عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-2003, 07:36 PM   #11
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وتغيَّب رجال من المشركين كراهية أن ينظُروا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حَنَقَاً وغيظاً، فأقامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثاً، فلما أصبحَ مِن اليوم الرابع، أتاه سُهَيْلُ بنُ عمروٍ، وحُويطِبُ بنُ عبد العُزَّى، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم فى مجلسِ الأنصارِ يتحدَّث مع سعدِ بن عُبادة، فصاح حُويطب: نناشدُك الله والعقد لما خرَجْتَ مِنْ أرضِنَا، فقد مضت الثلاثُ، فقال: سعد بن عُبادة: كذبتَ لا أُمَّ لك، ليست بأرضِكَ ولا أرض آبائك، واللهِ لا نخرُج، ثم نادى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حُويطِباً أو سُهيلاً، فقال: ((إنِّى قَدْ نَكَحْتُ مِنْكُم امْرَأَةً فما يَضُرُّكُم أَنْ أَمْكُثَ حَتَّى أَدْخُلَ بِهَا، ونَضَعَ الطَعَامَ، فَنَأْكُل، وتَأكُلونَ مَعَنَا))، فقالوا: نُنَاشِدُك الله والعقد إلا خرجتَ عنا، فأمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع، فأذَّنَ بالرحيل، وركِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلَ بطنَ سَرِف، فأقام بها، وخلَّف أبا رافع لِيحمِلَ ميمونَةَ إليه حين يُمسى، فأقام حتى قَدِمَتْ ميمونةُ ومَنْ معها، وقد لَقُوا أذى وعَناءً مِن سُفهاءِ المشركين وصِبيانهم، فبنى بها بِسَرِف، ثم أدلجَ وسار حتَّى قَدِمَ المدينة، وقدَّر اللهُ أن يكون قبر ميمونَةَ بِسَرِفَ حيث بنى بها.


فصل

فى زواجه صلى الله عليه وسلم بميمونة رضى الله عنها

وأما قولُ ابنِ عباس: ((إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تزوَّجَ مَيْمُونَةَ، وهُوَ مُحْرمٌ، وبَنَى بِهَا وهُوَ حَلالٌ)) فمما استدُركَ عليهِ، وعُدَّ من وهمه، قال سعيدُ بنُ المسيِّب: ووهم ابن عباس وإن كانت خالته، ما تَزَوَّجها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد ما حلَّ. ذكره البخارى.

وقال يزيدُ بن الأصم عن ميمونة: تزوَّجنى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ونَحْنُ حَلاَلاَنِ بِسَرِفَ. رواه مسلم.

وقال أبو رافع: تزوَّجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَيمونةَ، وهُوَ حلالٌ، وبَنَى بها وهُوَ حلال، وكُنْتُ الرَّسُولَ بينهما. صحَّ ذلك عنه.
وقال سعيدُ بنُ المسيِّب: هذا عبدُ الله بن عباس يزعُمُ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نكح ميمونَة وهو مُحْرمٍ، وإنما قَدِم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مكَّةَ، وكان الحِلُّ والنكاحُ جميعاً، فشُبِّهَ ذلك على الناس.

وقد قيل: إنه تزوَّجها قبل أن يُحرم، وفى هذا نظر إلا أن يكونَ وكَّل فى العقد عليها قبل إحرامه، وأظنُّ الشافعىَّ ذكر ذلك قولاً، فالأقوال ثلاثة:

أحدها: أنه تزوَّجها بعد حلِّه من العُمرة، وهو قولُ ميمونة نفسها، وقولُ السفير بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أبو رافع، وقولُ سعيد بن المسيِّب، وجمهورِ أهل النقل.

والثانى: أنه تزوَّجها وهو مُحرِم، وهو قولُ ابن عباس، وأهلِ الكوفة وجماعة

والثالث: أنه تزوَّجها قبل أن يُحرم.
وقد حُمِلَ قولُ ابن عباس أنه تزوجها وهو مُحْرمٌ، على أنه تزوجها فى الشهر الحرام، لا فى حال الإحرام، قالوا: ويُقال: أحرم الرجلُ: إذا عقد الإحرام، وأحرم: إذا دخل فى الشهر الحرام، وإن كان حلالاً بدليل قول الشاعر:

قَتلُوا ابْنَ عَفَّانَ الخَليفَةَ مُحْرِماِ *** وَرِعاً فَلَمْ أَرَ مِثْلَهُ مَقْـتُولاً

وإنما قتلُوه فى المدينة حلالاً فى الشهر الحرام.

وقد روى مسلم فى ((صحيحه)) من حديث عُثمانَ بن عفَّان رضى الله عنه، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لاَ يَنْكِحُ المُحْرِمُ وَلاَ يُنْكَحُ، وَلاَ يَخْطُبُ)).
ولو قُدِّرَ تعارضُ القولِ والفِعل ههنا، لوجب تقديمُ القولِ، لأن الفِعلَ موافق للبراءة الأصلية، والقولُ ناقل عنها، فيكون رافعاً لحكم البراءة الأصلية، وهذا موافق لقاعدة الأحكام، ولو قُدِّمَ الفِعْلُ، لكان رافعاً لموجب القول، والقولُ رافع لموجب البراءة الأصلية، فيلزمُ تغييرُ الحكم مرتين، وهو خلاف قاعدة الأحكام.. والله أعلم.


فصل

فى حضانة ابنة حمزة بن عبد المطلب وما فيها من الفقه

ولما أراد النبىُّ صلى الله عليه وسلم الخروجَ مِن مكة، تبعتهم ابنةُ حمزةَ تُنادى: يا عَمُّ يَا عَمُّ، فتناولها علىُّ بنُ أبى طالب رضى الله عنهُ، فأخذ بيدها، وقال لِفاطمة: دونك ابنةَ عمِّكِ، فحملتها، فاختصم فيها علىٌ وزيدٌ وجعفرٌ، فقال على: أنا أخذتُها، وهى ابنةُ عمى، وقال جعفرٌ: ابنةُ عمى وخالتُها تحتى، وقال زيد: ابنةُ أخى، فقضى بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لِخالتها، وقال: ((الخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ))، وقال لعلى: ((أَنْتَ مِنِّى وأَنَا مِنْكَ))، وقال لجعفر: ((أَشْبَهْتَ خَلْقى وخُلُقى))، وقال لزيد: ((أَنْتَ أَخُونَا ومَوْلاَنَا)). متفق على صحته.

وفى هذه القصة مِن الفقه: أن الخالةَ مقدَّمة فى الحَضانة على سائر الأقارِبِ بعد الأبوين.

وأن تزوُّجَ الحاضِنَة بقريب من الطفل لا يسقط حضانَتَها، نص أحمد رحمه الله تعالى فى رواية عنه على أن تزويجها لا يسقط حضانتها فى الجارية خاصة، واحتج بِقصة بنتِ حمزة هذه، ولما كان ابنُ العم ليس مَحْرَماً لم يُفرِّق بينه وبين الأجنبى فى ذلك، وقال: تَزوُّجُ الحاضنة لا يُسقط حضانتها للجارية،وقال الحسن البصرى: لا يكون تزوُّجها مُسقطاً لحضانتها بحال ذَكَراً كان الولد أو أُنثى، وقد اختُلِف فى سقوط الحضانة بالنكاح على أربعة أقوال:

أحدها: تسقط به ذَكَراً كان أو أُنثى، وهو قول مالك، والشافعى، وأبى حنيفة، وأحمد فى إحدى الروايات عنه.

والثانى: لا تسقط بحال، وهو قول الحسن، وابن حزم.

والثالث: إن كان الطفل بنتاً، لم تسقط الحضانةُ، وإن كان ذَكَراً سقطت، وهذه رواية عن أحمد رحمه الله تعالى، وقال فى رواية مهنا: إذا تزوجتِ الأمُّ وابنُها صغير، أُخِذَ منها، قيل له: والجارية مِثْلُ الصبىّ؟ قال: لا، الجاريةُ تكون معها إلى سبع سنين، وحكى ابنُ أبى موسى روايةً أُخرى عنه: أنها أحقُّ بالبنت وإن تزوَّجت إلى أن تبلغ.

والرابع: أنها إذا تزوَّجت بنسيب مِن الطفل، لم تسقط حضانتُها، وإن تزوَّجت بأجنبى، سقطت، ثم اختلف أصحابُ هذا القول على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه يكفى كونُه نسيباً فقط، مَحْرَمَاً كان أو غيرَ محرم، وهذا ظاهرُ كلام أصحاب أحمد وإطلاقهم.

الثانى: أنه يُشترط كونه مع ذلك ذا رحم محرم، وهو قولُ الحنفية.

الثالث: أنه يُشترط مع ذلك أن يكون بينه وبين الطفل وِلادة، بأن يكون جداَ للطفل، وهذا قولُ بعض أصحاب أحمد، ومالك، والشافعى.

وفى القصة حُجَّة لمن قدَّم الخالة على العمَّة، وقرابةَ الأُم على قرابة الأب، فإنه قضى بها لخالتها، وقد كانت صفيَّةُ عمَّتها موجودةً إذ ذاك، وهذا قولُ الشافعى، ومالك، وأبى حنيفة، وأحمد فى إحدى الروايتين عنه.

وعنه رواية ثانية: أن العمَّة مقدَّمة على الخالة، وهى اختيارُ شيخنا.

وكذلك نساءُ الأب يُقدَّمن على نساء الأُم، لأن الولايةَ على الطفل فى الأصل للأب، وإنما قُدِّمتْ عليه الأمُّ لمصلحة الطفل وكمال تربيته، وشفقتها وحنوها، والإناثُ أقومُ بذلك من الرجال، فإذا صار الأمر إلى النساء فقط، أو الرجال فقط، كانت قرابةُ الأب أولى من قرابة الأُم، كما يكون الأبُ أولى مِن كل ذَكر سواه، وهذا قوى جداً.

ويُجاب عن تقديم خالة ابنة حمزة على عمَّتها بأن العمَّة لم تَطلُبِ الحضانة، والحضانة حق لها يُقضَى لها به بطلبه، بخلاف الخالة، فإن جعفراً كان نائباً عنها فى طلب الحضانة، ولهذا قضى بها النبىُّ صلى الله عليه وسلم لها فى غيبتها.

وأيضاً فكما أن لِقرابة الطفل أن يمنع الحاضنة من حضانة الطفل إذا تزوَّجت، فللزوج أن يمنعها مِن أخذه وتفرغها له، فإذا رضىَ الزوج بأخذه حيث لا تسقطُ حضانتُها لِقرابته، أو لكون الطفل أُنثى على رواية، مُكِّنَتْ من أخذه وإن لم يرض، فالحق له، والزوج ههنا قد رضىَ وخاصم فى القصة، وصفيَّة لم يكن منها طلب.

وأيضاً فابنُ العم له حضانةُ الجارية التى لا تُشتَهى فى أحد الوجهين، بل وإن كانت تُشتهَى، فله حضانتُها أيضاً، وتُسلَّم إلى امرأةٍ ثقة يختارها هو، أو إلى محرمه، وهذا هو المختارُ لأنه قريبٌ من عصباتها، وهو أولى من الأجانب والحاكم، وهذه إن كانت طفلة فلا إشكال، وإن كانت ممن يُشتهَى، فقد سُلِّمتْ إلى خالتها، فهى وزوجها من أهل الحضانة. والله أعلم.

وقول زيد: ابنة أخى، يُريد الإخاء الذى عقده رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين حمزةَ لما واخى بين المهاجرين، فإنه واخى بين أصحابه مرتين، فواخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض قبلَ الهجرة على الحقِّ والمواساة، وآخى بين أبى بكر وعمر، وبين حمزة وزيد بن حارثة، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف، وبين الزبير وابن مسعود، وبين عبيدة بن الحارث وبلال، وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبى وقاص، وبين أبى عبيدة وسالم مولى أبى حذيفة، وبين سعيد بن زيد وطلحة بن عبيد الله.

والمرة الثانية: آخى بين المهاجرين والأنصار فى دار أنس بن مالك بعد مقدمه المدينة.


فصل

فى الاختلاف فى سبب تسمية هذه العُمرة بعُمرة القضاء

واختُلِفَ فى تسمية هذه العُمرة بعُمرة القضاء، هل هو لكونها قضاءً للعُمرة التى صُدُّوا عنها، أو من المقاضاة؟ على قولين تقدَّما، قال الواقدى: حدَّثنى عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: لم تكن هذه العُمرة قضاء، ولكن كان شرطاً على المسلمين أن يعتمِرُوا فى الشَّهر الذى حاصرهم فيه المشركون .

واختلف الفقهاءُ فى ذلك على أربعة أقوال:

أحدها: أن مَن أُحصر عن العُمرة يلزمه الهَدْى والقضاء، وهذا إحدى الروايات عن أحمد، بل أشهرُها عنه .

والثانى: لا قضاء عليه، وعليه الهَدْى، وهو قول الشافعى، ومالك فى ظاهر مذهبه، ورواية أبى طالب عن أحمد .

والثالث: يلزمه القضاء، ولا هَدْى عليه، وهو قول أبى حنيفة .

والرابع: لا قضاء عليه، ولا هَدْى، وهو إحدى الروايات عن أحمد .

فمَن أوجبَ عليه القضاء والهَدْىَ، احتج بأن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحروا الهَدْىَ حين صُدُّوا عن البيت، ثم قَضَوْا مِن قابل، قالوا: والعُمرة تلزم بالشروع فيها، ولا يسقط الوجوبُ إلا بفعلها، ونحر الهَدْى لأجل التحلل قبل تمامها، وقالوا: وظاهِرُ الآية يُوجب الهَدْى، لقوله تعالى: {فَإنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْىِ} [البقرة: 196]

ومَن لم يُوجبهما، قالوا: لم يأمرُ النبىُّ صلى الله عليه وسلم الذين أُحصروا معه بالقضاء ولا أحداً منهم، ولا وقف الحِلُّ على نحرهم الهَدْىَ، بل أمرهم أن يَحْلِقُوا رؤوسهم، وأمر مَن كان معه هَدْى أن ينحر هَدْيه .

ومَن أوجب الهَدْىَ دون القضاء احتج بقوله: {فَإنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْىِ}.

ومَن أوجب القضاء دون الهَدْى، احتج بأن العُمرة تلزم بالشروع، فإذا أُحْصِرَ، جاز له تأخيرُها لعذر الإحصار، فإذا زال الحصر، أتى بها بالوجوب السابق، ولا يُوجب تخلل التحلل بين الإحرام بها أولاً، وبين فعلها فى وقت الإمكان شيئاً، وظاهر القرآن يردُّ هذا القول، ويُوجب الهَدْىَ دون القضاء، لأنه جعل الهَدْىَ هو جميعَ ما على المُحْصَرِ، فدلَّ على أنه يُكتفى به منه. والله أعلم .


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس