وروى الإمام أحمد بإسناده، عن محمد بن سيرين قال: سأل عمر رضى الله عنه الناس: كم يتزوجُ العبد؟ فقال عبد الرحمن: ثنتين وطلاقه ثنتين فهذا عمر، وعلى، وعبد الرحمن، رضى الله عنهم، ولا يعرف لهم مخالف فى الصحابة مع انتشار هذا القول وظهوره، وموافقته للقياس.
فصل
فى قضائه صلى الله عليه وسلم فى تحريم وطء المرأة الحبلى من غير الوَاطىء
ثبت فى ((صحيح مسلم)): من حديث أبى الدرداء رضىَ الله عنه، أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى بامرأةٍ مُجِحِّ على بَابِ فُسْطَاطٍ، فقال: ((لَعَلَّهُ يُريدُ أَنْ يُلِمَّ بها)). فقالُوا: نَعَمْ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ، كَيْفَ يُوَرِّثُه وهُوَ لا يَحِلُّ لهُ، كَيْفَ يَسْتَخْدِمُه وهُوَ لاَ يَحِلُّ لهُ)).
قال أبو محمد ابن حزم: لا يَصِحُّ فى تحريم وطءِ الحامِلِ خبرٌ غيرُ هذا. انتهى. وقد روى أهل ((السنن)) من حديث أبى سعيد رضى الله عنه، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى سبايا أوطاس: ((لا تُوَطأْ حَامِلُ حَتَّى تَضَعَ، ولا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَّى تَحيضَ حَيْضَةً)).
وفى الترمذى وغيره: من حديث رُويفع بن ثابت رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلا يَسْقِ مَاءَه وَلَدَ غَيْرِهِ)) قال الترمذى حديث حسن.
وفيه عن العِرباضِ بن سَارِيَةَ رضى الله عنه، أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم حرَّم وطءَ السبايا حتى يَضَعْنَ ما فى بُطونهن.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((كيف يُورِّثه وهو لا يَحلُّ له، كيف يستخدِمُه وهو لا يَحِلُّ له))، كان شيخُنا يقولُ فى معناه: كيف يجعلُه عبداً مَوروثاً عنه، ويستخدِمُه استخدامَ العبيدِ وهو ولدُه، لأن وطأه زاد فى خَلْقِه؟ قال الإمام أحمد: الوطء يزيد فى سمعه وبصره. قال فيمن اشترى جاريةً حاملاً من غيره، فوطئها قبل وضعها، فإن الولد لا يلحَقُ بالمشترى، ولا يتبعُه، لكن يعتِقُه لأنه قد شرك فيه، لأن الماءَ يزيدُ فى الولد، وقد روى عن أبى الدرداء رضى الله عنه، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، مرَّ بامرأة مُجِحٍّ على باب فسطاط، فقال: ((لعله يُريد أن يُلِمَّ بها)) وذكر الحديثَ. يعنى: أنه إن استلحقه وشرِكه فى ميراثه، لم يحل له، لأنه ليس بولده، وإن أخذه مملوكاً يستخدِمُه لم يَحلَّ له لأنه قد شرك فيه لكون الماء يزيدُ فى الولد.
وفى هذا دلالة ظاهرةٌ على تحريم نكاح الحامِل، سواء كان حملُها مِن زوج أو سيِّدٍ أو شُبهة أو زنى، وهذا لا خلاف فيه إلا فيما إذا كان الحملُ مِن زنى، ففى صحة العقد قولان، أحدهما: بطلانُه وهو مذهبُ أحمد ومالك، والثانى: صحتُه وهو مذهب أبى حنيفة والشافعى ثم اختلفا، فمنع أبو حنيفة مِن الوطء حتى تنقضىَ العِدَّةُ، وكرهه الشافعى، وقال أصحابُه: لا يحرم.
فصل
فى حكمه صلى الله عليه وسلم فى الرجل يعتِقُ أمتَه ويجعل عِتقها صداقَها
ثبت عنه فى ((الصحيح)): ((أنه أعتق صفيَّةَ وجعل عِتْقَها صَدَاقَها)). قيل لأنس: ما أَصْدَقَها؟ قال: أَصْدَقَها نَفْسَها وذهبَ إلى جواز ذلك علىُّ ابن أبى طالب، وفعله أنس بن مالك، وهو مذهبُ أعلم التابعين، وسيِّدهم سعيدِ بن المسيِّب، وأبى سلمة بن عبد الرحمن، والحسنِ البَصرى، والزهري، وأحمد، وإسحاق.
وعن أحمد رواية أخرى، أنه لا يَصِحُّ حتى يستأنِفَ نكاحها بإذنها، فإن أبت ذلك، فعليها قيمتُها.
وعنه رواية ثالثة: أنه يُوَكِّلُ رجلاً يزوِّجه إياها.
والصحيح: هو القول الأول الموافق للسنة، وأقوالِ الصحابة والقياس، فإنه كان يمِلك رقبتها، فأزال ملكه عن رقبتها، وأبقى ملكَ المنفعة بعقد النكاح، فهو أولى بالجواز مما لو أعتقها، واستثنى خِدمتها، وقدم تقدَّم تقريرُ ذلك فى غزاة خيبر.
فصل
فى قضائه صلى الله عليه وسلم فى صحة النكاح الموقوفِ على الإجازة
فى ((السنن)): عن ابن عباس رضى الله عنهما، ((أن جاريةً بكراً أتت النبىَّ صلى الله عليه وسلم فذكرت أنَّ أباها زوَّجَها وهى كَارِهَة، فخيَّرها النبىُّ صلى الله عليه وسلم)).
وقد نصَّ الإمامُ أحمد على القول بمقتضى هذا، فقال فى رواية صالح فى صغير زوَّجه عمه، قال: إن رضى به فى وقت من الأوقات، جاز، وإن لم يرض فسخ.
ونقل عنه ابنه عبد الله، إذا زوجت اليتيمةُ، فإذا بلغت فلها الخيارُ، وكذلك نقل ابنُ منصور عنه حُكى له قولُ سفيانَ فى يتيمة زُوِّجَت ودَخَلَ بها الزوجُ، ثم حاضت عند الزوج بعدُ، قال: تُخيَّرُ، فإن اختارت نفسَها لم يقع التزويجُ، وهى أحقُّ بنفسها، وإن قالت: اخترتُ زوجى؟ فليشهدوا على نكاحهما. قال أحمد: جيد.
وقال فى رواية حنبل فى العبد إذا تزوَّج بغير إذن سيده، ثم علم السيدُ بذلك: فإن شاء يُطلِّق عليه، فالطلاقُ بيد السيد، وإذا أذن له فى التزويج، فالطلاقُ بيد العبد، ومعنى قوله: يطلق، أى: يُبْطِلُ العقد، ويمنع تنفيذَه وإجازته، هكذا أوَّله القاضى، وهو خلاف ظاهر النص، وهذا مذهبُ أبى حنيفة ومالك على تفصيل فى مذهبه، والقياسُ يقتضى صحةَ هذا القول، فإن الإذن إذا جاز أن يتقدَّم القبولَ والإيجابَ جاز أن يتراخى عنه.
وأيضاً فإنه كما يجوز وقفُه على الفسخ يجوزُ وقفُه على الإجازة كالوصية، ولأن المعتبرَ هو التراضى، وحصولُه فى ثانى الحال كحصولِه فى الأول، ولأن إثباتَ الخيار فى عقد البيع هو وقفٌ للعقد فى الحقيقة على إجازة من له الخيار وردّه، وبالله التوفيق.
|