**من المسئول عن قتل الطفولة ؟
قالت : إن الاعتداء الجنسي على الأطفال مسئولية الجاني الذي يقترف جريمة مثل هذه ، مسئولية الأسرة بلا شك في إهمالهم للطفل قبل الحادث بإفهامه لمعنى المحافظة على خصوصية جسده وملابسه الداخلية وعدم الثقة في من حوله من المراهقين وإن كانوا محارم ثم تبدأ مسئولية أكبر يهملها الأهل تتضح في وعدم السماح للطفل بالتعبير عن مشكلته بنهره او تكبيته او تجاهل شكواه حينها تكبر مسئولية الطفل عما حدث ، ويقع في صراع ما بين تهديدات الجاني أو إغراء ته وما بين شعوره بالذنب كمثال (كان لدي طفل عمره ( 15 ) عاماً مشكلته أن إبن عمه يعتدي عليه ويغريه باصطحابه إلى المطعم وكان الطفل يوافق على الاعتداء رغبة منه في الحفاظ على الهدية " المطعم " فلم يكن والده يهتم باصطحابه إلى المطعم أو التنزه معه وقد مرض الطفل حيث تمزق بين قوتين تجذبه قوة رفض الاعتداء وقوة المحافظة على متعة المطعم وقد استمر اعتداء إبن عمه له سنة متواصلة ، عاش فيها مشاعر الخوف الشديد ، الشعور بالذنب ، عدم الثقة في خطواته المستقبلية ... هذه المشاعر السلبية للأسف عممت على حياته بشكل كامل حينها خضع للانسحاب)
**التحرش الجنسي ينعكس على مستقبل الطفل الصغير حين يكبر فيغدو رجل أو امرأة كيف يكون تأثير التجربة المّرة عليه ؟
الطفل المجني عليه إذا غدا رجلا فإنه يتوحد مع الجاني ويمارس الاعتداء على الأطفال كما أن الميل إلى الشذوذ الجنسي يوجد في حياته سواء كان ذلك الميل معلن أو غير معلن والغضب الشديد يكبت في داخله ويتحول إلى نقمة على الموقف السابق وعلى الحياة بأكملها .. ويصبح الرجل خجولا ، قلقا ، يخاف التحدي ، ويعاني من الشذوذ والعجز الجنسي ، قد تظهر هذه الأعراض عليه بشكل مباشر " القلق الاجتماعي " ويمكن أن يحدث العكس فيصبح شخصية عدوانية متحفزة ولكن الحقيقة أنه خواء من الداخل .
أما المرأة فإن أكثر ما ينعكس على حياتها من جراء ذلك خوفها من الرجل عموما ، الرهبة دون أسباب واضحة ، الخوف من المستقبل .. هي تشابه الرجل الضحية فيما ينعكس عليها من آثار ولكنها بالذات تخاف العلاقة العاطفية الخاصة في الزواج ، تخاف من أي لمس للأماكن الحساسة من جسدها فذلك يحرك مخاوفها القديمة الراكدة . والمرأة قد يتولد لديها شذوذ جنسي وربما أحيانا بشكل غير مباشر
والمرأة عموما في مثل هذه الحالة تكره الرجل وأي علاقة معه ، وهذا يفسح لها المجال للميل إلى جنسها حيث تشعر بالأمان في ظل خوفها ورفضها للرجل ، وكثيرا من العلاقات في الزواج تدمرت بسبب تحرش جنسي على المرأة حين كانت طفلة حتى وإن كان مجرد لمس جارح لملابسها فالموقف برمته يحدث شرخا في داخلها .
** احيانا لا تهتم الاسرة بأن يشاهد الطفل أفلاما بها مناظر فاضحة أو أن يرى والديه في وضع خاص في غرفة النوم مثلا او تترك الاطفال بصحبة اعمامهم او اخوالهم المراهقين دون رقابة كيف لك أن تصفي لنا أهمية ما نهمل ؟
يمكن أن يحدث آثار سلبية لطفلة صغيرة خافت من نظرة فاضحة أو فاحصة أتتها من رجل في الشارع مثلا أو في المنزل أو مثلما قلت طفل يشاهد أبويه في حجرة النوم في وضع خاص لا يفهمه ..
القضية أن أجهزة الطفل الإدراكية ما تزال قاصرة عن فهم هذه الصور فجهازه المعرفي لم ينضج بعد بالدرجة الكافية لفهم وتفسير ما يرى .
نحن فيما نهمل نغرقه بمعلومة لا يفهمها وهو بقصوره الإدراكي والمعرفي يضعها في مكان خاطئ فيشعر بالذنب ، وهذا ما يفسر أن تفعل الطفلة بأخيها الأصغر ما شاهدته من سلوك " جنسي "يمارسه الكبار أمامها سواء في الواقع أو على شاشات الفضائيات .
** ربما اعتقد البعض ان ما قدمته من حالات التقيت بها تعرضت لتحرش بسيط انني ابالغ في اثاره على الحالة حين نقلت مستقبل الحالات وعذاباتهم ؟
ان التحرش البسيط يحدث اثرا قويا دعيني افسر لك ما يحدث ،الطفل في ذلك الموقف الذي يكون فيه مستسلم للمعتدى عليه دون ارادته يشعر بالعجز والخوف ولسان حاله يقول انا عاجز
الذي يحدث بعد ذلك ان الطفل يعمم هذه الصورة او التجربة لاحقا على مواقف الحياة ..تفعل ذلك الفتاة عندما تعمم الصورة على الرجال فيما بعد ،بالاضافة الى الشعور بالذنب والخوف من الاكتشاف وهذا هو الجانب الخطر الذي يكشف لنا اهمالنا التوعية بالثقافة الجنسية .. ربما كان الطفل يمارس بعض السلوكيات الاستكشافية لجسده ولكن شعوره بالذنب هو الذي يضره
ساعطيك مثالا لو افترضنا ان هناك طفلين احدهما يمارس التصرفات الجنسية والاخر يسرق ،نجد ان شعور الاول بالذنب يفوق شعور الثاني .
طبعا يختلف الاطفال عمريا في ادراكهم لذلك لا نستطيع ان نحدد للاطفال سن معين للتوعية بالامور الجنسية ولكن الام تعرف مدى ادراك طفلها وهنا يتوجب عليها ان توعيه تجاه جسده اولا باحترامه وعدم السماح لاي كان بالتحرش به
احدى حالاتي اثناء علاجي لها اكتشفت ان ضعفها بدا بعد سن السادسة وقبل ذلك كانت شخصية قوية ومتفاعلة وحينما دخلت العقل الباطن وجدت انها عانت من تحرش جنسي حينما كانت في السادسة من عمرها
الشعور بالذنب في ذلك الوقت هو الذي اضعفها وبرمجها لتتصرف طوال حياتها وفق البرمجة الخاطئة لكنها تخلصت عبر العلاج من ذلك .
وقد ذكرت في احد مقالاتي ترديدي باني اؤكد على ان اقل تحرش بالطفل يخلق له عاهة نفسية مستديمة طوال حياته - واقولها من منطلقات علمية علاجية, الا ان معظم الناس لا يدرون عما يحدث لاطفالهم ليس بالضرورة لاهمال منهم بل لان الطفل ربما لا يصارح احداً بما حدث، فقد يخاف او يشعر بالذنب,, فهو لا يعرف بانه بريء وانه ضحية ولا يدري ما هو حجم دوره وما ذنبه في الموضوع,بل وحتى الكبار يصمتون حين يعرفون, وكثيراً ما اسمع عن امهات سكتن عما حدث لاطفالهن حفاظاً على علاقتهن بالجاني فهو من الاقارب وهي لا تريد (الشوشره) او تخاف ان لا يصدقها الآخرون,
**ماذا عن الطفل هل يتذكر الاعتداء أو الصور الغير مفهومة والمختزنة لديه ؟
بعض الأطفال يتذكر الموقف إذا كان واضح وبعضهم لا يتذكره بوضوح . فالطفل عادة وهذا يرجع إلى بناؤه السيكولوجي يسعى إلى تجنب الألم ، فأي تجربة مؤلمة يزيحها الطفل ويسقطها في اللاشعور . تبقى هناك حية نابضة تبرمج إدراكه وتبرمج استجاباته للحياة دون أن يعرف ، وعادة قد يتذكر الطفل صور محددة من الموقف مثل أن شخصا ما وضع يده على أماكن حساسة من جسده وبعض الأطفال لا يتذكر التفاصيل لأنه رمى بها في العقل الباطن .
لكننا في جلسات العلاج النفسي نستطيع التعرف على التفاصيل بعد جلسة العلاج الثانية تتفجر الرؤى المخزونة فتتذكر الحالة مالم تكن تتذكره .
كان هناك لدي حالة ( امرأة عمرها 35 عاما ) أتتني لأنها تعاني من رفض للعلاقة العاطفية الخاصة رغم اعترافها بأن زوجها رجل يستحق مشاركة الحياة الكريمة .. سألتها هل تعرضت لتحرش جنسي أو اعتداء ما فأجابت : هو موقف عادي إذ لم يحدث شيء فقد حاول عامل في بناية مقابل لبيتنا القديم أن يعتدي علي لكنني هربت ولم يلمسني .
وفي جلسات التنويم المغناطيسي الطبي كانت الحالة تعيد أمامي الموقف فلاحظت أنها تخرج من الباب الخلفي للبيت وثيابها مقطعة ، ولما ركزت على فهم " الباب الثاني " بكت الحالة وتشنجت ثم تفجرت عليها الذكريات الموجعة لما حدث فعلا وهو ما حاول اللاشعور إخفاؤه عنها لسنوات وتذكرت أن العامل سحبها بعنف وقطع ملابسها وحاول أن يعتدي عليها لولا أنها هربت بالفعل من الباب الثاني
لقد تلمست الحقيقة من خلال حلم أتى للحالة ، لقطت أحداثه فلفت نظري ، مثلما ذكرت لك بعض الناس يتذكرون بشكل ضعيف ولكن تظل الشخصية تمارس حياتها بضعف واستعداد للمرض النفسي .
**وفق ما بحثت عن معلومات وجدت بعض السلوكيات الخطأ التي نمارسها كأسرة تجاه الطفل المعتدى عليه وفي اعتقادنا أنها لصالحه مثل تحاشينا تذكيره للموقف أرجو أن تلقي الضوء على هذه السلوكيات الخاطئة ؟
نعم للأسف فإن الأسرة إذا لمست تغير في سلوك الطفل وانعزال أو حزن فإنها تحاول إرضائه بالهدايا وتتحاشى سؤاله عن مصدر تعبه بل وإيهامه أحيانا بأنه يتمتع بصحة جيدة بعبارات مثل " أنت ما شاء الله عليك بطل وشجاع ولا فيك إلا العافية " وإذا ذكر الطفل مثلا عبارات مثل " أنا ما أحب ولد عمي ، أو حدد فلان بعينه " توبخه الأسرة بأن ذلك عيب دون أن تسأل لماذا يعبر الطفل عن كراهيته لشخص محدد في وقت يتزامن مع تغير سلوكه إلى الانعزال؟
أحيانا يرفض الطفل الذهاب إلى مكان الحدث مثلا وتخطئ الأسرة حينما ترغمه إلى الذهاب والكارثة أن الطفل أحيانا يحكي وتحاول الأسرة أن تمنعه بتهدئته ومنعه من الذهاب لمكان الحدث دون أن تمنحه الإحساس بالأمان أو تخفف من شعوره بالذنب ...
إن نصيحتي أوجهها بالفعل لكل مسئول عن طفل ,, إلى كل أم وكل أب .. إلى الأسرة بألا نهمل رعاية الطفل النفسية .
علينا أن نستمع إلى شكوى الطفل ومراقبة بداية تغير سلوكه والتفتيش عن السبب من خلال استرجاع الأماكن التي يذهب إليها بمفرده ، وعلى الأسرة أن تمنح الطفل الأمان حتى يعبر عن غضبه وحزنه فتحكي له بعض حكايا المجرمين الذين يعتدون على الأطفال وتخبره أنه كطفل لا يعتبر مسئولا , أحيانا يغضب الطفل ولا يستجيب لمحاولات الأم لحثه على التعبير ولكن محاولاتنا التي تشبه انتزاع الشوكة من حلقه سوف تريحه مستقبلا ..
ايضا علينا الا نثق بالاخر مهما كان فالجاني ليس بالضرورة مريض نفسي
|