حرف الثاء
ثَلْجٌ: ثبت فى ((الصحيح)) عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((اللَّهُمَّ اغْسِلْنى مِنْ خطاياىَ بالماءِ والثَّلْجِ والبَرَدِ)).
وفى هذا الحديث من الفقه: أنَّ الداء يُداوَى بضده، فإنَّ فى الخطايا من الحرارة والحريق ما يُضاده الثلجُ والبَرَدُ، والماءُ البارد، ولا يقال: إنَّ الماء الحار أبلغُ فى إزالة الوسخ، لأنَّ فى الماء البارد من تصليب الجسم وتقويته ما ليس فى الحار، والخطايا تُوجب أثرين: التدنيس والإرخاء، فالمطلوبُ مداواتها بما ينظِّفُ القلب ويُصْلِّبُهُ، فذكر الماء البارد والثلج والبَرَد إشارةٌ إلى هذين الأمرين.
وبعد.. فالثلجُ بارد على الأصح، وغَلِطَ مَن قال: حارٌ، وشُبهته تَولُّد الحيوان فيه، وهذا لا يدل على حرارته، فإنه يتولَّد فى الفواكه الباردة، وفى الخَلِّ، وأما تعطيشه، فلتهييجه الحرارةَ لا لحرارتِه فى نفسه، ويضرُّ المَعِدَة والعصب، وإذا كان وجعُ الأسنانِ من حرارة مفرطة، سَكَّنها.
ثُومٌ: هو قريب من البصل، وفى الحديث: ((مَن أكَلَهُما فلْيُمِتْهُمَا طَبْخاً)). وأُهدى إليه طعامٌ فيه ثومٌ، فأرسل به إلى أبى أيوب الأنصارىِّ، فقال: يارسولَ الله؛ تَكْرهه وتُرْسِلُ به إلىَّ ؟ فقال: ((إنىِّ أُناجى مَنْ لا تُنَاجِى))
وبعد فهو حار يابس في الرابعة، يسخن تسخنياً قوياً، ويجفف تجفيفاً بالغاً، نافع للمبرودين، ولمن مزاجه بلغمي، ولمن أشرف على الوقوع في الفالج، وهو مجفف للمني، مفتح للسدد، محلل للرياح الغليظة، هاضم للطعام، قاطع للعطش، مطلق للبطن، مدر للبول، يقوم في لسع الهوام وجميع الأورام الباردة مقام الترياق، وإذا دق وعمل منه ضماد على نهش الحيات، أو على لسع العقارب، نفعها وجذب السموم منها، ويسخن البدن، ويزيد في حرارته، ويقطع البلغم، ويحلل النفخ، ويصفي الحلق، ويحفظ صحة أكثر الأبدان، وينفع من تغير المياه، والسعال المزمن، ويؤكل نيئاً ومطبوخاً ومشوياً، وينفع من وجع الصدر من البرد، ويخرج العلق من الحلق وإذا دق مع الخل والملح والعسل، ثم وضع على الضرس المتأكل، فتته وأسقطه، وعلى الضرس الوجع، سكن وجعه. وإن دق منه مقدار درهمين، وأخذ مع ماء العسل، أخرج البلغم والدود، وإذا طلي بالعسل على البهق، نفع.
ومن مضاره: أنه يصدع، ويضر الدماغ والعينين، ويضعف البصر والباه، ويعطش، ويهيج الصفراء، ويجيف رائحة الفم، ويذهب رائحته أن يمضغ عليه ورق السذاب.
ثريد: ثبت في ((الصحيحين)) عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)).
والثريد وإن كان مركباً، فإنه مركب من خبز ولحم، فالخبز أفضل الأقوات، واللحم سيد الإدام، فإذا اجتمعا لم يكن بعدهما غاية.
وتنازع الناس أيهما أفضل ؟ والصواب أن الحاجة إلى الخبز أكثر وأعم، واللحم أجل وأفضل، وهو أشبه بجوهر البدن من كل ما عداه، وهو طعام أهل الجنة، وقد قال تعالى لمن طلب البقل: والقثاء، والفوم، والعدس، والبصل: {أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير} [البقرة: 62]، وكثير من السلف على أن الفوم الحنطة، وعلى هذا فالآية نص على أن اللحم خير من الحنطة.
حرف الجيم
جمار: قلب النخل، ثبت في ((الصحيحين)): عن عبد الله بن عمر قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس، إذ أتي بجمار نخلة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن من الشجر شجرة مثل الرجل المسلم لا يسقط ورقها.. الحديث)). والجمار: بارد يابس في الأولى، يختم القروح، وينفع من نفث الدم، واستطلاق البطن، وغلبه المرة الصفراء، وثائرة الدم، وليس برديء الكيموس، ويغذو غذاء يسيراً، وهو بطيء الهضم، وشجرته كلها منافع، ولهذا مثلها النبي صلى الله عليه وسلم بالرجل المسلم لكثرة خيره ومنافعه.
جبن: في ((السنن)) عن عبد الله بن عمر قال: ((أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجبنة في تبوك، فدعا بسكين، وسمى وقطع)) رواه أبو داود، وأكله الصحابة رضي الله عنهم بالشام، والعراق، والرطب منه غير المملوح جيد للمعدة، هين السلوك في الأعضاء، يزيد في اللحم، ويلين البطن تلييناً معتدلاً، والمملوح أقل غذاء من الرطب، وهو رديء للمعدة، مؤذ للأمعاء، والعتيق يعقل البطن، وكذا المشوي، وينفع القروح ويمنع الإسهال. وهو بارد رطب، فإن استعمل مشوياً، كان أصلح لمزاجه، فإن النار تصلحه وتعدله، وتلطف جوهره، وتطيب طعمه ورائحته. والعتيق المالح، حار يابس، وشيه يصلحه أيضاً بتلطيف جوهره، وكسر حرافته لما تجذبه النار منه من الأجزاء الحارة اليابسة المناسبة لها، والمملح منه يهزل، ويولد حصاة الكلى والمثانة، وهو رديء للمعدة، وخلطة بالملطفات أردأ بسبب تنفيذها له إلى المعدة.
|