عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-2003, 06:19 AM   #13
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل

وأتمَّ نعمتَه عليهم مع القِبْلة بأن شرع لهم الأذانَ فى اليوم والليلة خمسَ مرات، وزادهم فى الظهر والعصر والعشاء ركعتين أُخريين بعد أن كانت ثنائية، فكل هذا كان بعد مَقْدَمِه المدينة.


فصل

فلما استقرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وأيَّده الله بنصره، بعباده المؤمنين الأنصار، وألَّفَّ بين قلوبهم بعد العداوة والإحَنِ التى كانت بينهم، فمنعته أنصارُ الله وكتيبةُ الإسلام من الأسود والأحمر، وبذلُوا نفوسهم دونه وقدَّموا محبتَه على محبة الآباء والأبناء والأزواج، وكان أولى بهم مِن أنفسهم، رمتهُمُ العربُ واليهودُ عن قوس واحدة، وشمَّروا لهم عن سَاقِ العداوة والمحاربة، وصاحوا بهم مِن كُلِّ جانب، والله سبحانه يأمرهم بالصبرِ والعفو والصفح حتى قويت الشوكةُ، واشتد الجناحُ، فأذن لهم حينئذ فى القتال، ولم يفرِضه عليهم، فقال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بأَنَّهُمْ ظُلِمُوا، وَإنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لقَدِيرٌ} [الحج: 39].

وقد قالت طائفة: إن هذا الإذن كان بمكة، والسُّورة مكية، وهذا غلط لوجوه:

أحدها: أن الله لم يأذن بمكة لهم فى القتال، ولا كان لهم شَوْكة يتمكنون بها من القتال بمكة.

الثانى: أن سِياقَ الآية يدل على أن الإذن بعد الهجرة، وإخراجهم من ديارهم، فإنه قال: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إلا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ} [الحج: 40] وَهؤُلاء هم المهاجرون.

الثالث: قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِى رَبِّهِمْ} [الحج: 19] نَزَلَتْ فى الَّذِينَ تَبارَزُوا يومَ بدر من الفريقين.

الرابع: أنه قد خاطبهم فى آخرها بقوله: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}، والخطابُ بذلك كله مدنى، فأما الخطاب: {يَا أيُّهَا النَّاسُ} فمشترك.

الخامس: أنه أمر فيها بالجهاد الذى يَعُمُّ الجهادَ باليد وغيره، ولا ريبَ أن الأمر بالجهاد المطلق إنما كان بعد الهجرة، فأمَّا جهادُ الحُجَّة، فأمر به فى مكة بقوله: {فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ} [الفرقان: 52] أى: بالقرآن
{جِهَاداً كَبِيراً} [الفرقان: 52]، فهذه سورة مكية والجهاد فيها هو التبليغُ، وجهادُ الحُجَّة، وأما الجهادُ المأمور به فى ((سورة الحج)) فيدخل فيه الجهادُ بالسيف.

السادس: أن الحاكم روى فى ((مستدركه)) من حديث الأعمش، عن مسلم البَطِين، عن سعيد بن جُبير، عن ابنِ عباس قال: ((لما خَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ مكَّة قال أبو بكر: أخرجُوا نبيَّهم، إنَّا للهِ وإنَّا إليه رَاجِعُونَ لَيهْلِكُنَّ، فأنزل الله عَزَّ وجَلَّ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ} [الحج: 39] وهى أول آية نزلت فى القتال)). وإسناده على شرط ((الصحيحين)) وسياق السورة يدل على أن فيها المكىَّ والمدنىَّ، فإن قصة إلقاء الشيطان فى أُمنية الرسول مكية، والله أعلم.


فصل

ثم فرضَ عليهم القِتَالَ بعدَ ذلك لمن قاتلهم دون مَن لم يُقاتِلْهم فقال: {وَقَاتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190].

ثم فرض عليهم قتالَ المشركِينَ كافَّة، وكان محرَّماً، ثم مأذوناً به، ثم مأموراً به لمن بدأهم بالقتال، ثم مأموراً به لجميع المشركين إما فرضَ عَيْنٍ على أحد القولين، أو فرضَ كِفاية على المشهور.

والتحقيق أن جنسَ الجهادِ فرضُ عَيْن إما بالقلب، وإما باللِّسان، وإما بالمال، وإما باليد، فعلى كُلِّ مسلم أن يُجاهد بنوع مِن هذه الأنواع.

أما الجهاد بالنفس، ففرض كفاية، وأما الجهاد بالمال، ففى وجوبهِ قولانِ، والصحيح وجوبه لأن الأمرَ بالجهاد به وبالنفس فى القرآن سواء، كما قال تعالى: {انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ اللهِ، ذَلِكُم خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة: 41].

وعلَّق النجاةَ من النار به، ومغفرةَ الذنب، ودخولَ الجنة، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكُم عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وََتُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُم، ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ، ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ} [الصف: 10-12].

وأخبر أنهم إن فعلوا ذلك، أعطاهم ما يُحبون مِن النصر والفتحِ القريب فقال: {وأُخْرَى تُحِبُّونَهَا} [الصف: 13] أى: ولكم خصلة أخرى تُحِبُّونها فى الجهَادِ، وهى {نَصْرٌ مِّنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} [الصف: 13].

وأخبر سبحانه أنه {اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ} [التوبة: 111] وأعاضهم عليها الجنةَ، وأن هذا العقد والوعد قد أودعه أفضلَ كتبه المنزَّلة مِن السماء، وهى التوراة والإنجيل والقرآن، ثم أكد ذلك بإعلامهم أنه لا أحدَ أوفى بعهده منه تبارك وتعالى، ثم أكد ذلك بأن أمَرَهُم بأن يستبشِروا ببيعهم الذى عاقدوه عليه، ثم أعلمهم أن ذلك هو الفوزُ العظيمُ.

فليتأملِ العاقِد مع ربه عقد هذا التبايعِ ما أعظمَ خطَرَه وأجلَّه، فإن الله عَزَّ وجَلَّ هو المشترى، والثمن جنَّاتُ النعيم، والفوزُ برضاه، والتمتع برؤيته هناك، والذى جرى على يده هذا العقدُ أشرفُ رسله وأكرمُهم عليه مِن الملائكة والبَشر، وإن سِلْعَةً هذا شأْنُها لقد هُيِّئَتْ لأَمرٍ عَظِيمٍ وخَطْبٍ جَسيمٍ:

قَـدْ هَيَّؤوكَ لأَمْـرٍ لَوْ فَطِـنْتَ لَهُ *** فَارْبأ بِنَفْسِكَ أَنْ تَرعَى مَعَ الهَمَلِ

مَهْرُ المحبةِ والجَنَّةِ بذلُ النفس والمال لمالكهما الذى اشتراهما من المؤمنين، فما للِجبان المُعرِضِ المُفْلِس وسَوْمِ هذه السلعة، باللَّهِ ما هُزِلَتْ فيستامها المفلسون، ولا كَسَدَت، فيبيعَهَا بالنسيئة المُعْسِرُونَ، لقد أقيمت للعرض فى سوق مَن يُرِيد، فلم يرضَ رَبُّهَا لها بثمن دون بذل النفوس، فتأخر البطَّالون، وقام المحبُّونَ ينتظرون أيُّهُم يصلُح أن يكون نفسُه الثمن، فدارت السِّلعة بينهم، ووقعت فى يد {أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ} [المائدة: 54].


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس