عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-2003, 04:53 AM   #7
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وهذا الحديث غلطٌ بيِّن خلاف المعلوم من فعله صلى اللَّه عليه وسلم الذي لا يَشُكُّ فيه أهلُ العلم بحَجَّته صلى اللَّه عليه وسلم، فنحنُ نذكر كلامَ الناسِ فيه، قال الترمذي في كتاب ((العلل)) له: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث، وقلت له: أَسَمعَ أبو الزبير من عائشة وابن عباس؟ قال: أمَّا مِن ابن عباس، فنعم، وفى سماعه من عائشة نظر. وقال أبو الحسن القطان: عندي أن هذا الحديث ليس بصحيح، إنما طاف النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ نهاراً، وإنما اختلفُوا: هل صلَّى الظهر بمكة أو رجع إلى مِنَى، فصلَّى الظهرَ بها بعد أن فرغ من طوافه؟ فابنُ عمر يقولُ: إنه رجع إلى مِنَى، فصلَّى الظهرَ بها، وجابرٌ يقول: إنه صلَّى الظهر بمكة، وهو ظاهر حديث عائشة من غير رواية: ((أبى الزبير)) هذه التي فيها أنه أخَّر الطوافَ إلى الليل، وهذا شئ لم يُروَ إلا من هذا الطريق، وأبو الزبير مدلس لم يذكر هاهنا سماعاً من عائشة، وقد عهد أنه يروى عنها بواسطة، ولا عن ابن عباس أيضاً، فقد عُهِدَ كذلك أنه يروي عنه بواسطة، وإن كان قد سمع منه، فيجب التوقُّفُ فيما يرويه أبو الزبير عن عائشة وابن عباس مما لا يَذْكُرُ فيه سماعَه منهما، لِما عُرِفَ به من التدليس، لو عُرِفَ سماعُه منها لِغير هذا، فأمَّا ولم يَصِحَّ لنا أنه سمع من عائشة، فالأمر بيِّن في وجوب التوقف فيه، وإنما يختلِف العلماء في قبول حديث المدلِّس إذا كان عمن قد علم لِقاؤه له وسماعُه منه. هاهنا يقول قوم: يُقبل، ويقول آخرون: يُرد ما يُعنعِنُه عنهم حتى يتبيَّن الاتصالُ في حديث حديث، وأما ما يُعَنْعِنُه المدلِّسُ، عمن لم يُعلم لِقاؤه له ولا سماعُه منه، فلا أعلم الخلافَ فيه بأنه لا يُقبل. ولو كنا نقول بقول مسلم: بأن مُعَنْعَن المتعاصِرَيْنِ محمولٌ على الاتصال ولو لم يُعلم التقاؤهما، فإنما ذلك في غير المدلِّسين، وأيضاً فلما قدمناه مِن صحة طواف النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ نهاراً، والخلاف في رد حديث المدلِّسين حتى يُعلم اتصالُه، أو قبوله حتَّى يعلم انقطاعه، إنما هو إذا لم يُعارضه ما لا شكَّ في صحته وهذا قد عارضه ما لا شك في صحته... انتهى كلامه.

ويدل على غلط أبى الزُّبيرِ على عائشة، أن أبا سلمة بنَ عبد الرحمن روى عن عائشة، أنَّها قالت: حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ. وروى محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم، أذن لأصحابه فزاروا البيت يوم النحر ظهيرة، وزار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مع نسائه ليلاً، وهذا غلط أيضاً.

قال البيهقي: وأصحُّ هذه الرواياتِ حديثُ نافع عن ابن عمر، وحديثُ جابر، وحديثُ أبى سلمة عن عائشة، يعنى: أنه طاف نهاراً.

قلتُ: إنما نشأ الغلطُ مِن تسمية الطوافِ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخَّرَ طوافَ الوَدَاع إلى الليل، كما ثبت في ((الصحيحين)) من حديث عائشة. قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت الحديث، إلى أن قالت: فَنَزَلْنَا المُحَصَّبَ، فدعا عَبْدَ الرحمن بنَ أبى بكر، فقال: ((اخْرُجْ بأخْتِكَ مِنَ الحَرَمِ، ثم افْرُغَا مِن طَوَافِكُما، ثم ائتياني هاهنا بالمُحَصَّبِ)) قالت: فَقَضَى الله العُمرة، وفرغنا مِن طوافنا في جَوْفِ اللَّيل، فأتيناه بالمحَصَّبِ، فقال: ((فَرَغْتُمَا))؟ قُلنا:نعم. فأذَّن في الناسِ بالرحيل، فمرَّ بالبيتِ، فطافَ به، ثم ارتحلَ متوجهاً إلى المدينة.

فهذا هو الطواف الذي أخَّره إلى الليل بلا ريب، فغلط فيه أبو الزبير، أو مَنْ حدَّثه بِه، وقال: طواف الزيارة، واللَّه الموفق.

ولم يَرْمُلْ صلَّى اللَّه عليه وسلم في هذا الطواف، ولا في طَوافِ الوَدَاعِ، وإنما رَمَلَ في طوافِ القُدوم.


فصل

ثمَّ أتى زمزمَ بعد أن قضى طوافَه وهم يسقون، فقال: ((لَوْلاَ أَنْ يَغْلِبَكُم النَّاسُ، لنَزَلْتُ فَسَقَيْتُ مَعَكُمْ)) ثُمَّ ناولُوه الدَّلْوَ، فَشَربَ وهُوَ قَائِم.

فقيل: هذَا نسخٌ لنهيه عن الشرب قائماً، وقيل: بل بيان منه أن النهي على وجه الاختيار وترك الأَوْلى، وقيل: بل للحاجة، وهذا أظهر.

وهل كان في طوافه هذا راكباً أو ماشياً؟ فروى مسلم في ((صحيحه))، عن جابر قال: ((طافَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالبَيْتِ في حَجَّةِ الوَدَاعِ على رَاحِلته يَستلِم الرُّكنَ بِمحْجَنِه لأن يراه الناسُ وليُشْرِفَ، ولِيسألُوه، فإنَّ الناسَ غَشُوْهُ)).

وفى ((الصحيحين))، عن ابنِ عباس قال: ((طافَ النبي صلى الله عليه وسلم في حَجة الوداع، على بعير يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمحْجَنٍ)).

وهذا الطواف، ليس بطواف الوداع، فإنه كان ليلاً، وليس بطواف القُدوم لوجهين.

أحدهما: أنه قد صحَّ عنه الرَّمَلُ في طواف القدوم، ولم يقل أحد قطُّ: رَمَلَتْ بِه رَاحِلَتُه، وإنما قالوا: رَمَلَ نَفْسُهُ.

والثاني: قول الشريد بن سويد: ((أفضتُ مع رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فما مَسَّتْ قدماه الأرْضَ حتَّى أتى جَمْعاً)).

وهذا ظاهره، أنه من حين أفاض معه، ما مسَّت قدماه الأرض إلى أن رجع، ولا ينتقِضُ هذا بركعتي الطواف، فإن شأنَهما معلوم.

قلت: والظاهر: أن الشريد بن سويد، إنما أراد الإفاضة معه من عرفة، ولهذا قال: حتى أتى جَمْعاً وهى مزدلفة، ولم يُرد الإفاضة إلى البيت يومَ النحر، ولا ينتقِضُ هذا بنزوله عند الشِّعب حين بال، ثم رَكِبَ لأنه ليس بنزول مستقر، وإنما مسَّت قدماه الأرضَ مساً عارِضاً. واللَّه أعلم.


فصل

ثم رجع إلى مِنَى، واختُلِفَ أين صلَّى الظهر يومئذ، ففي ((الصحيحين)): عن ابنِ عُمر، أنه -صلَّى اللَّه عليه وسلم- أفاضَ يوم النحر، ثم رجع، فصلَّى الظهرَ بِمنَى.

وفى ((صحيح مسلم)): عن جابر، أنه -صلَّى اللَّه عليه وسلم- صلَّى الظُّهرَ بمكَّة وكذلك قالت عائشةُ.

واختُلِفَ في ترجيح أحدِ هذينِ القولين على الآخر، فقال أبو محمد بن حزم: قول عائشة وجابر أولى وتَبِعَه على هذا جماعة، ورجَّحوا هذا القولَ بوجوه.

أحدها: أنه روايةُ اثنين، وهما أولى من الواحد.

الثاني: أن عائشة أخصُّ الناسِ به صلَّى الله عليه وسلم، ولها من القُرب والاختصاص به والمزية ما ليس لغيرها.

الثالث: أن سياق جابر لِحَجَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها، أتمُّ سياق، وقد حَفِظَ القِصَّةَ وضبطها، حتى ضبط جزئياتها، حتَّى ضبط منها أمراً لا يتعلَّق بالمناسك، وهو نزولُ النبي صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ جَمْعٍ في الطَّريق، فقَضَى حاجَته عند الشِّعب، ثم توضأ وضوءاً خفيفاً، فمَن ضبط هذا القدر، فهو بضبط مكانِ صلاته يومَ النحر أولى.

الرابع: أن حَجَّة الوداع كانت في آذار، وهو تساوى الليلِ والنهارِ، وقد دفع مِن مزدلفة قبل طلوع الشمس إلى مِنَى، وخطب بها الناسَ، ونحر بُدْناً عظيمة، وقَسمَها، وطُبِخَ له من لحمها، وأكل منه، ورمى الجمرة، وحلَقَ رأسَه، وتطيَّب، ثم أفاض، فطافَ وشرب من ماء زمزم، ومِن نبيذ السِّقاية، ووقف عليهم وهم يسقون، وهذه أعمال تبدو في الأظهر أنها لا تنقضي في مقدارٍ يُمكِنُ معه الرجوعُ إلى مِنى، بحيثُُ يُدرِكُ وقت الظهر في فصل آذار.

الخامس: أن هذين الحديثينِ، جاريانِ مجرى الناقِل والمبقى، فقد كانت عادتُه - صلَّى اللَّه عليه وسلم - في حَجته الصلاةَ في منزله الذي هو نازِل فيه بالمسلمين، فجرى ابن عمر على العادة، وضبط جابر وعائشة رضى اللَّه عنهما الأمر الذي هو خارج عن عادته، فهو أولى بأن يكون هو المحفوظ.

ورجَّحت طائفة أخرى قول ابن عمر، لوجوه:

أحدها: أنه لو صلَّى الظُّهر بمكة، لم تُصَلِّ الصحابة بِمنَى وحداناً وزَرَافاتٍ، بل لم يكن لهم بُدٌّ من الصلاة خلفَ إمام يكون نائباً عنه، ولم يَنْقُلْ هذا أحدٌ قطٌّ، ولا يقول أحد: إنه استناب مَن يُصلِّى بهم، ولولا علمُه أنه يرجع إليهم فيُصلِّى بهم، لقال: إن حَضَرَتِ الصلاةُ ولستُ عندكم، فليُصلِّ بكم فلان، وحيث لم يقع هذا ولا هذا، ولا صلَّى الصحابة هناك وحداناً قطعاً، ولا كان مِن عادتهم إذا اجتمعوا أن يُصلُّوا عِزِين، عُلِمَ أنهم صلُّوا معه على عادتهم.

الثاني: أنه لو صلَّى بمكة، لكان خَلْفَهُ بعضُ أهل البلد وهم مقيمون، وكان يأمرهم أن يُتِمُّوا صلاتهم، ولم يُنقل أنهم قاموا فأتموا بعد سلامه صلاتهم، وحيث لم يُنقل هذا ولا هذا، بل هو معلوم الانتفاء قطعاً، عُلِمَ أنه لم يُصلِّ حينئذ بمكة، وما ينقلُه بعض مَن لا علم عنده، أنه قال: ((يا أَهْلَ مَكَّة أَتِمُّوا صَلاتَكُم فإنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ))، فإنما قاله عامَ الفتح، لا في حَجته.

الثالث: أنه من المعلوم، أنه لما طاف، ركع ركعتي الطواف، ومعلوم أن كثيراً من المسلمين كانوا خلفه يقتدون به في أفعاله ومناسكه، فلعله لما ركع ركعتي الطواف، والناس خلفه يقتدُون به، ظن الظانُّ أنها صلاةُ الظهر، ولا سيما إذا كان ذلك في وقت الظهر، وهذا الوهمُ لا يُمكن رفعُ احتماله، بخلاف صلاته بِمنَى، فإنها لا تحتمِل غير الفرض.

الرابع: أنه لا يُحفظ عنه في حَجه أنه صلَّى الفرض بجوف مكة، بل إنما كان يُصلِّى بمنزله بالأبطح بالمسلمين مُدّة مقامه كان يُصلِّى بهم أين نزلوا لا يُصلِّي في مكان آخر غير المنزل العام.

الخامس: أن حديث ابن عمر، متفق عليه، وحديث جابر، من أفراد مسلم، فحديث ابن عمر، أصح منه، وكذلك هو في إسناده، فإن رواته أحفظ، وأشهر، وأتقن، فأين يقع حاتم بن إسماعيل من عُبيد اللَّه بن عمر العمري، وأين يقع حفظ جعفر مِن حفظ نافع؟.

السادس: أن حديث عائشة، قد اضطربَ في وقت طوافه، فرُوى عنها على ثلاثة أوجه، أحدها: أنه طاف نهاراً، الثاني: أنه أخَّر الطَّواف إلى الليل، الثالث: أنه أفاض مِن آخر يومه، فلم يضبط فيه وقت الإفاضة، ولا مكان الصلاة، بخلاف حديث ابن عمر.

السابع: أن حديثَ ابنِ عمر أصحُّ منه بلا نزاع، فإن حديثَ عائشة من رواية محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عنها، وابن إسحاق مختلف في الاحتجاج به، ولم يُصرِّحْ بالسماع، بل عنعنه، فكيف يُقدَّم على قول عُبيد اللَّه: حدثني نافع، عن ابن عمر.

الثامن: أن حديث عائشة، ليس بالبيِّن أنه -صلَّى اللَّه عليه وسلم- صلَّى الظهر بمكة، فإن لفظه هكذا: ((أفاض رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم مِن آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهر، ثم رجع إلى مِنَى، فمكث بها ليالي أيامِ التشريق يرمى الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات))، فأين دلالة هذا الحديثِ الصريحة، على أنه صلَّى الظهرَ يومئذ بمكة، وأين هذا في صريح الدلالة إلى قول ابن عمر: ((أفاض يوم النحر، ثم صلَّى الظهر بمِنَى))، يعنى راجعاً. وأين حديثٌ اتفق أصحاب الصحيح على إخراجه إلى حديثٍ اختُلِف في الاحتجاج به. والله أعلم.


فصل

قال ابن حزم: وطافت أمُّ سلمة في ذلك اليوم على بعيرها مِن وراء الناس وهى شَاكية، استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم، فأذن لها، واحتج عليه بما رواه مسلم في ((صحيحه)) من حديث زينب بنت أُم سلمة، عن أُم سلمة، قالت: شكوتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أني أشتكى، فقال: ((طُوفي مِنْ وَراءِ النَّاس وأَنْتِ رَاكبة)) قالت: فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَئِذٍ يُصَلِّي إلَى جَنْبِ البَيْتِ، وهُوَ يَقْرَأُ: {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: 1-2]، ولا يتبيَّنُ أن هذا الطوافَ هُوَ طوافُ الإفاضَة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرأ في ركعتي ذلك الطواف بالطور، ولا جهر بالقراءة بالنهار بحيث تسمعُه أمُّ سلمة من وراء الناس، وقد بيَّن أبو محمد غلطَ مَن قال: إنه أخَّره إلى الليل، فأصاب في ذلك.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس