عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-2003, 07:39 PM   #12
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل

فى أن المُحْصَر ينحر هَدْيه وقت حصره

وفى نحره صلى الله عليه وسلم لما أُحصر بالحديبية، دليلٌ على أن المحصَرَ ينحر هَدْيَه وقتَ حصره، وهذا لا خلاف فيه إذا كان مُحْرِماً بعُمرة، وإن كان مفرداً أو قارناً، ففيه قولان:

أحدهما: أن الأمر كذلك، وهو الصحيح لأنه أحد النُسُكين، فجاز الحل منه، ونحرُ هَدْيه وقت حصره، كالعُمرة، لأن العُمرة لا تفوتُ، وجميعُ الزمان وقتٌ لها، فإذا جاز الحِلُّ منها ونحرُ هَدْيها مِن غير خشية فواتها، فالحجُّ الذى يُخشى فواته أولى، وقد قال أحمد فى رواية حنبل: إنه لا يَحلُّ، ولا ينحرُ الهَدْى إلى يوم النحر، ووجه هذا أنَّ للهدى محلَّ زمانٍ ومحلَّ مكانٍ، فإذا عجز عن محل المكان لم يسقُطْ عنه محلُّ الزمان لتمكنه من الإتيان بالواجب فى محله الزمانى، وعلى هذا القول لا يجوزُ له التحللُ قبلَ يوم النحر، لقوله: {ولاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ}[البقرة: 196]


فصل

فى أن الْمُحْصَر بالعُمرة يتحلَّل

وفى نحره صلى الله عليه وسلم وحِلِّه، دليلٌ على أن المُحصَر بالعُمرة يتحلل، وهذا قولُ الجمهور. وقد رُوى عن مالك رحمه الله: أن المعتمر لا يتحلل، لأنه لا يخاف الفوت، وهذا تبعُدُ صحته عن مالك رحمه الله، لأن الآية إنما نزلت فى الحُديبية، وكان النبىُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه كُلُّهم مُحرِمينَ بعُمرة، وحلُّوا كُلُّهم، وهذا مما لا يَشُكُّ فيه أحد مِن أهل العلم.


فصل

فى أن المُحْصَر ينحر هَدْيه حيث أُحْصِر

وفى ذبحه صلى الله عليه وسلم بالحُديبية وهى مِن الحل بالاتفاق، دليلٌ على أن المُحْصَرَ ينحر هَدْيه حيث أُحْصِرَ مِن حِل أو حَرَم، وهذا قولُ الجمهور وأحمد، ومالك، والشافعى.

وعن أحمد رحمه الله رواية أُخرى، أنه ليس له نحرُ هَدْيه إلا فى الحرم، فيبعثُه إلى الحرم، ويُواطئ رجلاً على أن ينحرَه فى وقت يتحلل فيه، وهذا يُروى عن ابن مسعود رضى الله عنه، وجماعة من التابعين، وهو قول أبى حنيفة.

وهذا إن صح عنهم فينبغى حملُه على الحصر الخاص، وهو أن يتعرَّضَ ظالِمٌ لجماعة أو لواحد، وأما الحصرُ العام، فالسُـنَّة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدلُّ على خلافه، والحُديبية من الحل باتفاق الناس، وقد قال الشافعى: بعضُها من الحل، وبعضُها من الحرم، قلت: ومراده أن أطرافها من الحرم وإلا فهى من الحل باتفاقهم.

وقد اختلف أصحابُ أحمد رحمه الله فى المُحْصَر إذا قدر على أطراف الحرم، هل يلزمه أن ينحر فيه؟ فيه وجهان لهم.

والصحيحُ: أنه لا يلزمُه، لأن النبى صلى الله عليه وسلم نحرَ هَدْيَه فى موضعه مع قُدرته على أطراف الحرم، وقد أخبر اللهُ سبحانه أن الهَدْىَ كان محبوساً عن بلوغِ مَحلِّه، ونصبَ الهَدْى بوقوع فعل الصَّدِّ عليه، أى: صدُّوكم عن المسجد الحرام، وصدُّوا الهَدْى عن بلوغ محله، ومعلوم أن صَدَّهم وصدَّ الهَدْى استمر ذلك العام ولم يزل، فلم يَصِلُوا فيه إلى محل إحرامهم، ولم يَصِلِ الهدىُ إلى محل نحره، والله أعلم.


فصل

فى غزوة مؤتة

وهى بأدنى البلقاءِ من أرض الشام، وكانت فى جُمادى الأُولى سنة ثمان، وكان سببُها أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عميرٍ الأَزْدِى أحَد بنى لِهْب بكتابه إلى الشام إلى ملك الروم أو بُصرى، فعرض له شرحبيل بن عمرو الغسانى، فأوثقه رِباطاً، ثم قدَّمه فضرب عنقه، ولم يُقْتَل لِرسول الله صلى الله عليه وسلم رسولٌ غيره، فاشتد ذلك عليه حين بلغه الخبر، فبعث البعوثَ، واستعمل عليهم زيد بن حارثة، وقال: ((إنْ أُصيبَ فَجَعْفَرُ بْنُ أبى طالب عَلى النَّاس، فإنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ، فَعَبْدُ الله بْنُ رَواحة)).

فتجهَّز الناس وهُم ثلاثةُ آلاف، فلما حضر خروجُهم، ودَّع الناسُ أُمراءَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وسلَّمُوا عليهم، فبكى عبدُ الله بنُ رواحة، فقالوا: ما يُبكيك؟ فقال: أما واللهِ ما بى حُبُّ الدنيا ولا صَبابَةٌ بكم، ولكنى سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آيةً مِن كتاب الله يذكُر فيها النار: {وَإنْ مِنْكُمْ إلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً}[مريم: 71]، فلستُ أدرى كيف لى بالصَّدَرِ بَعْدَ الوُرُودِ؟ فقال المسلمون: صحبكم اللهُ بالسلامة، ودفعَ عنكم، وردّكم إلينا صالِحين، فقال عبد الله بن رواحة:

لكِنَّنِى أَسْأَلُ الرَّحْمنَ مَغْفِرَةً *** وَضَرْبَةً ذَاتَ فَرْغٍ تَقْذِف الزَّبدَا
أَوْ طَعْنَةً بيَدى حَرَّان مُجْهِزَةً *** بِحَرْبَةٍ تُنْفِذُ الأَحْـشَاءَ والكَبِدا
حَتَّى يُقَالَ إذا مرُّوا عَلى جَدَثى *** يَا أَرْشَدَ اللهُ مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدا

ثم مَضَوْا حتى نزلوا مَعَان، فبلغ الناسَ أن هِرَقْل بالبلقاء فى مائة ألفٍ مِن الروم، وانضمَّ إليهم مِن لَخم، وجُذام، وبَلْقَيْن، وبَهْرَاء، وبَلي، مائةُ ألف، فلما بلغ ذلك المسلمين، أقامُوا على مَعان ليلتين ينظرون فى أمرهم وقالوا: نكتُبُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنُخبِرُه بعدد عدونا، فإما أن يُمِدَّنا بالرجال، وإما أن يأمُرَنَا بأمره، فنمضى له، فشجع الناسَ عبدُ الله بن رواحة، فقال: يا قوم؛ واللهِ إنَّ الذى تكرهون للتى خرجتُم تطلبُون: الشهادة، وما نُقاتِلُ الناسَ بعدد ولا قُوَّة ولا كثرة، ما نُقاتلهم إلا بهذا الدين الذى أكرمنا به الله، فانطلِقُوا، فإنما هى إحدى الحُسنيين، إما ظَفَرٌ وإما شَهَادَةٌ.

فمضى الناسُ حتَّى إذا كانوا بتُخُوم البَلقاء، لقيتهم الجموعُ بقرية يقال لها: مَشَارف، فدنا العدوُّ، وانحاز المسلمون إلى مؤتة، فالتقى الناس عندها، فتعبَّى المسلمون، ثم اقتتلوا والرايةُ فى يد زيدِ بن حارثة، فلم يزل يُقاتل بها حتى شَاطَ فى رماح القوم وخرَّ صرِيعاً، وأخذها جعفرٌ، فقاتل بها حتى إذا أرهقه القتالُ، اقتحم عن فرسه، فعقرَها، ثم قاتَل حتَّى قُتِلَ، فكان جعفر أوَّل مَن عَقَرَ فرسَه فى الإسلامِ عند القتال، فقُطِعَتْ يمينُه، فأخذ الراية بيساره، فَقُطِعَتْ يسارُه، فاحتضن الراية حتى قُتِلَ وله ثلاث وثلاثون سنة، ثم أخذها عبدُ الله بن رَوَاحةَ، وتقدَّم بها وهو على فرسه، فجعل يستنزِلُ نفسه ويتردد بعض التردد، ثم نزل، فأتاه ابنُ عم له، بعَرق من لحم فقال: شُدّ بها صُلْبَك، فإنك قد لقيتَ فى أيَّامِكَ هذِهِ ما لقيت، فأخذها مِن يده، فانتهس منها نهسة، ثم سمع الحَطْمَةَ فى ناحية الناس، فقال: وأنت فى الدنيا، ثم ألقاه مِن يده، ثم أخذ سيفه وتقدَّم، فقاتل حتَّى قُتِلَ، ثم أخذ الراية ثابتُ بن أقْرَم أخو بنى عَجلان، فقال: يا معشر المسلمين؛ اصطلحُوا على رجل منكم، قالوا: أنتَ، قال: ما أنا بفاعلٍ، فاصطلح الناسُ على خالد بن الوليد، فلما أخذ الرايةَ، دافع القومَ، وحاش بهم، ثم انحاز بالمسلمين، وانصرف بالناس.

وقد ذكر ابن سعد أن الهزيمة كانت على المسلمين، والذى فى ((صحيح البخارى)) أن الهزيمة كانت على الروم.

والصحيح ما ذكره ابن إسحاق أن كل فئة انحازت عن الأُخرى.

وأطلع الله سبحانه على ذلك رسولَه مِن يومهم ذلك، فأخبر به أصحابه، وقال:
((لَقَدْ رُفِعُوا إلىَّ فى الجَنَّةِ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ عَلَى سُرُرٍ مِنْ ذَهَبٍ فَرَأَيْتُ فى سَرِيرِ عَبْدِ اللهِ بْن رواحة ازْوِرَاراً عَنْ سَرِيرِ صَاحِبَيْهِ، فقلت: عَمَّ هذَا؟ فقيل لى: مَضَيا، وتَرَدَّدَ عَبْدُ اللهِ بَعْضَ التَّرَدُّدِ ثُمَّ مَضَى)).

وذكر عبدُ الرزاق عن ابن عيينة، عن ابن جدعان، عن ابن المسيِّب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مُثِّلَ لى جَعْفَرٌ وَزَيدٌ وابْنُ رَوَاحةَ فى خَيْمَةٍ مِنْ دُرٍّ، كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى سَرِيرٍ، فَرَأَيْتُ زَيْداً وابْنَ رَواحَةَ فى أًعْناقهما صُدُود، ورَأَيْتُ جَعْفَراً مُسْتَقِيماً لَيْسَ فِيهِ صُدُودٌ قال: فَسَأَلْتُ أوْ قِيلَ لى : إنَّهما حِينَ غَشِيَهُمَا المَوْتُ أَعْرَضَا أَو كَأَنَّهُمَا صَدَّا بِوُجُوهِهما، وأمَّا جَعْفَرٌ فَإنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ)).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى جعفر: ((إنَّ الله أَبْدَلَهُ بِيَدَيْهِ جَنَاحَيْنِ يَطيرُ بِهِمَا فى الجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَ)).

قال أبو عمر: وروينا عن ابن عمر أنه قال: ((وجدنا ما بين صدرِ جعفر ومنكبيه وما أقبلَ منه، تِسعين جِراحةً ما بين ضربةٍ بالسيف وطعنة بالرمح)).

وقال موسى بن عقبة: قدم يعلى بن منْية على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبر أهلِ مُؤْتة، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إنْ شِئْتَ فَأخْبِرْنى، وإنْ شِئْتَ أخْبَرْتُكَ))، قال: أخبرنى يا رسولَ الله، فأخبره صلى الله عليه وسلم خبرَهُم كُلَّهُ، ووصفَهُم له، فقال: والَّذِى بعثَكَ بالحقِّ، ما تركتَ من حديثهم حرفاً واحداً لم تذكُرْه، وإن أمرهم لكما ذكرتَ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللهَ رَفَعَ لى الأَرْضَ حَتَّى رَأَيْتُ مُعْتَرَكَهُمْ)).

واستُشهدَ يومئذ: جعفرٌ، وزيدُ بن حارثة، وعبدُ الله بن رواحة، ومسعود ابن الأوس، ووهبُ بن سعد بن أبى سَرْح، وعبَّادُ بن قيس، وحارثةُ بن النعمان، وسُراقة بنُ عمرو بن عطية، وأبو كُليب وجابر ابنا عمرو بن زيد، وعامر وعمرو ابنا سعيد ابن الحارث، وغيرهم.

قال ابن إسحاق: وحدَّثنى عبد الله بن أبى بكر أنه حُدِّثَ عن زيد بن أرقم قال: كنتُ يتيماً لعبد الله بن رواحة فى حجره فخرج بى فى سفره ذلك مُردفى على حَقيبة رَحْلِه، فواللهِ إنه ليسيرُ ليلةً إذ سمعتُه وهو يُنشد:

إذا أَدْنيْتنِى وَحَمَلْتِ رَحْلِى *** مَسِــيرَةَ أرْبَعٍ بَعْدَ الحِسَاءِ
فَشَأْنكِ فانْعَمِى وخَلاَكِ ذَمٌ *** وَلاَ أرْجِعْ إلى أَهْــلى وَرَائى
وَجَاءَ المُسْلِمُونَ وَغَادَرُونى *** بِأَرْضِ الشَّام مُسْتَنْهَى الثَّـواءِ


فصل

وقد وقع فى الترمذى وغيره أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم دخل مكَّة يومَ الفتح وعبدُ الله ابن رواحة بين يديه ينشد: خَلُّوا بَنِى الكفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ الأبيات.

وهذا وهم، فإن ابنَ رواحة قتل فى هذه الغزوة، وهى قبل الفتح بأربعة أشهر، وإنما كان يُنْشَدُ بين يديه شعر ابن رواحة، وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل النقل.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس