عرض مشاركة واحدة
قديم 12-16-2003, 10:24 PM   #319
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وذهب زيد بن ثابت، ومَن وافقه، وأحمد فى رواية عنه: إلى أن موتَ الأم فى تحريم الربيبة كالدخول بها، لأنه يُكمل الصداق، ويُوجب العدة والتوارث، فصار كالدخول، والجمهور أبَوْا ذلك، وقالوا: الميتة غير مدخول بها، فلا تحرم ابنتها، والله تعالى قيَّد التحريم بالدخول، وصرح بنفيه عند عدم الدخول.
وأما كونها فى حَجره، فلما كان الغالبُ ذلك ذكره لا تقييداً للتحريم به، بل هو بمنزلة قوله: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُم خَشْيَةَ إمْلاَق} [الإسراء: 31] ولما كان مِن شأن بنت المرأة أن تكون عند أمِّها، فهى فى حجر الزوج وقوعاً وجوازاً، فكأنه قال: اللاتى من شأنهن أن يكُنَّ فى حُجوركم، ففى ذكر هذا فائدة شريفة، وهى جوازُ جعلها فى حَجره، وأنه لا يجب عليه إبعادُها عنه، وتجنب مؤاكلتها، والسفر، والخلوة بها، فأفاد هذا الوصفُ عدمَ الامتناع مِن ذلك.
ولما خفى هذا على بعض أهلِ الظاهر، شرط فى تحريم الربيبة أن تكون فى حَجر الزوج، وقيَّد تحريمها بالدخول بأمها، وأطلق تحريمَ أمِّ المرأة ولم يُقيده بالدخول، فقال جمهورُ العلماء من الصحابة ومن بعدهم: إن الأم تحرم بمجرد العقد على البنت دخل بها أو لم يدخل، ولا تحرم البنتُ إلا بالدخول بالأم، وقالوا: أبهِمُوا ما أبهمَ الله. وذهبت طائفة إلى أن قوله: {اللاَّتى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] وصف لنسائكم الأولى والثانية، وأنه لا تحرم الأم إلا بالدخول بالبنت، وهذا يردُّه نظمُ الكلام، وحيلولة المعطوف بين الصفة والموصوف، وامتناعُ جعل الصفة للمضاف إليه دون المضاف إلا عند البيان، فإذا قلت: مررت بغلام زيد العاقلِ، فهو صفة للغلام لا لزيد إلا عند زوال اللبس، كقولك: مررت بغلام هند الكاتِبة، ويردُّه أيضاً جعله صفة واحدة لموصوفين مختلفى الحكم والتعلُّق والعامل، وهذا لا يُعرف فى اللغة التى نزل بها القرآنُ.
وأيضاً فإن الموصوف الذى يلى الصفَة أولى بها لجواره، والجارُ أحق بصَقَبه ما لم تدعُ ضرورةٌ إلى نقلها عنه، أو تخطِّيها إياه إلى الأبعد.
فإن قيل: فمن أين أدخلتم ربيبَته التى هى بنتُ جاريته التى دخل بها، وليست مِن نسائه؟.
قلنا: السرية قد تدخل فى جملة نسائه، كما دخلت فى قوله:{نِسَاؤُكُم حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُم أَنَّى شِئْتُم}[البقرة: 223]، ودخلت فى قوله: {أُحِلَّ لَكُم لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إلى نِسَائِكُم} [البقرة: 187] ،ودخلت فى قوله: {وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22].
فإن قيل: فليزمُكم على هذا إدخالها فى قوله: {وأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] فتحرم عليه أمُّ جاريته؟
قلنا: نعم وكذلك نقول: إذا وطىء أمته، حَرُمَتْ عليه أمُّها وابنتها.
فإن قيل: فأنتم قد قررتم أنه لا يُشترط الدخولُ بالبنت فى تحريم أمِّها فكيف تشترطونه هاهنا؟
قلنا: لتصير من نسائه، فإن الزوجة صارت من نسائه بمجرد العقد، وأما المملوكة، فلا تصيرُ مِن نسائه حتى يطأها، فإذا وطئها، صارت من نسائه، فحرمت عليه أمُّها وابنتُها.
فإن قيل: فكيف أدخلتم السُّرِّيَّةَ فى نسائه فى آية التحريم، ولم تُدخلوها فى نسائه فى آية الظهار والإيلاء؟
قيل: السياقُ والواقع يأبى ذلك، فإن الظهار كان عندهم طلاقاً، وإنما محلُّه الأزواج لا الإماء، فنقله الله سبحانه من الطلاق إلى التحريم الذى تُزيله الكفَّارة، ونقل حُكمَه وأبقى محله، وأما الإيلاء، فصريح فى أن محله الزوجات، لقوله تعالى: {لِلَّذين يُؤْلُون مِنْ نِسَائِهمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُو فَإِنَّ الله غَفُورُ رَحِيمُ * وإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 226-227].
وحرَّم سبحانه حلائل الأبناء، وهن موطوآتُ الأبناء بنكاح أو ملك يمين، فإنها حليلة بمعنى محلَّلة، ويدخل فى ذلك ابنُ صلبه، وابن ابنه، وابن ابنته، ويخرج بذلك ابن التَّبَنِّى، وهذا التقييدُ قُصِدَ به إخراجُه.
وأما حليلةُ ابنه من الرضاع، فإن الأئمة الأربعة ومَنْ قال بقولهم يدخلونها فى قوله:{وحَلاَئِلُ أَبْنائِكُم} [النساء: 23] ولا يخرجونها بقوله: {الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} [النساء: 23] ويحتجون بقول النبى صلى الله عليه وسلم: ((حَرِّمُوا مِنَ الرَّضَاع مَا تُحَرِّمُونَ مِنَ النَّسَبِ))، قالوا: وهذه الحليلة تحرم إذا كانت لابن النسب، فتحرم إذا كانت لابن الرضاع. قالوا: والتقييد لإخراج ابن التبنِّى لا غير، وحرموا من الرضاع بالصهر نظيرَ ما يَحْرُمُ بالنسب. ونازعهم فى ذلك آخرون، وقالوا: لا تحرُم حليلةُ ابنه مِن الرضاعة، لأنه ليس مِن صُلبه، والتقييد كما يُخرج حليلة ابن التبنِّى يُخرج حليلةَ ابن الرضاع سواء، ولا فرق بينهما. قالوا: وأما قولُه صلى الله عليه وسلم: ((يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ)) فهو من أكبر أدلتنا وعمدتنا فى المسألة، فإن تحريمَ حلائلِ الآباء والأبناء إنما هو بالصِّهر لا بالنَسب، والنبىُّ صلى الله عليه وسلم قد قصر تحريمَ الرضاع على نظيره مِن النسب لا على شقيقه من الصهر، فيجبُ الاقتصارُ بالتحريم على مورد النص.
قالوا: والتحريمُ بالرضاع فرع على تحريم النسب، لا على تحريم المصاهرة، فتحريمُ المصاهرة أصلٌ قائم بذاته، والله سبحانه لم ينُصَّ فى كتابه على تحريم الرضاع إلا من جهة النسب، ولم ينبه على التحريم به مِن جهة الصهر ألبتة، لا بنص ولا إيماءٍ ولا إشارة، والنبىُّ صلى الله عليه وسلم أمر أن يُحرم به ما يحرُم من النسب، وفى ذلك إرشاد وإشارة إلى أنه لا يحرم به ما يحرم بالصهرِ، ولولا أنه أراد الاقتصار على ذلك لقال: ((حَرِّمُوا مِنَ الرَّضَاعِ ما يحرم من النَّسَبِ والصِّهر)).
قالوا: وأيضاً فالرَّضاع مشبَّه بالنسب، ولهذا أخذ منه بعض أحكامه وهو الحرمةُ والمحرمية فقط دون التوارث، والإنفاق وسائر أحكام النسب، فهو نسبٌ ضعيف، فأخذ بحسب ضعفه بعضَ أحكام النسب، ولم يقوى على سائر أحكام النسب، وهو ألصق به من المصاهرة، فكيف يقوى على أخذ أحكام المصاهرة مع قصوره عن أحكام مشبهه وشقيقه؟.
وأما المصاهرة والرضاع، فإنه لا نسبَ بينهما ولا شبهة نسب، ولا بعضية، ولا اتصال. قالوا: ولو كان تحريمُ الصهرية ثابتاً لبينه الله ورسوله بياناً شافياً يُقيم الحجة ويقطع العذر، فَمِنَ الله البيانُ، وعلى رسولِه البلاغُ، وعلينا التسليمُ والانقياد، فهذا منتهى النظر فى هذه المسألة، فمن ظفِر فيها بحجة، فليرشد إليها وليدل عليها، فإنا لها منقادون، وبها معتصِمون، والله الموفق للصواب.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس