عرض مشاركة واحدة
قديم 12-19-2003, 01:01 PM   #14
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل
وقال الجمهور: لا تجبُ الكفارةُ إلا بالعود بعد الظهار، ثم اختلفوا فى معنى العود: هل هو إعادة لفظ الظهارِ بعينه، أو أمر وراءه؟ على قولين، فقال أهلُ الظاهر كُلُّهم: هو إعادة لفظِ الظهارِ، ولم يحكُوا هذا عن أحد من السلف البتة، وهو قولٌ لم يُسبقوا إليه، وإن كانت هذه الشَّكاةُ لا يكاد مذهب من المذاهب يخلو عنها. قالوا: فلم يوجب اللَّهُ سبحانَه الكفارة إلا بالظهار المعاد لا المبتدأ. قالوا: والاستدلال بالآية من ثلاثة وجوه.
أحدهما: أن العرب لا يُعقل فى لغاتها العودُ إلى الشىء إلا فعل مثله مرةً ثانية، قالوا: وهذا كتابُ الله، وكلامُ رسوله، وكلامُ العرب بيننا وبينكم. قال تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهوا عَنْهُ} [الأنعام: 28]، فهذا نظيرُ الآية سواء فى أنه عدَّى فعل العود باللام، وهو إتيانُهم مرة ثانية بمثل ما أتوا به أولاً، وقال تعالى: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا} [الإسراء: 8] أى: إن كررتم الذنب، كررنا العقوبة، ومنه قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ نُهُوا عَن النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [المجادلة: 8] وهذا فى سورة الظهار نفسها، وهو يُبين المرادَ مِن العود فيه، فإنه نظيرُه فعلاً وإرادة، والعهد قريب بذكره.
قالوا: وأيضاً، فالذى قالوه: هو لفظُ الظهار، فالعود إلى القول هو الإتيانُ به مرة ثانية لا تعقِلُ العرب غيرَ هذا. قالوا: وأيضاً فما عدا تكرار اللفظ إما إمساكٌ، وإما عزم، وإما فعل، وليس واضحٌ منها بقول، فلا يكون الإتيان به عوداً، لا لفظاً ولا معنى، ولأن العزم والوطء َ والإمساكَ ليس ظهاراً، فيكون الإتيان بها عوداً إلى الظهار.
قالوا: ولو أريد بالعودِ الرجوعُ فى الشىء الذى منع منه نفسه كما يُقال، عاد فى الهبة، لقال: ثم يعودون فيما قالوا، كما فى الحديث: ((العَائِدُ فى هِبتهِ، كَالعَائِدِ فى قَيْئهِ))، واحتج أبو محمد ابن حزم، بحديث عائشة رضى الله عنها. أن أوس بن الصامت كان به لمم، فكان إذا اشتدَّ بِه لَمَمُه، ظاهَرَ من زوجته، فأنزل اللَّهُ عز وجَلَّ فيه كفارةَ الظهار. فقال: هذا يقتضى التكرارَ ولا بُدَّ، قال: ولا يصِحُّ فى الظهارِ إلا هذا الخبرُ وحدَه. قال: وأما تشنيعُكم علينا بأن هذا القولَ لم يَقُلْ به أحد من الصحابة، فأرونا مِن الصحابه من قال: إن العود هو الوطء، أو العزم، أو الإمساك، أو هو العود إلى الظهار فى الجاهلية ولو عن رجل واحدٍ من الصحابة، فلا تكونون أسعدَ بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منا أبداً.
فصل
ونازعهم الجمهورُ فى ذلك، وقالوا: ليسَ معنى العود إعادة اللفظ الأول، لأن ذلك لو كان هو العود، لقال: ثُمَّ يعيدون ما قالوا، لأنه يُقال: أعاد كلامَه بعينه، وأما عاد، فإنما هو فى الأفعال، كما يقال: عاد فى فعله، وفى هبته،فهذا استعماله بـ((فى)). ويقال: عاد إلى عمله وإلى ولايته، وإلى حاله، وإلى إحسانه وإساءتهِ، ونحو ذلك، وعاد له أيضاً.
وأما القول: فإما يقال: أعاده كما قال ضِماد بن ثعلبة للنبى صلى الله عليه وسلم: ((أَعِدْ عَلَىَّ كَلِمَاتِكَ)) وكما قال أبو سعيد: ((أَعِدْهَا عَلَىَّ يا رسول الله))، وهذا ليس بلازم، فإنه يقال: أعاد مقالته، وعاد لِمقالته، وعاد لِمقالته، وفى الحديث: ((فعاد لمقالته))، بمعنى أعادها سواء، وأفسدُ مِن هذا ردُّ مَنْ رَدَّ عليهم بأن إعادةَ القول محال، كإعادة أمس. قال: لأنه لا يتهيأ اجتماعُ زمانين، وهذا فى غاية الفساد، فإن إعادةَ القولِ من جنس إعادة الفعل، وهى الإتيان بمثل الأول لا بعينه، والعجبُ مِن متعصِّب يقول: لا يُعْتَدُّ بخلاف الظاهرية، ويبحثُ معهم بمثل هذه البحوث، ويردُّ عليهم بمثل هذا الردُّ، وكذلك ردُّ من ردَّ عليهم بمثل العائدِ في هبته، فإنه ليس نظيرَ الآية، وإنما نظيرُها: {أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ نُهُوا عَن النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [المجادلة: 8]، ومع هذا فهذِهِ الآية تُبين المرادَ مِن آية الظهار، فإن عودَهم لِمَا نُهُوا عنه، هو رجوعُهم إلى نفس المنهى عنه، وهو النجوى، وليس المرادُ به إعادةَ تلك النجوي بعينها، بل رجوعُهم إلى المنهى عنه، وكذلك قولُه تعالى فى الظهار: {يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] أى: لقولهم. فهو مصدر بمعنى المفعول، وهو تحريمُ الزوجة بتشبيهها بالمحرَّمة، فالعودُ إلى المحرم هو العودُ إليه، وهو فعلُه، فهذا مأخذُ من قال: إنه الوطء.
ونكتة المسألة: أن القولَ فى معنى المقول، والمقول هو التحريم، والعود له هو العودُ إليه، وهو استباحته عائداً إليه بعد تحريمه، وهذا جار على قواعد اللغة العربية واستعمالها، وهذا الذى عليه جمهورُ السلف والخلف، كما قال قتادة، وطاووس، والحسن، والزهرىُّ، ومالك، وغيرُهم، ولا يُعرف عن أحد مِن السلف أنه فسر الآية بإعادة اللفظ البتة لا من الصحابة، ولا مِن التابعين، ولا مَنْ بعدهم، وها هنا أمرٌ خفىَ على مَنْ جعله إعادةَ اللفظ، وهو أن العودَ إلى الفعل يستلزِمُ مفارقة الحال التى هو عليها الآن، وعودَه إلى الحال التى كان عليها أولاً،كما قال تعالى{وإنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} [الإسراء: 8] ألا ترى أن عودهم مفارقة ما هم عليه من الإحسان، وعودُهم إلى الإساءة، وكقول الشاعر:
وإنْ عَادَ لِلإِحْسَانِ فَالعَوْدُ أَحْمَدُ.
والحَالُ التى هو عليها الآن التحريمُ بالظهار، والتى كان عليها إباحةُ الوطء بالنكاح الموجِبِ للحل، فَعَوْدُ المظاهر عودٌ حِلِّ كان عليهِ قبلَ الظهار، وذلك هو الموجبُ للكفارة فتأمله، فالعودُ يقتضى أمراً يعودُ إليه بعدَ مفارقته، وظهر سِرُّ الفرق بينَ العود فى الهبة، وبينَ العود لما قال المظاهرُ، فإنَّ الهبة بمعنى الموهوب وهو عين يتضمَّن عودُه فيه إدخالَه فى مُلكه وتصرُّفَه فيه، كما كان أولاً، بخلاف المظاهر، فإنه بالتحريم قد خرج عن الزوجية، وبالعودِ قد طلب الرجوعَ إلى الحالِ التى كان عليها معها قبلَ التحريم، فكان الأَلْيق أن يقال: عاد لكذا، يعنى: عاد إليه. وفى الهبة: عاد إليها، وقد أمر النبىُّ صلى الله عليه وسلم أوسَ بن الصامِت، وسلمةَ ابن صخر بكفارة الظِّهار، ولم يتلفظا به مرتين، فإنَّهما لم يُخبرا بذلك عن أنفسهما، ولا أخبر به أزواجُهما عنهما، ولا أحدٌ من الصحابة، ولا سألهما النبىُّ صلى الله عليه وسلم: هَلْ قلُتما ذلك مرة أو مرتين؟ ومثلُ هذا لو كان شرطاً لما أهمل بيانه.
وسرُّ المسألة أن العودَ يتضمن أمرين: أمراً يعود إليه، وأمراً يعود عنه، ولا بُدَّ منهما فالذى يعود عنه يتضمَّن نقضَه وإبطاله، والذى يعودُ إليه يتضمَّن إيثاره وإرادته، فعودُ المظاهر يقتضى نقضَ الظِهار وإبطاله، وإيثار ضدِّه وإرادته، وهذا عينُ فهم السلفِ من الآية، فبعضُهم يقول: إن العود هو الإصابة، وبعضُهم يقول: الوطء، وبعضُهم يقول: اللمس، وبعضُهم يقول: العزم.
وأما قولُكم: إنه إنما أوجب الكفارة فى الظهار، إن أردتم به المعاد لفظُه، فدعوى بحسب ما فهمتموه، وإن أردتم به الظهارَ المعادَ فيه لما قال المظاهِرُ، لم يَسْتَلزمْ ذلك إعادة اللفظ الأول. وأما حديث عائشة رضى الله عنها فى ظِهار أوس بن الصامت، فما أصحَّه، وما أبعدَ دلالته على مذهبكم.
فصل
ثمَّ الذين جعلوا العودَ أمراً غيرَ إعادة اللفظ اختلفُوا فيه: هل هو مجردُ إمساكِها بعد الظهار، أو أمرٌ غيره؟ على قولين. فقالت طائفة: هو إمساكُها زمناً يتَّسعُ لقوله: أنت طالق، فمتى لم يَصِل الطلاق بالظهار عن كونه موجبَ الكفارة، ففى الحقيقة لم يُوجب الكفارة إلا لفظُ الظَّهار، وزمنُ قوله: أنت طالق لا تأثيرَ له فى الحكم إيجاباً ولا نفياً، فتعليقُ الإيجابِ به ممتنع، ولا تُسمى تلك اللحظةُ والنَّفسُ الواحد مِن الأنفاس عوداً لا فى لغة العرب ولا فى عُرف الشارع، وأىُّ شىء فى هذا الجزء اليسير جداً مِن الزمان من معنى العود أو حقيقته؟
قالوا: وهذا ليس بأقوى مِن قول من قال: هو إعادةُ اللفظ بعينه، فإن ذلك قولٌ معقول يفهم منه العودُ وحقيقةً، وأما هذا الجزءُ مِن الزمان، فلا يفهمُ من الإنسان فيه العود البتة. قالوا: ونحنُ نُطالبكم بما طالبتُم به الظاهرية: من قال هذا القولَ قبل الشافعى؟ قالوا: واللَّهُ سبحانه أوجبَ الكفارةَ بالعودِ بحرف ((ثم)) الدالة على التراخى عن الظهار، فلا بد أن يكونَ بينَ العود وبين الظهار مدةٌ متراخية، وهذا ممتنع عندكم، وبمجردِ انقضاء قوله: أنت علىَّ كظهر أمى صار عائداً ما لم يصله بقوله: أنتِ طالق، فأين التراخى والمهلة بين العود والظهار؟ والشافعى لم ينقل هذا عن أحد من الصحابة والتابعين، وإنما أخبر أنه أولى المعانى بالآية، فقال: الذى عَقَلْتُ ممَّا سَمِعْتُ فى ((يعودون لما قالوا))، أنه إذا أتت على المظاهِرِ مدةٌ بعد القول بالظهار، لم يُحرِّمْهَا بالطلاق الذى يحرم به، وجبت عليه الكفارةُ، كأنهم يذهبون إلى أنه إذا أمسكَ ما حرَّم على نفسه أنه حلال، فقد عاد لما قال، فخالفه، فأحلَّ ما حرم، ولا أعلمُ له معنى أولى به من هذا. انتهى.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس