عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-2003, 03:40 AM   #9
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وأما قوله فى رواية حماد : حدثنى غيرُ واحد أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لها : (( دَعِى عُمْرَتَكِ )) فهذا إنما يحتاجُ إلى تعليله ، وردِّه إذا خالف الرواياتِ الثابتة عنها ، فأما إذا وافقها وصدَّقها ، وشهد لها أنها أحرمت بعُمرة ، فهذا يدل على أنه محفوظ ، وأنَّ الذى حدَّث به ضبطه وحفظه ، هذا مع أن حمادَ بن زيد انفرد بهذه الرواية المعلَّلة ، وهى قوله : فحدَّثنى غيرُ واحد ، وخالفه جماعة ، فرووه متصلاً عن عُروة ، عن عائشة . فلو قُدِّرَ التعارضُ ، فالأكثرون أولى بالصواب ، فيا للّه العجب ، كيف يكون تغليطُ أعلم الناسِ بحديثها وهو عُروة فى قوله عنها : (( وكنت فيمن أهلَّ بعُمْرة )) سائغاً بلفظ مجمل محتمل ، ويُقضى به على النص الصحيح الصريح الذى شهد له سياقُ القِصة من وجوه متعددة قد تقدم ذكر بعضها ؟، فهؤلاء ، أربعة رووا عنها ، أنها أهلَّت بعمرة : جابر ، وعُروة ، وطاووس ، ومجاهد ، فلو كانت روايةُ القاسم ، وعَمرة ، والأسود ، معارضة لرواية هؤلاء ، لكانت روايتُهم أولى بالتقديم لكثرتهم ، ولأن فيهم جابراً ، ولفضل عُروة ، وعلمه بحديث خالته رضى اللَّه عنها .

ومن العجب قوله : إن النبى صلى الله عليه وسلم لما أمرها أن تترك الطوافَ ، وتمضىَ على الحَجِّ ، توهَّموا لهذَا أنَّها كانت معتمِرة ، فالنبىُّ صلى الله عليه وسلم إنما أمرها أن تدعَ العُمْرة وتُنشئ إهلالاً بالحَجِّ ، فقال لها : (( وأهلِّى بالحَجِّ )) ولم يقل : استمرى عليه ، ولا امضى فيه ، وكيف يُغلَّط راوى الأمر بالامتشاط بمجرَّد مخالفته لمذهب الرادِّ ؟ فأين فى كتاب اللَّهِ وسُّـنَّة رسوله ، وإجماع الأُمة ما يُحرِّم على المُحْرِم تسريحَ شعره ، ولا يَسوغ تغليطُ الثقات لنصرة الآراء ، والتقليد . والمُحْرِم وإن أمن من تقطيع الشعر ، لم يُمنع مِن تسريح رأسه ، وإن لم يأمن من سقوط شئ من الشعر بالتسريح ، فهذا المنعُ منه محلُّ نزاع واجتهاد ، والدليل يَفْصِلُ بين المتنازعين ، فإن لم يدل كتاب ولا سُّـنَّة ولا إجماع على منعه ، فهو جائز .


فصل

وللناس فى هذه العُمرة التى أتت بها عائشةُ من التنعيم أربعةُ مسالك .

أحدها : أنها كانت زيادة تطييباً لقلبها وجبراً لها ، وإلا فطوافها وسعيها وقع عن حَجِّها وعُمْرتها ، وكانت متمتعة ، ثم أدخلت الحَجَّ على العُمْرة ، فصارت قارِنة ، وهذا أصحُّ الأقوالِ ، والأحاديثُ لا تدل على غيره ، وهذا مسلك الشافعى وأحمد وغيرهما .

المسلك الثانى : أنها لما حاضت ، أمرها أن ترفُضَ عُمْرتَهَا ، وتنتقِلَ عنها إلى حَجٍّ مفرد ، فلما حلَّت من الحَج ، أمرها أن تعتمِر قضاءً لعُمْرتها التى أحرمت بها أولاً ، وهذا مسلكُ أبى حنيفة ومَن تبعه ، وعلى هذا القول ، فهذه العُمْرةُ كانت فى حقِّها واجبة ، ولا بُد منها ، وعلى القول الأول كانت جائزة ، وكل متمتعة حاضت ولم يمكنها الطوافُ قبل التعريف ، فهى على هذين القولين ، إما أن تُدْخِلَ الحَجَّ على العُمْرة ، وتصيرَ قارنة ، وإما أن تنتقلَ عن العُمْرة إلى الحَجِّ ، وتصيرَ مفرِدة ، وتقضى العُمْرة .

المسلك الثالث : أنها لما قرنت ، لم يكن بُدٌّ من أن تأتىَ بعُمْرة مفردة ، لأن عُمرة القارن لا تُجزئ عن عُمْرة الإسلام ، وهذا أحد الروايتين عن أحمد .

المسلك الرابع : أنها كانت مُفرِدة ، وإنما امتنعت من طوافِ القُدوم لأجل الحيض ، واستمرت على الإفراد حتى طهُرت ، وقضت الحَجَّ وهذه العُمْرةُ هى عُمْرة الإسلام ، وهذا مسلك القاضى إسماعيل بن إسحاق وغيره من المالكية، ولا يخفى ما فى هذا المسلك مِن الضعف ، بل هو أضعفُ المسالك فى الحديث.

وحديث عائشة هذا ، يؤخذ منه أصول عظيمة من أصول المناسك :

أحدها : اكتفاء القارِن بطواف واحد وسعى واحد .

الثانى : سقوطُ طوافِ القدوم عن الحائض ، كما أن حديثَ صفيَّة زوج النبى صلى الله عليه وسلم أصل فى سُقوط طواف الوداع عنها .

الثالث : أن إدخالَ الحجِّ على العُمْرة للحائض جائز ، كما يجوز للطاهر ، وأولى ، لأنها معذورة محتاجة إلى ذلك .

الرابع : أن الحائضَ تفعل أفعال الحجِّ كلَّها ، إلا أنها لا تطوفُ بالبيت .

الخامس : أن التنعيم مِن الحِلِّ .

السادس : جوازُ عُمْرتين فى سنة واحدة ، بل فى شهر واحد .

السابع : أن المشروعَ فى حق المتمتِّع إذا لم يأمنِ الفوات أن يُدْخِلَ الحجَّ على العُمْرة ، وحديث عائشة أصل فيه .

الثامن : أنه أصل فى العُمْرة المكية ، وليس مع مَن يستحبُّها غيره ، فإن النبى صلى الله عليه وسلم لم يعتمر هو ولا أحد ممن حَجَّ معه من مكة خارجاً منها إلا عائشةَ وحدها ، فجعل أصحابُ العُمْرة المكية قصة عائشة أصلاً لقولهم ، ولا دلالة لهم فيها ، فإن عُمْرتها إما أن تكون قضاءًَ للعُمْرة المرفوضة عند مَن يقول : إنها رفضتها ، فهى واجبة قضاءً لها ، أو تكون زيادة محضة ، وتطييباً لقلبها عند مَن يقول : إنها كانت قارِنة ، وأن طوافها وسعيها أجزأها عن حَجِّها وعُمْرتها . واللَّه أعلم .


فصل

وأما كونُ عُمرتها تلك مجزئةً عن عُمرة الإسلام ، ففيه قولان للفقهاء ، وهما روايتان عن أحمد ، والذين قالوا : لا تُجزئ ، قالوا : العُمْرةُ المشروعة التى شرعها رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وفعلها نوعان لا ثالثَ لهما : عُمرة التمتع وهى التى أذن فيها عند الميقات ، وندب إليها فى أثناء الطريق ، وأوجبها على مَن لم يَسُقِ الهَدْىَ عند الصفا والمروة ، الثانية : العُمْرة المفردة التى يُنشأ لها سفر ، كعُمَره المتقدِّمة ، ولم يُشرع عُمْرة مفردة غير هاتين ، وفى كلتيهما المعتمِر داخل إلى مكة ، وأما عُمْرة الخارج إلى أدنى الحِلِّ ، فلم تُشرع ، وأما عُمرة عائشة ، فكانت زيارة محضة ، وإلا فعُمرة قِرانها قد أجزأت عنها بنصِّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وهذا دليل على أن عُمْرة القارِن تُجزئ عن عُمْرة الإسلام ، وهذا هو الصواب المقطوع به ، فإن النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : (( يَسَعُكِ طَوافُكِ لحجِّكِ وعُمرتِكِ )) وفى لفظ : (( يجزئك )) وفى لفظ : (( يَكْفِيك )) . وقال : (( دخلتِ العُمرةُ فى الحجِّ إلى يوم القِيامَة )) وأمر كلَّ مَن ساق الهَدْى أن يقرِنَ بين الحَجِّ والعُمْرة ، ولم يأمر أحداً ممن قرن معه وساق الهَدْى بعُمْرة أخرى غير عُمْرة القِران ، فصحَّ إجزاء عُمرة القارن عن عُمرة الإسلام قطعاً ، وباللَّه التوفيق .


فصل

وأما موضُع حيضِها، فهو بِسَرِفَ بلا ريب، وموضعُ طُهرها قد اختُلِف فيه، فقيل:بعرفة، هكذا روى مجاهد عنها ،وروى عُروة عنها أنها أظلّها يومُ عرفة وهى حائض ولا تنافى بينهما ،والحديثان صحيحان، وقد حملهما ابنُ حزم على معنيين، فطُهْر عرفة : هو الاغتسال للوقوف بها عنده، قال : لأنها قالت: تطهَّرتُ بعرفة ، والتطهر غيرُ الطُهرِ ، قال : وقد ذكر القاسم يوم طُهرها، أنه يوم النحر، وحديثُه فى (( صحيح مسلم )) . قال : وقد اتفق القاسمُ وعروةُ على أنها كانت يومَ عرفة حائضاً، وهما أقربُ الناس منها، وقد روى أبو داود : حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا حماد بن سلمة، عن هشام ابن عروة، عن أبيه، عنها: خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مُوافين هلال ذى الحِجَّة...فذكرت الحديث، وفيه : فلما كانت ليلةُ البطحاء، طَهُرَتْ عائِشةُ ،وهذا إسناد صحيح. لكن قال ابنُ حزم : إنه حديث منكر، مخالف لما روى هؤلاء كلهم عنها ، وهو قوله : إنها طَهُرت ليلةَ البطحاء، وليلةُ البطحاء كانت بعد يومِ النحر بأربع ليال،وهذا محالٌ إلا أننا لما تدبرنا وجدنا هذه اللفظة ليست مِن كلام عائشة، فسقط التعلُّق بها، لأنها ممن دون عائشة، وهى أعلمُ بنفسها، قال: وقد روى حديث حماد بن سلمة هذا وهيبُ بن خالد، وحماد بن زيد، فلم يذكرا هذه اللفظة.

قلت : يتعين تقديمُ حديث حمَّاد بن زيد ومَن معه على حديث حمَّاد بن سلمة لوجوه :

أحدها : أنه أحفظُ وأثبت من حمَّاد بن سلمة .

الثانى : أن حديثَهم فيه إخبارُها عن نفسها ، وحديثه فيه الإخبار عنها .

الثالث : أن الزهرى روى عن عُروة عنها الحديثَ ، وفيه : فلم أزل حائضاً حتى يومُ عرفة ، وهذه الغاية هى التى بيَّنها مجاهد والقاسم عنها ، لكن قال مجاهد عنها : فتطهرت بعرفة ، والقاسم قال : يوم النحر .


فصل

عدنا إلى سياق حَجَّته صلى اللَّه عليه وسلم

فلما كان بِسَرِف ، قال لأصحابه : (( مَنْ لَمْ يكُنْ مَعَهُ هَدْىٌ ، فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً ، فَلْيَفْعَلْ ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدىٌ فَلاَ )) . وهذه رتبة أخرى فوق رتبة التخيير عند الميقات .

فلما كان بمكة ، أمر أمراً حتماً : مَنْ لا هَدْى معه أن يجعلها عُمْرة ، ويَحِلَّ من إحرامه ، ومَن معه هَدْى ، أن يُقيم على إحرامه ، ولم ينسخ ذلك شئ البتة ، بل سأله سُراقة بنُ مالك عن هذه العُمرة التى أمرهم بالفسخ إليها ، هل هى لِعَامِهِمْ ذَلِكَ ، أَمْ لِلأبَدِ : قال : (( بَلْ لِلأبَد ، وإن العُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فى الحجِّ إلَى يَوْمِ القِيامَة )) .

وقد روى عنه صلى اللَّه عليه وسلم الأمرَ بفسخِ الحَجِّ إلى العُمْرة أربعةَ عشرَ مِن أصحابه ، وأحاديثُهم كلُّها صحاح ، وهم : عائشةُ ، وحفصة أُمَّا المؤمنين ، وعلىُّ بن أبى طالب ، وفاطمةُ بنتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وأسماءُ بنت أبى بكر الصِّدِّيق ، وجابرُ بن عبد اللَّه ، وأبو سعيد الخُدرى ، والبراءُ بن عازب ، وعبدُ اللَّه بن عمر ، وأنسُ بن مالك ، وأبو موسى الأشعرى ، وعبدُ اللَّه ابن عباس ، وسَبْرَةُ بنُ معبَدٍ الجُهنى ، وسُرَاقةُ بن مَالِكٍ المُدْلِجِىُّ رضى اللَّه عنهمْ .. ونحن نشير إلى هذه الأحاديث .

ففى (( الصحيحين )) : عن ابن عباس ، قَدِمَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه صَبِيحَةَ رابعةٍ مُهلِّين بالحَجِّ ، فأمرهم أن يجعلُوها عُمْرة ، فتعاظَم ذلك عندهم ، فقالوا : يا رسول اللَّه ؛ أىُّ الحلِّ ؟ فقال : (( الحِلُّ كُلُّه )) .

وفى لفظ لمسلم : قدِم النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابُه لأربع خَلَوْنَ من العشر إلى مكة ، وهم يُلبُّون بالحج ، فأمرهم رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يجعلوها عُمرةً ، وفى لفظ : وأمر أصحابه أن يجعلوا إحرامهم بعُمْرة إلا مَن كان معه الهَدْى .
وفى (( الصحيحين )) عن جابر بنِ عبد اللَّه : أهلَّ النبىُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحجِّ ، وليس مع أحد منهم هَدْى غير النبى صلى الله عليه وسلم وطلحة ، وقَدِمَ على رضى اللَّه عنه من اليمن ومعه هَدْى ، فقال : أهللتُ بما أهلَّ به النبىُّ صلى الله عليه وسلم ، فأمرهم النبىُّ صلى الله عليه وسلم أن يجعلوها عُمْرة ، ويطوفوا ، ويقصروا ، ويَحِلُّوا إلا مَن كان معه الهَدْىُ ، قالوا: ننطلِقُ إلى مِنَى وَذَكَرُ أحدنا يقطُرُ ؟ فبلغ ذلك النبىَّ صلى الله عليه وسلم فقال : (( لو اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرى مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ ، ولَوْلا أنَّ معىَ الهَدْىَ لأَحْلَلْتُ )) . وفى لفظ : فقام فينا فقال : (( لَقَدْ عَلِمْتُم أنِّى أَتْقاكُم للّه ، وأَصْدَقُكُم ، وأَبَرُّكُمْ ، وَلَوْلاَ أنَّ معىَ الهَدْى لحَلَلْت كَما تَحِلُّون ، ولَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرى مَا اسْتَدْبَرْتُ ، لم أَسُق الهَدْىَ ، فحُلُّوا )) فَحَلَلْنا ، وسَمعنا وأطعَنا ، وفى لفظ : أمرنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أحللْنا ، أن نُحْرِمَ إذا تَوجَّهْنَا إلى مِنَى . قال : فأَهْلَلْنا من الأَبْطَح ، فَقَالَ سُرَاقَةُ بنُ مَالِك بْنِ جُعْشُم : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ للأَبَدِ ؟ قال : (( لِلأبَدِ )) . وهذه الألفاظُ كلُّها فى الصحيح وهذا اللفظُ الأخير صريح فى إبطال قولِ مَنْ قال : إن ذلك كان خاصاً بهم ، فإنه حينئذ يكون لِعامهم ذلك وحده لا للأبد ، ورسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول : إنَّهُ لِلأبَدِ .


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس