عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-2003, 08:04 PM   #185
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فالصوابُ القولُ بموجب الأدلة مِن الجانبين، وأنَّ الدورَ تملك، وتُوهب، وتُورث، وتُباع، ويكون نقلُ الملك فى البناء لا فى الأرض والعرصة، فلو زال بناؤه، لم يكن له أن يبيعَ الأرض، وله أن يَبنيها ويُعيدَها كما كانت، وهو أحقُّ بها يسكُنها ويُسْكِنُ فيها مَن شاء، وليس له أن يُعاوض على منفعة السكنى بعقد الإجارة، فإن هذه المنفعة إنما يستحق إن يقدَّم فيها على غيره، ويختصُ بها لسبقه وحاجته، فإذا استغنى عنها، لم يكن له أن يُعاوض عليها، كالجلوس فى الرِّحاب، والطرقِ الواسعة، والإقامة على المعادن وغيرها من المنافع والأعيان المشتركة التى مَن سبق إليها، فهو أحق بها ما دام ينتفع، فإذا استغنى، لم يكن له أن يُعاوض، وقد صرَّح أربابُ هذا القول بأن البيعَ ونقلَ الملك فى رباعها إنما يقع على البناء لا على الأرض، ذكره أصحاب أبى حنيفة.

فإن قيل: فقد منعتم الإجارة، وجوَّزتُم البيع، فهل لهذا نظيرٌ فى الشريعة، والمعهود فى الشريعة أن الإجارة أوسـعُ من البيع، فقد يمتنع البيع، وتجوز الإجارة، كالوقف والحر، فأما العكس، فلا عهد لنا به؟.

قيل: كُلُّ واحد من البيع والإجارة عقدٌ مستقل غيرُ مستلزم للآخر فى جوازه وامتناعه، وموردهما مختلِف، وأحكامُهما مختلفة، وإنما جاز البيعُ، لأنه وارد على المحل الذى كان البائعُ أخصَّ به من غيره، وهو البناء، وأما الإجارة فإنما ترد على المنفعة، وهى مشتركة، وللسابق إليها حقُّ التقدم دون المعاوضـة، فلهذا أجزنا البيع دون الإجارة، فإن أبيتم إلا النظيرَ، قيل: هذا المكاتبُ يجوزُ لسيده بيعُه، ويصيرُ مكاتباً عند مشتريه، ولا يجوزُ له إجارتُه إذ فيها إبطالُ منافعه وأكسابه التى ملكها بعقد الكتابة، والله أعلم. على أنه لا يمنعُ البيع، وإن كانت منافع أرضها ورباعها مشتركةً بين المسلمين، فإنها تكون عند المشترى كذلك مشتركة المنفعة، إن احتاج سكن، وإن استغنى أسكن كما كانت عند البائع، فليس فى بيعها إبطالُ اشتراك المسلمين فى هذه المنفعة، كما أنه ليس فى بيع المكاتب إبطالُ ملكه لمنافعه التى ملكها بعقد المكاتبة، ونظيرُ هذا جوازُ بيع أرض الخَراج التى وقفها عمر رضى الله عنه على الصحيح الذى استقر الحال عليه من عمل الأُمة قديماً وحديثاً، فإنها تنتقل إلى المشترى خَراجية، كما كانت عند البائع، وحق المقاتلة إنما هو فى خَراجها، وهو لا يَبْطُلُ بالبيع، وقد اتفقت الأُمة على أنها تُورث، فإن كان بطلان بيعها لكونها وقفاً، فكذلك ينبغى أن تكون وقفيتها مبطلة لميراثها، وقد نصّ أحمد على جواز جعلها صداقاً فى النكاح، فإذا جاز نقلُ الملك فيها بالصداق والميراث والهبة، جاز البيعُ فيها قياساً، وعملاً، وفقهاً.. والله أعلم.


فصل

فى هل يُضرب الخَراجُ على مزارع مكة أم لا؟

فإذا كانت مكةُ قد فُتِحَتْ عَنوة، فهل يُضرب الخراجُ على مزارعها كسائر أرض العَنوة، وهل يجوز لكم أن تفعلوا ذلك أم لا؟

قيل: فى هذه المسألة قولان لأصحاب العَنوة:

أحدهما: المنصوصُ المنصور الذى لا يجوز القولُ بغيره، أنه لا خَراج على مزارعها وإن فتحت عَنوة، فإنها أجَلُّ وأعظم من أن يُضرب عليها الخَراج، لا سيما والخَراجُ هو جزية الأرض، وهو على الأرض كالجزية على الرؤوس، وحرَمُ الرَّبِّ أجَلُّ قَدراً وأكبرُ من أن تُضرب عليه جزية، ومكة بفتحها عادت إلى ما وضعها الله عليهِ مِن كونها حرماً آمناً يشترِكُ فيه أهلُ الإسلام، إذ هو موضع مناسِكهم ومتعبدهم وقِبْلةُ أهل الأرض.

والثانى وهو قول بعض أصحاب أحمد أن على مزارعها الخَراج، كما هو على مزارع غيرها من أرض العَنوة، وهذا فاسد مخالف لنص أحمد رحمه الله ومذهبه، ولفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين مِن بعده رضى الله عنهم، فلا التفات إليه.. والله أعلم.

وقد بنى بعضُ الأصحاب تحريمَ بيع رِباع مكَّة على كونها فُتِحَتْ عَنوة، وهذا بناء غيرُ صحيح، فإن مساكن أرض العَنوة تُباع قولاً واحداً، فظهر بطلان هذا البناء.. والله أعلم.

وفيها: تعيينُ قتلِ السَّابِّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن قتله حدٌ لا بُدَّ من استيفائه، فإن النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يُؤمِّن مقيسَ بنَ صُبابة، وابن خطل، والجاريتين اللَّتين كانتا تُغنِّيان بهجائه، مع أن نساء أهل الحرب لا يُقتلن كما لا تُقتل الذُرِّية، وقد أمر بقتل هاتين الجاريتين، وأهدر دم أُمِّ ولد الأعمى لما قتلها سيدُها لأجل سبِّها النبى صلى الله عليه وسلم، وقتل كعب بن الأشرف اليهودى، وقال: ((مَنْ لِكَعْب فإنَّهُ قَدْ آذى اللهَ ورَسُولَهُ))، وكان يسبه، وهذا إجماعٌ من الخلفاء الراشدين، ولا يُعلم لهم فى الصحابة مخالفٌ، فإن الصِّدِّيقَ رضى الله عنه قال لأبى برزة الأسلمى وقد همَّ بقتل مَن سبَّه: لم يكن هذا لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومرَّ عمر رضى الله عنه براهب، فقيل له: هذا يسبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: لو سمعته لقتلتُه، إنَّا لم نعطهم الذِّمَّة على أن يسبُّوا نبينا صلى الله عليه وسلم.

ولا ريبَ أن المحاربة بسَبِّ نبينا أعظمُ أذيَّةً ونِكاية لنا من المحاربة باليد، ومنع دينار جزيةٍ فى السنة، فكيف يُنقض عهدُه ويُقتل بذلك دون السبِّ، وأىُّ نسبة لمفسدة منعه ديناراً فى السنة إلى مفسدة منع مجاهرته بسَبِّ نبينا أقبحَ سبّ على رؤوس الأشهاد، بل لا نِسبة لمفسدة محاربته باليد إلى مفسدة محاربته بالسبِّ، فأولى ما انتقض به عهدُه وأمانُه سبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ينتقض عهدُه بشىء أعظمَ مِنه إلا سبَّه الخالق سبحانه، فهذا محضُ القِياس، ومقتضى النصوص، وإجماعُ الخلفاء الراشدين رضى الله عنهم وعلى هذه المسألة أكثرُ من أربعين دليلاً.

فإن قيل: فالنبىُّ صلى الله عليه وسلم لم يقتُلْ عبد الله بن أُبَىّ وقد قال: لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرِجَنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ، ولم يقتل ذَا الخُويصرة التميمى وقد قال له: اعْدِلْ فإنَّكَ لم تَعْدِلْ، ولم يقتل مَن قال له: يقولون: إنك تنهى عن الغى وتستخلى به، ولم يقتل القائل له: إنَّ هذِهِ القِسْمَةَ ما أُرِيدَ بهَا وجْهُ اللهِ، ولم يقتل مَن قال له لما حكم للزبير بتقديمه فى السقى: أن كان ابنَ عمتك، وغيرُ هؤلاء ممن كان يبلُغه عنهم أذى له وتنقُّص.

قيل: الحقُّ كان له فله أن يستوفِيَهِ، وله أن يُسْقِطَه، وليس لمن بعده أن يُسْقِطَ حقَّه، كما أن الربَّ تعالى له أن يَستوفى حقَّه، وله أن يُسقِطَ، وليس لأحد أن يُسْقِطَ حقَّه تعالى بعد وجوبه، كيف وقد كان فى ترك قتل من ذكرتُم وغيرهم مصالحُ عظيمة فى حياته زالت بعد موته مِن تأليف الناس، وعدم تنفيرهم عنه، فإنه لو بلغهم أنه يقتُلُ أصحابَه، لنفروا، وقد أشار إلى هذا بعينه، وقال لعمر لما أشار عليه بقتل عبد الله بن أُبَىّ: ((لاَ يَبْلُغُ النَّاسَ أنَّ مُحَمَّداً يَقْتُلُ أصْحَابه)).

ولا ريب أن مصلحةَ هذا التأليف، وجمعَ القلوب عليه كانت أعظمَ عنده وأحبَّ إليه مِن المصلحة الحاصلة بقتل مَن سبَّه وآذاه، ولهذا لما ظهرت مصلحة القتل، وترجَّحت جداً، قتل السابَّ، كما فعل بكعب بن الأشرف، فإنه جاهر بالعداوة والسَّبِّ فكان قتلُه أرجحَ من إبقائه، وكذلك قتلُ ابنِ خَطَل، ومقيس، والجاريتين، وأُم ولدِ الأعمى، فَقَتَلَ للمصلحة الراجحة، وكفَّ للمصلحة الراجحـة، فإذا صار الأمر إلى نُوَّابه وخلفائه، لم يكن لهم أن يُسقطوا حقه

فيما فى خطبته العظيمة ثانى يوم الفتح من أنواع العلم

فمنها قولُه: ((إنَّ مَكَّة حَرَّمَها اللهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ))، فهذا تحريمٌ شرعى قَدَرى سبق به قدرُه يومَ خلق هذا العالَم، ثم ظهر به على لسان خليله إبراهيم، ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما كما فى ((الصحيح)) عنه، أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهيمَ خَليلَكَ حَرَّمَ مَكَّةَ ، وإنِّى أُحرِّمُ المدِينَة))، فهذا إخبارٌ عن ظهور التحريم السابق يومَ خلق السمواتِ والأرضَ على لسان إبراهيم، ولهذا لم يُنازع أحد من أهل الإسلام فى تحريمها، وإن تنازعُوا فى تحريم المدينة، والصوابُ المقطوعُ به تحريمُها، إذ قد صحَّ فيه بضعةٌ وعِشرونَ حديثاً عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لا مطعن فيها بوجه.

ومنها: قوله: ((فلا يَحلُّ لأَحَدٍ أنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمَاً))، هذا التحريمُ لسفك الدم المختصِّ بها، وهو الذى يُباح فى غيرها، ويُحرم فيها لكونها حرماً، كما أن تحريم عَضْدِ الشجر بها، واختلاء خلائها، والتقاط لُقطتها، هو أمر مختصٌ بها، وهو مباحٌ فى غيرها، إذ الجميعُ فى كلام واحد، ونظام واحد، وإلا بطلت فائدة التخصيص، وهذا أنواعٌ:

أحدها وهو الذى ساقه أبو شريح العدوى لأجله : أن الطائفة الممتنعة بها من مبايعة الإمام لا تُقاتَل، لا سيما إن كان لها تأويل، كما امتنع أهلُ مكة مِن مبايعة يزيد، وبايعُوا ابنَ الزبير، فلم يكن قِتالهُم، ونصبُ المنجنيق عليهم، وإحلالُ حَرَمِ الله جائزاً بالنص والإجماع، وإنما خالف فى ذلك عمرو بن سعيد الفاسق وشيعتُه، وعارض نصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيه وهواه، فقال: إنَّ الحَرَمَ لا يُعِيذُ عَاصِياً، فيقال له: هو لا يُعيذ عاصياً مِن عذاب الله، ولو لم يُعِذْه من سفك دمه، لم يكن حرماً بالنسبة إلى الآدميين، وكان حرماً بالنسبة إلى الطير والحيوان البهيم، وهو لم يزل يُعيذُ العصاةَ مِن عهد إبراهيم صلوات الله عليه وسلامُه، وقام الإسلام على ذلك، وإنما لم يُعِذ مقيس ابن صُبابة، وابن خَطَل، ومَن سُمِّىَ معهما، لأنه فى تلك الساعة لم يكن حَرَماً، بل حِلاً، فلما انقضت ساعةُ الحرب، عاد إلى ما وضع عليه يوم خلق الله السموات والأرضَ. وكانت العربُ فى جاهليتها يرى الرجلُ قاتِلَ أبيه، أو ابنه فى الحرم، فلا يَهيجُه، وكان ذلك بينهم خاصية الحرم التى صار بها حرماً، ثم جاء الإسلام، فأكَّدَ ذلك وقوَّاه، وعلم النبىُّ صلى الله عليه وسلم أن مِن الأُمة مَن يتأسَّى به فى إحلاله بالقتال والقتل، فقطع الإلحاق، وقال لأصحابه: ((فإنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقولوا: إنَّ الله أذِنَ لِرَسُولِهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَكَ))، وعلى هذا فَمَن أتى حداً أو قِصاصاً خارِجَ الحرم يُوجِبُ القتل، ثم لجأ إليه، لم يَجُزْ إقامتُه عليه فيه، وذكر الإمام أحمد عن عمرَ بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال: لو وجدتُ فيه قاتِلَ الخطاب ما مَسِسْتُه حتَّى يخرُجَ منه. وذُكِر عن عبد الله بن عمر أنه قال: لو لقيتُ فيه قاتِلَ عمر مَا نَدَهْتُه، وعن ابن عباس، أنه قال: لو لقيتُ قاتِلَ أبى فى الحرم ما هِجتُه حتى يخرُجَ منه، وهذا قولُ جمهورِ التابعين ومَنْ بعدهم، بل لا يُحفظ عن تابعىّ ولا صحابىّ خلافُه، وإليه ذهب أبو حنيفةَ ومَنْ وافقه من أهل العراق، والإمامُ أحمد ومَنْ وافقه مِن أهل الحديث.

وذهب مالك والشافعىُّ إلى أنه يُستوفى منه فى الحرم، كما يُستوفى منه فى الحِلِّ، وهو اختيارُ ابن المنذر، واحتج لهذا القول بعمومِ النُّصوص الدالة على استيفاء الحدودِ والقِصاص فى كُلِّ مكانٍ وزمانٍ، وبأن النبىَّْ صلى الله عليه وسلم قتل ابن خَطَل، وهو متعلِّق بأستار الكعبة، وبما يُروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنَّ الحَرَمَ لاَ يُعيذُ عَاصِياً وَلاَ فَاراً بِدَمٍ وَلاَ بِخَرْبَةٍ))، وبأنه لو كان الحدودُ والقِصاصُ فيما دونَ النفسِ، لم يُعِذْهُ الحرم، ولم يمنعه من إقامته عليه، وبأنه لو أتى فيه بما يُوجب حداً أو قِصاصاً، لم يعذه الحرم، ولم يَمنع من إقامته عليه، فكذلك إذا أتاه خارِجَه، ثم لجأ إليه، إذ كونُه حَرَماً بالنسبة إلى عصمته، لا يختلِفُ بين الأمرين، وبأنه حيوان أُبيح قتلُه لِفساده، فلم يفترِق الحالُ بين قتله لاجئاً إلى الحرم، وبين كونه قد أوجب ما أُبيح قتلُه فيه، كالحيَّة، والحِدَأةِ، والكَلْبِ العَقُور، ولأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ((خَمْسٌ فَواسِقُ يُقْتَلْنَ فى الحِلِّ والحَرَم))، فنبَّه بقتلهن فى الحِلِّ والحَرَم على العِلَّة، وهى فسقُهن، ولم يجعل التجاءَهن إلى الحرم مانِعاً مِن قتلهن، وكذلك فاسق بنى آدم الذى قد استوجب القتلَ.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس