عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-2003, 02:56 AM   #10
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (06:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم في سفره وعبادته فيه

كانت أسفاره صلى الله عليه وسلم دائرةَ بين أربعة أسفار: سفرِه لهجرته، وسفره للجهاد وهو أكثرها، وسفرِه للعمرة، وسفرِه للحج.

وكان إذا أراد سفراً، أقرع بين نسائه، فأيَّتُهُن خرج سهمُها، سافر بها معه، ولما حجّ، سافر بهن جميعاً.

وكان إذا سافر، خرج مِن أول النهار، وكان يستحِبُّ الخروجَ يوم الخميس، ودعا اللّه تبارك وتعالى أن يُبارك لأُمَّتِهِ في بُكورها.

وكان إذا بعث سرية أو جيشاً، بعثهم من أول النهار، وأمرَ المسافرين إذا كانوا ثلاثة أن يؤمِّروا أحدهم. ونهى أن يُسافر الرجل وحدَه، وأخبر أن الراكِبَ شَيْطَانٌ، والرَّاكِبانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلاثَةُ رَكْب.

وذُكِرَ عنه أنه كان يقول حين ينهض للسفر ((اللَهُم إلَيْك تَوَجَهْتُ، وبِكَ اعْتَصَمْت، اللَّهُم اكْفِني مَا أَهمَّني وَمَا لاَ أَهْتَم بهِ، اللَّهُمَّ زَوِّدْني التَّقْوَى، وَاغْفِرْ لي ذَنْبِي، وَوَجِّهْنِي لِلخَيْرِ أَيَنَمَا تَوَجَّهْتُ)).

وكان إذا قُدِّمتَ إليه دابتُه ليركبها، يقول: ((بسم اللّه حين يضع رجله في الرِّكاب، وإذا استوى على ظهرها، قال: الحمدُ لله الَذي سَخَّرَ لَنَا هَذا وَمَا كُنَّا لَهُ بمقْرِنينَ وَإنَّا إِلَى رَبِّنَا لمنْقَلِبونَ، ثُمَّ يَقُولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ، الحَمد لِلَّهِ، الحَمْدُ لِلَّهِ، ثم يقول:. اللَّه أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكبر، ثم يقولٌ: سُبْحَانَكَ إِنَيّ ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَاغفِرِ لِي إِنَّه لاَ يَغْفر الذُنُوبَ إِلاَّ أَنتَ)) وكان يقول: ((اللَّهم إنَّا نَسْألُكَ في سَفَرِنَا هَذَا البِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ العَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُم هَوِّن عَلَيْنَا سَفَرَنَا هذا، وَاطْوِ عَنَّا بُغدَهُ، اللَّهم أَنْتَ الصَّاحِبُ في السَّفَرِ، وَالخَلِيفَةُ في الأَهْلِ، اللَهُمَّ إنيِّ أَعُوذُ بِكَ مِن وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ المنقَلَبِ، وَسوءِ المَنْظَرِ في الأَهلِ وَالمَالِ)) وإذا رجع، قالهن، وزاد فيهن: ((آيبون تَائِبُونَ عَابِدُون لِرَبِّنَا حَامِدُون)).

وكان هو وأصحابُه إذا عَلوا الثنايا، كبَّروا، وإذا هبطوا الأودية،سبَحوا.

وكان إذا أشرف على قرية يُريد دخولَها يقولُ ((اللَّهُمًّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وما أظْلَلْنَ، وَرَبَّ الأَرضين السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وما أَضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَما ذَرَيْنَ، أَسْأَلُكَ خَيْرَ هذِه القَرْيَةِ وَخَيْرَ أهْلِهَا، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا))

وذكر عنه أنه كان يقول: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أسأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هذِهِ القَرْيَة وَخَيْرِ مَا جَمَعْتَ فِيهَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشرِّ مَا جَمَعْتَ فِيهَا، اللَّهُمّ ارزُقْنَا جَنَاهَا، وَأَعِذْنَا مِنْ وَبَاهَا، وَحَبِّبْنَا إِلَى أَهْلِهَا، وَحَبِّب صَالِحِي أَهْلِهَا إِلَيْنَا)).

وكان يَقصُر الرُّبَاعية، فيصليها ركعتين مِن حين يخرُج مسافراً إلى أن يرجع إلى المدينة، ولم يثبُت عنه أنه أتمَّ الرُّباعية في سفره البتة، وأما حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصُرُ في السفر ويتِمُّ، ويُفْطِرُ ويَصُومُ، فلا يَصحّ. وسمعتُ شيخ الإِسلام ابن تيمية يقول: هو كذب على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم انتهى، وقد روي: كان يقصرُ وتتم، الأول بالياء آخر الحروف، والثاني بالتاء المثناة من فوق، وكذلك يُفطر ويَصوم، أي: تأخذ هى بالعزيمة في. الموضعين، قال شيخنا ابن تيمية: وهذا باطل ما كانت أم المؤمنين لِتُخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميعَ أصحابه، فتصليَ خلاف صلاتهم، كيف والصحيح عنها أنها قالت: إن اللّه فرض الصلاة ركعتين ركعتين، فلما هاجرَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، زِيد في صلاة الحضر، وأقرت صلاة السفر فكيف يُظن بها مع ذلك أن تُصليَ بخلاف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه.

قلت: وقد أتمَّت عائشةُ بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس وغيره: إنها تأوَّلت كما تأوَّل عثمان وإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر دائماً، فركب بعضُ الرواة من الحديثين حديثاً، وقال: فكان رسول صلى الله عليه وسلم يقصر وتُتم هي، فغلط بعضُ الرواة، فقال: كان يقصُرُ ويُتِمُّ، أي: هو.

والتأويل الذي تأولته قد اختُلِف فيه، فقيل: ظنت أن القصر مشروط بالخوف في السفر، فإذا زال الخوف، زال سكبُ القصر، وهذا التأويل غيرُ صحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سافر آمِناً وكان يقصرُ الصلاة، والآية قد أشكلت على عُمر وعلى غيره، فسأل عنها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فأجابه بالشِّفاء وأن هذا صَدَقَة مِنَ اللَّهِ وشرع شرعه للأمة، وكان هذا بيانَ أن حكم المفهوم غيرُ مراد، وأن الجناح مرتفعٌ في قصر الصلاة عن الآمِن والخائف، وغايتُه أنه نوع تخصيص للمفهوم، أو رفع له، وقد يقال: إن الآية اقتضت قصراً يتناول قصرَ الأركان بالتخفيف، وقصر العدد بنُقصان ركعتين، وقُيِّدَ ذلك بأمرين: الضرب في الأرض، والخوفِ، فإذا وُجدَ الأمرانِ، أبيحَ القصران، فيُصلُون صلاةَ الخوف مقصورة عددُها وأركانُها، وإن انتفى الأمرانِ، فكانوا آمنين مقيمين، انتفى القصران، فتصلُّون صلاة تامة كاملة، وإن وُجِدَ أحدُ السببين، ترتب عليه قصرُه وحدَه، فإذا وُجِدَ الخوف والإِقامة، قُصرت الأركان، واستوفي العدد، وهذا نوع قصر، وليس بالقصر المطلق في الآية، فإن وجد السفرُ والأمن، قُصِرَ العدد واستوفي الأركان، وسميت صلاة أمن، وهذا نوع قَصْرٍ، وليس بالقصر المطلق، وقد تُسمى هذه الصلاة مقصورة باعتبار نقصان العدد، وقد تُسمى تامة باعتبار إتمام أركانها، وأنها لم تدخل في قصر الآية، والأول اصطلاح كثير من الفقهاء المتأخرين، والثاني يدل عليه كلام الصحابة، كعائشة وابن عباس وغيرهما، قالت عائشة: فُرِضَتِ الصلاةُ ركعتين ركعتين، فلما هاجر رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، زيد في صلاة الحضر، وأُقِرَّتْ صلاة السفر. فهذا يدل على أن صلاة السفر عندها غيرُ مقصورة من أربع، وإنما هي مفروضة كذلك، وأن فرض المسافر ركعتان. وقال ابن عباس: فرضَ اللَّهُ الصَّلاَة على لِسان نبيكم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة متفق على حديث عائشة، وانفرد مسلم بحديث ابن عباس وقال عمر رضى اللّه عنه: صلاة السفر ركعتان، والجمعة ركعتان،والعيد ركعتان، تمامٌ غيرُ قصرٍ على لسان محمد، وقد خاب من افترى. وهذا ثابت عن عمر رضي اللّه عنه، وهو الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم: ما بالُنا نقصُر وقد أمِنَّا؟ فقال له رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم: ((صدَقَةٌ تَصَدَّقَ بهَا اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلوا صَدَقَتَهُ)).

ولا تناقضَ بين حديثيه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أجابه بأن هذه صدقةُ الله عليكم، ودِينُه اليسر السمح، علم عمرُ أنه ليس المرادُ من الآية قصرَ العدد كما فهمه كثير من الناس، فقال: صلاة السفر ركعتان، تمامٌ غير قصر. وعلى هذا، فلا دلالة في الآية على أن قصر العدد مباح منفي عنه الجناح، فإن شاء المصلي، فعله، وإن شاء أتم.

وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يُواظب في أسفاره على ركعتين ركعتين، ولم يُربِّع قطُّ إلا شيئاً فعله في بعض صلاة الخوف، كما سنذكره هناك، ونبين ما فيه إن شاء الله تعالى.

وقال أنس: خرجنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فكان يُصلي ركعتين ركعتين حتى رجَعْنَا إلى المدينة. متفق عليه.

ولما بلغ عبد اللّه بن مسعود أن عثمانَ بن عفان صلَّى بمِنى أربعَ ركعات قال: إنَّا لله وإنَّا إليه راجِعون، صليتُ مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بمِنى ركعتين وصليتُ مع أبي بكر بمِنى ركعتين، وصليتُ مع عمر بن الخطاب بِمنى ركعتين، فليت حظي مِن أربع رَكعاتٍ ركْعَتَانِ متقبَّلتَانِ. متفق عليه. ولم يكن ابنُ مسعود لِيسترجع مِن فعل عثمان أحد الجائزين المخيَّرِ بينهما، بل الأولى على قول، وإنما استرجع لما شاهده مِن مداومة النبي صلى الله عليه وسلم وخُلفائه على صلاة ركعتين في السفر.

وفي ((صحيح البخاري)) عن ابن عمر رضي اللّه عنه قال: صحبتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فكان في السفر لا يَزيد على ركعتين، وأبا بكر وعُمَر وعُثمان يعني في صدر خلافة عثمان، وإلا فعثمان قد أتم في آخر خلافته، وكان ذلك أحدَ الأسباب التي أُنكِرت عليه. وقد خرج لفعله تأويلات:

أحدها: أن الأعراب كانوا قد حجُوا تلك السنة، فأراد أن يُعلِّمَهم أن فرضَ الصلاة أربع، لئلا يتوهَّموا أنها ركعتان في الحضر والسفر، ورُدَّ هذا التأويلُ بأنهم كانوا أحرى بذلك في حج النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا حديثي عهد بالإِسلام، والعهدُ بالصلاة قريبٌ، ومع هذا، فلم يُربِّعْ بهم النبي صلى الله عليه وسلم.

التأويل الثاني: أنه كان إماماً للناس، والإِمام حيث نزل، فهو عمله ومحل ولايته، فكأنه وطنه، ورُدَّ هذا التأويل بأن إمام الخلائق على الإِطلاق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان هو أولى بذلك، وكان هو الإِمامَ المطلق، ولم يُربِّع.

التأويل الثالث أن مِنى كانت قد بُنيت وصارت قرية كثر فيها المساكن في عهده، ولم يكن ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كانت فضاءً، ولهذا قيل له: يا رسول الله ألا نبني لك بمِنى بيتاً يُظِلُكَ مِن الحر؟ فقال: ((لا منى مُنَاخُ مَنْ سَبَق)). فتأوَّل عثمانُ أن القصر إنما يكون في حال السفر. هذا التأويلُ بأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة عشراً يقصُر الصلاة.

التأويل الرابع: أنه أقام بها ثلاثاً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يُقيمُ المُهَاجر بَعْدَ قَضَاءِ نسُكِهِ ثَلاثاً)) فسماه مقيماً، والمقيم غيرُ مسافر، ورُدَّ هذا التأويلُ بأن هذه إقامة مقيدة في أثناء السفر ليست بالإِقامة التي هي قسيم السفر، وقد أقام صلى الله عليه وسلم بمكة عشراً يقصُر الصلاة، وأقام بمِنى بعد نسُكه أيامَ الجمار الثلاث يقصُرُ الصَّلاة.

التأويل الخامس: أنه كان قد عزم على الإِقامة والاستيطان بمِنى، واتخاذِها دارَ الخلافة، فلهذا أتم، ثم بدا له أن يَرجع إلى المدينة، وهذا التأويل أيضاً مما لا يقوى، فإن عثمانَ رضي الله عنه من المهاجرين الأولين، وقد مَنع صلى الله عليه وسلم المهاجرين من الإِقامة بمكة بعد نسكهم، ورخَّص لهم فيها ثلاثة أيام فقط، فلم يكن عُثمانُ لِيقيم بها، وقد منع النبيُّ صلى الله عليه وسلم من ذلك، وإنما رخَص فيها ثلاثاً وذلك لأنهم تركوها للّه، وما تُرِكَ للّه، فإنه لا يُعاد فيه، ولا يُسترجع، ولهذا منع النبي صلى الله عليه وسلم مِن شراء المتصدِّق لصدقته، وقال لعمر: ((لا تَشتَرِهَا، ولا تَعُدْ في صَدَقَتِكَ)). فجعله عائداً في صدقته مع أخذها بالثمن.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس