عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-2003, 01:14 PM   #168
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



ثم أخبر سبحانه أنه صدَقَ رسُولَه رؤياه فى دخولهم المسجدَ آمنين، وأنه سيكون ولا بُدَّ، ولكن لم يكن قد آن وقت ذلك فى هذا العامِ، واللهُ سبحانه عَلِمَ مِن مصلحة تأخيره إلى وقته ما لم تعلموا أنتم، فأنتم أحببتُم استعجالَ ذلك، والربُّ تعالى يعلم من مصلحة التأخير وحكمته ما لم تعلمُوه، فقدَّم بين يدى ذلك فتحاً قريباً، توطئة له وتمهيداً.

ثم أخبرهم بأنه هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودينِ الحقِّ لِيُظهره على الدِّين كُلِّه، فقد تكفَّل الله لهذا الأمر بالتمام والإظهار على جميع أديان أهلِ الأرض، ففى هذا تقوية لقلوبهم، وبِشارة لهم وتثبيتٌ، وأن يكونوا على ثقة مِن هذا الوعد الذى لا بُدَّ أن ينجزه، فلا تظنُّوا أن ما وقع من الإغماض والقهرِ يومَ الحُديبية نُصرة لعدوه، ولا تخلياً عن رسوله ودينه، كيف وقد أرسله بدينه الحقِّ، ووعده أن يُظهِرَه على كل دِينٍ سواه.

ثم ذكر سبحانه رسولَه وحزبَه الذين اختارهم له، ومدحهم بأحسن المدح، وذكر صفاتِهم فى التوراة والإنجيل، فكان فى هذا أعظمُ البراهين على صدق مَن جاء بالتوراة والإنجيل والقرآن، وأن هؤلاء هم المذكورون فى الكتب المتقدمة بهذه الصفات المشهورة فيهم، لا كما يقول الكفار عنهم: إنهم متغلِّبون طالبُو ملك ودنيا، ولهذا لما رآهم نصارى الشام، وشاهدوا هَدْيَهم وسيرتَهم، وعدلهم وعلمهم، ورحمَتهم وزهدَهم فى الدنيا، ورغبتهم فى الآخرة، قالوا: ما الذين صَحِبُوا المسيحَ بأفضلَ مِن هؤلاء، وكان هؤلاء النصارى أعرفَ بالصحابة وفضلهم من الرافضة أعدائهم، والرافضةُ تصفِهُم بضد ما وصفهم الله به فى هذه الآية وغيرها،{ومَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً}[الكهف : 17].


فصـل

فى غزوة خيبر

قال موسى بنُ عقبة: ولما قدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ مِن الحُديبية، مَكَثَ بها عشرين ليلةً أو قريباً منها، ثم خرج غازياً إلى خيبر، وكان اللهُ عزَّ وجلَّ وعده إياها، وهو بالحُديبية.

وقال مالك: كان فتحُ خيبرَ فى السنة السادسة، والجمهور: على أنها فى السابعة. وقطع أبو محمد بنُ حزم: بأنها كانت فى السادسةِ بلا شك، ولعل الخلافَ مبنىٌ على أوَّلِ التاريخ، هل هو شهر ربيع الأول شهرُ مَقدَمِه المدينة، أو مِن المحرَّم فى أوَّل السنة ؟ وللناس فى هذا طريقانِ: فالجمهورُ على أن التاريخَ وقع مِن المحرَّم، وأبو محمد بن حزم: يرى أنه مِن شهر ربيع الأول حين قَدِمَ، وكان أوَّلَ مَن أرَّخ بالهجرة يَعلى بن أُمية باليمن، كما رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح، وقيل: عمرُ بن الخطاب رضى الله عنه، سنةَ ست عشرة مِن الهجرة.

وقال ابنُ إسحاق: حدثنى الزُّهرى، عن عُروة، عن مروانَ بن الحكم، والمِسور بنِ مَخْرَمَة، أنهما حدَّثاه جميعاً، قالا: انصرفَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عامَ الحُديبية، فنزلت عليه سورةُ الفتح فيما بينَ مكة والمدينة، فأعطاه اللهُ عزَّ وجلَّ فيها خيبرَ: { وَعَدَكُمُ اللهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تأخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ}[الفتح : 20]: خيبر، فقدِم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ فى ذى الحجة، فأقام بها حتى سار إلى خيبر فى المحرَّم، فنزلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالرَّجيعِ: وادٍ بين خيبرَ وغَطَفَان، فتخوَّف أن تمدهم غَطَفَانُ، فبات به حتَّى أصبح، فغدا إليهم... انتهى.واستخلف على المدينة سِباعَ بنَ عُرْفُطَةَ، وقَدِمَ أبو هريرة حينئذ المدينة، فوافى سِباعَ بنَ عُرفُطة فى صلاة الصُّبح، فسمِعه يقرأ فى الركعة الأولى: { كهيعص}[مريم : 1]، وفى الثانية: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}[المطففين : 1]، فقال فى نفسه: ويل لأبى فلان، له مِكيالان، إذا اكتال اكتالَ بالوافى، وإذا كال كال بالناقِص، فلما فرغ من صلاته، أتى سباعاً، فزوَّده حتى قَدِمَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلَّم المسلمينَ، فأشْركُوه وأصحابه فى سُهمانهم.

وقال سلمةُ بنُ الأكوع: (( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فسِرْنا ليلاً، فقال رجلٌ مِن القَومِ لعامر بنِ الأكوع: ألا تُسمِعُنَا مِن هُنَيْهَاتِك، وكان عامر رجلاً شاعراً ؟ فنزل يحدُو بالقوم يقول:

اللًَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَـا اهْتَدَيْنَا *** وَلاَ تَصَــــدَّقْنَا وَلاَ صَـلَّيْنَا
فاغْفِر فِدَاءً لَكَ ما اقْــتَفَيْنَا *** وَثَبِّتِ الأقْــدَامَ إنْ لاَقَـــيْنَا
وَأَنْزِلَنْ سَــكِينةً عَلَيْنـَـا *** إنَّا إذَا صِــــيحَ بِنَا أَتَــيْنَا
وبِالصِّــيَاحِ عَـوَّلُوا عَلَيْنَا *** وإنْ أرَادُوا فـِــتْنَةً أَبَيْنـــا

فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ هَذَا السّائِقُ )) ؟ قالوا: عامر. فقال: (( رَحِمَهُ اللهُ ))، فقال رجلٌ مِن القوم: وجبت يا رسولَ اللهِ لولا أمتعتَنَا به. قال: فأتينا خيبر، فحاصرناهم حتى أصابتنا مخمصةٌ شديدة، ثم إنَّ الله تعالى فتح عليهم، فلما أَمْسَوْا، أوقدوا نيراناً كثيرة، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (( مَا هَذِهِ النِّيرانُ، عَلَى أَىِّ شَىءٍ تُوقِدُونَ )) ؟ قالوا: على لحم. قال: (( عَلَى أَىِّ لَحْمٍ )) ؟ قالوا: على لحم حُمُر أنسـية. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (( أهْريقُوها واكْسِرُوها ))، فقال رجل: يا رسول الله؛ أو نُهْرِيقُها ونغسِلُها ؟ فقال: (( أو ذَاكَ ))، فلما تصافّ القومُ، خرج مَرْحَب يخطُر بسيفه وهو يقول:

قَد عَلِمَتْ خَيْبَرُ أنى مَرْحَبُ *** شَاكى السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إذا الحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ

فنزل إليه عامر وهو يقول:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّى عَامِرُ *** شاكِى السِّلاح بَطَلٌ مُغامِرُ

فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مَرْحَب فى ترس عامر، فذهب عامر يَسْفُلُ له، وكان سيفُ عامر فيه قِصر، فرجع عليه ذُباب سيفه، فأصابَ عينَ ركبته، فمات منه، فقال سلمة للنبىِّ صلى الله عليه وسلم: زعمُوا أن عامراً حَبِطَ عملُه، فقال: (( كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إنَّ لَهُ أَجْرَيْنِ وجمع بين أصبعيه إنه لَجَاهِدٌ مُجاهِدٌ، قلَّ عربىٌ مشى بها مِثْلَه )).


فصل

فى بدء القتال والمبارزة

ولما قَدمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خيبر، صلَّى بها الصُّبحَ، وركب المسلمون، فخرج أهلُ خيبر بمساحِيهم ومكاتِلهم، ولا يَشْعُرونَ، بل خرجُوا لأرضهم، فلما رأوا الجيش، قالوا: محمَّدٌ واللهِ، محمَّدٌ والخميسُ، ثم رجعوا هاربين إلى حصونهم، فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: (( اللهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْم، فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِين )).

ولما دنا النبىُّ صلى الله عليه وسلم وأشرف عليها، قال: (( قفوا )) فوقف الجيشُ، فقال: ((اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمواتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ، ورَبَّ الأَرَضينَ السَّبْعِ ومَا أَقْلَلْنَ، وربَّ الشَّيَاطِين وَمَا أَضْلَلْنَ، فإنَّا نَسْألُكَ خَيْرَ هذِهِ القرْيَةِ وخَيْرَ أَهْلِها وَخَيْرَ مَا فِيهَا، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هذِهِ القَرْيَةِ وشَرِّ أَهْلِهَا وشَرِّ مَا فيها، أقْدِمُوا بِسْم اللهِ )).

ولما كانت ليلة الدخول، قال: (( لأُعْطِيَنَّ هذِهِ الرَّايَةَ غَدَاً رَجُلاً يُحبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، ويُحِبُّهُ اللهُ ورَسُولُهُ، يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ ))، فبات الناسُ يدوكون أيهُّم يُعطاها، فلما أصبح الناسُ، غَدَوْا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كُلُّهم يَرْجُو أن يُعطاها، فقال: (( أَيْنَ عَلِىُّ بْنُ أبى طَالب )) ؟ فقالُوا: يا رسُولَ الله؛ هو يَشتكى عينيه. قال: (( فأرْسِلُوا إلَيْهِ ))، فأُتى به، فبصق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فى عينيه، ودعا لهُ، فَبَرَأ حتَّى كأنْ لم يَكُنْ به وَجَعٌ، فأعطاهُ الرايَةَ، فقال: يا رسولَ اللهِ؛ أُقاتِلهم حتى يكُونوا مثلنا ؟ قال: (( انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهم، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلامِ، وأَخْبِرْهُم بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ فيهِ، فَوَاللهِ لأَنْ يَهْدِىَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً، خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ )).

فخرج مَرْحَبٌ وهو يقول:

أنَا الَّذى سَمَّتْنى أُمِّى مَرْحَبُ *** شَاكِى السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إذا الحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ

فبرز إليه علىٌ وهو يقول:
أَنَا الَّذِى سَمَّتْنى أُمِّى حَيْدَرَهْ *** كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ المَنْظَرَهْ
أوفيهمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ

فضرب مَرْحَباً، ففلَق هامتَه، وكان الفتح.

ولما دنا علىُّ رضىَ الله عنه من حُصونهم، اطلع يهودىٌ مِن رأس الحصن، فقال: مَنْ أنت ؟ فقال: أنا علىُّ بنُ أبى طالب. فقال اليهودى: علوتُم وما أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى.

هكذا فى (( صحيح مسلم )): أن علىَّ بن أبى طالب رضى الله عنه هو الذى قتل مَرْحَبَا.

وقال موسى بن عُقبة، عن الزهرى وأبى الأسود، عن عروة ويونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدَّثنى عبد الله بن سهل أحد بنى حارثة عن جابر بن عبد الله، أن محمَّد بن مسلمة هو الذى قتله، قال جابر فى حديثه: خرج مَرْحبُ اليهودىُّ مِن حصن خيبر قد جمع سِلاحه، وهو يرتجزُ ويقول: مَن يُبارِزُ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ لِهذَا )) ؟ فقال محمَّدُ بنُ مسلمة: أنا له يا رسولَ الله، أنا واللهِ المَوْتُورُ الثائرُ، قتلوا أخى بالأمسِ، يعنى محمودَ بن مسلمة، وكان قُتِل بخيبر، فقال: (( قُمْ إلَيْهِ، اللَّهُمَّ أَعِنْهُ عَلَيْهِ ))، فلما دنا أحدُهما مِن صاحبه، دخلَتْ بينهما شجرةٌ، فجعل كُلُّ واحد منهما يلوذُ بها من صاحبه، كلما لاذ بها منه اقتطع صاحبه بسيفه ما دونه منها، حتى برز كُلُّ واحد منهما لصاحبه، وصارت بينهما كالرجُل القائم، ما فيها فَنَن، ثُمَّ حملَ على محمد فضربه، فاتقاه بالدَّرقة، فوقع سيفُه فيها، فعضَّتْ به، فَأَمْسَكَتْهُ، وضربه محمَّدُ بن مسلمة فقتله، وكذلك قال سلمة بن سلاَّمة، ومجمع بن حارثة: إن محمد بن مسلمة قتل مرحباَ.

قال الواقدى: وقيل: إن محمَّد بن مسلمة ضرب ساقى مَرْحب فقطعهما، فقال مرحب: أَجْهِز علىَّ يا محمد. فقال محمد: ذُقِ الموت كما ذاقه أخى محمود، وجاوزه، ومرَّ به علىُّ رضى الله عنه، فضرب عُنقه، وأخذ سلَبه، فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سَلَبِهِ، فقال محمَّدُ بن مسلمة: يا رسولَ الله؛ ما قطعتُ رجليه ثم تركتُه إلا لِيذوقَ الموتَ، وكنت قادراً أن أُجْهِزَ عليه. فقال علىُّ رضى الله عنه: صَدَقَ، ضربتُ عنقه بعد أن قطع رجليه، فأعطى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم محمَّد بن مسلمة سيفَه ورمحه، ومِغفره وبَيْضَته، وكان عند آلِ محمد بن مسلمة سيفُه فيه كتاب لا يُدرى ما فيه، حتى قرأه يهودى، فإذا فيه:
هذَا سَيْفُ مَرْحَبْ مَنْ يَذُقْهُ يَعْطَبْ

ثم خرج[ بعد مرحب أخوه ] ياسر، فبرز إليه الزبير، فقالت صفيَّةُ أُمه: يا رسولَ اللهِ؛ يقتلُ ابنى ؟ قال: (( بَلْ ابنُكِ يَقْتُلُهُ إنْ شَاءَ الله ))، فقتله الزبير.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس