عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-2003, 10:12 PM   #12
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (06:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وأخبر سبحانه وتعالى: أنه لا ينفعُ العبادَ يومَ القيامة إلا صدقهم، وجعل عَلَم المنَافقين الذى تميزوا به هو الكذبَ فى أقوالهم وأفعالهم، فجميعُ ما نعاه عليهم أصلُه الكذبُ فى القول والفعل، فالصدق بريدُ الإيمان، ودليله، ومركبه، وسائقه، وقائده، وحِليته، ولباسُه، بل هو لبُّه وروحه. والكذب: بريدُ الكفر والنفاق، ودليلهُ، ومركبه، وسائقه، وقائدُه، وحليته، ولباسه، ولبُّه، فمضادة الكذبِ للإيمان كمضادة الشِّرك للتوحيد، فلا يجتمعُ الكذب والإيمان إلا ويطرُد أحدهما صاحبه، ويستقِرُّ موضعه، والله سبحانه أنجى الثلاثَةَ بصدقهم، وأهلكَ غيرَهم من المخلَّفين بكذبهم، فما أنعم اللهُ على عبدٍ بعد الإسلام بنعمة أفضل من الصدق الذى هو غِذاء الإسلام وحياتُه، ولا ابتلاه ببلية أعظمَ من الكذب الذى هو مرضُ الإسلام وفساده. والله المستعان.

وقوله تعالى: {لَقَد تَّابَ اللهُ عَلَى النَّبِىِّ وَالمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ. إنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}[التوبة: 117] ، هذا من أَعظَم ما يُعَرِّفُ العبد قدرَ التوبة وفضلَها عند الله، وأنها غاية كمال المؤمن، فإنَّه سبحانه أعطاهم هذا الكمال بعد آخر الغزواتِ بعد أن قَضَوْا نحبَهم، وبذلوا نفوسهم، وأموالهم، وديارهم لله، وكان غايةَ أمرهم أن تاب عليهم، ولهذا جعل النبى صلى الله عليه وسلم يومَ توبةِ كعب خيرَ يوم مَرَّ عليه منذ ولدته أُمه، إلى ذلك اليوم، ولا يعرِفُ هذا حق معرفته إلا مَن عرف الله، وعرف حقوقَه عليه، وعرف ما ينبغى له من عُبوديته، وعرف نفسَه وصفاتِها وأفعالها، وأن الذى قام به مِن العبودية بالنسبة إلى حق ربه عليه، كقَطْرة فى بحرٍ، هذا إذا سلم من الآفات الظاهرة والباطنة، فسُبحان مَن لا يسعُ عبادَه غيرُ عفوه ومغفرته، وتغمده لهم بمغفرته ورحمته، وليس إلا ذلك أو الهلاك، فإن وضع عليهم عدله، فعذَّب أهلَ سماواته وأرضه عذَّبهم، وهو غيرُ ظالم لهم، وإن رحمهم، فرحمتُه خير لهم من أعمالهم، ولا يُنجى أحداً منهم عملُه.


فصل

وتأمل تكريرَه سبحانه توبتَه عليهم مرتين فى أول الآية وآخِرها، فإنه تاب عليهم أولاً بتوفيقهم للتوبة، فلما تابوا، تاب عليهم ثانياً بقبولها منهم، وهو الذى وفقهم لِفعلها، وتفضَّل عليهم بقبولها، فالخير كله منه وبه، وله وفى يديه، يعطيه مَن يشاءُ إحساناً وفضلاً، ويحرمه مَن يشاء حكمةً وعدلاً.


فصل

وقوله تعالى: {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ}[التوبة: 118]، قد فسَّرها كعبٌ بالصواب، وهو أنهم خُلِّفُوا من بين مَن حلفَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتذر من المتخلفين، فخلَّف هؤلاء الثلاثة عنهم، وأرجأ أمرهم دونهم، وليس ذلك تخلُّفهم عن الغزو، لأنه لو أراد ذلك، لقال: تخلَّفوا، كما قال تعالى: {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللهِ}[التوبة: 120]، وذلك لأنهم تخلَّفوا بأنفسهم بخلاف تخليفهم عَن أمر المتخلِّفين سواهم، فإن الله سبحانه هو الذى خلَّفهم عنهم، ولم يتخلَّفوا عنه بأنفسهم.. والله أعلم.


فصل

فى حَجَّة أبى بكر الصِّدِّيق رضى اللهُ عنه سنة تسع بعد مقدمه من تَبُوك

قال ابن إسحاق: ثم أقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم منصرَفه مِن تَبُوك بقيةَ رمضانَ وشوَّالاً وذا القَعدة، ثم بعث أبا بكر أميراً على الحج سنةَ تسع لِيقيم للمسلمين حَجَّهم، والناس من أهل الشِّرك على منازلهم من حَجِّهم، فخرج أبو بكر والمؤمنون.

قال ابن سعد: فخرج فى ثلاثمائة رجل من المدينة، وبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرين بدنة، قلَّدها وأشعرها بيده، عليها ناجية بن جُندب الأسلمى، وساق أبو بكر خمس بدنات.

قال ابن إسحاق: فنزلت براءة فى نقضِ ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين مِن العهد الذى كانوا عليه، فخرج علىُّ بن أبى طالب رضى الله عنه على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء.

قال ابن سعد: فلما كان بالعَرْج وابن عائذ يقول: بضَجَنان لحقه علىُّ بن أبى طالب رضى الله عنه على العضباء، فلما رآه أبو بكر، قال: أميرٌ أو مأمورٌ؟ قال: لا بل مأمور، ثم مضيا.

وقال ابن سعد: فقال له أبو بكر: أستعملك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على الحج؟ قال: لا، ولكن بعثنى أقرأ براءة على الناس، وأَنبذ إلى كل ذى عَهدٍ عهده، فأقام أبو بكر للناس حَجَّهم، حتى إذا كان يومُ النحر، قام علىُّ بن أبى طالب، فأذَّن فى الناس عند الجمرة بالذى أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونبذ إلى كل ذى عهد عهده، وقال: أَيها الناس؛ لا يدخُلُ الجنَّة كافر، ولا يحجُّ بعد العام مشرك، ولا يطوفُ بالبيت عُريان، ومَن كان له عهد عِند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو إلى مُدَّته.

وقال الحميدى: حدَّثنا سفيان، قال: حدَّثنى أبو إسحاق الهَمْدَانى،عن زيد بن يُثَيْع، قال: سألنا علياً، بأى شئ بُعِثْتَ فى الحَجَّة؟ قال: بُعِثتُ بأربع: لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ إلا نفسٌ مُؤمِنة، ولا يَطُوفُ بالبيت عُريان، ولا يجتمِعُ مُسلم وكافر فى المسجد الحرام بعد عامِه هذا، ومَنْ كان بينَه وبَيْن النبىِّ صلى الله عليه وسلم عهد، فعهده إلى مُدَّته، ومَن لم يكن له عهد، فأجلُه إلى أربعةِ أشهرِ.

وفى ((الصحيحين)): عن أبى هُريرة، قال: بعثنى أبو بكر فى تلك الحَجَّة فى مُؤذِّنِينَ بعثهم يومَ النحر يؤذِّنون بمِنَى: أَلاَّ يَحُجَّ بعدَ هذا العامِ مُشرِك، ولا يَطُوفَ بالبيت عُريان، ثم أردف النبىُّ صلى الله عليه وسلم أبا بَكر بعلىِّ بنِ أبى طالب رضى الله عنهما، فأمره أن يُؤذِّن ببراءة، قال: فأذَّن معنا علىُّ فى أهل مِنَى يَوْمَ النحرِ ببراءة، وأَلاَّ يَحُجَّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، ولا يَطُوفَ بالبَيْتِ عُرْيان.

وفى هذه القصة دليل على أن يومَ الحج الأكبر يومُ النحر، واختُلِف فى حَجَّة الصِّدِّيق هذه، هل هى التى أسقطت الفرضَ، أو المسقطة هى حَجَّة الوداع مع النبى صلى الله عليه وسلم؟ على قولين. أصحهما الثانى، والقولان مبنيان على أصلين: أحدُهما: هل كان الحَجُّ فُرِضَ قَبْلَ عام حَجَّة الوداع أو لا؟ والثانى: هـل كانت حَجَّةُ الصِّدِّيق رضى الله عنه فى ذى الحجة، أم وقعت فى ذى القَعدَة من أجل النسئ الذى كان الجاهليةُ يؤخِّرون له الأشهر ويُقدِّمونها؟ على قولين. والثانى: قولُ مجاهد وغيره. وعلى هذا، فلم يُؤخِّر النبى صلى الله عليه وسلم الحَجَّ بعد فرضه عاماً واحداً، بل بادر إلى الامتثال فى العام الذى فُرِض فيه، وهذا هو اللائق بهَدْيه وحاله صلى الله عليه وسلم، وليسَ بِيدِ مَن ادَّعى تقدُّم فرض الحَجّ سنةَ ست أو سبعٍ أو ثمانٍ أو تسع دليل واحد، وغايةُ ما احتج به مَن قال: فُرِضَ سنة ست قوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ للهِ}[البقرة: 196] ، وهى قد نزلت بالحُديبية سنة ست، وهذا ليس فيه ابتداءُ فرض الحَجّ، وإنما فيه الأمر بإتمامه إذا شُرِعَ فيه، فأين هذا مِن وجوب ابتدائه، وآيةُ فرض الحَجّ وهى قوله تعالى: {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ منِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً}[آل عمران: 97]، نزلت عامَ الوفود أواخرَ سنة تسع.


فصل

فى قدوم وفود العرب وغيرهم على النبى صلى الله عليه وسلم.

فَقَدِم عليه وفدُ ثقيف، وقد تقدَّم مع سياق غزوة الطائف.

قال موسى بن عقبة: وأقام أبو بكر لِلناس حَجَّهم، وقدم عروةُ بن مسعود الثقفىُّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأذن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ليرجع إلى قومه، فذكر نحوَ ما تقدم، وقال: فقدم وفدهم، وفيهم: كِنانة بن عبد ياليل، وهو رأسُهم يومئذ، وفيهم: عُثمان بنُ أبى العاص، وهو أصغرُ الوفد، فقال المغيرةُ ابن شُعْبة: يا رسولَ الله؛ أنزل قومى علىَّ فأكرمهم، فإنى حديثُ الجرح فيهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا أَمْنَعُكَ أَنْ تُكْرِمَ قَوْمَكَ، ولكِنْ أنْزِلْهُمْ حَيْثُ يَسْمَعُونَ القُرْآنَ))، وكان من جُرح المغيرة فى قومه أنه كان أجيراً لثقيفٍ، وأنهم أقبلوا مِن مُضَرَ حتى إذا كانوا ببعض الطريق، عدا عليهم وهُمْ نيام، فقتلهم، ثم أقبل بأموالِهم حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أَمَّا الإسْلاَمُ فَنَقْبَلُ، وأَمَّا المَالُ فَلاَ، فإنَّا لا نَغْدِرُ))، وأبى أن يُخَمِّسَ ما معه، وأنزل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وفدَ ثقيف فى المسجد، وبنى لهم خِياماً لكى يسمعوا القرآن، ويَروا الناسَ إذا صَلَّوْا، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب لا يذكرُ نفسه، فلما سمعه وفدُ ثقيف، قالوا: يأمُرنا أن نشهد أنه رسول الله، ولا يشهدُ به فى خُطبته، فلما بلغه قولُهم، قال: ((فإنى أول مَن شهد أنى رسولُ الله)). وكانوا يغدُون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كُلَّ يوم، ويخلِّفونَ عثمان بن أبى العاص على رحالهم، لأنه أصغرُهم، فكان عثمان كلما رجع الوفد إليه وقالوا بالهاجرة، عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عن الدين، واستقرأه القرآن، فاختلف إليه عثمان مراراً حتى فَقُه فى الدين وعلم، وكان إذا وجدَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نائماً، عَمَدَ إلى أبى بكر، وكان يكتم ذلك من أصحابه، فأعجب ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأحبه، فمكث الوفد يختلِفُون إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعوهم إلى الإسلام، فأسلموا، فقال كِنانة بنُ عبدِ ياليل: هل أنتَ مقاضينا حتى نرجِعَ إلى قومنا؟ قال: ((نعم، إن أنتم أقررتُم بالإسلام أُقاضيكم، وإلا فلا قضية، ولا صُلْحَ بينى وبينكم)). قال: أفرأيت الزِّنَى، فإنَّا قوم نغترِبُ، ولا بد لنا منه؟ قال: ((هُوَ عَلَيْكُم حَرَامٌ فَإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقول: {وَلا تَقْرَبُواْ الزِّنَى، إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}[الإسراء: 32]، قالوا: أفرأيتَ الرِّبا فإنه أموالُنا كلها؟ قال: ((لَكُمْ رُؤوسُ أمْوالِكُم إن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَا إن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ }[البقرة: 278].قالوا: أفرأيتْ الخمر، فإنه عصير أرضنا لا بد لنا منها؟ قال: ((إنَّ الله قدْ حَرَّمَهَا، وقرأ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوْاْ إنَّمَا الخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة: 90] فارتفع القومُ، فخلا بعضُهم ببعض، فقالوا: ويحكم، إنَّا نخاف إن خالفناه يوماً كيوم مكة، انطلِقُوا نُكاتبه على ما سألناه، فَأَتَوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: نعم لك ما سألتَ، أرأيت الرَّبَّة ماذا نصنعُ فيها؟ قال: ((اهدِمُوها)). قالوا: هيهاتَ لو تعلمُ الرَّبَّةُ أنك تُريد هدمها، لقتلت أهلها، فقال عمر بن الخطاب: ويحكَ يا ابنَ عبد ياليل، ما أجهلَك، إنما الرَّبَّة حجر. فقالوا: إنَّا لم نأتك يا ابن الخطاب، وقالوا لِرسول الله صلى الله عليه وسلم: تَوَلَّ أنت هدمها، فأما نحن، فإنَّا لا نهدِمُها أبداً. قال: ((فسَأَبْعَثُ إلَيْكُم مَنْ يَكْفِيكُم هَدْمَها)) فَكاتبوه، فقال كِنانة بنُ عبد ياليل: ائذن لنا قبلَ رسولِك، ثم ابعثْ فى آثارنا، فإنَّا أعلمُ بقومنا، فأَذِنَ لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكرمهم وحبَاهم، وقالوا: يا رسولَ الله؛ أمِّر علينا رجلاً يؤمنا مِن قومنا، فأمَّر عليهم عثمانَ بن أبى العاصِ لِما رأى مِن حرصه على الإسلام، وكان قد تعلَّم سوراً مِن القرآن قبل أن يخرج، فقال كِنانة بن عبد ياليل: أنا أعلمُ الناس بثقيف، فاكتموهُمُ القضية، وخوِّفُوهم بالحرب والقتال، وأخبروهم أن محمداً سألنا أُموراً أبيناها عليه، سألنا أن نَهْدِمَ اللاتَ والعُزَّى، وأن نُحَرِّمَ الخمرَ والزِّنَى، وأن نُبْطِلَ أموالنا فى الربا.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس