عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-2003, 09:33 PM   #14
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (06:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فلما فرغوا من أمرهم وتوجَّهوا إلى بلادهم راجعين، بعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم معهم أبا سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة فى هدم الطاغية، فخرجا مع القوم، حتى إذا قدموا الطائف، أراد المغيرة بن شعبة أن يُقَدِّمَ أبا سفيان، فأبى ذلك عليه أبو سفيان، فقال: ادخل أنت على قومك، وأقام أبو سفيان بماله بذى الهَدْمِ، فلما دخل المغيرةُ بن شعبة، علاها يضربُها بالمعول، وقام دونَه بنو مُعتِّب خشية أن يُرمى أو يُصاب كما أُصيب عُروة، وخرج نساء ثقيف حُسَّراً يبكين عليها، ويقول أبو سفيان والمغيرة يضربها بالفأس ((واهاً لك واهاً لك)) فلما هدمها المغيرةُ، وأخذ مالها وحُليها، أرسل إلى أبى سفيان مجموعَ مالها مِن الذهب والفضَّة والجَزْع.

وقد كان أبو مليح بن عروة وقارب بن الأسود قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفد ثقيف حين قُتِلَ عُروة يريدان فراق ثقيف، وأن لا يُجامعاهم على شىء أبداً، فأسلما، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تولَّيا مَنْ شِئْتُمَا)) قالا: نتولَّى الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وخالَكُمَا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ))، فقالا: وخالنا أبا سفيان.

فلما أسلم أهل الطائف، سأل أبو مليح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضى عن أبيه عُروة دَيْنًا كان عليه من مال الطاغية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم))، فقال له قارب بن الأسود: وعن الأسود يا رسول الله فاقْضِهِ وعُروة والأسود أخوان لأب وأُم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الأَسْوَدَ مَاتَ مُشْرِكاً)) فقال قارب ابن الأسود: يا رسول الله؛ لكن تَصِلُ مسلماً ذا قرابة يعنى نفسَه وإنما الدَّيْنُ علىَّ، وأنا الَّذى أُطْلَبُ به، فأمر النبى صلى الله عليه وسلم أبا سفيان أن يَقضى دَيْنَ عُروة والأسود من مال الطاغية، ففعل.

وكان كتابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى كتب لهم: ((بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد النبى رسول الله إلى المؤمنين، إن عِضَاه وَجٍّ وصيدَه حرام، لا يُعضد، من وُجِدَ يصنعُ شيئاً مِن ذلك، فإنه يُجلد، وتُنزع ثيابه، فإن تعدَّى ذلك، فإنه يؤخذ، فيبلغ به إلى النبى محمد، وإن هذا أمرُ النبى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم)).

فكتب خالد بن سعيد بأمر الرسول محمد بن عبد الله، فلا يتعداه أحد، فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله. فهذه قصة ثقيف من أولها إلى آخرها، سُقناها كما هى، وإن تخلل بين غزوها وإسلامها غزاةُ تبوك وغيرها، لكن آثرنا أن لا نقطع قِصتهم، وأن ينتظم أوَّلُهَا بآخرها ليقع الكلام على فقه هذه القصة وأحكامها فى موضع واحد

فنقول: فيها مِن الفقه: جوازُ القتال فى الأشهر الحُرُم، ونسخُ تحريم ذلك، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة إلى مكة فى أواخر شهر رمضان بعد مضى ثمان عشرة ليلة منه، والدليل عليه ما رواه أحمد فى ((مسنده)): حدثنا إسماعيل عن خالد الحذَّاء، عن أبى قِلابة، عن أبى الأشعث، عن شدادِ ابن أوس، أنه مَرَّ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمَنَ الفتح على رجل يحتجِمُ بالبقيع لثمان عشرة ليلة خلت من رمضان، وهو آخذ بيدى، فقال: ((أفْطَرَ الحَاجِمُ والْمَحْجومُ))، وهذا أصح مِن قول مَن قال: إنه خرج لعشر خلون من رمضان، وهذا الإسناد على شرط مسلم، فقد رَوى به بعينه: ((إنَّ اللهَ كَتَبَ الإحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَىء)).

وأقام بمكة تسع عشرة ليلة يقصرُ الصلاة، ثم خرج إلى هوازن، فقاتلهم، وفرغ منهم، ثم قصد الطائف، فحاصرهم بضعاً وعشرين ليلة فى قول ابن إسحاق، وثمان عشرة ليلة فى قول ابن سعد، وأربعين ليلة فى قول مكحول. فإذا تأملت ذلك، علمتَ أن بعض مدةِ الحصار فى ذى القعدة، ولا بُد، ولكن قد يُقال: لم يبتدئ القتال إلا فى شوَّال، فلما شرع فيه، لم يقطعه للشهر الحرام، ولكن من أين لكم أنه صلى الله عليه وسلم ابتدأ قِتالاً فى شهر حرام، وفرق بين الابتداء والاستدامة.


فصل

[فى ما فى غزوة ثقيف من الفوائد الفقهية]

ومنها: جواز غزوِ الرجل وأهلُه معه، فإن النبى صلى الله عليه وسلم كان معه فى هذه الغزوة أُم سلمة وزينب.

ومنها: جواز نصب المنجنيق على الكفار، ورميهم به وإن أفضى إلى قتل مَن لم يُقاتل مِن النساء والذُرِّية.

ومنها: جوازُ قطع شجر الكُفار إذا كان ذلك يُضعفهم ويَغيظهم، وهو أنكى فيهم

ومنها: أنَّ العبد إذا أَبَقَ من المشركين ولحق بالمسلمين، صار حراً. قال سعيد ابن منصور: حدَّثنا يزيد بن هارون، عن الحجاج، عن مِقْسَم، عن ابن عباس، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعتِقُ العبيد إذا جاؤوا قَبْلَ مواليهم.

وروى سعيد بن منصور أيضاً، قال: قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فى العبد وسيده قضيتين: قضى أن العبدَ إذا خرجَ مِن دار الحرب قبل سيده أنه حر، فإن خرج سيدُّه بعده لم يُرد عليه، وقضى أن السيد إذا خرج قبل العبد، ثم خرج العبد، رُدَّ على سيده.

وعن الشعبى، عن رجل مِن ثقيف، قال: سألنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يَرُدَّ علينا أبا بَكْرَةَ، وكان عبداً لنا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصِر ثقيفاً، فأسلم، فأبى أن يَرُدَّهُ علينا، فقال: ((هُوَ طَلِيقُ الله، ثمَّ طَلِيقُ رَسُولِهِ)) فلم يرده علينا.

قال ابن المنذر: وهذا قول كل مَن يُحفظ عنه من أهل العلم.



فصل

[ فى أنه لا يلزم المصابرة إذا حاصر الامام حصنا ولم بفتح ]

ومنها: أن الإمام إذا حاصر حِصناً، ولم يُفتح عليه، ورأى مصلحةَ المسلمين فى الرحيل عنه، لم يَلزمه مصابرتُه، وجاز له ترك مصابرته، وإنما تلزم المصابرةُ إذا كان فيها مصلحة راجحة على مفسدتها.


فصل

[فىعدم جواز الخروج من مكة إلى الجِعْرَان للإحرام منها، ثم الرجوع إليها]

ومنها: أنه أحرم من الجِعْرَانَةِ بعُمْرة، وكان داخلاً إلى مكة، وهذه هى السُّـنَّة لمن دخلها من طريق الطائف وما يليه، وأما ما يفعلُه كثيرٌ ممن لا علم عندهم من الخروج من مكة إلى الجِعْرانة ليُحرم منها بعُمْرة، ثم يرجع إليها، فهذا لم يفعله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحدٌ من أصحابه البتة، ولا استحبَّه أحدٌ من أهل العلم، وإنما يفعله عوام الناس، زعموا أنه اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم وغلطوا، فإنه إنما أحرم منها داخلاً إلى مكة، ولم يخرج منها إلى الجِعرانة ليُحرم منها، فهذا لون، وسُـنَّته لون.. وبالله التوفيق


فصل

[فى استجابة الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم دعاءه لثقيف]

ومنها: استجابةُ الله لرسوله صلى الله عليه وسلم دعاءه لثقيف أن يهديَهم، ويأتى بهم، وقد حاربوه وقاتلوه، وقتلوا جماعةً من أصحابه، وقتلوا رسولَ رسوله الذى أرسله إليهم يدعوهم إلى الله، ومع هذا كُلِّه فدعا لهم، ولم يدع عليهم، وهذا من كمال رأفته، ورحمته، ونصيحته صلوات الله وسلامه عليه.


فصل

[كمال محبة الصديق له صلى الله عليه وسلم]

ومنها: كمالُ محبة الصِّدِّيق له، وقصدُه التقربَ إليه، والتحبب بكل ما يمكنه، ولهذا ناشد المغيرة أن يدعه هو يُبشِّر النبى صلى الله عليه وسلم بقدوم وفد الطائف، ليكون هو الذى بشَّره وفرَّحه بذلك، وهذا يدل على أنه يجوز للرجل أن يسأل أخاه أن يؤثِرَهُ بقُرْبَةٍ من القُرْبِ، وأنه يجوز للرجل أن يُؤثر بها أخاه، وقول مَن قال من الفقهاء: لا يجوز الإيثار بالقُرَبِ، لا يصح . وقد آثرتْ عائشةُ عمرَ بن الخطاب بدفنه فى بيتها جوار النبى صلى الله عليه وسلم، وسألها عمرُ ذلك، فلم تكره له السؤال، ولا لها البذلَ، وعلى هذا، فإذا سأل الرجل غيره أن يؤثره بمقامه فى الصف الأول، لم يُكره له السؤال، ولا لذلك البذل، ونظائره . ومَن تأمل سيرةَ الصحابة، وجدهم غيرَ كارهين لذلك، ولا ممتنعين منه، وهل هذا إلا كرمٌ وسخاء، وإيثارٌ على النفس بما هوأعظمُ محبوباتها تفريحاً لأخيه المسلم، وتعظيماً لقدره، وإجابة له إلى ما سأله، وترغيباً له فى الخير، وقد يكون ثواب كل واحد من هذه الخصال راجحاً على ثواب تلك القُرْبة، فيكون المؤثر بها ممن تاجر، فبذل قُرْبةً، وأخذ أضعافها، وعلى هذا فلا يمتنع أن يُؤثر صاحب الماءِ بمائه أن يتوضأ به ويتيمم هو إذا كان لا بُد مِن تيمم أحدهما، فآثر أخاه، وحاز فضيلة الإيثار، وفضيلة الطُّهر بالتراب، ولا يمنع هذا كتاب ولا سُـنَّة، ولا مكارم أخلاق، وعلى هذا فإذا اشتد العطش بجماعة، وعاينوا التلف ومع بعضهم ماء، فآثر على نفسه، واستسلم للموت، كان ذلك جائزاً، ولم يقل: إنه قاتل لنفسه، ولا أنه فعل مُحَرَّماً، بل هذا غاية الجود والسخاء كما قال تعالى
{وَيُؤثِرُونَ عَلَى أنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر: 9]، وقد جرى هذا بعينه لجماعة من الصحابة فى فتوح الشام، وعُدَّ ذلك من مناقبهم وفضائلهم، وهل إهداء القُرَب المجمَع عليها والمتنازَع فيها إلى الميتِ إلا إيثارٌ بثوابها، وهو عَيْن الإيثار بالقُرَب، فأى فرق بين أن يُؤثره بفعلها ليحرز ثوابَها، وبين أن يعمل، ثم يؤثره بثوابها . وبالله التوفيق


فصل

[فى أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشِّرك والطواغيت بعد القُدْرة على هدمها]

ومنها: أنه لا يجوزُ إبقاء مواضع الشِّرك والطواغيت بعد القُدرة على هدمها وإبطالها يوماً واحداً، فإنها شعائرُ الكفر والشِّرك، وهى أعظمُ المنكرات، فلا يجوز الإقرارُ عليها مع القُدرة ألبتة، وهذا حكمُ المشاهد التى بُنيت على القبور التى اتُخِذَت أوثاناً وطواغيت تُعبد من دون الله، والأحجار التى تُقصد للتعظيم والتبرك، والنذر والتقبيل، لا يجوز إبقاء شىء منها على وجه الأرض مع القُدرة على إزالته، وكثير منها بمنزلة اللات والعُزَّى، ومناة الثالثة الأخرى، أو أعظم شركاً عندها، وبها والله المستعان .

ولم يكن أحد من أرباب هذه الطواغيت يعتقد أنها تخلق وترزق، وتُميت وتُحيى، وإنما كانوا يفعلون عندها وبها ما يفعلُه إخوانهم من المشركين اليوم عند طواغيتهم، فاتبع هؤلاء سَنَن مَن كان قبلهم، وسلكوا سبيلهم حذو القُذَّة بالقُذَّة، وأخذوا مأخذهم شِبراً بشِبر، وذراعاً بذراع، وغلب الشِّرك على أكثر النفوس لظهور الجهل وخفاء العلم، فصار المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، والسُّـنَّة بدعة، والبدعة سُـنَّة، ونشأ فى ذلك الصغير، وهرم عليه الكبير، وطُمست الأعلام، واشتدت غربةُ الإسلام، وقلَّ العُلماء، وغلب السفهاء، وتفاقم الأمر، واشتد البأسُ، وظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس، ولكن لا تزالُ طائفة مِن العِصابة المحمَّدية بالحق قائمين، ولأهل الشِّرك والبِدع مجاهدين إلى أن يرث الله سبحانه الأرض ومَن عليها، وهو خير الوارثين


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس