عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-2003, 02:00 AM   #57
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (05:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم، أنه إذا ارتحل قبل أن تَزيغ الشمسُ، أخَّر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل، فجمع بينهما، فإن زالت الشمسُ قبل أن يَرتَحِلَ، صلَّى الظهر، ثم ركب. وكان إذا أعجله السيرُ، أخَّر المغربَ حتى يجمع بينها وبين العشاء في وقت العشاء. وقد رُوي عنه في غزوة تبوك، أنه كان إذا زاغت الشمسُ قبل أن يرتحِل، جمع بين الظهر والعصر، وإن ارتحل قبل أن تزيغ الشمس، أخَّر الظهر حتى ينزل للعصر، فيصليهما جميعاً، وكذلك في المغرب والعشاء، لكن اختلف في هذا الحديث، فمن مصحح له، ومن محسن، ومن قادح فيه، وجعله موضوعاً كالحاكم، وإسناده على شرط الصحيح، لكن رُمي بعلّة عجيبة، قال الحاكم: حدثنا أبو بكر بن محمد بن أحمد بن بالويه، حدثنا موسى بن هارون، حدثنا قُتيبة بن سعيد، حدثنا الليث بنُ سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطُفيل، عن معاذ بن جبل، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزِيغ الشمس، أخَّر الظهر حتى يجمعها إلى العصر، ويُصليَهما جميعاً، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس، صلى الظهر والعصر جميعاً، ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب، أخَّر المغرب حتى يُصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب، عجل العشاء فصلها مع المغرب. قال الحاكم: هذا الحديث رواته أئمة ثقات، وهو شاذ الإِسناد والمتن، ثم لا نعرِف له علة نُعله بها. فلو كان الحديث عن الليث، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، لعللنا به الحديث. ولو كان عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، لعللنا به، فلما لم نجد له العلتين، خرج عن أن يكون معلولاً، ثم نظرنا فلم نجد ليزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل رواية، ولا وجدنا هذا المتن بهذه السياقة عن أحد من أصحاب أبي الطفيل، ولا عن أحد ممن روى عن معاذ بن جبل غير أبي الطفيل، فقلنا: الحديث شاذ. وقد حدثوا عن أبي العباس الثقفي قال: كان قُتيبة بن سعيد يقول لنا: على هذا الحديث علامةُ أحمد بن حنبل، وعليَ بن المديني، ويحيى بن معين، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأبي خيثمة، حتى عد قتيبة سبعة من أئمة الحديث كتبوا عنه هذا الحديث، وأئمة الحديث إنما سمعوه من قتيبة تعجُّباً من إسناده ومتنه، ثم لَمْ يَبلُغْنَا عن أحد منهم أنه ذكر للحديث عِلَّة، ثم قال: فنظرنا فإذا الحديث موضوع، وقتيبة ثقة مأمون، ثم ذكر بإسناده إلى البخاري. قال: قلت لقتيبة بن سعيد: مع من كتبت عن الليث بن سعد حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل؟ قال: كتبته مع خالد بن القاسم أبي الهيثم المدائني. قال البخاري: وكان خالد المدائني يُدخل الأحاديث على الشيوخ.

قلت: وحكمه بالوضع على هذا الحديث غيرُ مسلَّم، فإن أبا داود رواه عن يزيد بن خالد بن عبد اللّه بن موهب الرملي، حدثنا المفضل بن فضالة، عن الليث بن سعد، عن هشام بن سعد، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ فذكره... فهذا المفضل قد تابع قتيبة، وإن كان قتيبة أجلَّ من المفضل وأحفظ، لكن زال تفرد قتيبة به، ثم إن قُتيبة صرح بالسماع فقال: حدثنا ولم يعنعن، فكيف يُقدح في سماعه، مع أنه بالمكان الذي جعله الله به من الأمانة، والحفظ، والثقة، والعدالة. وقد روى إسحاق بن راهويه: حدثنا شبابة، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان إذا كان في سفر، فزالت الشمسُ، صلَّى الظهر والعصر، ثم ارتحل)). وهذا إسناد كما ترى، وشبابة: هو شبابة بن سوار الثقة المتفق على الاحتجاج بحديثه، وقد روى له مسلم في ((صحيحه)) عن الليث بن سعد بهذا الإِسناد، على شرط الشيخين، وأقلُّ درجاته أن يكون مقوياً لحديث معاذ، وأصله في ((الصحيحين)) لكن ليس فيه جمعُ التقديم. ثم قال أبو داود: وروى هشام، عن عروة، عن حسين بن عبد للّه، عن كريب، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحو حديث المفضل، يعني حديث معاذ في الجمع والتقديم، ولفظه: عن حسين بن عبد اللّه بن عُبيد الله بن عباس، عن كريب، عن ابن عباس، أنه قال: ألا أخبركم عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في السفر؟ كان إذا زالتِ الشمس وهو في منزله، جمع بين الظهر والعصر في الزوال، وإذا سافر قبل أن تزول الشمس، أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر، قال: وأحْسِبُه قال في المغرب والعشاء مثل ذلك، ورواه الشافعي من حديث ابن أبي يحيى، عن حسين، ومن حديث ابن عجلان بلاغاً عن حسين.

قال البيهقي: هكذا رواه الأكابر، هشام بن عروة وغيره، عن حسين بن عبد اللّه. ورواه عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن حسين، عن عكرمة، وعن كريب كلاهما عن ابن عباس، ورواه أيوب عن أبي قِلابة، عن ابن عباس، قال: ولا أعلمه إلا مرفوعاً.

وقال إسماعيل بن إسحاق: حدثنا إسماعيل بن أبي إدريس، قال: حدثني أخي، عن سليمان بن مالك، عن هشام بن عروة، عن كريب عن ابن عباس، قال: كان رسولى اللّه صلى الله عليه وسلم إذا جدَّ به السير، فراح قبل أن تَزيغ الشمسُ، ركِب فسار، ثم نزل، فجمع بين الظهر والعصر، وإذا لم يَرُحْ حتى تزِيغ الشمس، جمع بين الظهر والعصر، ثم ركب، وإذا أراد أن يركب ودخلت صلاةُ المغرب، جمع بين المغرب وبين صلاة العشاء.

قال أبو العباس بن سريج: روى يحيى بن عبد الحميد، عن أبي خالد الأحمر، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يخض إذا لم يرتحِلْ حتى تزيغ الشمس، صلَّى الظهر والعصر جميعاً، فإذا لم تَزِغْ، أخَرها حتى يجمع بينهما في وقت العصر.

قال شيخ الإِسلام ابن تيمية: ويدل على جمع التقديم جمعه بعرفة بين الظهر والعصر لمصلحة الوقوف، ليتصل وقت الدعاء، ولا يقطعُه بالنزول لصلاة العصر مع إمكان ذلك بِلا مشقة، فالجمعُ كذلك لأجل المشقة والحاجة أولى.

قال الشافعي: وكان أرفقَ به يوم عرفة تقديمُ العصر لأن يتَّصِلَ له الدعاءُ، فلا يقطعه بصلاة العصر، وأرفق بالمزدلفة أن يتصلَ له المسير، ولا يقطعه بالنزول للمغرب، لما في ذلك من التضييق على الناس. والله أعلم.


فصل

ولم يكن مِن هديه صلى الله عليه وسلم الجمعُ راكباً في سفره، كما يفعله كثير من الناس، ولا الجمع حال نزوله أيضاً، وإنما كان يجمع إذا جدَّ به السير، وإذا سار عقيبَ الصلاة، كما ذكرنا في قصة تبوك، وأما جمعه وهو نازل غيرُ مسافر، فلم يُنقل ذلك عنه إلا بعرفة لأجل اتصال الوقوف، كما قال الشافعي رحمه اللّه وشيخنا، ولهذا خصه أبو حنيفة بعرفة، وجعله من تمام النسك، ولا تأثير للسفر عنده فيه. وأحمد، ومالك، والشافعي، جعلوا سببه السفر، ثم اختلفوا، فجعل الشافعي وأحمد في إحدى الروايات عنه التأثير للسفر الطويل، ولم يجوزاه لأهل مكة، وجوز مالك وأحمد في الرواية الأخرى عنه لأهل مكة الجمعَ، والقصرَ بعرفة، واختارها شيخُنا وأبو الخطاب في عباداته، ثم طرَّد شيخنا هذا، وجعله أصلاً في جواز القصر والجمع في طويل السفر وقصيره، كما هو مذهبُ كثير من السلف، وجعله مالك وأبو الخطاب مخصوصاً بأهل مكة.

ولم يحدَّ صلى الله عليه وسلم لأمته مسافة محدودة للقصر والفطر، بل أطلق لهم ذلك في مُطلق السفر والضرب في الأرض، كما أطلق لهم التيمم في كل سفر، وأما ما يُروى عنه من التحديد باليوم، أو اليومين، أو الثلاثة، فلم يصح عنه منها شيء البتة، واللّه أعلم.


فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن، واستماعه، وخشوعه، وبكائه عند قراءته، واستماعه وتحسين صوته به وتوابع ذلك

كان له صلى الله عليه وسلم حِزب يقرؤه، ولا يُخِلُّ به، وكانت قراءتُه ترتيلاً لا هذَّا ولا عجلة، بل قِراءةً مفسَّرة حرفاً حرفاً. وكان يُقَطِّع قراءته آية آية، وكان يمدُّ عند حروف المد، فيمد (الرحمن) ويمد (الرحيم)، وكان يستعيذ باللّه من الشيطان الرجيم فى أول قراءته، فيقول: ((أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَجِيم))، ورُبَّما كان يقول: ((اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم من هَمْزِهِ ونَفْخِهِ، ونَفثِهِ)). وكان تعوّذُه قبلَ القراءة.

وكان يُحبُّ أن يسمع القراَنَ مِن غيره، وأمر عبد اللّه بن مسعود، فقرأ عليه وهو يسمع. وخَشَع صلى الله عليه وسلم لسماع القران مِنه، حتى ذرفت عيناه.

وكان يقرأ القراَن قائماً، وقاعداً، ومضطجعاً ومتوضئاً، ومُحْدِثاً، ولم يكن يمنعه من قِراءته إلا الجنابة.

وكان صلى الله عليه وسلم يتغنَّى به، ويُرجِّع صوتَه به أحياناً كما رجَّع يوم الفتح في قراءته {إنَّا فتَحْنَا لَكَ فَتْحَاً مُبِيناً} [الفتح: 1]. وحكى عبد الله بن مغفَّل ترجِيعَه، آ ا آ ثلاث مرات، ذكره البخاري.

وإذا جمعت هذه الأحاديثَ إلى قوله: ((زَيِّنُوا القُرآن بأصْواتِكُم)). وقوله: ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآن)). وقوله: ((ما أَذِنَ اللهُ لِشَيء، كأَذَنِهِ لِنَبيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالقُرْان)). علمت أن هذا الترجيعَ منه صلى الله عليه وسلم، كان اختياراً لا اضطراراً لهزِّ الناقة له، فإن هذا لو كان لأجل هزِّ الناقة، لما كان داخلاً تحت الاختيار، فلم يكن عبدُ الله بن مغفَّل يحكيه ويفعلُه اختياراً لِيُؤتسى به، وهو يرى هزَّ الراحلة له حتى ينقطع صوتُه، ثم يقول؟ كان يُرجِّعُ في قراءته، فنسب التَّرجيع إلى فعله. ولو كان مِن هزِّ الراحلة، لم يكن منه فعل يسمى ترجيعاً.

وقد استمع ليلةً لقراءة أبي موسى الأشعري، فلما أخبره بذلك، قال: لوْ كنتُ أعلم أنك تسمعه، لحبَّرْته لَكَ تَحْبِيراً. أي: حسَّنته وزيَّنته بصوتي تزييناً، وروى أبو داود في ((سننه)) عن عبد الجبار بن الورد، قال. سمعتُ ابنَ أبي مُليكة يقول: قال عبد اللّه بن أبي يزيد: مر بنا أبو لُبابة، فاتَّبعناه حتى دخل بيته، فإذا رجلٌ رثُّ الهيئة، فسمعتُه يقول: سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بالقراَنِ)). قال: فقلت لابن أبي مُليكة: يا أبا محمد! أرأيتَ إذا لم يكن حسنَ الصوت؟ قال: يُحسِّنُه ما استطاع.

قلت: لا بد من كشف هذه المسألة، وذكر اختلافِ الناس فيها، واحتجاج كلِّ فريق، وما لهم وعليهم في احتجاجهم، وذكر الصواب في ذلك بحول اللّه تبارك وتعالى ومعونته، فقالت طائفة: تكره قراءة الألحان، وممن نص على ذلك أحمد ومالكٌ وغيرهما، فقال أحمد في رواية علي بن سعيد في قراءة الألحان: ما تعجبُني وهو محْدَث. وقال في رواية المروَزي: القراءةُ بالألحان بدعة لا تسمع، وقال في رواية عبد الرحمن المتطبب: قراءةُ الألحان بدعة، وقال في رواية ابنه عبد اللّه، ويوسف بن موسى، ويعقوب بن بختان، والأثرم، وإبراهيم بن الحارث: القراءةُ بالألحان لا تُعجبني إلا أن يكون ذلك حُزناً، فيقرأ بحزن مثلَ صوت أبي موسى، وقال في رواية صالح: ((زَيِّنُوا القُرْاَنَ بِأصْوَاتِكُم))، معناه: أن يُحسِّنه، وقال في رواية المروَزي: ((ما أذِن اللّه لشيء كأذَنِهِ لنبي حسن الصوت أن يتغنَّى بالقرآن)) وفي رواية قوله: ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآنِ))، فقال: كان ابنُ عيينة يقول: يستغني به. وقال الشافعي: يرفع صوته، وذكر له حديث معاوية بن قرة في قصة قراءة سورة الفتح والترجيع فيها، فأنكر أبو عبد اللّه أن يكون على معنى الألحان، وأنكر الأحاديثَ التي يُحتج بها في الرخصة في الألحان.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس