عرض مشاركة واحدة
قديم 12-11-2003, 08:07 PM   #26
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية الalwaafiـوافي
الalwaafiـوافي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 481
 تاريخ التسجيل :  Sep 2003
 أخر زيارة : 05-14-2017 (06:24 PM)
 المشاركات : 1,039 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



قال ابن المنذر: وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب، فممن رأى أن يضع ركبتيه قبل يديه عمرُ بن الخطاب رضي اللّه عنه، وبه قال النخعيُّ، ومسلمُ بن يسار، والثوريّ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاق، وأبو حنيفة وأصحابُه، وأهلُ الكوفة.

وقالت طائفة: يضع يديه قبل ركبتيه، أدركنا النَّاس يضعون أيديَهم قبل رُكبهم: قال ابنُ أبي داود: وهو قول أصحاب الحديث.

قلت: وقد روي حديثُ أبي هريرة بلفظ آخر ذكره البيهقي، وهو(إذا سجد أحدكم، فلا يبرُك كما يبرُك البعيرُ، وليضع يديه على ركبتيه)) قال البيهقي: فإن كان محفوظاً، كان دليلاً على أنه يضع يديه قبل ركبتيه عند الإِهواء إلى السجود.

وحديث وائل بن حُجر أولى لوجوه.

أحدها: أنه أثبت من حديث أبي هريرة، قاله الخطابي، وغيره.

الثاني: أن حديث أبي هريرة مضطرب المتن كما تقدم، فمنهم من يقول فيه: وليضع يديه قبل ركبتيه، ومنهم من يقول بالعكس، ومنهم من يقول: وليضع يديه على ركبتيه، ومنهم من يحذف هذه الجملة رأساً.

الثالث: ما تقدم من تعليل البخاري والدارقطني وغيرهما.

الرابع: أنه على تقدير ثبوته قد ادعى فيه جماعة من أهل العلم النسخَ قال ابن المنذر: وقد زعم بعضُ أصحابنا أن وضع اليدين قبل الركبتين منسوخ، وقد تقدم ذلك.

الخامس: أنه الموافق لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بروك كبروك الجمل في الصلاة، بخلاف حديث أبي هريرة.

السادس: أنه الموافق للمنقول عن الصحابة، كعمر بن الخطاب، وابنه، وعبد اللّه بن مسعود، ولم ينقل عن أحد منهم ما يُوافق حديثَ أبي هريرة إلا عن عمر رضي اللّه عنه على اختلاف عنه.

السابع: أن له شواهد من حديث ابن عمر وأنس كما تقدم، وليس لحديث أبي هريرة شاهد، فلو تقاوما، لَقُدِّم حديثُ وائل بن حُجر من أجل شواهده، فكيف وحديثُ وائل أقوى كما تقدم.

الثامن: أن أكثر الناس عليه، والقول الآخر إنما يُحفظ عن الأوزاعي ومالك، وأمّا قول ابن أبي داود: إنه قول أهل الحديث، فإنما أراد به بعضهم، وإلا فأحمد والشافعي وإسحاق على خلافه.

التاسع: أنه حديث فيه قصة مَحكية سيقت لحكاية فعله صلى الله عليه وسلم، فهو أولى أن يكون محفوظاً، لأن الحديث إذا كان فيه قصة محكية، دلَّ على أنه حفظ.

العاشر: أن الأفعال المحكية فيه كلها ثابتة صحيحة من رواية غيره، فهي أفعال معروفة صحيحة، وهذا واحد منها، فله حكمها، ومعارضُه ليس مقاوماً له، فيتعين ترجيحه، واللّه أعلم.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسجُد على جبهته وأنفه دون كُور العِمامة، ولم يثُبت عنه السجودُ على كُور العِمَامَةِ من حديث صحيح ولا حسن، ولكن روى عبد الرزاق في ((المصنف)) من حديث أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجُد على كُور عِمامته، وهو من رواية عبد اللّه بن مُحَرَّرٍ، وهو متروك وذكره أبو أحمد الزبيري من حديث جابر، ولكنه من رواية عمر بن شَمر عن جابر الجعفي، متروك عن متروك، وقد ذكر أبو داود في المراسيل أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يُصلي في المسجد، فسجد بجبينه، وقد اعتم على جبهته، فحسر رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم عن جبهته.

وكان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يسجدُ على الأرض كثيراً، وعلى الماء والطين، وعلى الخُمْرَةِ المتَّخذة من خُوص النخل، وعلى الحصير المتَّخذ منه، و الفروة المدبوغة.

وكان إذا سجد، مكَّن جبهته وأنفه من الأرض، ونحَّى يديه عن جنبيه، وجافى بهما حتى يُرى بياضُ إبطيه، ولو شاءت بَهْمَة - وهي الشاة الصغيرة - أن تمُرَّ تحتهما لمرت.

وكان يضع يديه حَذو منكبيه وأُذنيه، وفي ((صحيح مسلم)) عن البراء أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا سَجَدْتَ، فَضَعْ كَفَّيْكَ وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ)).

وكان يعتدِل في سجوده، ويستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة.

وكان يبسُط كفيه وأصابعَه، ولا يُفرِّج بينها ولا يقبضها، وفي ((صحيح ابن حبان)): ((كان إذا ركع، فرج أصابعه، فإذا سَجَدَ، ضمَّ أصابعه)).

وكان يقول: ((سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى)) وأمر به.

وكان يقول: ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي)).

وكان يقول: ((سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلاَئِكةَ والرُّوحِ)).

وكان يقول ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ)).

وكان يقول: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لاَ أُحْصي ثَنَاءً عَلَيكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ)).

وكان يقول: ((اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سجد وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ،تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقينَ)).

وكان يقول: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّه وَجِلَّه، وَأَوَّلَه وَآخِرَهُ،وَعَلانِيَتَهُ وَسِرَهُ)).

وكان يقول: ((اللَّهُمَّ اغْفِر لِي خَطِيئَتي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي في أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلي، وَخَطَئِي وَعَمدِي، وَكلُّ ذلِكَ عنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِر لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ إٍلهِي، لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ)).

وكان يقول: ((اللَّهُمَّ اجْعَلْ في قَلْبِي نُوراً، وَفِي سَمْعِي نُوراً، وَفِي بَصَرِي نُوراً، وَعَنْ يَمِينِي نوراً، وَعَنْ شِمَالِي نُوراً، وَأَمَامِي نُوراً، وَخَلْفِي نُوراً، وَفَوْقِي نُوراً، وَتَحْتِي نُوراً، وَاجْعَلْ لِي نُوراً)).

وأمر بالاجتهاد في الدعاء في السجود وقال: ((إِنَّهُ قَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ)). وهل هذا أمر بأن يُكثر الدعاء في السجود، أو أمر بأن الداعيَ إِذا دعا في محل، فليكن في السجود؟ وفرق بين الأمرين، وأحسنُ ما يحملُ عليه الحديثُ أن الدعاء نوعان: دعاء ثناءٍ، ودعاءُ مسألة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يُكثر في سجوده من النوعين، والدعاءُ الذي أَمَرَ به في السجود يتناول النوعين.

والاستجابة أيضاً نوعان: استجابةُ دعاءِ الطالب بإعطائه سؤالَه، واستجابةُ دعاء المُثني بالثواب، وبكل واحد من النوعين فُسِّرَ قوله تعالى: {أجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 187] والصحيح أنه يعم النوعين.
فصل

وقد اختلف الناس في القيام والسجود أيُهُمَا أفضلُ؟ فرجحت طائفة القيام لوجوه.

أحدُها: أن ذِكْره أفضلُ الأذكار، فكان ركنُه أفضلَ الأركان.

والثاني: قوله تعالى: {قُومُوا للهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]. الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: ((أَفْضَلُ الصَّلاَةِ طُولُ القُنُوتِ)).

وقالت طائفة: السجودُ أفضلُ، واحتجت بقولِه صلى الله عليه وسلم: ((أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجدٌ)) وبحديث مَعدان بنِ أبي طلحة قال: لقيتُ ثوبانَ مولى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: حدّثني بحديثٍ عسى اللَّهُ أن ينفعَني به؟ فقال: ((عَلَيْكَ بِالسُّجُودِ)) فإني سَمِعْتُ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْجُدُ للَّهِ سَجْدَةً إِلاَّ رَفَعَ اللَّهُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً)) قال معدان: ثم لقِيتُ أبا الدرداء، فسألتُه، فقال لِي مثلَ ذلك.وقال رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم لِربيعة بنِ كعبٍ الأسلمي وقد سأله مرافقتَه في الجنَّة ((أَعنِيِّ عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ)).

وأولُ سورة أُنزِلت على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سورةُ (اقْرَأْ) على الأصح، وختمها بقوله: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19].

وبأن السجود للّه يقع مِن المخلوقات كلِّها علويِّها وسُفليِّها، وبأن الساجد أذلُّ ما يكون لربه وأخضعُ له، وذلك أشرفُ حالات العبد، فلهذا كان أقرب ما يكون من ربِّه في هذه الحالة، وبأن السجودَ هو سرُّ العبودية، فإن العبودية هي الذُّلُّ والخُضوعُ، يقال: طريق معبَّد، أي ذللته الأقدام، ووطأته، وأذلُّ ما يكون العبد وأخضع إذا كان ساجداً.

وقالت طائفة: طولُ القيامِ بالليل أفضلُ، وكثرةُ الركوع والسجود بالنهار أفضلُ، واحتجت هذه الطائفةُ بأن صلاة الليل قد خُصَّت باسم القيام، لقوله تعالى: {قُمِ اللَيْلَ} [المزمل: ا] وقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قَامَ رَمَضانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً))، ولهذا يُقال: قيامُ الليل، ولا يقال: قيامُ النهار، قالوا: وهذا كان هديَ النبي صلى الله عليه وسلم،فإنه ما زاد في الليل على إحدى عشرة ركعة، أو ثلاثَ عشرة ركعة.

وكان يُصلي الركعة في بعض الليالي بالبقرة وآل عمران والنساء وأما بالنهار، فلم يُحفظ عنه شيء من ذلك، بل كان يخفف السنن.

وقال شيخنا: الصواب أنهما سواء، والقيامُ أفضلُ بذكره وهو القراءة، والسجودُ أفضلُ بهيئَته، فهيئَةُ السجود أفضلُ مِن هيئَة القيام، وذكرُ القيام أفضلُ من ذكر السجود، وهكذا كان هَدْيُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فإنه كان إذا أطال القيام، أطال الركوعَ والسجود، كما فعل في صلاة الكسوف، وفي صلاة الليل، وكان إذا خَفَفَ القيام، خَفَّفَ الركوعَ والسجود، وكذلك كان يفعلُ في الفرض، كما قاله البراء بن عازب: كان قيامُه وركوعُه وسجُودُه واعتدالُه قريباً من السواء. واللّه أعلم.


 
 توقيع : الalwaafiـوافي

الــــــــalwaafiــــــــوافي


رد مع اقتباس