عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-2003, 07:24 PM   #171
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وقد اختُلِف: هل أكل النبىُّ صلى الله عليه وسلم منها أو لم يأكل ؟ وأكثرُ الروايات، أنه أكل منها، وبقى بعد ذلك ثلاثَ سنين حتى قال فى وجعه الذى مات فيه: (( مَا زِلْتُ أَجِدُ مِن الأُكْلَةِ الَّتى أَكَلْتُ مِنَ الشَّاةِ يَوْمَ خَيْبَر، فهذَا أوانُ انْقِطَاع الأبْهَرِ منِّى )).

قال الزهرى: فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً.
قال موسى بن عقبة وغيره: وكان بينَ قريش حين سمعوا بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبرَ تَرَاهُنٌ عظيم، وتبايع، فمنهم مَن يقول: يظهر محمدٌ وأصحابُه، ومنهم يقول: يظهر الحليفان ويهودُ خيبر، وكان الحجَّاج بن عِلاط السُّلمى قد أسلم وشَهِدَ فتح خيبر، وكانت تحتَهُ أُمُّ شيبة أختُ بنى عبد الدار بن قُصَىّ، وكان الحجاجُ مُكثِرَاً مِن المال، كانت له معادِن بأرضِ بنى سُليم، فلما ظهر النبىُّ صلى الله عليه وسلم على خيبر، قال الحجاج بن عِلاط: إن لى ذهباً عِند امرأتى، وإن تعلم هى وأهلُها بإسلامى، فلا مال لى، فَأْذَنْ لى، فلأسرع السَّيرَ وأسْبقِ الخبر، ولأخبِرَنَّ أخباراً إذا قدمت أدرأُ بها عن مالى ونفسى، فأَذِنَ له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَلما قَدِمَ مكة، قال لامرأته: أخفى علىَّ واجمعى ما كان لى عندكِ مِن مال، فإنى أريد أن أشترىَ مِن غنائم محمد وأصحابه، فإنهم قد استُبيحُوا، وأُصيبت أموالُهم، وإن محمدَاً قد أُسِرَ، وتفرَّق عنه أصحابُه، وإن اليهودَ قد أقسموا: لَتَبْعَثَنَّ به إلى مكة ثم لتقتُلَنَّه بقتلاهم بالمدينة، وفشا ذلك بمكة، واشتد على المسلمين، وبلغ منهم، وأظهر المشركون الفرحَ والسرورَ، فبلغ العباسَ عمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم زَجَلَةُ النَّاس وجَلَبَتُهم، وإظهارُهم السُّرور، فأراد أن يقوم ويخرج، فانخزل ظهرُه، فلم يقدر على القيام، فدعا ابناً له يقال له: (( قُثَمُ )). وكان يُشبه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فجعل العباس يرتَجِزُ، ويرفع صوته لئلا يشمتَ به أعداءُ الله:

حِبِّى قُثَمْ حِبِّى قُثـم *** شَبيهُ ذِى الأَنْــفِ الأَشـمْ
نَبِىُّ ربِّى ذى النِّـعَمْ *** برَغْــمِ أَنْفِ مَـنْ رَغـَمْ

وحشر إلى باب داره رجالٌ كثيرون من المسلمين والمشركين، منهم المظهِرُ للفرح والسرور، ومنهم الشامِتُ المغرى، ومنهم مَنْ به مثلُ الموت من الحُزْن والبلاء، فلما سمع المسلمون رجزَ العباس وتجلُّدَه، طابت نفوسُهم، وظن المشركون أنه قد أتاه ما لم يأتهم، ثم أرسلَ العباسُ غلاماً له إلى الحجاج، وقال له: اخلُ به، وقل له: ويلَك ما جئتَ به، وما تقول، فالذى وعَد الله خيرٌ مما جئتَ به ؟ فلما كلَّمه الغلامُ قال له: اقرأ على أبى الفضل السلام، وقل له: فَلْيَخْلُ بى فى بعض بيوته حتى آتيَه، فإن الخبرَ على ما يَسُرُّه، فلما بلغ العبدُ باب الدار، قال: أبشر يا أبا الفضل، فوثب العباسُ فرحاً كأنه لم يُصبه بلاءٌ قطُّ، حتى جاءه وقبَّل ما بين عينيه، فأخبره بقول الحجاج، فأعتقه، ثم قال: أخبرنى. قال: يقولُ لك الحجاج: أُخْلُ بِهِ فى بعض بيوتِك حتى يأتيكَ ظهراً، فلما جاءه الحجاج، وخلا به، أخذ عليه لتكتمَنَّ خبرى، فوافقه عباس على ذلك، فقال له الحجاج: جئتُ وقد افتتح رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خيبر، وغنم أموالهم، وجرت فيها سهامُ الله، وإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفى صفيَّةَ بِنت حُيَىّ لنفسه، وأعرسَ بها، ولكن جئتُ لمالى، أردت أن أجمعه وأذهب به، وإنى استأذنتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول، فَأَذِنَ لى أن أقول ما شئت، فأخْفِ علىَّ ثلاثاً، ثم اذكرْ ما شئت. قال: فجمعت له امرأتُه متاعه، ثم انشمر راجعاً، فلما كان بعدَ ثلاث، أتى العباسُ امرأة الحجاج، فقال: ما فعل زوجُكِ ؟ قالت: ذهب، وقالت: لاَ يَحْزُنْك اللهُ يا أبا الفضل، لقد شقَّ علينا الذى بلغك. فقال: أجل، لا يَحْزُنُنى الله، ولم يكن بحمد الله إلا ما أُحِبُّ، فتح اللهُ على رسوله خيبرَ، وجرت فيها سهامُ الله، واصطفى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صفيَّة لنفسه، فإن كان لكِ فى زوجك حاجة، فالحقى به. قالت: أظنُّك واللهِ صادقاً. قال: فإنى واللهِ صادق، والأمرُ على ما أقول لك. قالت: فمن أخبرك بهذا ؟ قال: الذى أخبركِ بما أخبركِ، ثم ذهب حتَّى أتى مجالسَ قريش، فلما رأوه، قالوا: هذا واللهِ التجلُّدُ با أبا الفضل، ولا يصيبُك إلا خير. قال: أجل لم يُصبنى إلا خيرٌ، والحمد لله، أخبرنى الحجَّاج بكذا وكذا، وقد سألنى أن أكتُمَ عليه ثلاثاً لحاجة، فردَّ الله ما كان للمسلمين مِن كآبة وجَزَع على المشركين، وخرج المسلمون مِن مواضعهم حتى دخلوا على العباس، فأخبرهم الخبرَ، فأشرقت وجوهُ المسلمين.


فصل

فيما كان فى غزوة خَيْبَر من الأحكام الفقهية

فمنها محاربةُ الكفار ومقاتلتُهم فى الأشهر الحُرُم، فإن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رجع مِن الحُديبية فى ذى الحِجَّة، فمكث بها أيَّاماً، ثم سار إلى خَيْبَرَ فى المحرَّم، كذلك قال الزُّهرىُّ عن عُروة، عن مروان والمِسور بن مخرمة، وكذلك قال الواقدى: خرج فى أول سنة سبع من الهِجرة، ولكن فى الاستدلال بذلك نظر، فإن خُروجَه كان فى أواخر المحرَّم لا فى أوله، وفتحُها إنما كان فى صَفَر، وأقوى من هذا الاستدلال بيعةُ النبى صلى الله عليه وسلم أصحابَه عند الشجرة بَيْعةَ الرضوان على القتال، وألا يَفِرُّوا، وكانت فى ذى القَعْدَة، ولكن لا دليلَ فى ذلك، لأنه إنما بايعهم على ذلك لما بلغه أنهم قد قتلوا عثمان وهم يُريدون قتاله، فحينئذ بايع الصحابة، ولا خلاف فى جواز القتال فى الشهر الحرام إذا بدأ العدو، إنما الخلاف أن يُقاتل فيه ابتداءً، فالجمهور: جوَّزوه، وقالوا: تحريمُ القِتَال فيه منسوخٌ، وهو مذهبُ الأئمة الأربعة، رحمهم الله.

وذهب عطاء وغيرُه إلى أنه ثابتٌ غيرُ منسوخ، وكان عطاء يحلِفُ بالله: ما يَحِلُّ القِتَالُ فى الشهر الحرام، ولا نسَخَ تحريمَه شىءٌ.

وأقوى من هذين الاستدلالين الاستدلالُ بحصار النبى صلى الله عليه وسلم للطائف، فإنه خرج إليها فى أواخِر شوَّال، فحاصرهم بضعاً وعشرين ليلة، فبعضُها كان فى ذى القَعَدة، فإنه فتح مكة لِعَشرٍ بقينَ مِن رمضان، وأقام بها بعد الفتح تسع عشرةَ يقصُرُ الصلاة، فخرج إلى هَوازن وقد بقى من شوَّال عشرون يوماً، ففتح الله عليه هَوازِنَ، وقسم غنائمها، ثم ذهب منها إلى الطائف، فحاصرها بضعاً وعشرين ليلة، وهذا يقتضى أن بعضها فى ذى القَعَدة بلا شك.

وقد قيل: إنما حاصرهم بضع عشرة ليلة. قال ابنُ حزم: وهو الصحيح بلا شك، وهذا عجيب منه، فمن أين له هذا التصحيح والجزم به ؟ وفى ((الصحيحين)) عن أنس بن مالك فى قصة الطائف، قال: ((فحاصرناهُم أربعينَ يوماً، فاستعصوا وتمنعوا)) وذكر الحديث فهذا الحصار وقع في ذي القَعدة بلا ريب، ومع هذا فلا دليل في القصة، لأن غزو الطائف كان مِن تمام غزوة هَوازن، وهم بدؤوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالقتال، ولما انهزموا، دخل ملكُهم، وهو مالكُ بنُ عوف النَّضري مع ثقيف في حِصن الطائف محاربينَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان غزوُهُم مِن تمام الغزوة التي شرع فيها، والله أعلم.

وقال اللّه تعالى في (سورة المائدة) وهي من آخر القرآن نزولاَ ، وليس فيها منسوخ : {يَا أيُها الَذِينَ آمَنُوا لا تُحلُوا شَعَائِرَ اللهِ ولا الشَهْرَ الحَرامَ ، ولا الهَدْي ولا القَلائِدَ} [المائدة : 2].

وقال في سورة البقرة : {ويسأَلُونَكَ عَنِ الشَهرِ الحَرامِ قِتالٍ فيه قُل : قِتَالٌ فيهِ كَبير وصدٌ عَنْ سَبيلِ اللهِ} [البقرة: 217]، فهاتان آيتان مدنيتان ، بينهما في النزول نحوُ ثمانيةِ أعوام ، وليس في كتاب الله ولا سنةِ رسوله ناسخ لحكمهما ، ولا أجمعتِ الأمةُ على نسخه ، ومن استدل على نسخه بقوله تعالى: {وقاتِلُوا المُشرِكِينَ كَافَةَ} [التوبة : 36] ونحوِها من العمومات ، فقد استدلَّ على النسخ بما لا يدُلُ عليه ، ومن استدل عليه بان النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا عامر في سريةٍ إلى أوطاس في ذي القَعدة ، فقد استدل بغير دليل ، لأن ذلك كان مِن تمام الغزوة التي بدأ فيها المشركون بالقتال ، ولم يكن ابتداءً منه لقتالهم في الشهر الحرام .


فصل

ومنها: قِسمة الغنائم، للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم، وقد تقدم تقريره.

ومنها: أنه يجوز لآحادِ الجيش إذا وجد طعاماَ أن يأكلَه ولا يُخمسَه، كما أخذ عبد الله بن المغفل جِراب الشحْمِ الذي دُلي يومَ خيبر، واختص به بمحضر النبي صلى الله عليه وسلم.

ومنها: أنه إذا لحق مددٌ بالجيش بعد تَقضّي الحرب، فلا سهمَ له إلا بإذن الجيش ورضاهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كلَم أصحابَه في أهل السفينة حينَ قَدِمُوا عليه بخيبر - جعفرٍ وأصحابه -أن يُسهِمَ لهم، فأسهم لهم.


فصل

ومنها تحريمُ لحوم الحُمُرِ الإِنسية، صح عنه تحريمُها يومَ خيبر، وصح عنه تعليلُ التحريم بأنها رِجسٌ، وهذا مقدَّمٌ على قول من قال من الصحابة: إنما حرمها، لأنها كانت ظهرَ القوم وحَمُولَتهم، فلما قيل له: فنيَ الظهرُ وأكلت الحمر، حرمها، وعلى قول من قال: إنما حرمها، لأنها لم تُخمس، وعلى قول من قال: إنما حرمها لأنها كانت حول القرية، وكانت تأكُلُ العَذِرَةَ، وكل هذا في ((الصحيح))، لكن قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنها رِجْسٌ)) مقدَّم على هذا كلَه، لأنه مِن ظن الراوي، وقولِه بخلاف التعليل بكونها رجساً.
ولا تعارضُ بين هذا التحريم وبين قوله تعالى: {قُل لاَ أَجِدُ فيما أُوحِيَ إِليَّ مُحَرَماً عَلَى طَاعِمٍ يَطعَمُه إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيتَةً أو دَماً مَسْفُوحاَ، أَو لَحْمَ خَنْزِيرٍ فإِنَهُ رجس أَو فِسْقاً أُهِلَ لِغَيْرِ اللهِ به} [الأنعام:145]، فإنه لم يكن قد حُرِّمَ حينَ نزول هذه الآية مِن المطاعم إلا هذه الأربعة، والتحريمُ كانَ يتجدَدُ شيئاً فشيئاً، فتحريمُ الحُمُر بعد ذلك تحريمٌ مبتدأ لما سكت عنه النصُّ، لا أنه رافع لما أباحه القرآن، ولا مُخصص لعمومه، فضلاً عن أن يكون ناسخاَ. والله أعلم.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس