويلزمه إخراجها قبله عند العزم عليه.
واحتج أرباب هذا القول بأن الله سبحانه قال فى الكفارة: {مِنْ قَبْلِ أن يتماساً} [المجادلة: 3] فأوجب الكفارة بعد العودِ، وقبل التماس، وهذا صريح فى أن العود غير التماس، وأن ما يحرم قبل الكفارة، لا يجوز كونُه متقدماً عليها. قالوا: ولأنه قصد بالظهار تحريمها، والعزم على وطئها عود فيما قصده. قالوا: ولأن الظِّهار تحريم، فإذا أراد استباحتها، فقد رجع فى ذلك التحريم، فكان عائداً.
قال الذين جعلوه الوطء: لا ريب أن العود فعلُ ضدِّ قولِه كما تقدم تقريره، والعائد فيما نهى عنه وإليه وله: هو فاعلُه لا مريدُه، كما قال تعالى: {ثُمَّ يَعُودونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [المجادلة: 8]، فهذا فعل المنهى عنه نفسه لإرادته، ولا يلزم أربابَ هذا القول ما ألزمهم به أصحابُ العزم، فإن قولهم: إن العودَ يتقدم التكفير، والوطءُ متأخر عنه، فهم يقولون: إن قوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] أى: يريدون العود كما قال تعالى: {فَإذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فاسْتَعِذْ باللهِ} [النحل: 98]، وكقوله تعالى: {إذَا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وجُوهَكُم} [المائدة: 6] ونظائره مما يطلق الفعل فيه على إرادته لوقوعه بها. قالوا: وهذا أولى مِن تفسير العود بنفس اللفظ الأول، وبالإمساك نَفَساً واحداً بعد الظهار، وبتكرار لفظ الظهار، وبالعزم المجرَّدِ لو طلَّقَ بعده، فإن هذِهِ الأقوال كُلَّها قد تبين ضعفها، فأقرب الأقوال إلى دلالة اللفظ وقواعد الشريعة وأقوال المفسرين، هو هذا، وباللَّه التوفيق.
فصل
ومنها: أن من عجز عن الكفارة، لم تسقُط عنه، فإن النبىَّ صلى الله عليه وسلم أعان أوسَ ابن الصامت بِعَرَقٍ من تمر، وأعانته امرأته بمثله، حتى كفَّر، وأمر سلمةَ بن صخر أن يأخذ صدقةَ قومه، فيكفِّر بها عن نفسه، ولو سقطت بالعجز، لما أمرهما بإخراجها، بل تبقى فى ذمته ديناً عليه، وهذا قول الشافعى، وأحد الروايتين عن أحمد.
وذهبت طائفة إلى سقوطِها بالعجز، كما تسقط الواجبات بعجزه عنها، وعن إبدالها.
وذهبت طائفة أن كفارةَ رمضان لا تبقى فى ذمته، بل تسقُط، وغيرُها من الكفارات لا تسقط، وهذا الذى صححه أبو البركات ابن تيمية.
واحتجَّ من أسقطها بأنها لو وجبت مع العجز، لما صُرِفَتْ إليه، فإن الرجل لا يكونُ مَصْرِفاً لكفارته، كما لا يكون مَصْرِفا لزكاته، وأربابُ القول الأول يقولون: إذا عجز عنها، وكفر الغيرُ عنه، جاز أن يَصْرِفَهَا إليه، كما صرف النبى صلى الله عليه وسلم كفارةَ من جامع فى رمضان إليه وإلى أهله، وكما أباح لسلمة بن صخر أن يأكُل هو وأهلُه من كفارته التى أخرجها عنه من صدقة قومه، وهذا مذهبُ أحمد، رواية واحدة عنه فى كفارة من وطىء أهله فى رمضان، وعنه فى سائر الكفارات، وكفَّرَ عن غيرُه، جاز صرف كفارته إليه، وإلى أهله.
فإن قيل: فهل يجوز له إذا كان فقيراً له عيال وعليه زكاة يحتاج إليها أن يصرفها إلى نفسه وعياله؟ قيل: لا يجوز ذلك لعدم الإخراج المستحق عليه، ولكن للإمام أو الساعى أن يدفع زكاتَه إليه بعد قبضها منه فى أصحِّ الروايتين عن أحمد، فإن قيل: فهل له أن يسقطها عنه؟ قيل: لا، نص عليه، والفرق بينهما واضح، فإن قيل: فإذا أذن السيد لعبده فى التكفير بالعتق، فهل له أن يعتق نفسه؟ قيل: اختلفت الرواية فيما إذا أذن له فى التكفير بالمال، هل له أن ينتقلَ عن الصيامِ إليه؟ على روايتين إحداهما: أنه ليس له ذلك، وفرضُه الصيام، والثانية: له الانتقال إليه، ولا يلزمُه لأنَّ المنع لِحقِّ السيد، وقد أذن فيه. فإذا قلنا: له ذلك، فهل العتقُ؟ اختلف الروايةُ فيه عن أحمد، فعنه فى ذلك روايتان، ووجهُ المنع: أنه ليس من أهل الولاء، والعتق يَعْتَمِدُ الولاء، واختار أبو بكر وغيرُه أن له الإعتاق، فعلى هذا، هل له عِتقُ نفسه؟ فيه قولان فى المذهب، ووجهُ الجواز إطلاقُ الإذن ووجهُ المنع أن الإذن فى الإعتاق ينصرفُ إلى إعتاق غيره، كما لو أذن له فى الصدقة انصرف الإذن إلى الصدقة على غيره.
فصل
ومنها: أنه لا يجوز وطء المظاهر منها قبل التكفير، وقد اختلف ها هنا فى موضعين. أحدهما: هل له مُبَاشَرتها دُونَ الفرج قبل التكفير، أم لا؟ والثانى: أنه إذا كانت كفارتُه الإطعام، فهل له الوطء قبلَه أم لا؟ فى المسألتين قولان للفقهاء، وهما روايتانِ عن أحمد، وقولان للشافعى.
ووجه منع الاستمتاع بغير الوطء، ظاهرُ قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَماسَّا} [المجادلة: 3]، ولأنه شبَّهها بمن يحرم وطؤها ودواعيه، ووجهُ الجواز أن التَّماسَّ كنايةٌ عن الجماع، ولا يلزم مِن تحريم الجماع تحريمُ دواعيه، فإن الحائضَ يحرم جماعُها دون دواعيه، والصائمُ يحرم منه الوطُء دون دواعيه، والمسبية يحرم وطُؤها دونَ دواعيه، وهذا قولُ أبى حنيفة.
وأما المسألةُ الثانية وهى وطؤها قبل التكفير: إذا كان بالإطعام، فوجه الجواز أن الله سبحانه قيَّد التكفيرَ بكونه قبل المسيس فى العتق والصيام، وأطلقه فى الإطعام، ولكل منهما حِكمة، فلو أراد التقييدَ فى الإطعام، لذكره، كما ذكره فى العتق والصيام، وهو سبحانه لم يقيد هذا ويطلق هذا عبثاً، بل لِفائدة مقصودة، ولا فائدة إلا تقييد ما قيَّده، وإطلاقُ ما أطلقه. ووجهُ المنع استفادةُ حكم ما أطلقه مماقيده، إما بياناً على الصحيح، وإما قياساً قد ألغى فيه الفارق بين الصورتين، وهو سبحانه لا يُفرِّقُ بين المتماثلين، وقد ذكر: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] مرتين، لو أعاده ثالثاً، لطال به الكلام، ونبَّه بذكره مرتين على تكرر حكمه فى الكفارات، ولو ذكره فى آخر الكلام مرةً واحدةً، لأوهم اختصاصه بالكفارة الأخيرة، ولو ذكره فى أول مرة لأوهم اختصاصه بالأولى، وإعادته فى كُلِّ كفارة تطويل، وكان أفصحَ الكلام وابلَغه وأوجزَه ما وقع.
وأيضاً فإنه نبه بالتكفير قبل المسيس بالصوم مع تطاول زمنه، وشدة الحاجة إلى مسيس الزوجة على أن اشتراط تقدمه فى الإطعام الذى لا يطول زمنه أولى.
فصل
ومنها: أنه سبحانه أمر بالصيام قبل المسيسِ، وذلِكَ يَعُمُّ المسيسَ ليلاً ونهاراً، ولا خلاف بين الأئمة فى تحريم وطئها فى زمنِ الصوم ليلاً ونهاراً، وإنما اختلفُوا، هل يبطل التتابُع به؟ فيه قولان. أحدهما: يبطل وهو قولُ مالك، وأبى حنيفة، وأحمد فى ظاهر مذهبه، والثانى: لا يبطل، وهو قولُ الشافعى، وأحمد فى رواية أخرى عنه.
والذين أبطلوا التتابعَ معهم ظاهرُ القرآن، فإنه سبحانه أمر بشهرين متتابعين قبل المسيسِ، ولم يوجد، ولأن ذلك يتضمَّن النهى عن المسيس قبل إكمال الصيام وتحريمه، وهو يُوجب عدم الاعتدادِ بالصوم، لأنه عمل ليس عليه أمرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون رداً.
وسر المسألة أنه سبحانه أوجب أمرين، أحدهما: تتابع الشهرين والثانى: وقوعُ صيامهما قبل التماس، فلا يكون قد أتى بما أمر به إلا بمجموع الأمرين.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس