عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-2003, 02:55 AM   #71
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



وأصحُّ مِن طريقة مَن يقول: إن صوم يوم عاشوراء لم يكن واجباً قط، لأنه قد ثبت الأمرُ به، وتأكيدُ الأمر بالنداء العام، وزيادة تأكيده بالأمر لمن كان أكل بالإمساك، وكلُّ هذا ظاهر، قوى فى الوجوب، ويقول ابن مسعود: إنه لما فُرِضَ رمضان تُرِكَ عاشوراء . ومعلوم أن استحبابه لم يُترك بالأدلة التى تقدَّمت وغيرها، فيتعين أن يكون المتروكُ وجوبه، فهذه خمس طرق للناس فى ذلك . واللَّه أعلم .

وأما الإشكال الرابع: وهو أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ((لئِن بَقِيتُ إلى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ))، وأنه توفى قبل العام المقبل، وقول ابن عباس : إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يصوم التاسع، فابن عباس روى هذا وهذا، وصحَّ عنه هذا وهذا، ولا تنافى بينهما، إذ من الممكن أن يصومَ التاسِعَ، ويخبر أنه إن بقى إلى العام القابل صامه، أو يكون ابنُ عباس أخبر عن فعله مستنداً إلى ما عزم عليه، ووعد به، ويصِحُّ الإخبارعن ذلك مقيداً، أى: كذلك كان يفعل لو بقى، ومطلقاً إذا علم الحال، وعلى كل واحد من الاحتمالين، فلا تنافى بين الخبرين .

وأما الإشكال الخامس: فقد تقدَّم جوابه بما فيه كفاية .

وأما الإشكال السادس: وهو قول ابن عباس: اعدُدْ وأصبح يوم التاسع صائماً . فمَن تأمل مجموع روايات ابن عباس، تبيَّن له زوالُ الإشكال، وسعةُ علم ابن عباس، فإنه لم يجعل عاشوراء هو اليومَ التاسع، بل قال للسائل: صُمِ اليوم التاسع، واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو اليومُ العاشر الذى يعدُّه الناسُ كلُّهم يومَ عاشوراء، فأرشد السائل إلى صيام التاسع معه، وأخبر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يصومُه كذلك . فإما أن يكون فِعلُ ذلك هو الأَوْلى، وإما أن يكون حَمْلُ فعله على الأمر به، وعزمه عليه فى المستقبل، ويدلُّّ على ذلك أنه هو الذى روى: ((صُومُوا يوماً قبله ويوماً بعده))، وهو الذى روى: أمرنا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء يوم العاشر . وكل هذه الآثار عنه، يُصدِّقُ بعضُها بعضاً، ويُؤيِّد بعضُها بعضاً .

فمراتب صومه ثلاثة: أكملُها: أن يُصام قبله يومٌ وبعده يومٌ، ويلى ذلك أن يُصام التاسع والعاشر، وعليه أكثرُ الأحاديث، ويلى ذلك إفرادُ العاشر وحده بالصوم .

وأما إفراد التاسع، فمن نقص فهم الآثار، وعدمِ تتبع ألفاظها وطرقها، وهو بعيد من اللغة والشرع، واللَّه الموفق للصواب .

وقد سلك بعضُ أهل العلم مسلكاً آخر فقال: قد ظهر أن القصدَ مخالفةُ أهل الكتاب فى هذه العبادة مع الإتيان بها، وذلك يحصلُ بأحد أمرين: إما بنقلِ العاشر إلى التاسع، أو بصيامِهما معاً . وقوله: ((إذا كان العامُ المقبلُ صُمنا التاسِع)): يحتمِل الأمرين . فتوفى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل أن يتبيَّن لنا مرادُه، فكان الاحتياطُ صيامَ اليومين معاً، والطريقة التى ذكرناها، أصوبُ إن شاء اللَّه، ومجموع أحاديثِ ابن عباس عليها تدلُّ، لأن قوله فى حديث أحمد: ((خالِفوا اليًَهُودَ، صُومُوا يَوْماً قَبْلَهُ أَوْ يَوْماً بَعْدَهُ))، وقوله فى حديث الترمذى(أُمِرْنَا بِصِيامِ عاشوراء يوم العاشر)) يبين صحة الطريقة التى سلكناها . واللَّه أعلم .


فصل

فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى إفطار يوم عرفة بعرفة، وسُـنَّة صيامه لغير الحاج

وكان مِن هَدْيه صلى اللَّه عليه وسلم : إفطارُ يَوْمِ عرفة بعرفة، ثبت عنه ذلك فى الصحيحين .

وروى عنه أنه((نهى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ)) رواه عنه أهل السنن.

وصح عنه أن((صيامِه يُكفِّرُ السنة الماضِيةَ والبَاقِيةَ)) ذكره مسلم .

وقد ذُكر لِفطره بعرفة عِدَّةُ حِكمٍ .

منها: أنه أقوى على الدعاء .

ومنها: أن الفِطرَ فى السفر أفضلُ فى فرض الصوم، فكيف بنفله .

ومنها: أن ذلك اليومَ كان يومَ الجمعة، وقد نَهى عن إفراده بالصَّـوم، فأحب أن يرى الناسُ فطره فيه تأكيداً لنهيه عن تخصيصه بالصوم، وإن كان صومُه لكونه يَوْمَ عرفة لا يوم جمعة، وكان شيخنا رحمه اللَّه يسلُك مسلكاً آخر، وهو أنه يومُ عيد لأهل عرفة لاجتماعهم فيه، كاجتماع الناس يوم العيد، وهذا الاجتماع يختصُّ بمن بعرفة دون أهل الآفاق . قال: وقد أشار النبى صلى الله عليه وسلم إلى هذا فى الحديث الذى رواه أهلُ السنن: ((يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وأيَّام مِنَى، عِيدُنَا أَهْلَ الإسْلامِ)). ومعلوم: أن كونه عيداً، هو لأهل ذلك الجمع، لاجتماعهم فيه . واللَّه أعلم .


فصل

فى حكم صوم السبت والأحد والجمعة

وقد رُوى أنه صلى اللَّه عليه وسلم : كان يصومُ السبتَ والأحد كثيراً، يقصِدُ بذلك مخالفة اليهود والنصارى كما فى المسند، وسنن النسائى، عن كُريب مولى ابن عباس قال: أرسلنى ابنُ عباس رضىَ اللَّه عنه، وناسٌ من أصحاب النبىِّ صلى الله عليه وسلم إلى أمِّ سلمة أسألها؟ أىُّ الأيَّامِ كَانَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم أكثَرها صِياماً؟ قالت: يومُ السبت والأحد، ويقول: ((إنَّهُمَا عِيدٌ للمُشْرِكِين، فَأَنا أُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُم)) .

وفى صحة هذا الحديث نظر، فإنه من رواية محمد بن عمر بن علىّ بن أبى طالب، وقد استُنْكِرَ بعضُ حديثه . وقد قال عبد الحق فى ((أحكامه)) من حديث ابن جريج، عن عباس بن عبد اللَّه بن عباس، عن عمَّه الفضل: زار النبى صلى الله عليه وسلم عباساً فى بادية لنا . ثم قال: إسناده ضعيف . قال ابن القطان: هو كما ذكر ضعيف، ولا يُعرف حال محمد بن عمر، وذكر حديثه هذا عن أم سلمة فى صيام يوم السبت والأحد، وقال: سكت عنه عبد الحق مصححاً له، ومحمد بن عمر هذا، لا يُعرف حاله، ويرويه عنه ابنه عبد اللَّه بن محمد بن عمر، ولا يُعرف أيضاً حاله، فالحديث أراه حسَناً . واللَّه أعلم .

وقد روى الإمام أحمد وأبو داود، عن عبد اللَّه بن بُسر السُّلمى، عن أخته الصَّمَّاء، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تَصُومُوا يَوْم السَّبْتِ إلاَّ فيما افتُرِضَ عليكم، فإنْ لَمْ يَجِد أَحَدُكُم إلاَّ لِحاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضَغْه)) .

فاختلف الناس فى هذين الحديثين . فقال مالك رحمه اللَّه: هذا كذب، يريد حديث عبد اللَّه بن بُسر، ذكره عنه أبو داود، قال الترمذى: هو حديث حسن، وقال أبو داود: هذا الحديث منسوخ، وقال النسائى: هو حديث مضطَرِب، وقال جماعة من أهل العلم: لا تعارُض بينه وبين حديث أمِّ سلمة، فإن النهى عن صومه إنما هو عن إفراده، وعلى ذلك ترجم أبو داود، فقال: باب النهى أن يُخص يومَ السبت بالصوم، وحديثُ صِيامه، إنما هو مع يوم الأحد . قالوا

: ونظيرُ هذا أنه نهى عن إفراد يَوْمِ الجمعة بالصوم، إلا أن يَصومَ يوماً قبله أو يوماً بعده، وبهذا يزول الإشكال الذى ظنه مَن قال: إن صومه نوعُ تعظيم له، فهو موافقة لأهل الكتاب فى تعظيمه، وإن تضمن مخالفتهم فى صومه، فإن التعظيم إنما يكون إذا أُفِردَ بالصوم، ولا ريب أن الحديث لم يجئ بإفراده، وأما إذا صامه مع غيره، لم يكن فيه تعظيمٌ . واللَّه أعلم .


فصل

لم يكن من هَدْيه صلى الله عليه وسلم سرد الصوم وصيام الدهر

ولم يكن من هَدْيه صلى اللَّه عليه وسلم سردُ الصوم وصيام الدهر، بل قد قال: ((مَنْ صَامَ الدَّهْرَ لا صَامَ ولا أَفْطر)) . وليس مرادُه بهذا مَنْ صامَ الأيامَ المحرَّمة، فإنه ذكر ذلك جواباً لمن قال: أرأيتَ مَنْ صَامَ الدَّهْر؟ ولا يُقال فى جواب من فعل المحرَّم: لا صامَ ولا أَفْطر، فإن هذا يُؤذن بأنه سواءٌ فِطْرُه وصومُه لا يُثَاب عليه، ولا يُعاقَب، وليس كذلك مَنْ فعل ما حرَّم اللَّه عليه مِن الصيام، فليس هذا جواباً مطابقاً للسؤال عن المحرَّم من الصوم، وأيضاً فإن هذا عند مَن استحب صوم الدهر قد فعل مستحباً وحراماً، وهو عندهم قد صام بالنسبة إلى أيام الاستحباب، وارتكب محرَّماً بالنسبة إلى أيام التحريم، وفى كلٍّ منهما لا يُقال: ((لا صَامَ ولا أَفْطَر)) فتنزيل قوله على ذلك غلط ظاهر .

وأيضاً فإن أيام التحريم مستثناةٌ بالشرع، غيرُ قابلة للصوم شرعاً، فهى بمنزلة الليل شرعاً، وبمنزلة أيَّامِ الحيض، فلم يكن الصحابةُ لِيسألوه عن صومها، وقد علموا عدم قبولها للصوم، ولم يكن لِيُجيبهم لو لم يعلموا التحريم بقوله: ((لا صَام ولا أَفْطَر))، فإن هذا ليس فيه بيان للتحريم .

فهَدْيُه الذى لا شك فيه، أن صيامَ يوم، وفِطرَ يومٍ أفضلُ من صوم الدهر، وأحبُّ إلى اللَّه . وسرد صيام الدهر مكروه، فإنه لو لم يكن مكروهاً، لزم أحدُ ثلاثة أمور ممتنعة: أن يكون أحبَّ إلى اللَّه من صوم يوم وفطر يوم، وأفضل منه، لأنه زيادة عمل، وهذا مردود بالحديث الصحيح: ((إنَّ أَحَبَّ الصِّيام إلى اللَّهِ صِيامُ داوُدَ))، وإنه لا أفضل منه، وإما أن يكون مساوياً له فى الفضل وهو ممتنع أيضاً، وإما أن يكون مباحاً متساوىَ الطرفين لا استحبابَ فيه، ولا كراهة، وهذا ممتنع، إذ ليس هذا شأنَ العبادات، بل إما أن تكون راجحةً، أو مرجوحة .. واللَّه أعلم .

فإن قيل: فقد قال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وأَتْبَعَهُ سِتَّةَ أيَّامٍ مِنْ شَوَّال، فَكأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ)) . وقال فيمن صام ثلاثة أيام من كل شهر: ((إنَّ ذلِكَ يَعْدِلُ صَوْمَ الدَّهْرِ))، وذلك يدل على أنَّ صوم الدهر أفضلُ مما عُدِلَ به، وأنه أمرٌ مطلوب، وثوابُه أكثرُ من ثواب الصائمين، حتى شُبِّه به مَنْ صام هذا الصيام .

قيل: نفسُ هذا التشبيه فى الأمر المقدَّر، لا يقتضى جوازه فضلاً عن استحبابه، وإنما يقتضى التشبيه به فى ثوابه لو كان مستحَباً، والدليل عليه، مِن نفس الحديث، فإنه جعل صيام ثلاثةِ أيامٍ من كل شهر بمنزلة صيامِ الدهر، إذ الحسنةُ بعشر أمثالها، وهذا يقتضى أن يحصُل له ثوابُ مَن صام ثلاثمائة وستين يوماً، ومعلوم أن هذا حرامٌ قطعاً، فَعُلِمَ أنَّ المرادَ به حصولُ هذا الثواب على تقدير مشروعية صيام ثلاثمائة وستين يوماً، وكذلك قولُه فى صيام ستةِ أيام من شواَّل، إنه يَعْدِلُ مع صيام رمضان السنة، ثم قرأ: {مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]، فهذا صيامُ ستة وثلاثين يوماً، تعدِل صِيام ثلاثمائة وستين يوماً، وهو غيرُ جائز بالاتفاق، بل قد يجئُ مثلُ هذا فيما يمتنع فعلُ المشبَّه به عادة، بل يستحيلُ، وإنما شبَّه به مَن فعل ذلك على تقدير إمكانه، كقوله لمن سأله عن عمل يعدِل الجهاد: ((هل تستطيع إذا خرج المجاهدُ أن تقومَ ولا تَفْتُر، وأن تَصُومَ ولا تُفْطِرَ))؟ ومعلوم أن هذا ممتنع عادة، كامتناع صوم ثلاثمائة وستين يوماً شرعاً، وقد شبَّه العملَ الفاضل بكل منهما يزيدُه وضوحاً: أنَّ أحب القيام إلى اللَّه قيام داود، وهو أفضل مِن قيام الليل كُلِّه بصريح السُّـنَّة الصحيحة، وقد مثَّل مَنْ صلَّى العشاء الآخرة، والصُّبح فى جماعة، بمن قام الليل كلَّه . فإن قيل: فما تقولون فى حديث أبى موسى الأشعرى: ((مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ حَتَّى تكونَ هكَذَا، وقَبَضَ كَفَّه)) . وهو فى مسند أحمد؟

قيل: قد اختُلِف فى معنى هذا الحديث . فقيل: ضُيِّقَتْ عليه حصراً له فيها، لتشديده على نفسه، وحمله عليها، ورغبتهِ عن هَدْى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، واعتقاده أن غيرَه أفضل منه . وقال آخرون: بل ضُيِّقت عليه، فلا يبقى له فيها موضع، ورجَّحت هذه الطائفة هذا التأويل، بأن الصائم لما ضيَّق على نفسه مسالك الشهوات وطرقها بالصوم، ضيَّق اللَّه عليه النار، فلا يبقى له فيها مكان، لأنه ضيَّق طرقها عنه، ورجَّحت الطائفةُ الأولى تأويلها، بأن قالت: لو أراد هذا المعنى، لقال ضُيِّقَتْ عنه، وأما التضييق عليه، فلا يكون إلا وهو فيها . قالوا: وهذا التأويل موافق لأحاديث كراهة صوم الدهر، وأن فاعله بمنزلة مَن لم يصم. واللَّه أعلم .


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس