عرض مشاركة واحدة
قديم 12-16-2003, 10:43 PM   #332
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وقد روى يحيى بن سعيد الأنصارى، عن ابن المسيب قال: قال عمر: أيُّما امرأةٍ زُوِّجَتْ وبها جنونٌ أو جُذام أو بَرَصٌ فدخل بها ثم اطَّلع على ذلك، فلها مهرها بمسيسه إياها، وعلى الولى الصَّداقُ بما دلس كما غرَّه.
ورَدُّ هذا بأن ابن المسيِّب لم يسمع من عمر من باب الهذيان البارد المخالف لإجماع أهل الحديث قاطبة، قال الإمام أحمد: إذا لم يُقبل سعيد بن المسيب عن عمر، فمن يقبل، وأئمة الإسلام وجمهورهُم يحتجون بقول سعيد بن المسيب: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: فكيف بروايته عن عُمَرَ رضى الله عنه، وكان عبد الله بن عمر يرسل إلى سعيد يسأله عن قضايا عمر، فيُفتى بها، ولم يطعن أحدٌ قطُّ من أهل عصره، ولا مَنْ بعدهم ممن له فى الإسلام قولٌ معتبر فى رواية سعيد بن المسيب عن عمر، ولا عبرة بغيرهم.
وروى الشعبى عن على: أيُّما امرأةٍ نكحت وبها بَرَصٌ أو جُنون أو جُذام أو قَرَنٌ فزوجُها بالخيار ما لم يمسها، إن شاء أمسك، وإن شاء طلق، وإن مسَّها فلها المهرُ بما استحل من فرجها.
وقال وكيع: عن سفيان الثورى، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسِّيب، عن عُمَرَ، قال: إذا تزوَّجها برصاء، أو عميَاء، فدخل بها، فلها الصداقُ، ويرجعُ به على مَنْ غرَّه. وهذا يدل على أن عمر لم يذكر تلك العيوب المتقدِّمة على وجه الاختصاص والحصر دونَ ما عداها، وكذلك حكم قاضى الإسلام حقاً الذى يُضرب المثلُ بعلمِه ودِينه وحُكمه: شريحٍ قال عبد الرزاق: عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، خاصم رجلٌ إلى شُرَيْح، فقال: إن هؤلاء قالوا لى: إنا نُزوِّجُك بأحْسَنِ الناسِ، فجاؤونى بامرأة عمشاءَ، فقال شُريح: إن كان دلِّس لك بعيب لم يَجُز، فتأمل هذا القضاء، وقوله: إن كان دلِّس لك بعيب، كيف يقتضى أن كل عيب دلست به المرأةُ، فللزوج الردُّ به؟ وقال الزهرىُّ يُردُّ النكاح مِن كل داءٍ عُضالٍ.
ومن تأمل فتاوى الصحابة والسلف، علم أنهم لم يخصُّوا الردَّ بعيب دون عيب إلا رواية رُويت عن عمر رضى الله عنه: لا تُردُّ النساء إلا من العُيوب الأربعة: الجنون، والجذام، والبرص، والداء فى الفرج. وهذه الرواية لا نعلم لها إسناداً أكثر من أصبغ عن ابن وهب، عن عُمَرَ وعَلى. رُوى عن ابن عباسِ ذلك بإسناد متصل، ذكره سفيان، عن عمرو بن دينار عنه. هذا كُلُّه إذا أطلقَ الزوجُ، وأما إذا اشترط السلامةَ، أو شرطَ الجمَال، فبانت شوهاء، أو شرطَها شابةً حديثةَ السن، فبانت عجوزاً شمطاء، أو شرطها بيضاءَ، فبانت سوداء، أو بِكراً فبانت ثيباً، فله الفسخُ فى ذلك كُلِّه.
فإن كان قبلَ الدخول، فلا مهرَ لها، وإن كان بعدَه، فلها المهرُ، وهو غُرْمٌ على وليها إن كان غرَّه، وإن كانت هى الغارَّة، سقط مهرُها أو رَجَعَ عليها به إن كانت قبضته، ونص على هذا أحمد فى إحدى الروايتين عنه، وهو أقيسُهما وأولاهما بأصوله فيما إذا كان الزوج هو المشترط.
وقال أصحابُه: إذا شرطت فيه صفةً، فبان بخلافها، فلا خيار لَها إلا فى شرط الحفرية إذا بان عبداً، فلها الخيارُ، وفى شرط النسب إذا بان بخلافه وجهان، والذى يقتضيه مذهبُه وقواعده، أنه لا فرق بين اشتراطه واشتراطها، بل إثباتُ الخيار لها إذا فات ما اشترطته أولى، لأنها لا تتمكَّنُ من المفارقة بالطلاق، فإذا جاز له الفسخُ مع تمكنهِ من الفراق بغيره، فلأن يجوزَ لها الفسخُ مع عدم تمكُّنها أولى، وإذا جاز لها الفسخ إذا ظهر الزوجُ ذا صناعة دنيئة لا تشينُه فى دِينه ولا فى عرضه، وإنما تمنع كمال لذتها واستمتاعها به، فإذا شرطته شاباً جميلاً صحيحاً فبان شيخاً مشوهاً أعمى أطرش أخرس أسود، فكيف تلزم به، وتمنع من الفسخ؟ هذا فى غاية الامتناع والتناقض، والبعدِ عن القياس، وقواعد الشرع، وباللَّه التوفيق.
وكيف يمكَّن أحدُ الزوجين من الفسخ بقدر العدسَةِ من البَرَصِ، ولا يُمكَّن منه بالجرب المستحكم المتمكِّن وهو أشدُّ إعداءَ من ذلك البرص اليسير وكذلك غيرُه مِن أنواع الداء العُضال؟
وإذا كان النبىُّ صلى الله عليه وسلم حرَّم على البائع كِتمانَ عيب سلعته، وحرَّم على مَنْ علمه أن يكتُمَه مِن المشترى، فكيف بالعيوب فى النكاح، وقد قال النبىُّ صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنتِ قيس حين استشارته فى نكاح معاوية، أو أبى الجهم: ((أمَّا مُعَاوِيَةُ، فَصُعْلُوكٌ لا مَالَ لَهُ، وأمَّا أبُو جَهْمِ، فَلا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِه))، فعُلِمَ أن بيانَ العيب فى النكاح أولى وأوجب، فكيف يكون كتمانُه وتدليسُه والغِشُّ الحرَامُ به سبباً للزومه، وجعل ذا العيب غُلاً لازماً فى عُنق صاحبه مع شِدة نُفرته عنه، ولا سيما مع شرط السلامة منه، وشرطِ خلافه، وهذا مما يُعلم يقيناً أن تصرفات الشريعة وقواعدَها وأحكامَها تأباه واللَّه أعلم.
وقد ذهب أبو محمد ابن حزم إلى أن الزوجَ إذا شرط السلامةَ مِن العيوب، فوجِدَ أىّ عيبٍ كان، فالنكاح باطل من أصله غير منعقد، ولا خيار له فيه، ولا إجازة ولا نفقة، ولا ميراث. قال: لأَن التى أدخلت عليه غير التى تزوج، إذ السالمةُ غيرُ المعيبة بلا شك، فإذا لم يتزوجها، فلا زوجيةَ بينهما.


فصل

فى حُكم النبىِّ صَلَّى الله عليه وسلم فى خِدْمَةِ المرأةِ لزوجها
قال ابنُ حبيب فى ((الواضحة)): حكم النبىُّ صلى الله عليه وسلم بين على بن أبى طالب رضى الله عنه، وبين زوجته فاطمة رضى الله عنها حين اشتكيا إليه الخِدمة، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة خدمة البيت، وحكم على عليٍّ بالخدمة الظاهرة، ثم قال ابنُ حبيب: والخدمة الباطنة: العجينُ، والطبخُ، والفرشُ، وكنسُ البيت، واستقاءُ الماء، وعمل البيت كلِّه.
فى ((الصحيحين)): أن فاطمة رضى الله عنها أتتِ النبىَّ صلى الله عليه وسلم تشكُو إليه ما تَلْقى فى يَدَيْهَا مِن الرَّحى، وتسألُه خادماً فلم تَجِدْه، فذكرت ذلك لِعائشة رضى الله عنها، فلما جاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أخبرتْه. قال على: فجاءنا وقد أخذنا مَضَاجِعَنَا، فذهبنا نقومُ، فقال: ((مَكَانكُمَا))، فجاء فقعَدَ بينَنَا حتى وجدت بَرْدَ قَدَمَيْهِ على بطْنى، فقال: ((أَلاَ أدُلُّكُمَا عَلى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِمَّا سَأَلْتُمَا، إذا أَخَذْتُما مَضَاجِعَكُما فَسَبِّحا الله ثَلاثَاً وثَلاثِينَ، واحْمَدا ثلاثاً وثلاثينَ، وكَبِّرا أربعاً وثلاثين، فهو خير لكما من خادِم. قال عَلُّى: فما تركتُها بَعْدُ، قِيلَ: ولا ليلةَ صفين؟ قال: ولا ليلة صِفِّين)).
وصحَّ عن أسماء أنها قالت: كنت أخدِمُ الزُّبَيْرَ خِدْمَةَ البَيْتِ كُلِّه، وكان لَه فَرَسٌ وكُنْتُ أَسُوسُه، وكُنْتُ أَحْتشُّ لَهُ، وأَقُومُ عَلَيْهِ.
وصحَّ عنها أنها كانت تَعْلِفُ فرسَه، وتَسْقِى الماءَ، وتَخْرِزُ الدَّلْوَ وتَعْجِنُ، وتَنْقُلُ النَّوى عَلَى رَأْسِهَا مِنْ أَرضٍ لَهُ عَلَى ثُلُثَى فَرْسَخ.
فاختلف الفقهاءُ فى ذلك، فأوجب طائفةٌ مِن السَّلفِ والخَلَفِ خِدمَتها له فى مصالح البيت، وقال أبو ثور: عليها أن تَخْدِمَ زوجها فى كل شىء، ومنعت طائفةً وجوبَ خدمته عليها فى شىء، وممن ذهب إلى ذلك مالك، والشافعى، وأبو حنيفة، وأهلُ الظاهر، قالوا: لأن عقدَ النكاح إنما اقتضى الاستمتاع، لا الاستخدام وبذل المنافع، قالوا: والأحاديث المذكورة إنما تدلُّ على التطوُّع ومكارِمِ الأخلاق، فأين الوجوبُ منها؟
واحتج من أوجب الخدمة، بأن هذا هو المعروف عند من خاطبهم الله سبحانه بكلامه، وأما ترفيهُ المرأةِ، وخدمةُ الزوج، وكنسُه، وطحنُه، وعجنُه، وغسيلُه، وفرشُه، وقيامُه بخدمة البيت، فَمِنَ المنكر، واللَّه تعالى يقول:{ولَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَليْهنَّ بِالمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] وقال:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلى النِّسَاءِ} [النساء: 34] وإذا لم تخدِمْه المرأةُ، بل يكون هو الخادِمَ لها، فهى القَوَّامَةُ عليه.
وأيضاً: فإن المهر فى مقابلة البُضع، وكُلٌّ مِن الزوجين يقضى وطرَه مِن صاحبه فإنما أوجبَ الله سبحانه نفقتَها وكُسوتها ومسكنَها فى مقابلة استمتاعه بها وخدمتها، وما جرت به عادةُ الأزواج.
وأيضاً فإن العقود المطلقة إنما تُنَزَّلُ على العرف، والعُرفُ خدمةُ المرأة، وقيامُها بمصالح البيت الداخلة، وقولُهم: إن خدمة فاطمة وأسماء كانت تبرعاً وإحساناً يردُّه أن فاطمة كانت تشتكى ما تلقى مِن الخِدمة، فلم يَقُلْ لعلتى: لا خِدمة عليها، وإنما هى عليك، وهو صلى الله عليه وسلم لا يُحابى فى الحكم أحداً، ولما رأى أسماء والعلفُ على رأسها، والزبيرُ معه، يقل له: لا خِدمةَ عليها، وأن هذا ظلمٌ لها، بل أقرَّه على استخدامها، وأقرَّ سائِرَ أصحابه على استخدام أزواجهم مع علمه بأن منهن الكارِهَة والراضية، هذا أمر لا ريب فيه.
ولا يَصِحُّ التفريقُ بين شريفة ودنيئة، وفقيرةٍ وغنية، فهذه أشرفُ نساء العالمين كانت تَخْدِمُ زوجها، وجاءته صلى الله عليه وسلم تشكُو إليه الخدمة، فلم يُشْكِهَا، وقد سمَّى النبىُّ صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح المرأة عانيَةُ، فقال: ((اتَّقُوا اللَّهَ فى النّساءِ، فإِنَّهُنَّ عَوانٍ عِنْدَكُم)). والعانى: الأسير، ومرتبة الأسير خدمةُ من هو تحت يده، ولا ريبَ أن النكاح نوعٌ من الرِّق، كما قال بعضُ السلف: النكاح رِق، فلينظر أحدُكم عند من يُرِقُّ كريمته، ولا يخفى على المنصف الراجحُ من المذهبين، والأقوى من الدليلين.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس