عرض مشاركة واحدة
قديم 12-16-2003, 10:36 PM   #14
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل

وفى قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الولاء لمن أعتق)) مِن العموم ما يقتضى ثبوتَه لمن أعتق سائبةً، أو فى زكاة، أو كفارة، أو عتقٍ واجب، وهذا قولُ الشافعى وأبى حنيفة، وأحمد فى إحدى الروايات، وقال فى الرواية الأخرى: لا ولاء عليه، وقال فى الثالثة: يُرد ولاؤه فى عتق مثله، ويحتجُّ بعمومه أحمد ومن وافقه فى أن المسلم إذا أعتق عبداً ذميِّاً، ثم مات العتيق، ورثه بالولاء، وهذا العمومُ أخصُّ من قوله: ((لا يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ)) فيخصصه أو يقيده، وقال الشافعى ومالك وأبو حنيفة: لا يَرِثُه بالولاء إلا أن يموتَ العبدُ مسلماً، ولهم أن يقولوا: إن عموم قوله: ((الولاء لمن أعتق))، مخصوص بقوله: ((لا يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ)).


فصل

في فقه قصة بريرة
وفى القصة مِن الفقه تخييرُ الأمة المزوَّجة إذا أُعتقت وزوجُها عبدٌ، وقد اختلفت الروايةُ فى زوج بَريرة، هل كان عبداً أو حراً؟ فقال القاسم، عن عائشة رضى الله عنها: كان عبداً ولو كان حراً لم يُخيَّرها. وقال عروة عنها: كان حراً. وقال ابنُ عباس: كان عبداً أسودَ يقال له: مغيث، عبداً لبنى فلان، كأنى أنظر إليه يطوف وراءها فى سكك المدينة، وكل هذا فى الصحيح. وفى سنن أبى داود عن عروة عن عائشة: كان عبداً لآل أبى أحمد، فخيَّرها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقال لها: ((إنْ قَرُبَكِ، فَلاَ خيارَ لَكِ)).
وفى مسند أحمد، عن عائشة رضى الله عنها، أن بَريرة كانت تحتَ عبد، فلما أعتقها، قال لها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((اخْتارِى فَإنْ شِئْتِ أَنْ تَمْكُثِى تَحْتَ هذا العَبْدِ، وإن شِئْتِ أنْ تُفَارِقِيهِ)).
وقد روى فى ((الصحيح)): أنه كان حراً.
وأصحُّ الروايات، وأكثرُها: أنه كانَ عبداً، وهذا الخبرُ رواه عن عائشة رضى الله عنها ثلاثة: الأسود، وعروةُ، والقاسمُ، أما الأسود، فلم يختلفْ عنه عن عائشة أنه كان حراً، وأما عروة، فعنه روايتان صحيحتان متعارضتان، إحداها: أنه كان حراً ؛ والثانية: أنه كان عبداً، وأما عبد الرحمن بن القاسم، فعنه روايتان صحيحتان، إحداها: أنه كان حراً، والثانية: الشك. قال داود بن مقاتل: ولم تختلِفِ الروايةُ عن ابن عباس أنه كان عبداً.
واتفق الفقهاءُ على تخيير الأمةِ إذا أُعتِقَت وزوجُها عبد، واختلفوا إذا كان حراً ؛ فقال الشافعىُّ ومالك وأحمد فى إحدى الروايتين عنه: لا يخيرَ، وقال أبو حنيفة وأحمد فى الرواية الثانية: تُخيَّر.
وليست الروايتان مبنيتين على كون زوجها عبداً أو حراً، بل على تحقيق المناط فى إثبات الخيار لها، وفيه ثلاثةُ مآخذ للفقهاء ؛ أحدها: زوالُ الكفاءة، وهو المعبَّرُ عنه بقولهم: كملت تحتَ ناقص، الثانى: أن عتقها أوجبَ للزوج ملكَ طلقة ثالثة عليها لم تكن مملوكة له بالعقد، وهذا مأخذُ أصحابِ أبى حنيفة، وبنوا على أصلهم أن الطلاقَ معتبرٌ بالنساء لا بالرجال، الثالث: ملكُها نفسها، ونحن نبين ما فى هذه.
المأخذ الأول: وهو كمالُها تحت ناقص، فهذا يرجع إلى أن الكفاءَة معتبرةٌ فى الدوام، كما هى معتبرة فى الابتداء، فإذا زالت، خُيِّرتِ المرأةُ، كما تخيَّر إذا بان الزوجُ غيرَ كفءٍ لها، وهذا ضعيف من وجهين.
أحدهما: أن شروطَ النكاح لا يُعتبر دوامُها واستمرارها، وكذلك توابعه المقارِنَةُ لعقدة لا يُشترط أن تكون توابعَ فى الدوام، فإن رضى الزوجة غير المجبَرة شرط فى الابتداء دونَ الدوامِ، وكذلك الولىُّ والشاهدانِ، وكذلك مانعُ الإحرام والعدة والزنى عند من يمنع نكاحَ الزانية، إنما يمنع ابتداء العقد دون استدامته، فلا يلزم مِن اشتراط الكفاءة ابتداءُ اشتراط استمرارها ودوامها..
الثانى: أنه لو زالت الكفاءة فى أثناء النكاح بفسقِ الزوج، أو حدوثِ عيب موجبٍ للفسخ، لم يَثْبُت الخيارُ على ظاهر المذهب، وهو اختيارُ قدماء الأصحاب، ومذهب مالك. وأثبت القاضى الخيارَ بالعيب الحادِثَ، ويلزم إثباتُه بحدوث فسق الزوج، وقال الشافعى: إن حدث بالزوج، ثبت الخيار، وإن حدث بالزوجة، فعلى قولين.
وأما المأخذُ الثانى وهو أن عتقها أوجب للزوج عليها مِلكَ طلقة ثالثة، فمأخذٌ ضعيف جداً، فأىُّ مناسبة بين ثبوت طلقة ثالثة، وبينَ ثبوت الخيارِ لها؟ وهل نصبَ الشارعُ مِلك الطلقة الثالثة سبباً لملك الفسخ، وما يُتوهم من أنها كانت تَبينُ منه باثنتين فصارت لا تَبينُ إلا بثلاث، وهو زيادةُ إمساك وحبس لم يقتضِهِ العقدُ فَاسِدٌ، فإنه يَمْلِكُ ألاَّ يُفارِقَها ألبتة، ويُمسكها حتى يُفرِّق الموتُ بينهما، والنكاحُ عقد على مدة العمر، فهو يَمْلِكُ استدامة إمساكِها، وعتقها لا يسلُبُه هذا الملك، فكيف يسلبه إياه ملكه عليها طلقةً ثالثة، وهذا لو كان الطلاق معتبراً بالنساء، فكيف والصحيحُ أنه معتبر بمن هو بيده وإليه، ومشروع فى جانبه.
وأما المأخذُ الثالث: وهو ملكُها نفسهَا، فهو أرجح المآخذِ وأقربُها إلى أصول الشرع، وأبعدُها من التناقض، وسر هذا المأخذ أن السيد عقدَ عليها بحكم الملك حيث كان مالكاً لرقبتها ومنافعها، والعتق يقتضى تمليكَ الرقبة والمنافع للمعتق، وهذا مقصوده وحكمته، فإذا ملكت رقبتها، ملكت بُضعها ومنافعها، ومن جملتها منافِع البُضع، فلا يملك عليها إلا باختيارها، فخيَّرها الشارعُ بين أن تُقيم مع زوجها، وبين أن تفسخَ نكاحه، إذ قد ملكت منافع بُضعها، وقد جاء فى بعض طرق حديث بريرة، أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: ((مَلَكْتِ نَفْسَكِ فَاخْتَارى)).
فإن قيل: هذا ينتقِضُ بما لو زوّجها ثم باعها، فإن المشترى قد ملك رقبتها وبُضعها ومنافِعَه، ولا تسلِّطُونه على فسخ النكاح. قلنا لا يَرِدُ هذا نقضاً، فإن البائع نقل إلى المشترى ما كان مملوكاً له، فصار المشترى خليفته، هو لما زوَّجها، أخرج منفعة البُضع عن ملكه إلى الزوج، ثم نقلها إلى المشترى مسلوبةً منفعة البُضع، فصار كما لو آجر عبده مدة، ثم باعه. فإن قيل: فهب أن هذا يستقيم لكم فيما إذا باعها، فهلا قلتم ذلك إذا أعتقها، وأنها ملكت نفسَها مسلوبة البُضع، كما لو آجرها، ثم أعتقها، ولهذا ينتقِضُ عليكم هذا المأخذ؟
قيل: الفرقُ بينهما: أن العتق فى تمليك العتيق رقبتَه ومنافعه أقوى من البيع، ولهذا ينفذ فيما لم يعتقه ويسرى فى حصة الشريك، بخلاف البيع، فالعتق إسقاطُ ما كان السيد يملِكهُ من عتيقه، وجعله له محرراً، وذلك يقتضى إسقاط مُلكِ نفسه ومنافِعها كُلِّها. وإذا كان العتق يسرى في ملك الغير المحض الذي لا حق له فيه البتة، فكيف لا يسري إلى مُلكه الذى تعلَّق به حقُّ الزوج، فإذا سرى إلى نصيب الشريكِ الذي لا حقَّ للمعتق فيه، فسريانُه إلى مُلك الذى يتعلق به حقُّ الزوج أولى وأحرى، فهذا محضُ العدل والقياس الصحيح.
فإن قيل: فهذا فيه إبطال حقِّ الزوج من هذه المنفعة بخلاف الشريك، فإنه يرجِعُ إلى القيمة.
قيل: الزوج قد استوفى المنفعة بالوطء، فطريانُ ما يُزيل دوامَها لا يُسقط له حقاً، كما لو طرأ ما يُفسِدُ أو يفسخُه برضاع أو حدوث عيب، أو زوالِ كفاءة عند من يفسخُ به.
فإن قيل: فما تقولون فيما رواه النسائى، من حديث ابن مَوْهَب، عن القاسم بن محمد، قال: كان لعائشة رضى الله عنها غلام وجارية، قالت: فأردت أن أعتِقَهما، فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ((ابدَئى بالغُلاَم قَبْلَ الجَارِيَةَ)). ولولا أن التخيير يمنع إذا كان الزوج حراً لم يكن للبداءة بعتق الغلام فائدة، فإذا بدات به، عتقت تحت حر، فلا يكون لها اختيار.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس