عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-2003, 03:45 AM   #11
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وقد روى هذا عنِ النبى صلى الله عليه وسلم مَنْ سمَّيْنا وغيرهم ، وروى ذلك عنهم طوائفُ مِن كبار التابعين ، حتى صار منقولاً نقلاً يرفع الشكَّ ، ويُوجب اليقينَ ، ولا يُمكن أحداً أن ينكره ، أو يقول : لم يقع ، وهو مذهبُ أهل بيت رسولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ، ومذهبُ حَبْر الأُمة وبحرها ابنِ عباس وأصحابهِ ، ومذهبُ أبى موسى الأشعرى ، ومذهبُ إمام أهل السُّـنَّة والحديث أحمد بن حنبل وأتباعه ، وأهل الحديث معه ، ومذهب عبد اللَّه بن الحسن العنبرى قاضى البصرة ، ومذهب أهل الظاهر .

والذين خالفوا هذه الأحاديث ، لهم أعذار .

العذر الأول : أنها منسوخة .

العذر الثانى : أنها مخصوصة بالصحابة ، لا يجوزُ لِغيرهم مشاركُتهم فى حكمها .

العذر الثالث : معارضُتها بما يَدُلُّ على خلاف حُكمها ، وهذا مجموعُ ما اعتذروا به عنها .

ونحن نذكر هذه الأعذار عُذْراً عُذْراً ، ونبيِّنُ ما فيها بمعونة اللَّه وتوفيقه .

أما العذر الأول ، وهو النسخ ، فيحتاج إلى أربعة أُمور ، لم يأتوا منها بشئ يحتاج إلى نصوص أُخر ، تكون تِلك النصوصُ معارضة لهذه ، ثم تكونُ مع هذه المعارضة مقاومة لها ، ثم يُثبت تأخرُّها عنها . قال المدَّعون للنسخ : قال عمر بن الخطاب السِّجستانى : حدثنا الفريابى ، حدثنا أبان بن أبى حازم ، قال: حدثنى أبو بكر بن حفص ، عن ابن عُمر ، عن عُمَرَ بنِ الخطاب رضى اللَّه عنه أنه قال لما ولى : (( يا أيُّها الناس ؛ إن رسولَ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ، أحلَّ لنا المتُعة ثم حرَّمها علينا )) رواه البزار فى (( مسنده )) عنه

قال المبيحون للفسخ : عجباً لكم فى مُقاومة الجبال الرَّواسى التى لا تُزعزِعُها الرِّياحُ بِكَثِيبٍ مَهيلِ ، تسفيه الرَّياحُ يميناً وشمالاً ، فهذا الحديثُ ، لا سند ولا متن ، أما سندُه ، فإنه لا تقومُ به حُجة علينا عند أهلِ الحديث ، وأما متنُه ، فإن المراد بالمتعة فيه مُتعة النساء التى أحلَّها رسولُ الله صلى اللَّه عليه وآله وسلم ، ثم حرَّمها ، لا يجوز فيها غيرُ ذلك البتة ، لوجوه .

أحدها : إجماعُ الأُمة على أنَّ مُتعة الحَجِّ غيرُ محرَّمة ، بل إما واجبة ، أو أفضلُ الأنساك على الإطلاق ، أو مستحبة ، أو جائزة ، ولا نعلم للأُمة قولاً خامساً فيها بالتحريم .

الثانى : أن عُمَرَ بنَ الخطاب رضى اللَّه عنه ، صحَّ عنه مِن غير وجه ، أنه قال: لو حججتُ لتمتعتُ ، ثم لو حججتُ لتمتعتُ . ذكره الأثرم فى ((سننه )) وغيره

وذكر عبد الرزاق فى (( مصنفه )) : عن سالم بن عبد اللَّه ، أنه سئل : أنهى عمر عن مُتعة الحَجّ ؟ قال : لا ، أَبَعْدَ كِتابِ اللَّه تعالى ؟ وذكر عن نافع ، أن رجلاً قال له : أنهى عمر عن مُتعة الحج ؟ قال : لا . وذكر أيضاً عن ابن عباس ، أنه قال : هذا الذى يزعمون أنه نهى عن المُتعة يعنى عمَر سمعتُه يقول : لو اعتمرتُ ، ثم حججتُ ، لتمتَّعتُ .

قال أبو محمد بن حزم : صحَّ عن عمر الرجوعُ إلى القول بالتمتع بعد النهى عنه ، وهذا محال أن يرجعَ إلى القول بما صح عنده أنه منسوخ .

الثالث : أنه من المحال أن ينهى عنها ، وقد قال صلى الله عليه وسلم لمن سأله : هل هى لِعامِهم ذلك أم للأبد ؟ فقال : (( بل للأبد )) ، وهذا قطع لتوهم ورود النسخ عليها ، وهذا أحدُ الأحكام التى يستحيل ورود النسخ عليها ، وهو الحكمُ الذى أخبر الصادق المصدوق باستمراره ودوامه ، فإنه لا خلف لِخبره .


فصل

فى دعوى اختصاص ذلك بالصحابة

العذر الثانى : دعوى اختصاصِ ذلك بالصحابة ، واحتجوا بوجوه :

أحدها : ما رواه عبدُ اللَّهِ بنُ الزبير الحُميدى ، حدثنا سُفيان ، عن يحيى بن سعيد ، عن المُرَقِّعِ ، عن أبى ذر أنه قال : كان فسخُ الحجِّ مِن رسولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لنَا خاصة .

وقال وكيع : حدثنا موسى بن عُبيدة ، حدثنا يعقوب بنُ زيد ، عن أبى ذر قال : لم يَكُنْ لأَحَدٍ بَعْدَنَا أَنْ يَجْعَلَ حَجَّتَهُ عُمْرَةً ، إنَّها كَانَتْ رُخْصَةً لَنَا أَصْحَابَ مَحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم .

وقال البزار : حدّثنا يوسف بن موسى ، حدثنا سلمةُ بنُ الفضل ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن الأسدى ، عن يزيد بن شريك ، قُلنا لأبى ذر : كيف تمتَّع رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وأنتُم معه ؟ فقال : ما أَنْتُمْ وَذَاكَ ، إنَّما ذَاكَ شَئٌ رُخِّصَ لَنَا فيه ، يعنى المتعة .

وقال البزار : حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا عُبيد اللَّه بن موسى ، حدثنا إسرائيل ، عن إبراهيم بن المهاجر ، عن أبى بكر التيمى ، عن أبيه والحارث بن سويد قالا : قال أبو ذر فى الحجِّ والمتعةِ : رخصةٌ أعطاناها رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم .

وقال أبو داود : حدثنا هنّاد بن السِّرِى ، عن ابن أبى زائدة ، أخبرنا محمد ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن سليمان أو سليم بن الأسود أن أبا ذر كان يقولُ فيمن حَجَّ ثُمَّ فَسَخَها إلى عُمْرَةٍ ، لم يَكُنْ ذَلِكَ إلاَّ لِلرَّكْبِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .

وفى (( صحيح مسلم )) : عن أبى ذر . قال : كانَتِ المُتْعَةُ فى الحَجِّ لأَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم خَاصَّةً . وفى لفظ : (( كَانَتْ لَنَا رُخْصَةً )) ، يَعْنى المُتْعَةَ فى الحَجِّ ، وفى لفظ آخر : (( لا تَصِحُّ المُتْعَتَانِ إلاَّ لَنَا خَاصةً )) ، يَعنِى مُتْعَةَ النِّسَاءِ ومُتْعَةَ الحَجِّ . وفى لفظ آخر : (( إنَّمَا كَانَتْ لَنَا خَاصّةً دُونَكُم )) ، يَعْنِى مُتْعَةَ الحَجِّ .

وفى (( سنن النسائى )) بإسناد صحيح : عن إبراهيم التيمى ، عن أبيه ، عن أبى ذر ، فى مُتعِة الحجِّ : لَيْسَتْ لَكُمْ ، ولَسْتُم مِنْهَا فى شَئٍ ، إنَّمَا كَانَتْ رُخْصَةً لَنَا أصحابَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم .

وفى (( سنن أبى داود والنسائى )) ، من حديث بلال بن الحارث قال : قلت : يا رسول اللَّه ؛ أرأيتَ فسخَ الحجِّ إلى العُمرة لنا خاصَّة ، أم للناس عامة ؟ فقال رسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم : (( بَلْ لَنَا خًَاصَّة )) ، ورواه الإمام أحمد .

وفى مسند أبى عوانة بإسناد صحيح : عن إبراهيم التيمى ، عن أبيه ، قال: سُئِلَ عُثْمَانُ عن مُتْعَةِ الحَجِّ فَقَال : كَانَتْ لَنَا ، لَيْسَتْ لَكُمْ .

هذا مجموعُ ما استدلوا به على التخصيص بالصحابة .

قال المجوِّزون للفسخ ، والموجِبُون له : لا حُجة لكم فى شئ من ذلك ، فإنَّ هذه الآثار بين باطل لا يَصِحُّ عمن نُسِب إليه البتة ، وبين صحيح عن قائل غيرِ معصوم لا تُعارَض به نصوصُ المعصوم .

أما الأول : فإن المُرَقِّع ليس ممن تقوم بروايته حُجة ، فضلاً عن أن يُقدَّم على النصوص الصحيحة غيرِ المدفوعة . وقد قال أحمد بن حنبل وقد عُورِضَ بحديثه : ومَن المُرقِّع الأسدى ؟ وقد روى أبو ذر عن النبى صلى اللَّه عليه وآله وسلم ، الأمر بفسخ الحَجّ إلى العُمْرة . وغاية ما نقل عنه إنْ صح : أنّ ذلك مختصٌّ بالصحابة ، فهو رأيه . وقد قال ابن عباس ، وأبو موسى الأشعرى : إنَّ ذلك عام للأُمة ، فرأى أبى ذر معارَض برأيهما ، وسلمت النصوصُ الصحيحةُ الصريحة ، ثم من المعلوم أن دعوى الاختصاص باطلةٌ بنص النبى صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن تلك العُمْرة التى وقع السؤال عنها وكانت عُمْرة فسخ لأبد الأبد ، لا تَختصُّ بقَرن دونَ قرن ، وهذا أصح سنداً من المروى عن أبى ذر ، وأولى أن يُؤخذ به منه لو صحَّ عنه .

وأيضاً .. فإذا رأينا أصحابَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قد اختلفوا فى أمر قد صحَّ عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه فعله وأمر به ، فقال بعضُهم : إنه منسوخ أو خاص ، وقال بعضهم : هو باقٍ إلى الأبد ، فقولُ مَن ادَّعى نسخَه أو اختصاصَه مخالف للأصل ، فلا يُقبَلُ إلا ببرهان ، وإنَّ أقلَّ ما فى الباب معارضتُه مَن ادَّعى بقاءه وعمومه ، والحجةُ تفصِل بين المتنازعين ، والواجبُ الردُّ عند التنازع إلى اللَّه ورسوله . فإذا قال أبو ذر وعثمان : إن الفسخ منسوخ أو خاص ، وقال أبو موسى وعبد اللَّه بن عباس : إنه باقٍ وحكمُه عام ، فعلى مَن ادَّعى النسخ والاختصاص الدليل .

وأما حديثه المرفوع حديث بلال بن الحارث فحديث لا يـُكْتَبُ ، ولا يُعارَض بمثله تلك الأساطين الثابتة .

قال عبد اللَّه بن أحمد : كان أبى يرى للمُهِلِّ بالحج أن يفسخَ حجَّه إن طاف بالبيت وبين الصفا والمروة . وقال فى المتعة : هى آخِرُ الأمرين من رسول الله صلى اللَّه عليه وآله وسلم . وقال صلى اللَّه عليه وآله وسلم .: (( اجْعَلُوا حَجَّكُم عُمْرَةً )) . قال عبد اللَّه : فقلت لأبى : فحديث بلال بن الحارث فى فسخ الحج، يعنى قوله : (( لنا خاصة )) ؟ قال : لا أقول به ، لا يُعرف هذا الرجل ، هذا حديث ليس إسناده بالمعروف ، ليس حديثُ بلال بن الحارث عندى يثبتُ . هذا لفظه .

قلت : ومما يدل على صحة قول الإمام أحمد ، وأن هذا الحديث لا يَصِحُّ أن النبى صلى اللَّه عليه وآله وسلم أخبر عن تلك المُتعة التى أمرهم أن يفسخوا حَجَّهم إليها أنها لأَبَدِ الأبدِ ، فكيف يثبُت عنه بعد هذا أنها لهم خاصة ؟ هذا من أمحل المحال . وكيف يأمرهم بالفسخ ويقول : (( دَخَلَتِ العُمْرَةُ فى الحَجِّ إلى يَوْمِ القِيَامَة )) ، ثم يثبت عنه أن ذلك مختص بالصحابة دون مَن بعدهم : فنحن نَشْهَدُ باللَّهِ ، أن حديث بلال بن الحارث هذا ، لا يصح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو غلط عليه ، وكيف تُقدَّم روايةُ بلال بن الحارث ، على روايات الثقات الأثبات ، حملةِ العلم الذين رووا عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم خلافَ روايته ، ثم كيف يكون هذا ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وابنُ عباس رضى اللَّه عنه يُفتى بخلافه ، ويناظر عليه طول عمره بمشهد من الخاص والعام ، وأصحابُ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم متوافِرون ، ولا يقول له رجلٌ واحد منهم : هذا كان مختصاً بنا ، ليس لغيرنا حتى يظهر بعد موت الصحابة ، أن أبا ذر كان يرى اختصاص ذلك بهم ؟

وأما قول عثمان رضى اللَّه عنه فى متعة الحج : إنها كانت لهم ليست لغيرهم ، فحكمه حكم قول أبى ذر سواء ، على أن المروى عن أبى ذر وعثمان يحتمل ثلاثة أُمور :

أحدها : اختصاص جواز ذلك بالصحابة ، وهو الذى فهمه مَنْ حرَّم الفسخ .

الثانى : اختصاصُ وجوبه بالصحابة ، وهو الذى كان يراه شيخنا قدَّس اللَّهُ روحه يقول : إنهم كانوا قد فُرِض عليهم الفسخ لأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لهم به ، وحتمه عليهم ، وغضبه عندما توقفوا فى المبادرة إلى امتثاله . وأما الجواز والاستحباب ، فللأُمة إلى يوم القيامة ، لكنْ أبَى ذلك البحرُ ابنُ عباس ، وجعل الوجوب للأُمة إلى يوم القيامة ، وأن فرضاً على كل مفرد وقارن لم يسق الهَدْى ، أن يحلَّ ولا بد ، بل قد حَلَّ وإن لم يشأ ، وأنا إلى قوله أميلُ منى إلى قول شيخنا .

الاحتمال الثالث : أنه ليس لأحد من بعد الصحابة أن يبتدئ حجاً قارِناً أو مفرداً بلا هَدْى ، بل هذا يحتاج معه إلى الفسخ ، لكن فرض عليه أن يفعل ما أَمَرَ به النبىُّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم أصحابه فى آخر الأمر من التمتع لمن لم يَسُقِ الهَدْىَ ، والقِران لمن ساق ، كما صح عنه ذلك . وأمّا أن يَحرم بحج مفرد ، ثم يفسخه عند الطواف إلى عُمرة مُفردةٍ ، ويجعله متعة ، فليس له ذلك ، بل هذا إنما كان للصحابة ، فإنهم ابتدؤوا الإحرام بالحج المفرد قبل أمر النبىِّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم بالتمتع والفسخ إليه ، فلما استقر أمره بالتمتع والفسخ إليه ، لم يكن لأحد أن يُخالفه ويُفرد ، ثم يفسخه .

وإذا تأملتَ هذين الاحتمالين الأخيرين ، رأيتهما إما راجحين على الاحتمال الأول ، أو مساويين له ، وتسقط معارضةُ الأحاديث الثابتة الصريحة به جملة ، وباللَّه التوفيق .


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس