عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-2003, 01:07 PM   #15
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



ولما رجع إلى المَدِينة، جاءه أبو بصير رجل من قريش مسلماً، فأرسلوا فى طلبه رجلين، وقالوا: العهدَ الذى جعلتَ لنا، فدفعه إلى الرَّجلين، فخرجا به حتى بلغا ذا الحُلَيْفَةِ، فنزلوا يأكُلون مِن تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: واللهِ إنِّى لأرى سيفَكَ هذا جيداً، فاستلَّه الآخرُ، فقال: أَجَلْ واللهِ إنه لجيد، لقد جربتُ به ثم جربت، فقال أبو بصير: أرنى أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه به حتى برد، وفرَّ الآخرُ بعدو حتى بلغ المدينة، فدخل المسجدَ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حين رآهُ: (( لَقَدْ رَأى هذَا ذُعْرَاً ))، فلما انتهى إلى النبى صلى الله عليه وسلم، قال: قُتِلَ واللهِ صاحبى، وإنى لمقتول، فجاء أبو بصير، فقال: يا نبىَّ اللهِ؛ قد واللهِ أوفى الله ذِمَّتك، قد رددتنى إليهم، فأنجانى الله منهم، فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: (( وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَر حَرْبٍ، لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ ))، فلما سمِعَ ذلك، عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سِيفَ البَحرِ، وينفلتُ منهم أبو جندل بنُ سهيل، فلحق بأبى بصير، فلا يخرُجُ مِن قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبى بصير، حتى اجتمعت منهم عِصابة، فواللهِ لا يسمعُونَ بعيرٍ لقُريش خرجت إلى الشام إلا اعترضُوا لها، فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريشٌ إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم تُنَاشِدُهُ الله والرحم لـمَا أرسل إليهم، فمَن أتاه منهم، فهو آمن، فأنزل الله عَزَّ وجَلَّ: { وَهُوَ الَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ....} حتى بلغ: { حَمِيَّةَ الجَاهِليَّةِ}[الفتح : 24-26] ، وكانت حميتُهم أنهم لم يُقِرُّوا أنه نبى الله، ولم يُقروا بِبِسْمِ اللهِ الرحمن الرحيم، وحالُوا بينهم وبين البيت.

قلتُ: فى (( الصحيح )): أن النبى صلى الله عليه وسلم (( توضأ، ومجَّ فى بئر الحديبية من فمه، فجاشتْ بالماءِ )) كذلك قال البراء بنُ عازب، وسلمةُ بنُ الأكوع فى (( الصحيحين )).

وقال عروة: عن مروان بن الحكم، والمِسور بن مَخْرَمَة، أنه غرز فيها سهماً مِن كنانته، وهو فى (( الصحيحين )) أيضاً.

وفى مغازى أبى الأسود عن عروة: توضأ فى الدَّلْوِ، ومضمض فاه، ثم مَجَّ فيه، وأمر أن يُصَبَّ فى البئر، ونزع سهماً من كِنانته، وألقاه فى البئر، ودعا الله تعالى، فَغَارَتْ بالماء حتى جعلُوا يغترِفُونَ بأيديهم منها، وهم جلوس على شقِّها، فجمع بين الأمرين، وهذا أشبه والله أعلم.

وفى (( صحيح البخارى )): عن جابر، قال: عَطِشَ الناسُ يومَ الحُديبية، ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بين يديه رَكْوَة يتوضأ منها، إذ جَهَشَ الناسُ نحوه، فقال: (( ما لكم )) ؟ قالوا: يا رسُولَ اللهِ؛ ما عندنا ماء نشرب، ولا ما نتوضأ إلا ما بينَ يديكَ، ((فوضع يده فى الرَّكوة، فجعل الماءُ يفورُ من بين أصابعه أمثال العيون، فشربوا، وتوضؤوا، وكانوا خمسَ عشرة مائة، وهذِهِ غيرُ قصة البئر)).

وفى هذه الغزوة أصابهم ليلة مطر، فلما صلَّى النبى صلى الله عليه وسلم الصُّبحَ، قال: (( أَتَدْرُونَ مَاذا قالَ رَبُّكُم اللَّيْلَةَ )) ؟ قالوا: اللهُ ورسُوله أعلم. قال: (( أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِى مُؤْمِنٌ بى وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ ورَحْمَتهِ، فَذلِكَ مُؤْمنٌ بى، كَافرٌ بالكَوْكَبِ، وأمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كذَا وكَذَا، فَذلِكَ كَافرٌ بى مُؤْمنٌ بالكوكب )).


فصل

وجرى الصلحُ بين المسلمين وأهلِ مكة على وضعِ الحربِ عشرَ سنين، وأن يأمنَ الناسُ بعضهم من بعض، وأن يَرجعَ عنهم عامَهُ ذلك، حتى إذا كان العامُ المقبل، قَدِمهَا، وخَلّوْا بينَه وبين مكَّة، فأقام بها ثلاثاً، وأن لا يدخُلَهَا إلا بسلاح الراكب، والسيوف فى القِرَب، وأنَّ مَن أتانا مِن أصحابكَ لم نرده عليك، ومَن أتاكَ من أصحابنا رددتَه علينا، وأنَّ بيننا وبينَك عَيْبَةً مكفوفةً، وأنه لا إسْلالَ ولا إغْلالَ، فقالوا: يا رسولَ الله؛ نُعطيهم هذا ؟ فقال: (( مَنْ أتاهم منا فأبعَدَهُ اللهُ، ومَن أتانا مِنهم فرددناه إليهم، جَعَلَ اللهُ له فَرَجاً ومخرجاً )).

وفى قِصة الحُديبية، أنزل اللهُ عزَّ وجلَّ فِديةَ الأذى لمن حلق رأسَه بالصيام، أو الصَّدقة، أو النُّسك فى شأن كعب بن عُجرة.

وفيها دعا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم للمُحَلِّقِينَ بالمَغْفِرَة ثلاثاً، ولِلمُقَصِّرِينَ مَرَّةً.

وفيها نحرُوا البَدَنَةَ عن سَبْعَةٍ، والبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ.

وفيها أهدى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فى جملة هَدْيهِ جملاً كان لأبى جهلٍ كان فى أنفه بُرَةٌ مِنْ فِضَّةٍ لِيغيظَ بهِ المشركين.

وفيها أُنزِلَتْ سورةُ الفتح، ودخلت خُزاعة فى عَقْدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وعهده، ودخلَتْ بنو بكر فى عقد قريش وعهدهم، وكان فى الشرط أن مَن شاء أن يدخل فى عقده صلى الله عليه وسلم دخل، ومَن شاء أن يدخل فى عقد قريش دخل.

ولما رجع إلى المدينة جاءه نساء مؤمناتٌ، مِنهن أُمُّ كُلثُوم بنتُ عقبة ابن أبى معيط، فجاء أهلُهَا يسألونها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالشرطِ الذى كانَ بينهم، فلم يَرْجِعْها إليهم، ونهاهُ اللهُ عزَّ وجلَّ عن ذلك، فقيل : هذا نسخ للشرط فى النساء. وقيل تخصيص للسُّـنَّة بالقرآن، وهو عزيزٌ جداً. وقيل: لم يقع الشرطُ إلا على الرجال خاصة، وأراد المشركون أن يُعَمِّمُوهُ فى الصنفين، فأبى الله ذلك.


فصل

فى بعض ما فى قصة الحُديبية مِن الفوائِدِ الفِقهية

فمنها: اعتمارُ النبى صلى الله عليه وسلم فى أشهر الحجِّ، فإنه خرج إليها فى ذى القعدة.

ومنها: أن الإحرامَ بالعُمرة من الميقات أفضلُ، كما أن الإحرامَ بالحجِّ كذلك،
فإنه أحرم بهما مِن ذى الحُليفة، وبينها وبينَ المدينة ميلٌ أو نحوُه، وأما حديث: (( مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ المَقْدِسِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ومَا تَأَخَّرَ )) وفى لفظ: (( كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ )) فحديث لا يثبُت، وقد اضطرب فيه إسناداً ومتناً اضطراباً شديداً.

ومنها: أن سَوْقَ الهَدى مسنونٌ فى العُمرة المفرَدَة، كما هو مسنون فى القِران.

ومنها: أن إشْعَارَ الهَدى سُـنَّة لا مُثلَةٌ منهى عنها.

ومنها: استحبابُ مُغايظة أعداءِ اللهِ، فإن النبىَّ صلى الله عليه وسلم أهدى فى جُملة هَدْيه جملاً لأبى جهل فى أَنْفِهِ بُرَةٌ مِن فضةٍ يَغيظُ به المشركين، وقد قال تعالى فى صفة النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه: { وَمَثَلُهُمْ فِى الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْئَهُ فآزَرَهُ فاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ }[الفتح : 29]، وقال عَزَّ وجلَّ: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِى سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍ نَيْلاً إلا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ، إنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة : 120].

ومنها: أن أميرَ الجيشِ ينبغى له أن يبعثَ العُيونَ أمامه نحوَ العدو.

ومنها: أن الاستعانَةَ بالمُشرِكِ المأمونِ فى الجهاد جائزةٌ عند الحاجة، لأن عَيْنه الخزاعىَّ كَانَ كافراً إذ ذاك، وفيه مِن المصلحة أنه أقربُ إلى اختلاطه بالعدوِّ، وأخذه أخبارهم.

ومنها: استحبابُ مشورةِ الإمام رعيَّته وجيشه، استخراجاً لوجه الرأى، واستطابةً لنفوسهم، وأمناً لِعَتْبِهِم، وتعرفاً لمصلحةٍ يختصُّ بعلمها بعضُهم دون بعض، وامتثالاً لأمر الربِّ فى قوله تعالى: { وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ }[آل عمران : 159]، وقد مدَحَ سبحانه وتعالى عباده بقوله: { وَأمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}[الشورى : 138].

ومنها: جواز سبى ذرارى المشركينَ إذا انفردُوا عن رجالهم قبل مقاتلة الرجال.

ومنها: ردُّ الكَلامِ الباطِل ولو نُسِبَ إلى غير مُكَلَّفٍ، فإنهم لما قالوا: خلأتِ القَصْوَاءُ، يعنى حَرَنَتْ وألحَّتْ، فلَمْ تَسِرْ، والخِلاء فى الابل بكسر الخاء والمدِّ نظير الحِران فى الخيل، فلما نسبُوا إلى الناقة ما ليس من خُلُقِهَا وطبعها، ردَّهُ عليهم، وقال : (( ما خَلأَتْ ومَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُق ))، ثم أخبر صلى الله عليه وسلم عن سبب بروكها، وأن الذى حَبَسَ الفيلَ عن مكة حبسها للحكمة العظيمة التى ظهرت بسبب حبسها، وما جرى بعده.

ومنها: أن تسميةَ ما يُلابسه الرجلُ مِن مراكبه ونحوها سُـنَّة.

ومنها: جوازُ الحَلِف، بل استحبابُه على الخبر الدينى الذى يريد تأكيده، وقد حُفِظَ عن النبى صلى الله عليه وسلم الحَلِف فى أكثر من ثَمَانِينَ موضعاً، وأمره الله تعالى بالحَلِفِ على تصدِيقِ ما أخبر به فى ثلاثة مواضِعَ: فى (( سورة يونس))، و((سبأ))، و((التغابن)).

ومنها: أن المُشْرِكين، وأهلَ البِدَع والفجور، والبُغَاة والظَّلَمة، إذا طَلَبُوا أمراً يُعَظِّمُونَ فيه حُرمةً مِن حُرُماتِ الله تعالى، أُجيبُوا إليه وأُعطوه، وأُعينوا عليه، وإن مُنِعوا غيره، فيُعاوَنون على ما فيه تعظيم حرمات الله تعالى، لا على كفرهم وبَغيهم، ويُمنعون مما سوى ذلك، فكُلُّ مَن التمس المعاونةَ على محبوب للهِ تعالى مُرْضٍ له، أُجيبَ إلى ذلك كائِناً مَن كان، ما لم يترتَّب على إعانته على ذلك المحبوبِ مبغوضٌ للهِ أعظمُ منه، وهذا مِن أدقِّ المواضع وأصعبِهَا، وأشقِّهَا على النفوس، ولذلك ضاق عنه من الصحابة مَن ضاق، وقال عمر ما قال، حتَّى عَمِلَ له أعمالاً بعده، والصِّدِّيقُ تلقاه بالرضى والتسليم، حتى كان قلبُه فيه على قلبِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأجاب عُمَرَ عما سأل عنه من ذلك بعَيْن جوابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك يدل على أن الصِّدِّيق رضى الله عنه أفضلُ الصحابة وأكملُهم، وأعرفُهم باللهِ تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأعلمُهم بدينه، وأقومُهم بمحابِّه، وأشدُّهم موافقةً له، ولذلك لم يسأل عمر عما عَرَضَ له إلا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وصِدِّيقَه خاصة دونَ سائر أصحابه.

ومنها: أن النبى صلى الله عليه وسلم عَدَلَ ذاتَ اليمين إلى الحُديبية. قال الشافعى: بعضُهَا مِن الحِل، وبعضُها مِن الحَرَم.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس