عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-2003, 08:26 PM   #191
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل

[فيما ينبغى للإمام من بعث العيون]

وفيها من الفقه: أن الإمام ينبغى له أن يبعث العيونَ ومَنْ يدخلُ بين عدوه ليأتيه بخبرهم، وأن الإمام إذا سمع بقصد عدوِّه له، وفى جيشه قوة ومَنَعَة لا يقعُد ينتظرهم، بل يسيرُ إليهم، كما سار رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى هَوازِن حتى لقيهم بحُنَيْن .

ومنها: أن الإمام له أن يستعيرَ سلاحَ المشركين وعُدَّتهم لِقتال عدوه، كما استعار رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أدراع صفوان، وهو يومئذ مشركٌ .

ومنها: أن مِن تمام التوكل استعمالَ الأسبابِ التى نصبها الله لمسبباتها قدراَ وشرعاً، فإن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أكملُ الخلق توكُّلاً، وإنما كانوا يَلْقَوْنَ عدوَّهم، وهم متحصِّنُون بأنواع السِّلاح، ودخل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مكَّة، والبَيْضَةُ على رأسه، وقد أنزل الله عليه: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة: 67]

وكثير ممن لا تحقيق عنده، ولا رسوخ فى العلم يستشكلُ هذا، ويتكايس فى الجواب تارة بأن هذا فعله تعليماً للأُمة، وتارة بأن هذا كان قبلَ نزول الآية . ووقعت فى مصر مسألة سأل عنها بعضُ الأمراء، وقد ذُكِرَ له حديثٌ ذكره أبو القاسم بن عساكر فى ((تاريخه الكبير)) أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان بعد أن أهدت له اليهوديةُ الشاةَ المسمومةَ لا يأكل طعاماً قُدِّمَ له حتى يأكل منه مَن قدَّمه .

قالوا: وفى هذا أُسوة للملوك فى ذلك . فقال قائل: كيف يُجمع بين هذا وبين قوله تعالى: { وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}؟ فإذا كانَ الله سبحانه قد ضمن له العِصْمةَ، فهو يعلم أنه لا سبيلَ لبَشَرٍ إليه .

وأجاب بعضهُم بأن هذا يدل على ضعف الحديث، وبعضُهم بأن هذا كان قبلَ نزولِ الآية، فلما نزلت لم يكن لِيفعل ذلك بعدَها، ولو تأمل هؤلاء أن ضمان الله له العِصمة، لا يُنافى تعاطيه لأسبابها، لأغناهم عن هذا التكلُّف، فإن هذا الضمانَ له من ربه تبارك وتعالى لا يُناقِضُ احتراسَه مِن الناس، ولا يُنافيه، كما أن إخبارَ الله سبحانه له بأنه يُظهر دينَه على الدِّينِ كُلِّه، ويُعليه، لا يُناقض أمره بالقتال، وإعدادِ العُدَّة، والقوة، ورباط الخيل، والأخذ بالجد، والحذر، والاحتراس من عدوه، ومحاربته بأنواع الحرب، والتورية، فكان إذا أراد الغزوة، ورَّى بغيرها، وذلك لأن هذا إخبار من الله سبحانه عن عاقبة حاله ومآله بما يتعاطاه من الأسباب التى جـعلها الله مُفضية إلى ذلك، مقتضية له، وهو صلى الله عليه وسلم أعلمُ بربِّه، وأتبعُ لأمره من أن يعطِّل الأسبابَ التى جعلها الله له بحكمته موجبة لما وعده به من النصر والظفر، وإظهار دينه، وغلبته لعدوه، وهذا كما أنه سبحانه ضمن له حياتَه حتَّى يُبلِّغ رسالاتِه، ويُظهر دينه، وهو يتعاطى أسبابَ الحياة مِن المأكل والمشرب، والملبس والمسكن، وهذا موضِعٌ يغلَطُ فيه كثير مِن الناس، حتى آل ذلك ببعضهم إلى أن ترك الدُّعاء، وزعم أنه لا فائدةَ فيه، لأن المسـؤول إن كان قد قُدِّر، ناله ولا بد، وإن لم يُقدَّر، لم ينله، فأى فائدة فى الاشتغال بالدعاء؟ ثم تكايسَ فى الجواب، بأن قال: الدعاءُ عبادة، فيقال لهذا الغالِط: بقى عليك قسم آخر وهو الحقُّ أنه قد قدَّر له مطلوبَه بسببٍ إن تعاطاه، حصل له المطلوبُ، وإن عطل السبب، فاته المطلوب، والدعاء من أعظم الأسباب فى حصول المطلوب، وما مثل هذا الغالط إلا مثلُ مَن يقول: إن كان الله قد قدَّر لى الشبع، فأنا أشبع، أكلتُ أو لم آكل، وإن لم يُقدِّر لى الشبع، لم أشبع أكلتُ أو لم آكل، فما فائدة الأكل؟ وأمثال هذه التُّرَّهات الباطلة المنافية لحكمة الله تعالى وشرعه .. وبالله التوفيق


فصل

[فى حكم العارية هل هى مضمونة أم لا؟]

وفيهـا: أن النبى صلى الله عليه وسلم شرط لصـفوان فى العارية الضمان، فقال: ((بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ)) فهل هذا إخبار عن شرعه فى العارية، ووصف لها بوصفٍ شرعه الله فيها، وأن حكمها الضمانُ كما يُضمن المغصوب، أو إخبار عن ضمانها بالأداء بعينها، ومعناه: أنى ضامن لك تأديَتَها، وأنها لا تذهب، بل أردها إليك بعينها؟ هذا مما اختلف فيه الفقهاء.

فقال الشافعى وأحمد بالأول، وأنها مضمونة بالتلف، وقال أبو حنيفة ومالك بالثانى، وأنها مضمونة بالرد على تفصيل فى مذهب مالك، وهو أن العَيْن إن كانت مما لا يُغاب عليه، كالحيوان والعَقار، لم تُضمن بالتلف إلا أن يظهر كَذِبه، وإن كانت مما يُغاب عليه كالحلى ونحوه، ضُمنت بالتلف إلا أن يأتىَ ببينة تشهد على التلف، وسر مذهبه أن العارية أمانة غيرُ مضمونة كما قال أبو حنيفة، إلا أنه لا يُقبل قوله فيما يخالف الظاهر، فلذلك فرَّق بين ما يُغاب عليه، وما لا يُغاب عليه.

ومأخذ المسألة أن قوله صلى الله عليه وسلم لصفوان: ((بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ))، هل أراد به أنها مضمونة بالرد أو بالتلف؟ أى: أضمنها إن تلفت، أو أضمن لك ردَّها، وهو يحتمل الأمرين، وهو فى ضمان الرد أظهرُ لثلاثة أوجه:

أحدها: أنَّ فى اللَّفظ الآخر: ((بَلْ عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ))، فهذا يبينُ أن قوله: ((مضمونة))، المراد به: المضمونة بالأداء.

الثانى: أنَّه لم يسأله عن تلفها، وإنما سأله هل تأخذها منى أخذَ غصب تحولُ بينى وبينها؟ فقال: ((لا بل أخذ عارية أُؤديها إليك)). ولو كان سأله عن تلفها وقال: أخاف أن تذهب، لناسب أن يقول: أنا ضامن لها إن تلفت.

الثالث: أنَّه جعل الضمانَ صِفة لها نفسها، ولو كان ضمانَ تلف، لكان الضمانُ لِبدلها، فلما وقع الضمانُ على ذاتها، دل على أنه ضمانُ أداء.

فإن قيل: ففى القصة أن بعض الدروع ضاع، فعرض عليه النبى صلى الله عليه وسلم أن يضمنها، فقال: أنا اليوم فى الإسـلام أرغبُ، قيل: هل عرض عليه أمراً واجباً أو أمراً جائزاً مُستحَباً الأَوْلى فعلُه، وهو من مكارم الأخلاق والشيم، ومن محاسن الشريعة؟ وقد يترجح الثانى بأنه عرض عليه الضمان، ولو كان الضمان واجباً، لم يعرضه عليه، بل كان يفى له به، ويقول: هذا حقُّك، كما لو كان الذاهب بعينه موجوداً، فإنه لم يكن ليعرض عليه رده فتأمله


فصل

[فى جواز عقر فرس العدو]

وفيها: جوازُ عقرِ فرسِ العدو ومركُوبه إذا كان ذلك عوناً على قتله، كـما عقر علىُّ رضى الله عنه جمل حامل راية الكفار، وليس هذا مِن تعذيب الحيوان المنهى عنه .

وفيها: عفُو رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عمن همَّ بقتله، ولم يُعاجله، بل دعا له ومسح صدره حتى عاد، كأنه ولى حميم .

ومنها: ما ظهر فى هذه الغزاة من معجزات النبوة وآيات الرسالة، من إخباره لشيبة بما أضمر فى نفسه، ومن ثباته، وقد تولَّى عنه الناسُ، وهو يقول:

أنَا النَّبِىُّ لاَ كَذِبْ *** أنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ
وقد استقبلته كتائبُ المشركين .

ومنها: إيصالُ الله قبضته التى رمى بها إلى عيون أعدائه على البُعْدِ منه، وبركتُه فى تلك القبضة، حتى ملأت أعينَ القوم، إلى غير ذلك من معجزاته فيها، كنزول الملائكة للقتال معه، حتى رآهم العدوُّ جهرة، ورآهم بعض المسلمين .

ومنها: جوازُ انتظار الإمام بقسم الغنائمُ إسلامَ الكفار ودخولَهم فى الطاعة، فيرد عليهم غنائِمَهَم وسبيَهم، وفى هذا دليل لمن يقول: إن الغنيمة إنما تُملك بالقسمة، لا بمجرد الاستيلاء عليها، إذ لو ملكها المسلمون بمجرد الاستيلاء، لم يستأنِ بهم النبىُّ صلى الله عليه وسلم لِيردها عليهم، وعلى هذا فلو مات أحد من الغانمين قبل القسمة، أو إحرازها بدار الإسلام، رُدَّ نصيبُه على بقية الغانمين دون ورثته، وهذا مذهب أبى حنيفة: لو مات قبل الاستيلاء لم يكن لورثته شئ، ولو مات بعد القسمة فسهمه لورثته


فصل

[فى ما أعطاه صلى الله عليه وسلم للمؤلَّفة قلوبهم]

وهذا العطاء الذى أعطاه النبى صلى الله عليه وسلم لقريش، والمؤلَّفة قلوبُهم، هل هو مِن أصل الغنيمة أو من الخُمُس، أو من خُمس الخُمُس؟ فقال الشافعى ومالك: هو من خُمس الخُمُس، وهو سهمُه صلى الله عليه وسلم الذى جعله الله له من الخُمس، وهو غير الصَّفىِّ وغيرُ ما يُصيبه من المغنم، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يستأذن الغانمين فى تِلك العطية، ولو كان العطاءُ من أصل الغنيمة، لاستأذنهم لأنهم ملكوها بحوزها والاستيلاء عليها، وليس من أصل الخُمُس، لأنه مقسوم على خمسة، فهو إذاً من خُمس الخُمُسِ، وقد نص الإمام أحمد على أن النفل يكون من أربعة أخماس الغنيمة، وهذا العطاءُ هو من النفل، نَفَلَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم به رؤوسَ القبائِلِ والعشائِرِ ليتألَّفهم به وقومَهم على الإسلام، فهو أولى بالجواز من تنفيل الثُلث بعد الخُمس، والرُّبع بعده، لما فيه من تقوية الإسلام وشَوْكته وأهله، واستجلاب عدوه إليه، هكذا وقع سواء كـما قال بعضُ هؤلاء الذين نفلهم: لقد أعطانى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لأبغض الخلق إلىَّ، فما زال يُعطينى حتى إنه لأحب الخلق إلىَّ، فما ظنك بعطاءٍ قوَّى الإسلامَ وأهله، وأذلَّ الكفرَ وحِزبه، واستجلب به قلوبَ رؤوس القبائل والعشائر الذين إذا غضِبُوا، غَضِبَ لغضبهم أتباعهم، وإذا رَضُوا رَضُوا لرضاهم . فإذا أسلم هؤلاء، لم يتخلف عنهم أحدٌ مِن قومهم، فللَّهِ ما أعظمَ موقِعَ هذا العطاء، وما أجداه وأنفعه للإسلام وأهله .

ومعلوم: أن الأنفال لله ولرسوله يقسِمُها رسوله حيث أمره لا يتعدى الأمر، فلو وضع الغنائم بأسرها فى هؤلاء لمصلحة الإسـلام العامة، لما خرج عن الحكمة والمصلحة والعدل، ولمَا عَمِيَتْ أبصارُ ذى الخويصرة التميمى وأضرابه عن هذه المصلحـة والحكمة . قال له قائلهم: اعْدِل فإنَّكَ لم تعدل . وقال مشبِهُه:
إن هذه لقسمة ما أُريد بها وجه الله، ولعَمر الله إن هؤلاء من أجهل الخلق برسوله، ومعرفته بربه، وطاعته له، وتمام عدله، وإعطائه لله، ومنعه لله، ولله سبحانه أن يقسم الغنائم كما يحب، وله أن يمنعها الغانمين جملة كما منعهم غنائم مكة، وقد أوجفوا عليها بخيلهم وركابهم، وله أن يُسلِّط عليها ناراً من السماء تأكلها، وهو فى ذلك كله أعدلُ العادلين، وأحكمُ الحاكمين، وما فعل ما فعله من ذلك عبثاً، ولا قدَّرَهُ سُدى، بل هو عَيْن المصلحة والحكمة والعدل والرحمة، مصدره كمال علمه، وعِزَّته، وحكمته، ورحمته، ولقد أتمَّ نعمته على قوم ردَّهم إلى منازلهم برسوله صلى الله عليه وسلم يقودونه إلى ديارهم، وأرضى مَن لم يعرف قدر هذه النعمة بالشاة والبعير، كما يعطى الصغير ما يناسب عقله ومعرفته، ويعطى العاقل اللبيب ما يناسبه، وهذا فضله، وليس هو سبحانه تحت حجر أحد من خلقه، فيوجبون عليه بعقولهم، ويُحرِّمون، ورسولُه منفِّذٌ لأمره .

فإن قيل: فلو دعت حاجةُ الإمام فى وقت من الأوقات إلى مثل هذا مع عدوه، هل يسوغ له ذلك؟

قيل: الإمام نائب عن المسلمين يتصرَّفُ لمصالحهم، وقيام الدين . فإن تعيَّن ذلك للدفع عن الإسلام، والذب عن حَوْزته، واستجلاب رؤوس أعدائه إليه ليأمن المسلمون شرهم، ساغ له ذلك، بل تعيَّن عليه، وهل تُجوِّز الشريعة غير هذا، فإنه وإن كان فى الحرمان مفسدة، فالمفسدة المتوقَّعَةُ مِن فوات تأليف هذا العدو أعظمُ، ومبنى الشريعة على دفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما، وتحصيل أكمل المصلحتين بتفويت أدناهما، بل بناء مصالح الدنيا والدين على هذين الأصلين .. وباللهِ التوفيق .


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس