عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-2003, 03:18 AM   #4
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل

فى عذر مَن قال إنه صلى الله عليه وسلم حج متمتعاً تمتعاً حلَّ فيه من إحرامه

وأما قول مَن قال : إنه حَجَّ متمتعاً تمتعاً حلَّ فيه من إحرامه ، ثم أحرم يومَ التَّرويةِ بالحجِّ مع سَوْق الهَدْى ، فعذره ما تقدَّم من حديث معاوية ، أنه قصَّرَ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بِمِشْقَصٍ فى العشر وفى لفظ : وذلك فى حُجَّته . وهذا مما أنكره الناسُ على معاوية ، وغلَّطوه فيه ، وأصابه فيه ما أصاب ابنَ عمر فى قوله : إنه اعتمر فى رجب ، فإن سائر الأحاديث الصحيحة المستفيضة من الوجوه المتعدِّدة كلها تدل على أنه صلى اللَّه عليه وسلم لم يَحِلَّ من إحرامه إلاَّ يوم النحر ، ولذلك أخبر عن نفسه بقوله : (( لَوْلاَ أَنَّ مَعىَ الهَدْىَ لأَحْلَلْتُ )) ، وقوله : (( إِنِّى سُقْتُ الهَدْىَ وَقَرَنْتُ فَلاَ أُحِلُّ حتَّى أَنْحَرَ )) . وهذا خبرٌ عن نفسه ، فلا يدخله الوهمُ ولا الغلطُ ، بخلاف خبر غيره عنه ، لا سيما خبراً يخالِفُ ما أخبر به عن نفسه ، وأخبر عنه به الجمُّ الغفيرُ ، أنه لم يأخذ من شعره شيئاً ، لا بتقصير ولا حلق ، وأنه بقى على إحرامه حتى حَلَق يومَ النحر ، ولعل معاوية قصَّرَ عن رأسه فى عمرة الجِعْرانة ، فإنه كان حينئذ قد أسلم ، ثم نسى ، فظن أن ذلك كان فى العشر ، كما نسى ابنُ عمر أن عُمَرَهُ كانت كلُّها فى ذى القِعْدةَ . وقال : كانت [ إحداهن ] فى رجب ، وقد كان معه فيها ، والوهم جائزٌ على مَن سوى الرسول صلى الله عليه وسلم . فإذا قام الدليل عليه ، صار واجباً .

وقد قيل : إن معاوية لعله قصَّرَ عن رأسه بقية شعر لم يكن استوفاه الحلاَّقُ يوم النحر ، فأخذه معاوية على المروة ، ذكره أبو محمد بن حزم ، وهذا أيضاً مِن وهمه ، فإن الحلاَّق لا يُبقى غلطاً شعراً يُقصَّر منه ، ثم يُبقى منه بعد التقصير بقية يوم النحر ، وقد قسم شعر رأسه بين الصحابة ، فأصاب أبا طلحة أحد الشِّقين ، وبقية الصحابة اقتسموا الشِّقَ الآخر ، الشعرة ، والشعرتين ، والشعرات ، وأيضاً فإنه لم يسعَ بين الصَّفا والمروةِ إلا سعياً واحداً وهو سعيُه الأول ، لم يسعَ عقب طوافِ الإفاضة ، ولا اعتمر بعد الحَجِّ قطعاً ، فهذا وهم مَحْضٌ . وقيل : هذا الإسناد إلى معاوية وقع فيه غلط وخطأ ، أخطأ فيه الحسن ابن علىٍّ ، فجعله عن معمر ، عن ابن طاووس ، وإنما هو عن هشام ابن حُجير، عن ابن طاووس ، وهشام : ضعيف .

قلت : والحديثُ الذى فى البخارى عن معاوية : قصَّرْتُ عن رأس رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم بمشْقَصٍ ، وَلَمْ يَزِدْ على هَذَا ، والذى عند مسلم : قَصَّرْتُ عَنْ رَأسِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم بِمِشْقَصٍ عَلَى المَرْوَةِ . وليس فى (( الصحيحين )) غير ذلك .

وأما روايةُ مَن روى : (( فى أيام العشر )) فليست فى الصحيح ، وهى معلولة ، أو وهم من معاوية . قال قيس بن سعد راويها عن عطاء عن ابن عباس عنه ، والناس يُنكِرُونَ هذا على معاوية . وصدق قيس ، فنحن نحلِفُ باللَّهِ : إن هذا ما كان فى العشر قطُّ .

ويشبه هذا وهم معاوية فى الحديث الذى رواه أبو داود ، عن قتادة ، عن أبى شيخ الهُنائى ، أن معاوية قال لأصحاب النبىِّ صلى الله عليه وسلم : هل تعلمُون أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ كَذَا ، وَعَنْ رُكُوبِ جُلُودِ النُّمُورِ ؟ قالوا : نَعَم . قال : فَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ ؟ قَالوا : أَمَّا هذِهِ ، فَلاَ ، فَقَالَ : أَما إنَّهَا مَعَهَا وَلَكِنَّكُمْ نَسِيتُم . ونحن نَشْهَدُ باللَّهِ : إن هذا وهم مِن معاوية ، أو كذبٌ عليه ، فلم ينهَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عن ذلك قطُّ ، وأبو شيخ شيخ لا يُحتج به ، فضلاً عن أن يقدَّم على الثقات الحفَّاظ الأعلام ، وإن روى عنه قتادة ويحيى بن أبى كثير واسمه خيوان ابن خلدة بالخاء المعجمة وهو مجهول .


فصل

فى الرد على مَن زعم أنه صلى الله عليه وسلم حَجَّ متمتعاً

وأما مَن قال : حجَّ متمتُّعاً تمتُّعاً لم يَحِلَّ منه لأجل سَوْق الهَدْى كما قاله صاحب (( المغنى )) وطائفة ، فعذرُهم قولُ عائشة وابن عمر : تمتَّع رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم . وقول حفصة : ما شأن الناس حلُّوا ولم تَحلَّ من عمرتك ؟ وقول سعد فى المتعة : قد صنعها رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وصنعناها معهُ ، وقول ابن عمر لمن سأله عن متعة الحَجِّ : هى حلال ؟ فقال له السائلُ : إن أباكَ قد نهى عنها ، فقال : أرأيتَ إن كان أبى نهى عنها ، وصَنَعَهَا رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم ، أأمَر أبى تَتَّبِعُ ، أم أمَر رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم ؟ فقال الرجل : بل أمرَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فقال : لقد صَنَعَها رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وآلهِ وسلَّم .

قال هؤلاء : ولولا الهَدْىُ لحلَّ كما يحلُّ المتمتعُ الذى لا هَدْىَ معه ، ولهذا قال : (( لولا أنَّ مَعىَ الهَدْىَ لأَحْلَلْتُ )) فأخبر أن المانع له مِن الحلِّ سوقُ الهَدْى ، والقارنُ إنما يمنعه من الحلِّ القِرانُ لا الهَدْىُ ، وأربابُ هذا القول قد يُسمُّون هذا المتمتَع قارناً ، لِكونه أحرَم بالحَجِّ قبل التحلل من العُمْرةِ ولكنَّ القِران المعروفَ أن يُحرِم بهما جميعاً ، أو يُحرمِ بالعُمْرة ، ثم يُدخِلَ عليها الحَج قبل الطواف .

والفرق بين القارِن والمتمتع السائق من وجهين ، أحدهما : من الإحرام ، فإن القارن هو الذى يُحرِم بالحَجِّ قبل الطواف ، إما فى ابتداء الإحرام ، أو فى أثنائه .

والثانى : أن القارن ليس عليه إلا سعىٌ واحد ، فإن أتى به أولاً ، وإلا سعى عقيبَ طواف الإفاضة ، والمتمتعُ عليه سعى ثانٍ عند الجمهور . وعن أحمد رواية أخرى : أنه يكفيه سعى واحد كالقارن ، والنبى صلى الله عليه وسلم لم يسعَ سعياً ثانياً عقيبَ طوافِ الإفاضة ، فكيف يكونُ متمتعاً على هذا القولِ .

فإن قيل : : فعلى الرواية الأخرى ، يكون متمتعاً ، ولا يتوجه الإلزام ، ولها وجه قوى من الحديث الصحيح ، وهو ما رواه مسلم فى (( صحيحه )) ، عن جابر قال : لم يطفِ النبى صلى الله عليه وسلم ، ولا أصحابهُ بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً . طوافَه الأول هذا ، مع أنَّ أكثرَهم كانُوا متمتِّعين . وقد روى سفيانُ الثورىُّ ، عن سلمةَ بن كُهيل قال : حلف طاووس : ما طاف أحدٌ من أصحاب رسولِ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم لِحَجِّه وعُمرته إلا طوافاً واحداً .

قيل : الذين نظروا أنه كان متمتعاً تمتعاً خاصاً ، لا يقولُون بهذا القول ، بل يُوجِبون عليه سَعيين ، والمعلومُ مِن سُّـنَّته صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم ، أنه لم يسعَ إلا سعياً واحداً ، كما ثبت فى الصحيح ، عن ابن عمر ، أنه قرن ، وقدم مكة ، فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ، ولم يزد على ذلك ، ولم يحلِقْ ولا قصَّر ، ولا حَلَّ مِن شئ حرم منه ، حتى كان يومُ النحر ، فنحَرَ وحلَق رأسه ، ورأى أنه قد قضى طوافَ الحجِّ والعُمْرة بطوافِه الأول ، وقال : هكذا فعل رسولُ الله صلى اللَّه عليه وآله وسلم . ومراده بطوافه الأول الذى قضى به حَجَّه وعُمْرته : الطوافُ بين الصفا والمروة بلا ريب .

وذكر الدارقطنى ، عن عطاء ونافع ، عن ابن عمر ، وجابر : أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم ، إنما طاف لحَجِّه وعُمرته طوافاً واحداً ، وسعى سعياً واحداً ، ثم قَدِمَ مكة ، فلم يسعَ بينهما بعد الصَّدَرِ فهذا يدل على أحدِ أمرين ، ولا بُد إما أن يكون قارناً ، وهو الذى لا يُمكن مَن أوجبَ على المتمتع سعيينِ أن يقولَ غيرَه ، وإما أن المتمتع يكفيه سعىٌ واحد ، ولكن الأحاديث التى تقدَّمت فى بيان أنه كان قارناً صريحةٌ فى ذلك ، فلا يُعدَل عنها .

فإن قيل فقد روى شعبةُ ، عن حُميد بن هلال ، عن مُطرِّف ، عن عِمران بن حُصين ، أن النبىَّ صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ، طاف طوافين ، وسعى سعيين . رواه الدارقطنى عن ابن صاعد : حدثنا محمد بن يحيى الأزدى ، حدثنا عبد اللَّه بن داود ، عن شعبة . قيل : هذا خبر معلول وهو غلط . قال الدارقطنى : يقال : إن محمد بن يحيى حدَّث بهذا من حفظه ، ]فوهم فى متنه والصواب بهذا الإسناد : أن النبىَّ صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم قرن بين الحَجِّ والعُمرة واللَّه أعلم . وسيأتى إن شاء اللَّه تعالى ما يدل على أن هذا الحديث غلط .

وأظن أن الشيخ أبا محمد بن قدامة ، إنما ذهب إلى أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم كان متمتعاً ، لأنه رأى الإمام أحمد قد نصَّ على أن التمتعَ أفضلُ مِن القِران ، ورأى أن اللَّه سُبحانه لم يكن لِيختارَ لِرسوله إلا الأفضلَ ، ورأى الأحاديثَ قد جاءت بأنه تمتع ، ورأى أنها صريحةٌ فى أنه لم يَحِلَّ ، فأخذ من هذه المقدمات الأربع أنه تمتع تمتعاً خاصاً لم يَحِلَّ منه ، ولكن أحمد لم يُرجح التمتع ، لكون النبىَّ صلى الله عليه وسلم حجَّ متمتعاً ، كيف وهو القائل : لا أشكُّ أن رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم كان قارناً ، وإنما اختار التمتع لِكونه آخِرَ الأمرين مِن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم ، وهو الَّذى أمر به الصحابة أن يَفسخُوا حَجَّهم إليه ، وتأسَّف على فوته .

ولكن نقل عنه المَرْوَزِى ، أنه إذا ساق الهَدْىَ ، فالقِران أفضل ، فمِن أصحابه مَنْ جَعل هذا رواية ثانية ، ومِنهم مَن جعل المسألة روايةً واحدةً ، وأنه إن ساق الهَدْىَ ، فالقِران أفضلُ ، وإن لم يَسُقْ فالتمتُّع أفضلُ ، وهذه طريقة شيخنا ، وهى التى تليق بأصولِ أحمد ، والنبىُّ صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم لم يتمنَّ أنه كان جعلها عُمْرةٌ مع سوقه الهَدْىَ ، بل ودَّ أنه كان جعلها عُمْرة ولم يَسُقِ الهدىَ .

بقى أن يُقال : فأىُّ الأمرين أفضلُ ، أن يسوقَ ويَقْرِنَ ، أو يترك السَّوْق ويتمتَّعَ كما ودَّ النبىُّ صلى الله عليه وسلم أنه فعله .

قيل : قد تعارض فى هذه المسألة أمرانِ .

أحدُهما : أنه صلى الله عليه وسلم قرن وساق الهَدْى ، ولم يكن اللَّه سبحانه لِيختار له إلا أفضلَ الأمور ، ولا سيما وقد جاءه الوحى به من ربه تعالى ، وخيرُ الهَدْى هَدْيه صلى الله عليه وسلم .

والثانى قوله : (( لو اسْتَقْبَلْتُ من أَمْرى ما اسْتَدْبَرْتُ لمَا سُقْتُ الهَدْىَ ، وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً )) . فهذا يقتضى ، أنه لو كان هذا الوقتُ الذى تكلم فيه هو وقت إحرامه ، لكان أحرم بعُمْرة ولم يَسُق الهَدْى ، لأن الذى استدبره هو الذى فعله ، ومضى فصار خلفه ، والذى استقبله هو الذى لم يفعله بعدُ ، بل هو أمامَهُ ، فبيَّن أنه لو كان مستقبلاً لما استدبره ، وهو الإحرام بالعُمْرة دون هَدْى ، ومعلوم أنه لا يختارُ أن ينتقِلَ عن الأفضل إلى المفضولِ ، بل إنما يختارُ الأفضلَ ، وهذا يَدلُّ على أن آخِر الأمرينِ منه ترجيحُ التمتع .


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس