وقوله: ((فَيَظَلُّ يَضْحَكُ)) هو من صفات أفعَاله سبحانه وتعالى التى لا يُشبهه فيها شىءٌ مِن مخلوقاته، كصفات ذاته، وقد وردت هذه الصفة فى أحاديث كثيرة لا سبيلَ إلى ردها، كما لا سبيل إلى تشبيهها وتحريفها، وكذلك: ((فأصبح ربك يطوفُ فى الأرضِ))، هو من صفات فعله، كقوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ} ، {هَلْ يَنْظُرُونَ إلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ}، و((ينْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيا))، و ((يَدْنُو عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَيُبَاهِى بِأَهْلِ المَوْقِفِ المَلائِكَةَ))، والكلام فى الجميع صراط واحد مستقيم، إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تحريف ولا تعطيل.
وقوله: ((والملائكة الذين عند ربك)): لا أعلم موت الملائكة جاء فى حديث صريح إلا هذا، وحديث إسماعيل بن رافع الطويل، وهو حديث الصُّور، وقد يُستدل عليه بقوله تعالى: {وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِى السَّمَوَاتِ وَمَن فِى الأَرْضِ إلاَّ مَن شَاءَ اللهُ}[الزمر: 68]
وقوله: ((فلَعَمْر إلهك)). هو قَسم بحياة الرب جَلَّ جلالُه، وفيه دليل على جوازِ الإقسام بصفاته، وانعقادِ اليمين بها، وأنها قديمة، وأنه يُطلق عليه منها أسماء المصادر، ويُوصف بها، وذلك قدر زائد على مجرد الأسماء، وأن الأسماء الحُسْنَى مشتقة مِن هذه المصادر دالة عليها.
وقوله: ((ثم تجىء الصائحة)): هى صيحة البعث ونفخته.
وقوله: ((حتى يخلفه مِن عند رأسه)): هو من أخلف الزرعُ: إذا نبت بعد حصاده، شبَّه النشأة الآخرة بعد الموت بإخلاف الزرع بعد ما حُصِد، وتلك الخلفة مِن عند رأسه كما ينبت الزرع.
وقوله: ((فيستوى جالساً)): هذا عند تمام خِلقته وكمال حياته، ثم يقومُ بعد جلوسه قائماً، ثم يُساق إلى موقف القيامة إما راكباً وإما ماشياً.
وقوله: ((يقول: يارب أمس، اليوم))، استقلال لمدة لبثه فى الأرض، كأنه لبث فيها يوماً، فقال: أمس، أو بعضَ يوم، فقال: اليوم، يحسب أنه حديثُ عهد بأهله، وأنه إنما فارقهم أمسِ أو اليوم.
وقوله: ((كيف يجمعُنا بعد ما تمزِّقنا الرياحُ والبِلَى والسِّباع))؟ وإقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم له على هذا السؤال، رد على مَن زعم أنَّ القوم لم يكونوا يخوضُون فى دقائق المسائل، ولم يكونوا يفهمون حقائقَ الإيمان، بل كانوا مشغولين بالعمليات، وأن أفراخ الصابئة، والمجوس مِن الجهمية والمعتزلة والقَدَرية أعرفُ منهم بالعلميات.
وفيه دليل على أنهم كانوا يُورِدُون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يُشْكِلُ عليهم من الأسئلة والشبهات، فيُجيبهم عنها بما يُثْلِجُ صدورهم، وقد أورد عليه صلى الله عليه وسلم الأسئلة أعداؤه وأصحابه، أعداؤه: للتعنت والمغالبة، وأصحابه: للفهم والبيان وزيادة الإيمان، وهو يُجيب كُلاً عن سؤاله إلا ما لا جواب عنه، كسؤاله عن وقت الساعة، وفى هذا السؤال دليل على أنه سبحانه يجمع أجزاء العبد بعد ما فرَّقها، وينشئها نشأة أُخرى، ويخلقه خلقاً جديداً كما سمَّاه فى كتابه، كذلك فى موضعين منه. وقوله: ((أنبئك بمثل ذلك فى آلاء الله))، آلاؤه: نِعمه وآياتُه التى تعرَّف بها إلى عباده.
وفيه: إثبات القياس فى أدلة التوحيد والمعاد، والقرآن مملوء منه.
وفيه: أنَّ حكمَ الشئ حكمُ نظيره، وأنَّه سبحانه إذا كان قادراً على شىء، فكيف تعجِزُ قدرتُه عن نظيره ومثله؟ فقد قرر اللهُ سبحانه أدلة المعاد فى كتابه أحسنَ تقرير وأبينَه وأبلغَه، وأَوصلَه إلى العقول والفِطر، فأبى أعداؤه الجاحدون إلا تكذيباً له، وتعجيزاً له، وطعناً فى حِكمته، تعالى عما يقولون عُلواً كبيراً.
وقوله فى الأرض: ((أشرفت عليها، وهى مدرة بالية)). هو كقوله تعالى: {وَيُحْيْى الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها}[الروم: 19] . وقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَـإذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}[فصلت: 39]، ونظائره فى القرآن كثيرة.
وقوله: ((فتنظرون إليه وينظر إليكم))، فيه إثبات صفة النظر للهِ عَزَّ وجَلَّ، وإثباتُ رؤيته فى الآخرة.
وقوله: ((كيف ونحن ملءُ الأرض وهو شخص واحد))، قد جاء هذا فى هذا الحديث، وفى قوله فى حديث آخر: ((لا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ)) والمخاطَبون بهذا قوم عرب يعلمون المرادَ منه، ولا يقع فى قلوبهم تشبيهُه سبحانه بالأشخاص، بل هم أشرفُ عقولاً، وأصحُّ أذهاناً، وأسلمُ قلوباً من ذلك، وحقق صلى الله عليه وسلم وقوعَ الرؤية عَيَاناً برؤية الشمس والقمر تحقيقاً لها، ونفياً لتوهم المجاز الذى يظنه المعطِّلون.
وقوله: ((فيأخذ ربك بيده غُرْفَةً من الماء فينضَحُ بها قِبَلكم))، فيه إثبات صفة اليد له سبحانه بقوله، وإثبات الفعل الذى هو النضحُ، و((الَّريْطة)): الملاءة. و((الحُمَم)): جمع حُمَمة، وهى الفحمة.
وقوله: ((ثم يَنْصَرِفُ نَبِيُّكُمْ))، هذا انصراف من موقف القيامة إلى الجنَّة.
وقوله: ((وَيْفترِقُ على أثَرِهِ الصَّالِحُونَ)): أى يفزعون ويمضون على أثره.
وقوله: ((فَتَطلعون على حَوْضِ نَبيِّكُم)): ظاهر هذا أنَّ الحوض من وراء الجِسرِ، فكأنهم لا يصلون إليه حتى يقطعوا الجسر، وللسَّلَف فى ذلك قولان حكاهما القرطبى فى ((تذكرته))، والغزالى، وغلَّطا مَن قال: إنه بعد الجسر، وقد روى البخارى: عن أبى هريرة، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بَيْنا أنَا قَائِمٌ على الحَوْضِ إذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إذا عَرَفْتُهُم خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنى وبَيْنهِم، فقال لهم: هَلُمَّ، فقلتُ: إلى أين؟ فقال: إلى النَّـارِ واللهِ، قلتُ: ما شأنهم؟ قال: إنَّهُم ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِم، فَلا أرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُم إلا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَم)). قال: فهذا الحديث مع صحته أدلُّ دليل على أن الحَوْض يكون فى الموقف قبل الصِّراط، لأن الصِّراط إنما هو جسر ممدود على جهنم، فمن جازه سلم من النار.
|