عرض مشاركة واحدة
قديم 12-13-2003, 10:13 PM   #4
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (06:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



ودخل الوفد نجران، فأتى الراهب ابن أبى شمر الزبيدى، وهو فى رأس صومعة له، فقال له: إن نبياً قد بُعِث بتهامة، وإنَّه كتب إلى الأسقف، فأجمع أهلُ الوادى أن يُسَيِّروا إليه شُرحبيل بن وداعة، وعبد الله بن شُرحبيل، وجبار ابن فيض، فيأتونهم بخبره، فسارُوا حتى أتَوْه، فدعاهم إلى المباهلة، فكرهوا ملاعنته، وحكَّمه شُرحبيل فحكم عليهم حكماً، وكتب لهم كتاباً، ثم أقبل الوفدُ بالكتاب حتى دفعُوه إلى الأسقف، فبينا الأسقفُ يقرؤه وبشر معه حتى كبت ببشر ناقته فتعَّسَه، فشهد الأسقفُ أنه نبى مرسل، فانصرف أبو علقمة نحوَه يُريد الإسلام، فقال الراهب: أنزلونى وإلا رميتُ بنفسى مِن هذه الصومعة، فأنزلوه، فانطلق الراهبُ بِهَدِية إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، منها هذا البُردُ الذى يَلبَسُهُ الخلفاء والقعب والعصا، وأقام الراهبُ بعد ذلك يسمع كيف ينزل الوحىُ، والسنن، والفرائض، والحدودُ، وأبى الله لِلراهب الإسلام، فلم يُسلم، واستأذنَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فى الرجعة إلى قومه، وقال: إنَّ لى حاجةً ومعاداً إن شاء الله تعالى، فرجع إلى قومه، فلم يعد حتى قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإنَّ الأسقف أبا الحارث أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه السَّيد والعاقِب ووجوهُ قومه، وأقامُوا عنده يستمعون ما ينزل اللهُ عليه، فكتب للأسقف هذا الكتاب وللأساقفة بنجران بعده: ((بسْم اللهِ الرَّحْمَن الرَّحيم، منْ مُحَمَّدٍ النَّبىِّ إلى الأسقُفُ أبى الحارث وأسَاقِفَةِ نَجْرانَ وكَهَنَتِهِم، ورُهْبَانِهِمْ، وأهْلِ بِيَعِهم، ورَقيقِهم، ومِلَّتِهم، وسَوَقِتِهِم، وعَلى كُلِّ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِم مِنْ قَلِيلٍ وَكثِيرٍ، جِوارُ اللهِ ورَسُولِه، لا يُغَيَّرُ أُسْقُفٌ مِنْ أُسْقُفَتِهِ ولا رَاهِبٌ مِنْ رَهْبَانِيَّتِهِ، ولا كَاهِنٌ مِنْ كَـهَانَتِه، ولا يُغَيَّرُ حَقٌ مِنْ حُقُوقِهِم، ولا سُلْطَانهم، ولا مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ، عَلى ذلِكَ جِوَارُ اللهِ ورَسُولِه أبَداً ما نَصحوا وأَصْلَحوا عَلَيْهِم، غَيْرَ منقَلِبِين بِظَالِمٍ، ولا ظَالِمِينَ)). وكتب المغيرةُ بن شعبة، فلما قبض الأسقفُ الكتاب، استأذن فى الانصراف إلى قومه ومَن معه، فأذن لهم، فانصرفوا.

وروى البيهقى بإسناد صحيح إلى ابن مسعود، أنَّ السيد والعاقب أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يُلاعنهما، فقال أحدُهما لصـاحبه: لا تُلاعِنْه، فواللهِ إن كان نبياً فلاعنتَه لا نُفْلِحُ نحن، ولا عَقِبُنا مِن بعدنا، قالوا له: نُعطيك ما سألتَ، فابعث معنا رجلاً أميناً، ولا تبعثْ معنا إلا أميناً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأَبْعَثَنَّ مَعَكُم رَجُلاً أميناً حَقَّ أمِينٍ))، فاستشرف لها أصحابُه، فقال: ((قُمْ يا أبا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ)) فلمَّا قَامَ، قال: ((هذا أمِينُ هذِهِ الأُمَّة)).

ورواه البخارى فى ((صحيحه)) من حديث حذيفة بنحوه.

وفى ((صحيح مسلم)) من حديث المُغيرة بن شُعبة قال: بعثنى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران، فقالُوا فيما قالوا: أرأيتَ ما يقرؤون: {يَا أُخْتََ هَارُونَ }، وقد كان بينَ عيسى وموسى ما قد علمتم، قال: فأتيتُ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، فأخبرتُه قال: ((أفَلا أخْبَرْتَهُم أنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَسماءِ أَنْبِيَائِهِمْ والصَّالِحينَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُم)).

وروينا عن يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: وبعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم علىَّ بن أبى طالب إلى أهل نجران ليجمع صدقاتِهم، ويَقْدَمَ عليه بجزيتهم.


فصل

فى فقه قصة وفد نجران

ففيها: جوازُ دُخولِ أهلِ الكتاب مساجدَ المسلمين.

وفيها: تمكينُ أهلِ الكتاب من صلاتهم بحضرة المسلمين وفى مساجدهم أيضاً إذا كان ذلك عارضاً، ولا يُمكَّنون من اعتياد ذلك.

وفيها: أنَّ إقرارَ الكاهن الكِتابى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه نبى لا يُدخله فى الإسلام ما لم يلتزِمْ طاعتَه ومتابعته، فإذا تمسَّك بدينه بعد هذا الإقرار لا يكونُ رِدَّة منه، ونظيرُ هذا قول قول الحَبْرينِ له، وقد سألاه ثلاث مسائل، فلما أجابهما، قالا: نشهد أنك نبى، قال: ((فما يمنعُكما مِن اتباعى))؟ قالا: نخاف أن تقتُلَنا اليهودُ، ولم يُلزمهما بذلك الإسلام، ونظيرُ ذلِكَ شهادةُ عمه أبى طالب له بأنه صادق، وأنَّ دينَه مِن خير أديان البرية ديناً، ولم تُدخِلْه هذه الشهادةُ فى الإسلام.

ومَن تأمَّل ما فى السير والأخبار الثابتة من شهادة كثير من أهل الكتاب والمشركين له صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وأنه صادق، فلم تدخلهم هذه الشهادة فى الإسلام، علم أنَّ الإسلامَ أمرٌ وراء ذلك، وأنه ليس هو المعرفة فقط، ولا المعرفة والإقرار فقط، بل المعرفةُ والإقرارُ، والانقيادُ، والتزامُ طاعته ودينه ظاهراً وباطناً.

وقد اختلف أئمةُ الإسلام فى الكافر إذا قال: أشهدُ أن محمداً رسولُ اللهِ ولم يَزِدْ، هل يُحكم بإسلامه بذلك؟ على ثلاثة أقوال، وهى ثلاثُ روايات عن الإمام أحمد، إحداها: يُحكم بإسلامه بذلك، والثانية: لا يُحكـم بإسلامه حتى يأتىَ بشهادة أنْ لا إله إلا الله، والثالثة: أنَّه إذا كان مقراً بالتوحيد، حُكِم بإسلامه، وإن لم يكن مقراً، لم يُحكم بإسلامه حتى يأتىَ به، وليس هذا موضعَ استيفاء هذه المسألة، وإنما أشرنا إليه إشارة، وأهلُ الكتابين مجمعون على أنَّ نبياً يخرج فى آخر الزمان، وهم ينتظرونه، ولا يَشُكُّ علماؤهم فى أنه محمدُ بنُ عبد الله بن عبد المطلب، وإنما يمنعُهم من الدخول فى الإسلام رئاستُهم على قومهم، وخضوعُهم لهم، وما ينالونه منهم مِن المال والجاه.

ومنها: جوازُ مجادلة أهل الكتاب ومناظرتهم، بل استحبابُ ذلك، بل وجوبُه إذا ظهرت مصلحتُه من إسلام مَن يُرجى إسلامُه منهم، وإقامة الحُجَّة عليهم، ولا يهرُب من مجادلتهم إلا عاجزٌ عن إقامة الحُجَّة، فليوَلِّ ذلك إلى أهله، وليُخَلّ بَيْنَ المَطِىِّ وحَادِيها، والقوسِ وباريها، ولولا خشيةُ الإطالة لذكرنا مِن الحُجَج التى تلزمُ أهل الكتابَيْنِ الإقرارَ بأنه رسولُ الله بما فى كتبهم، وبما يعتقدونه بما لا يُمكنهم دفعُه ما يزيد على مائة طريق، ونرجو من الله سبحانه إفرادَها بمصنَّف مستقل.

ودار بينى وبين بعض علمائهم مناظرةٌ فى ذلك، فقلت له فى أثناء الكلام: ولا يتم لكم القَدح فى نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم إلا بالطعن فى الربِّ تعالى والقدح فيه، ونسبته إلى أعظم الظلم والسفه والفساد، تعالى الله عن ذلك، فقال: كيف يلزمُنا ذلك؟ قلت: بل أبلغ مِن ذلك، لا يَتمُّ لكم ذلك إلا بجحوده وإنكار وجوده تعالى، وبيانُ ذلك أنه إذا كان محمد عندكم ليس بنبىٍّ صادق، وهو يزعمكم ملك ظالم، فقد تهيأ له أن يفترىَ على الله، ويتقوَّل عليه ما لم يقُلْه، ثم يتم له ذلك، ويستمر حتى يُحلِّل، ويُحَرِّمَ، ويفرِضَ الفرائضَ، ويشرع الشرائع، وينسخَ المِلل، ويضربَ الرِّقاب، ويقتلَ أتباعَ الرُّسل، وهم أهلُ الحق، ويسبى نساءَهم وأولادَهم، ويَغْنَم أموالهم ودِيارَهم، ويَتِمَّ له ذلك حتى يفتحَ الأرض، وينسب ذلك كله إلى أمر الله تعالى له به ومحبته له، والربُّ تعالى يُشاهده، وما يفعل بأهل الحقِّ وأتباع الرُّسُل، وهو مستمر فى الافتراء عليه ثلاثاً وعشرين سنة، وهو مع ذلك كُلِّه يُؤيده وينصُره، ويُعلى أمره، ويُمكِّن له من أسباب النصر الخارجة عن عادة البَشَر، وأعجَب من ذلك أنه يُجيب دعواته، ويُهلِكُ أعداءَه من غير فعل منه نفسه ولا سبب، بل تارة بدعائه، وتارة يستأصِلُهم سبحانه من غير دعاء منه صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك يقضى له كل حاجة سأله إياها، ويعده كل وعد جميل، ثم ينجز له وعده على أتمِّ الوجوه، وأهنئها، وأكملها، هذا وهو عندكم فى غاية الكذِب والافتراءِ والظُّلم، فإنه لا أكذبَ ممن كذبَ على اللهِ، واستمرَّ على ذلك، ولا أظلمَ ممن أبطل شرائعَ أنبيائه ورُسُله، وسعى فى رفعها من الأرض، وتبديلها بما يُريد هو، وقتل أولياءه وحزبه وأتباع رُسُله، واستمرت نصرتُه عليهم دائماً، والله تعالى فى ذلك كُلِّهِ يقره، ولا يأخُذ منه باليمين، ولا يقطَعُ منه الوتَين، وهو يُخبِرُ عن ربه أنه أُوحى إليه أنه لا: {أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِىَ إلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إلَيْهِ شَىْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللهُ}[الأنعام: 93]، فيلزمُكم معاشِرَ مَنْ كذَّبه أحدُ أمرين لا بد لكم منهما:

إما أن تقُولوا: لا صانِع للعالَم، ولا مُدَبِّرَ، ولو كان للعالَم صانع مدبِّرٌ قديرٌ حكيم، لأخذ على يديه، ولقابله أعظمَ مقابلة، وجعله نكالا للظالمينَ إذ لا يليقُ بالملوك غيرُ هذا، فكيف بملك السماواتِ والأرض، وأحكم الحاكمين؟

الثانى: نِسبةُ الربِّ إلى ما لا يليق به من الجور، والسفه، والظلم، وإضلال الخلق دائماً أبَد الآباد، لا بَلْ نصرة الكاذب، والتمكين له من الأرض، وإجابة دعواته، وقيام أمره مِن بعده، وإعلاء كلماته دائماً، وإظهار دعوته، والشهادة له بالنبوة قرناً بعد قرن على رؤوس الأشهاد فى كل مجمع وناد، فأين هذا من فعل أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، فلقد قدحتم فى رب العالمين أعظمَ قدح، وطعنتم فيه أشَدَّ طعن، وأنكرتموه بالكلية، ونحن لا ننكر أن كثيراً من الكذَّابين قام فى الوجود، وظهرت له شَوْكة، ولكن لم يتم له أمرُه، ولم تطل مدته، بل سَلَّط عليه رُسُله وأتباعهم، فمحقوا أثره، وقطعوا دابره، واستأصلوا شأفته. هذه سُـنَّته فى عباده منذ قامت الدنيا، وإلى أن يرث الأرض ومَن عليها.

فلما سمع منى هذا الكلام، قال: معاذَ الله أن نقول: إنه ظالم أو كاذب، بل كُلُّ منصف من أهل الكتاب يُقِرُّ بأنَّ مَن سلك طريقه، واقتفى أثَره، فهو مِن أهل النجاة والسعادة فى الأُخرى، قلتُ له: فكيف يكون سالكُ طريق الكذَّاب، ومقتفى أثره بزعمكم مِن أهل النجاة والسعادة؟

فلم يجد بُداً من الاعتراف برسالته، ولكن لم يُرسَل إليهم. قلت: فقد لزمك تصديقُه ولا بد، وهو قد تواترت عنه الأخبار بأنه رسولُ رب العالَمين إلى الناس أجمعينَ، كِتَابِيهم وأُمِّيهم، ودعا أهل الكتاب إلى دينه، وقاتل مَن لم يدخُلْ فى دينه منهم حتى أقروا بالصغار والجزية، فَبُهِتَ الكافِرُ، ونهض مِن فوره.

والمقصود: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يزل فى جِدالِ الكفار على اختلاف مِللهم ونِحَلِهم إلى أن تُوفى، وكذلك أصحابُه من بعده، وقد أمره الله سبحانه بجدالهم بالتى هى أحسن فى السورة المكية والمدنية، وأمره أن يدعوهم بعد ظهور الحُجَّةِ إلى المُباهلة، وبهذا قام الدينُ، وإنما جُعِلَ السيفُ ناصِراً للحُجَّة، وأعدلُ السيوفِ سيفٌ ينصُرُ حُجَجَ اللهِ وبيِّناتِه، وهو سيفُ رسوله وأُمته.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس