عرض مشاركة واحدة
قديم 12-16-2003, 10:25 PM   #321
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل

ومما حرَّمه النص، نِكاحُ المزوَّجاتِ، وهُنَّ المحصَناتُ، واستثنى من ذلك ملكَ اليمين، فأشكل هذا الاستثناء على كثير من الناس، فإن الأمَةَ المزوَّجَةَ يحرُم وطؤُها على مالكها، فأين محلُّ الاستثناء ؟.
فقالت طائفة: هو منقطع، أى لكن ما ملكت أيمانُكم، ورُدَّ هذا لفظاً، ومعنى أما اللفظُ فإن الانقطاعَ إنما يقعُ حيث يقعُ التفريغ، وبابهُ غير الإيجاب مِن النفى والنهى والاستفهام، فليس الموضعُ موضع انقطاع، وأما المعنى: فإن المنقطع لابد فيه من رابط بينه وبين المستثنى منه بحيث يخرج ما تُوهِّمَ دخولُه فيه بوجهٍ ما، فإنك إذا قلت: ما بالدار مِن أحد، دل على انتفاء من بها بدوابّهم وأمتعتهم، فإذا قلت: إلا حماراً، أو إلا الأثافىَّ ونحو ذلك، أزلت توهَّمَ دخولِ المستثنى فى حكم المستثنى منه. وأبْيَنُ من هذا قولُه تعالى:{لا يَسْمَعُونَ فِيَها لَغْواً إلا سلاماً} [مريم: 62] فاستثناءُ السلام أزال توهُّمَ نفى السماعِ العام، فإن عدم سماع اللغو يجوزُ أن يكونَ لعدم سماع كلام ما، وأن يكونَ مع سماع غيره، وليس فى تحريم نكاحِ المزوَّجة ما يُوهم تحريم وطء الإماء بملك اليمين حتى يُخرجه
وقالت طائفة: بل الاستثناء على بابه، ومتى ملك الرجلُ الأمة المزوَّجة كان ملكه طلاقاً لها، وحلَّ له وطؤها، وهى مسألةُ بيع الأمة: هل يكون طلاقاً لها، أم لا؟ فيه مذهبان للصحابة، فابنُ عباس رضي الله عنه يراه طلاقاً، ويحتج له بالآية، وغيرُه يأبى ذلك، ويقول: كما يُجامع الملك السابق للنكاح اللاحق اتفاقاً ولا يتنافيان، كذلك الملكُ اللاحق لا يُنافى النكاحَ السابقَ، قالوا: وقد خيَّرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَرِيرَةَ لما بِيعت ولو انفسخ نِكاحُها لم يُخيِّرها. قالوا: وهذا حجة على ابن عباس رضى الله عنه، فإنه هو راوى الحديث، والأخذُ برواية الصحابى لا برأيه.
وقالت طائفة ثالثة: إن كان المشترى امرأة، لم ينفسخ النكاح، لأنها لم تمِلكِ الاستمتاع ببُضع الزوجة، وإن كان رجلاً انفسخ، لأنه يملك الاستمتاع َ به، وملكُ اليمين أقوى مِن مُلك النكاح، وهذا الملك يُبطل النكاح دون العكس، قالوا: وعلى هذا فلا إشكال فى حديث بريرة.
وأجاب الأولون عن هذا بأن المرأةَ وإن لم تملك الاستمتاع ببُضع أمتها، فهى تمِلكُ المعاوضة عليه، وتزويجَها، وأخذَ مهرها، وذلك كملك الرجل، وإن لم تستمتع بالبُضع.
وقالت فرقة أخرى: الآية خاصة بالمسبيَّاتِ، فإن المسبية إذا سُبِيَتْ، حَلَّ وطؤها لِسابيها بعد الاستبراء، وإن كانت مزوجة، وهذا قولُ الشافعى وأحدُ الوجهين لأصحاب أحمد، وهو الصحيح، كما روى مسلم فى ((صحيحه)) عن أبى سعيد الخُدرى رضى الله عنه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً إلى أوطاس، فلقى عدواً، فقاتلوهم، فظهرُوا عليهم، وأصابُوا سبايا، وكأنَّ ناساً مِن أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم تحرَّجُوا مِن غِشيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِ أزواجِهِنَّ مِن المشركين، فأنزل الله عز وجل فى ذلك {وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم} [النساء: 24] أى فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهنَّ.
فتضمَّن هذا الحكمُ إباحة وطء المسبيَّةِ وإن كان لها زوجٌ من الكفار، وهذا يدل على انفساخِ نكاحه، وزوالِ عصمة بُضع امرأته، وهذا هو الصوابُ، لأنه قد استولى على محلِّ حقه، وعلى رقبة زوجته، وصار سابيها أحقَّ بها منه، فكيف يَحْرُمُ بُضعها عليه، فهذا القولُ لا يُعارِضُه نصٌّ ولا قياس.
والذين قالوا من أصحاب أحمد وغيرهم: إن وطأها إنما يُباح إذا سُبِيَتْ وحدَها. قالوا: لأن الزوجَ يكون بقاؤه مجهولاً، والمجهول كالمعدوم، فيجوز وطؤها بعد الاستبراء، فإذا كان الزوجُ معها، لم يجز وطؤُها مع بقائه، فأُوردَ عليهم ما لو سُبِيَتْ وحدَها وتيقنَّا بقاءَ زوجها فى دار الحرب، فإنهم يُجوِّزُون وطأها فأجابُوا بما لا يُجدى شيئاً، وقالوا: الأصل إلحاقُ الفرد بالأعم الأغلب، فيُقال لهم: الأعمُّ الأغلبُ بقاءُ أزواج المسبيات إذا سُبين منفرداتٍ، وموتُهم كلُّهم نادر جداً، ثم يُقال: إذا صارت رقبةُ زوجها وأملاكُه مِلكاً للسابى، وزالَت العصمةُ عن سائر أملاكه وعن رقبته، فما الموجبُ لِثبوت العصمة فى فرج امرأته خاصة وقد صارت هى وهو وأملاكُهما للسابى؟
ودلَّ هذا القضاءُ النبوىُّ على جواز وطء الإماء الوثنيات بملك اليمين، فإن سبايا أوطاس لم يكنَّ كتابيات، ولم يشترِطْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فى وطئهن إسلامَهن، ولم يجعل المانع منه إلا الاستبراء فقط، وتأخيرُ البيان عن وقت الحاجة ممتنع مع أنهم حديثو عهدٍ بالإسلام حتَّى خفىَ عليهم حُكمُ هذه المسألة، وحصولُ الإسلام من جميع السبايا وكانوا عدةَ آلافٍ بحيثُ لم يتخلَّفْ منهم عن الإسلام جاريةٌ واحدة مِما يُعلم أنه فى غاية البُعد، فإنهن لم يُكْرَهْنَ على الإسلام، ولم يكن لهن مِن البصيرة والرغبة والمحبة فى الإسلام ما يقتضى مبادرتُهن إليه جميعاً، فمقتضى السنةِ، وعمل الصحابة فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده جوازُ وطء المملوكات على أىِّ دين كُنَّ، وهذا مذهبُ طاووس وغيره، وقواه صاحبُ ((المغنى)) فيه، ورجح أدلته وبالله التوفيق.
ومما يدلُّ على عدم اشتراط إسلامهن، ما روى الترمذى فى ((جامعه)) عن عِرباض بن سَارية، أن النبى صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ وَطْء السَّبايا حَتَّى يَضَعْنَ ما فى بُطُونِهِنَّ. فجعل للتحريم غاية واحدة وهى وضعُ الحمل، ولو كان متوقفاً على الإسلام، لكان بيانُه أهمَّ من بيان الاستبراء.
وفى ((السنن)) و((المسند)) عنه: ((لاَ يَحِلُّ لامْرئ يُؤْمِنُ بِالله واليَوْمِ الآخر أَنْ يَقَعَ عَلى امْرَأةِ مِنَ السَّبْى حَتَّى يَسْتَبْرِئها)).ولم يقل: حتى تُسلِمَ، وَلأحمد: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِر فَلاَ يَنْكِحَنَّ شَيئاً مِنَ السَّبَايَا حَتَّى تَحِيضَ)) ولم يقل: وتسلم.
وفى ((السنن)) عنه: أنه قال فى سبايا أوطاس: ((لا تُوطأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَة وَاحِدَةً)). ولم يقل: وتسلم، فلم يجئ عنه اشتراطُ إسلام المسبية فى موضع واحد البتة.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس