
اشكر كل من مر على الموضوع ومن تفاعل معه وكان له كلمة حق
وأعجب ممن كان رده قاصرآ على عنوان الموضوع وكأنه لم يقرأ محتواه بتمعن
وإليكم هذه الزيادات والتفصيل لمن يريد أن يصل الى ما يدور في خلده من تساؤلات
من آداب الحوار عدم التعدي على مسلمات الشرع وثوابت الدين:
الشيخ الدكتور سعد الشثري متحدثا عن حكم الحوار والمجادلة في الإسلام:
هناك نصوص نهت عن شيء من الجدال والمراء
الحوار في عصرنا أخذ في الانتشار واستجدت له وسائل لم تكن موجودة في السابق
متابعة: سليمان الصالح
أكد فضيلة الدكتور سعد بن ناصر الشثري - عضو هيئة كبار العلماء - أن الحوار أمر طبيعي بين الناس وهو قائم في أمورهم الدينية والدنيوية، وقال فضيلته: إن سماحة الحوار تتجلى بين الناس فيما يجري بينهم من لقاءات علمية وندوات وما يجري في قاعات الدرس والمحاضرات، وكذلك الحوار يكون في الدعوة إلى الله، خاصة إذا كان لتغيير منكر أو فكر منحرف عند المدعو.
جاء ذلك في سياق المحاضرة التي ألقاها فضيلته مؤخرا بجامع الإمام تركي بن عبدالله (الجامع الكبير) بالرياض وتناول فيها حكم الشريعة في الحوار والمجادلة وموقف الإسلام من المراء ومتى يكون الحوار محمودا ومتى يكون مذموما، كما بين فضيلته الأهداف التي من المفروض أن ينعقد من أجلها الحوار، وأيضا أدوات الحوار وآدابه وأهمية التزام أطراف الحوار بهذه الآداب والضوابط.
الدعوة والحوار
يؤكد فضيلته في البداية أن الحوار موجود بين الناس ولا ينحصر في مؤسسة بعينها أو مركز بعينه، بل هو يشمل الحوار ما يجري بين الناس من مناقشات وما بين المتخصصين في موضوعات تهم الجميع، كذلك الحوار يكون في الدعوة إلى الله، فعندما يلتقي الداعية بالمدعو خاصة إذا كان عنده فكر معين مخالف للعقائد أو في العبادات أو في الأخلاق، فأنت تحاوره وتناقشه كي يتخلى عما في ذهنه من هذه الأفكار الخاطئة أو المعتقدات الفاسدة.
أما الحوار في أصل اللغة مأخوذ من الفعل حار بمعنى رجع كما قال تعالى: {ظن أن لن يحور}، أي ظن أن يرجع إلى الدني..
وقد ذكر الله جل وعلا في سورة الكهف قصة المتحاورين اللذين ذكر الله شأنهما ما ذكر: {وكان له ثمرِ فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا} [الكهف: 34].
والحوار عند العلماء المتقدمين يسمونه الجدال، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما} [المجادلة: 1]، فسمى ذلك الجدال حوار.
حكم الحوار والمجادلة
وتحدث فضيلة الدكتور سعد الشثري عن حكم الحوار والمجادلة في الإسلام، فذكر عناية العلماء ببيان هذا الحكم وبيان الآداب والضوابط التي يجب أن يكون عليها الحوار والمجادلة وجعلوا لذلك فصولا خاصة في كتبهم عن الجدل وآدابه. وكذلك ألف طائفة من أهل العلم مؤلفات مستقلة في فن الجدل والحوار تحت مسمى الجدل على طريقة الفقهاء..
وقد جاءت شريعة الإسلام ببيان مشروعية الحوار والمجادلة وبيان أنهما وسيلة للدعوة إلى الله جل وعلا قال سبحانه: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل: 125]. وقال جل وعلا: {وقل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} [البقرة: 111]، وهذا فيه مجادلة ومحاورة.
ثم إن الله عز وجل قد حكى في كتابه العزيز من المحاورات مع الذين كانوا في عهد النبوة سواء كانوا من اليهود أو النصارى أو المشركين وترد على أفكارهم السيئة: {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميمِ (78) قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليمِ} [يس: 78 - 79]، كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاور من في عصره سواء من أصحاب الديانات الأخرى كما في سورة آل عمران التي ذكر الله سبحانه وتعالى فيها محاورة النبي صلى الله عليه وسلم مع نصارى أهل نجران وكما في عدد من السور التي فيها بيان بعدد من المحاورات مع المنافقين وغيرهم.
ولم يقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على محاورة أصحاب الديانات الأخرى، بل قد حاور أيضا بعض أهل الإسلام، الذين كانوا يسألون عن بعض الأمور التي تشكل عليهم مثل الرجل الذي جاءه يسأله أن يأذن له بالزنا، ناقشه الرسول وحاوره وبين له حتى أبعد الشبهة التي وردت على خاطره ونفسه.
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم استمر أصحابه - رضي الله عنهم - على منهجه، فبدأوا يحاورون أصحاب الديانات الأخرى.. حاوروا الروم والفرس فدخل عدد كبير منهم - بالحكمة والأسلوب المقنع - في الإسلام، وحاوروا أصحاب الفرق التي عندها شيء من البدع والضلالات، ومن ذلك محاورة ابن عباس رضي الله عنهما للخوارج عندما خرج آلاف منهم على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فناقشهم ابن عباس وحاورهم وكشف شبههم حتى عادوا إلى سبيل الحق وطاعة أمير المؤمنين، وما زالت الأمة تنتهج هذا الأسلوب من المحاورات والمناقشات والمجادلات الفقهية حتى يتمكن العلماء من الوصول إلى الحق وبيان حكم الله عز وجل فيما يرد عليهم من المسائل والحوادث.
[BLINK][BLINK]النهي عن الجدال والمراء [/BLINK][/BLINK]
وبين فضيلة الدكتور الشثري موقف الإسلام من الجدال والحوار فيقول: إن بعض النصوص قد نهت عن شيء من الجدال والمراء، ومن ذلك ما ورد في الحديث النبوي من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم البيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا)، وفي الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أضل الله قوما بعد إذ هداهم إلا أوتوا الجدل)، ثم تل قوله جل وعلا: {ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قومِ خصمون}.
فما هو الفاصل بين ما يكون جدالا مشروعا محمودا مرغبا فيه من الشرع، وبين ما يكون مراء محذورا ممنوعا في الشرع؟
نقول: إن الذي يلازم آداب الحوار والجدل ويراعي الأحكام الشرعية المتعلقة به يكون فعله محمودا ومرغبا فيه ومثابا عليه، ومن لم يكن كذلك ولم يراعي الآداب الشرعية وأحكام الحوار فإنه يكون مذموما ولهذا ينبغي أن يعرف الذين يريدون الحوار والجدال ما هي آداب هذا الحوار.
انتشار الحوار وأهميته في هذا العصر
إن الحوار في عصرنا الحاضر بدأ ينتشر وبدأت تستجد له وسائل لم تكن موجودة في السابق، وهذا يجعلنا نؤكد على التزام الآداب الشرعية للحوار، ففي عصرنا نجد من وسائل الحوار الصحف المطبوعة والقنوات الفضائية التي امتلأت بالمحاورات والمناقشات والمناظرات وكذلك ما يبث في الإذاعات ومواقع الإنترنت وغير ذلك.
كذلك نجد هذه الحوارات والمناقشات في المجالس العلمية والمنتديات الثقافية والمجالس والمجامع العلمية نجد أعمالها مبنية على المناقشة والحوار وكل من يشارك في هذا الحوار يبين ما يراه ويقدم دليله للوصول إلى الحق.. فلا بد من جعل الحوار في هذه الوسائل جميعا مبنيا على الضوابط الشرعية حتى يكون هذا الحوار على وفق شريعة الله وحتى يكون مفيدا وموصلا للحق.
الوصول للحق أولا
ويشير فضيلته إلى أن أول ضوابط الحوار هي إحسان النية والقصد بأن ينوي المتحاورون الوصول للحق والتقرب إلى الله جل وعلا، فنحن ندعو إلى الله بالحوار من أجل أن نحصل على الثواب الأخروي وأن ننال رضا ربنا جل وعلا، وفي إحسان النية والقصد أجر عظيم وثواب جزيل، فالأعمال يثاب عليها بقدر النيات.
والدليل على وجوب إحسان القصد والنية في مثل هذه المناظرات والمحاورات قوله جل وعلا: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما} [النساء: 114].
الصدق والعلم من مستلزمات الحوار
ومن آداب الحوار في شريعة الإسلام، الحرص على الصدق، فلا يدعو الإنسان إلا إلى مبدأ يصدق فيه ولا يستدل إلا بدليل يكون صادقا فيه، فالكذب خلق مذموم جاءت الشريعة بالنهي عنه، والصدق خلق فاضل جاءت الشريعة بالأمر به، وكما جاء في سنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصدق طمأنينة والكذب ريبة). فلنحرص في محاوراتنا ومناقشاتنا أن نكون صادقين متحرين للصدق، فلا نتكلم بأمر نعلم أنه مخالف للحق والواقع.
العلم العلم
ومن آداب الشريعة في الحوار، ألا يتكلم الإنسان إلا بعلم، فلا يقول بشيء إلا وهو يعلمه ويعلم مستنده ويعرف دليله، قال سبحانه: {ولا تقف ما ليس لك به علمِ إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسـئـولا} [الإسراء: 36]، خصوصا إذا كان ذلك يتعلق بشرع الله ودينه، فمن أعظم الذنوب وأكبرها أن تنسب إلى الله من القول والحكم ما لم يقله أو يحكم به {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا}، فليحذر الإنسان أن ينسب إلى شرع الله ما ليس من شرع الله.. ولما ذكر الله عز وجل المحرمات قال سبحانه: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [الأعراف: 33].
فليحذر الإنسان من الوساوس التي يلقي بها الشيطان في نفسه فيجادل بها ويتكلم بها ويحاور من أجلها، قال تعالى: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} [الأنعام: 121].
عدم التعدي على مسلمات الدين
ويؤكد فضيلة الدكتور الشثري أن من أعظم الذنوب وكبائرها ما تفعله بعض وسائل الإعلام من صحف وغيرها من نشر مقالات لأناس لا ينتسبون إلى علم شرعي ينكرون فيه شيئا من مبادئ الشرع أو شيئا من الأحكام الشرعية الثابتة بالكتاب والسنة، فمن آداب الحوار في الإسلام عدم التعدي على مسلمات الشرع وثوابت الدين، فيجب علينا أن نقف ضد من يمس هذه المسلمات سواء بالنشر في المطبوعات أو البث في القنوات، وأن نتقرب إلى الله جل وعلا بإنكار هذا التعدي على الثوابت والمسلمات.
وقد تواترت النصوص من القرآن والسنة بالأمر بالتزام ما جاء في الشرع وعدم مخالفة ما جاء في الكتاب والسنة {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} [آل عمران: 32]. وقال سبحانه: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} [الأحزاب: 36].
فإذا وقع بيننا خلاف في مسألة نتحاور فيها فإن الواجب علينا أن نرجع إلى الأدلة الشرعية كتابا وسنة {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرِ وأحسن تأويلا} [النساء: 59].
فيجب أن نرد النزاع إذا حدث حول موضوع ما إلى الأدلة الشرعية، فهي الحاكمة على ما بيننا من الحوادث، هذا هو شأن أهل الإيمان، وأما غيرهم فإنهم لا يحكمون هذين الأصلين العظيمين.
التواضع سمة المتحاورين
ويؤكد الدكتور الشثري أن من لوازم وآداب الحوار أن يتواضع أطراف الحوار فيما بينهم بحيث لا يتكبر بعضهم على بعض ولا يتعالى كل واحد بمكانته أو علمه ولا يحتقر ما عند الآخر، فهذا ليس من مصلحة الحوار وليس من مبادئ الإسلام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التكبر في كل حال فقال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر) ثم فسر الكِبر بأنه بطر الحق (يعني جحد الحق) وغمط الناس يعني احتقارهم.
ومن الأمور التي جاء الشرع للالتزام بها عند الحوار والجدال عدم الاعتداء على الآخرين بالكلام السيئ، فالمخاطبة لا بد أن تكون بالأسلوب الحسن والكلام الطيب الهين اللين {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم} [الإسراء: 53].
ومن الوصايا الإلهية للسابقين:{وقولوا للناس حسنا}
والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن الكلمة الطيبة صدقة فليحرص الإنسان أن يكون كلامه وحواره وجدله بالكلام الطيب الذي تقبله النفوس خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بالدعوة إلى الله جل وعل.
العدل مع الطرف الآخر
ومن آداب الحوار أيضا ألا نكون في حوارنا ومجادلتنا ممن يعينون على الظلم أو يعين الظالمين فيجب أن يكون المقصود من الحوار إيصال الحق إلى الخلق وترغيب الناس في التزام شرع الله وطاعته حتى نكون بذلك ممن يثاب على عمله بالأجر والثواب، فالمحاورة والمجادلة لا تكون في نصرة الظلم والظالمين، بل ينبغي أن نجعلها في سبيل نشر الحق والعدل بين الناس.
فيلتزم المتحاورون جانب العدل فلا يظلموا من يتحاور معهم سواء كان هذا الظلم عن طريق مقال أو خبر أو حديث في إذاعة أو تلفاز أو غير ذلك، فالعدل واجب مع من يخاصمنا ويحاورنا وفي كل حياتن.
ومن آداب الحوار أن يحب كل طرف الآخر ويتمنى أن يكون الوصول للحق على يديه، فالوصول إلى الحق هو الهدف بصرف النظر على يد من يكون بلوغ الحق..