12-19-2003, 12:34 PM
|
#340
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 481
|
تاريخ التسجيل : Sep 2003
|
أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
|
المشاركات :
1,039 [
+
] |
التقييم : 1
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
وقال ابن مسعود رضي الله عنه أيضاً: من أتى الأمرَ على وجهه فقد بَيَّنَ الله له وإلا فواللَّهِ ما لنا طاقةٌ بكل ما تُحْدِثُون.
وقال بعض الصحابةِ قد سئل عن الطلاق الثلاث مجموعة: مَنْ طلَّق كما أمر، فقد بُيِّن له، ومن لبَّس، تركناه وتلبيسه.
قالوا: ويكفى من ذلك كله ما رواه أبو داود بالسند الصحيح الثابت: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا ابن جريج، قال: أخبرنى أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأل ابنَ عمر قال أبو الزبير وأنا أسمع: كيف ترى في رجل طلَّق امرأته حائضاً؟ فقال: طلَّق ابنُ عمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عُمَرُ عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهى حائض، قال عبد الله: فردَّها علي ولم يَرَهَا شيئاً، وقال: إذا طهرت فليُطَلِّقْ أو لِيُمسِكْ، قال ابن عُمر: وقرأ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {يأَيُّهَا النَّبىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق: 1] فى قبلِ عِدَّتِهِنَّ. قالوا: وهذا إسناد فى غاية الصحة، فإن أبا الزبير غيرُ مدفوع عن الحفظ والثقة، وإنما يُخشى مِن تدليسه، فإذا قال: سمعتُ، أو حدثنى، زال محذورُ التدليس، وزالت العلةُ المتوهَّمة، وأكثرُ أهلِ الحديث يحتجُّون به إذا قال: ((عن)) ولم يُصِّرحْ بالسماع، ومسلم يُصحِّح ذلك من حديثه، فأما إذا صرَّحَ بالسماع، فقد زال الإشكالُ، وصحَّ الحديثُ وقامت الحجة.
قالوا: ولا نعلم فى خبر أبى الزبير هذا ما يُوجب ردَّه، وإنما رَدَّه مَنْ ردَّه استبعاداً واعتقاداً أنه خلافُ الأحاديث الصحيحة، ونحن نحكى كلام من رده، ونبين أنه ليس فيه ما يُوجب الرَّد.
قال أبو داود: والأحاديثُ كُلُّها على خلاف ما قال أبو الزبير.
وقال الشافعىُّ: ونافعٌ أثبتُ عن ابن عمر مِن أبى الزبير، والأثبتُ مِن الحديثين أولى أن يُقال به إذا خالفه.
وقال الخطابىُّ: حديثُ يونس بن جبير أثبتُ مِن هذا، يعنى قوله (مرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا))، وقوله: ((أرأيتَ إن عجز واستحمق))؟ قال: فمه.
قال ابنُ عبدِ البر: وهذا لم ينقله عنه أحدُ غير أبى الزبير، وقد رواه عنه جماعةٌ أَجِلَّةٌ، فلم يقل ذلك أحدٌ منهم، وأبو الزبير ليس بحجة فيما خالفه فيه مثلُه، فكيف بخلاف مَن هو أثبتٌ منه.
وقال بعضُ أهلِ الحديث: لم يروِ أبو الزبير حديثاً أنكرَ من هذا.
فهذا جملة ما رُد به خبرُ أبى الزبير، وهو عند التأمل لا يوجب رده ولا بطلانه.
أما قولُ أبى داود: الأحاديثُ كلها على خلافه، فليس بأيديكم سوى تقليدِ أبى داود، وأنتم لا ترضَوْنَ ذلك، وتزعمون أن الحجةَ مِن جانبكم، فدعوا التقليدَ، وأخبرونا أين فى الأحاديث الصحيحة ما يُخالف حديثَ أبى الزُّبير؟ فهل فيها حديثٌ واحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتسب عليه تلك الطلقة، وأمره أن يعتدَّ بها، فإن كان ذلك، فنعم واللَّهِ هذا خلاف صريح لحديثِ أبى الزبير، ولا تَجِدُون إلى ذلك سبيلاً، وغايةُ ما بأيديكم ((مُرْهُ فليراجعها))، والرجعة تستلزِمُ وقوع الطلاق. وقول ابن عمر. وقد سئل: أتعتد بتلك التطليقة؟ فقال: ((أرأيت إن عجز واستحمق)) وقول نافع أو مَنْ دونه: ((فحسبت من طلاقها)) وليس وراءَ ذلك حرفٌ واحد يدُلُّ على وقوعها، والاعتداد بها، ولا ريبَ فى صحة هذه الألفاظ، ولا مطعن فيها، وإنما الشأنُ كُلُّ فى معارضتها، لقوله: ((فردَّها علىَّ ولم يرها شيئاً))، وتقديمها عليه، ومعارضتها لتلك الأدلة المتقدمة التى سقناها، وعند الموازنة يظهرُ التفاوتُ، وعدمُ المقاومة، ونحن نذكرُ ما فى كلِمةٍ كلمةٍ منها.
أما قوله: ((مره فليراجعها))، فالمراجعة قد وقعت فى كلام الله ورسولهِ على ثلاث معان.
أحدُها: ابتداءُ النكاح، كقوله تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 230]، ولا خلافَ بينَ أحدٍ من أهلِ العلم بالقرآن أن المطلِّق هاهنا: هو الزوج الثانى، وأن التراجُعَ بينها وبين الزوج الأول، وذلك نكاح مبتدأ.
وثانيهما: الرد الحسى إلى الحالة التى كان عليها أولاً، كقوله لأبى النعمان بن بشير لما نَحَلَ ابنه غلاماً خصَّه به دون ولده: ((رُدَّه))، فهذا رد ما لم تصح فيه الهبةُ الجائزة التى سماها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جوراً، وأخبر أنها لا تصلُح، وأنها خلاف العدل، كما سيأتى تقريرُه إن شاء الله تعالى.
ومِن هذا قوله لمن فرَّق بين جارية وولدها فى البيع، فنهاه عن ذلك، ورد البيع وليس هذا الرد مستلزماً لصحة البيع، فإنه بيعٌ باطل، بل هو رد شيئين إلى حالة اجتماعهما كما كانا، وهكذا الأمر بمراجعة ابن عمر امرأته ارتجاع ورد إلى حالة الاجتماع كما كانا قبل الطلاق، وليس فى ذلك ما يقتضى وقوع الطلاق فى الحيض البتة.
وأما قوله: ((أرأيتَ إن عجز واستحمق))، فيا سبحانَ الله أين البيان فى هذا اللفظ بأن تلك الطلقة حَسبَها عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، والأحكام لا تُؤخذ بمثل هذا ولو كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد حسبها عليه، واعتدَّ عليه بها لم يَعْدِلْ عن الجواب بفعله وشرعه إلى: أرأيتَ، وكان ابنُ عمر أكره ما إليه ((أرأيت))، فكيف يَعْدِلُ للسائل عن صريح السنة إلى لفظة ((أرأيت)) الدالة على نوع من الرأى سببُه عجز وحمقُه عن إيقاع الطلاق على الوجه الذى أذن الله له فيه، والأظهر فيما هذه صفتُه أنه لا يُعتدى به، وأنه ساقط من فعل فاعله، لأنه ليس فى دين الله تعالى حكم نافذ سببُه العجزُ والحمقُ عن امتثال الأمر، إلا أن يكون فعلاً لا يمكن ردُّه بخلاف العقود المحرَّمة التى مَنْ عقدها على الوجه المحرَّم، فقد عجز واستحمق، وحينئذ، فيُقال هذا أدلُّ على الردِّ منه على الصحة واللزوم، فإنه عقدُ عاجز أحمق على خلافِ أمر الله ورسوله، فيكون مردوداً باطلاً، فهذا الرأىُ والقياس أدلُّ على بطلان طلاق مَن عجز واستحمق منه على صحته واعتباره.
وأما قولُه: فحُسِبَتْ مِن طلاقها. ففعل مبنى لما لم يسم فاعله، فإذا سُمِّىَ فاعله، ظهر، وتبين، هل فى حُسبانه حجة أو لا؟ وليس فى حُسبان الفاعلِ المجهولِ دليلٌ ألبتة. وسواء كان القائلُ: ((فحسبت)) ابن عمر أو نافعاً أو من دونه، وليس فيه بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذى حسبها حتى تلتزمَ الحجةُ به، وتحرم مخالفته، فقد تبين أن سائرَ الأحاديث لا تُخَالِفُ حديث أبى الزبير، وأنه صريح فى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرها شيئاً، وسائر الأحاديث مجملة لا بيان فيها.
قال الموقعون: لقد ارتقيتُم أيها المانعون مرتقىً صعباً، وأبطلتُم أكثرَ طلاق المُطَلِّقين، فإن غالِبه طلاق بدعى، وجاهرتُم بخلاف الأئمة، ولم تتحاشَوْا خِلافَ الجمهور، وشذذتُم بهذا القولِ الذى أفتى جمهورُ الصحابة ومَنْ بعدهم بخلافه، والقرآنُ والسنن تدل على بطلانه. قال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَها فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة:230]، وهذا يعم كُلَّ طلاق، وكذلك قوله: {والمُطَلَّقَاتُ يَتَربَّصْنَ بأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، ولم يفرِّق، وكذلك قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة:229] ، وقوله: {ولِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ} [البقرة:241]، وهذه مطلّقة وهى عمومات لا يجوز تَخصيصُها إلا بنص أو إجماع.
قالوا: وحديثُ ابنِ عمر دليل على وقوع الطلاق المحرَّم من وجوه.
أحدها: الأمرُ بالمراجعة، وهى لَمُّ شعثِ النكاح، وإنما شعثه وقوعُ الطلاق.
الثانى: قولُ ابن عمر، فراجعتُها، وحسبت لها التطليقة التي طلَّقها، وكيف يُظن بابن عمر أنه يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحسبها مِن طلاقها ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم لم يرها شيئاً.
الثالث: قولُ ابنِ عمر لما قيل له: أيحتسب بتلك التطليقة؟ قال: أرأيتَ إن عجز واستحمق، أى: عجزُه وحمقُه لا يكون عذراً له فى عدم احتسابه بها.
الرابع: أن ابن عمر قال: وما يمنعُنى أن أعتدَّ بها، وهذا إنكارٌ منه لعدم الاعتداد بها، وهذا يُبْطِلُ تلك اللفظة التى رواها عنه أبو الزبير، إذ كيف يقولُ ابن عمر: وما يمنعُنى أن أعتد بها؟ وهو يرى رسولَ الله قد ردَّها عليه، ولم يرها شيئاً.
الخامس: أن مذهبَ ابن عمر الاعتداد بالطلاقِ فى الحيض، وهو صاحبُ القصة وأعلمُ الناس بها، وأشدُّهم اتباعاً للسنن، وتحرُّجاً من مخالفتها. قالوا: وقد روى ابن وهب فى ((جامعه))، حدثنا ابن أبى ذئب، أن نافعاً أخبرهم عن ابن عمر، أنه طلق امرأته وهى حائض، فسأل عُمَرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: ((مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْها حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إنْ شاءَ أمْسَكَ بَعْدَ ذَلِكَ وإنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ العِدَّةَ التى أمَرَ اللَّهُ أنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ)) وهى واحدة هذا لفظ حديثه.
قالوا: وروى عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: أرسلنا إلى نافع وهو يترجَّلُ فى دار الندوة ذاهباً إلى المدينة، ونحنُ مع عطاء: هل حسبت تطليقة عبد الله بن عمر امرأته حائضاً علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.
قالوا: وروى حمادُ بن زيد، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس رضى الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ طَلَّقَ فى بدْعَةٍ أَلْزْمَنْاهُ بِدْعَتَهُ))، رواه عبد الباقى بن قانع، عن زكريا الساجى حدثنا إسماعيل بن أمية الذارع حدثنا حماد فذكره.
قالوا: وقد تقدَّم مذهبُ عثمان بن عفان، وزيد بن ثابت فى فتواهما بالوقوع.
قالوا: وتحريمُه لا يمنع ترتب أثره، وحكمه عليه كالظِّهار، فإنه منكر من القول وزور، وهو محرّم بلا شك، وترتب أثره عليه وهو تحريمُ الزوجة إلى أن يكفِّرَ، فهكذا الطلاقُ البدعى محرّم، ويترتب عليه أثره إلى أن يُراجع، ولا فرق بينهما.
قالوا: وهذا ابنُ عمر يقولُ للمطلق ثلاثاً: حَرُمَتْ عليكَ حتي تنكِحَ زوجاً غيرَك وعصيتَ ربك فيما أمرك به من طلاق امرأتك. فأوقع عليه الطلاق الذى عصى به المطلق ربه عز وجل.
قالوا: وكذلك القذفُ محرّم، وترتب عليه أثرهُ من الحدِّ، وردِّ الشهادة وغيرهما.
قالوا: والفرقُ بين النكاح المحرم، والطلاق المحرّم، أن النكاحَ عقد يتضمَّن حِلَّ الزوجة ومُلك بُضعها، فلا يكون إلا على الوجهِ المأذون فيه شرعاً، فإن الأبضَاع فى الأصل على التحريم، ولا يُباح منها إلا ما أباحه الشارع، بخلاف الطلاق، فإنه إسقاطٌ لحقه، وإزالةٌ لملكه، وذلك لا يتوقَّفُ على كون السبب المزيل مأذوناً فيه شرعاً، كما يزولُ ملكه عن العين بالإتلاف المحرَّم، وبالإقرار الكاذب، وبالتبرع المحرَّم، كهبتها لمن يعلم أنه يستعين بها على المعاصى والآثام.
قالوا: والإيمانُ أصلُ العقود وأجلُّها وأشرفُها، يزول بالكلام المحرَّم إذا كان كفراً فكيف لا يزولُ عقدُ النكاح بالطلاق المحرَّم الذى وضع لإزالته.
قالوا: ولو لَم يكن معنا فى المسألة طلاقُ الهازل، فإنه يقع مع تحريمه لأنه لا يَحِلُّ له الهزل بآيات الله، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: ((ما بالُ أقوامٍ يتَّخِذُون آيات الله هزواً: طلقتُك راجعتُك، طلقتُك راجعتُك)) فإذا وقع طلاقُ الهازل مع تحريمه، فطلاقُ الجادِّ أولى أن يقع مع تحريمه.
قالوا: وفرق آخر بين النكاح المحرَّم، والطلاق المحرم، أن النكاحَ نعمة، فلا تُستباح بالمحرمات، وإزالتُه وخروجُ البُضع عن ملكه نِقمة، فيجوزُ أن يكون سببها محرماً.
قالوا: وأيضاً فإن الفروجَ يُحتاط لها، والاحتياطُ يقتضى وقوعَ الطلاق، وتجديد الرجعة والعقد.
قالوا: وقد عَهِدْنا النكاحَ لا يُدخل فيه إلا بالتشديدِ والتأكيدِ من الإيجابِ والقبول، والولى والشاهدين، ورِضى الزوجة المعتبرِ رضاها، ويُخْرَجُ منه بأيسر شىء، فلا يحتاجُ الخروج مِنه إلى شىء من ذلك، بل يُدخل فيه بالعزيمة، ويُخرج منه بالشبهة، فأين أحدُهما من الآخر حتى يُقاسَ عليه.
|
|
|