
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه
، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم الشأن ، وهو المستعان وعليه التكلان ،
وهو حسبنا ونعم الوكيل.
أما بعد :
أخي الفاضل ***dr-ana***
اشكرك على هذا الكنز الرائع والذي لايقدر بثمن
وجزاك الله خير الجزاء
واسمح لي أخي الفاااضل أن اضيف بعضآ مما ذكره السلف الصالح في سبب جعل هذه الكلمات العظيمة كنز من كنوز الجنة واعتذر مسبقآ على الإطالة ووفقك الله وبارك فيك وفي جهودك.
أخرج الترمذي، وابن ماجه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، عن أبي
الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ألا أنبئكم بخير
أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب
والوَرِق، وخيرٌ لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا:
بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله". {سنن الترمذي (3377)}.
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سبق المفردون". قالوا:
وما المفرِّدون يا رسول الله؟ قال: الذّاكرون الله كثيرًا. {صحيح مسلم 2776}.
وروى البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"مثلُ الذي يذكر ربَّه والذي لا يذكر ربَّه مثل الحيّ والميت". {صحيح البخاري
(6407)}.
والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
ومع ما في الأذكار الشرعية من الكمال والجمال في معانيها ومبانيها إلاّ أنك ترى في
كثير من عوام المسلمين من يعدل عنها وينصرف إلى أذكار مخترعة وأدعية مبتدعة ليست في
الكتاب ولا في السنة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"ومن أشدّ الناس عيبًا من يتخذ حزبًا ليس بمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن
كان حزبًا لبعض المشايخ، ويدع الأحزاب النبوية التي كان يقولها سيّد بني آدم وحجة
الله على عباده". {مجموع الفتاوى 12-525}.
يضاف إلى ذلك ما لدى كثير من المسلمين من الجهل وعدم العلم بمعاني الأذكار الشرعية
العظيمة ودلالاتها النافعة القويمة، مما يستوجب مضاعفة العناية بالأذكار النبوية
علمًا وتعليمًا، وشرحًا وبيانًا، وتوضيحًا وتذكيرًا، لتعلم مراميها، وتفهم مقاصدها،
وتتضح دلالتها، لتؤدّي بذلك ثمراتها النافعة، وفوائدها الحميدة وخيرها المستمر.
قال ابن القيم رحمه الله: "وأفضل الذكر وأنفعه ما واطأ القلب فيه اللسان، وكان من
الأذكار النبوية، وشهد الذاكر معانيه ومقاصده". {الفوائد ص247}.
هذا، وإنَّ من الأذكار النبوية العظيمة التي كان يحافظ عليها رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، ويكثر من قولها، ويحثّ على الإكثار منها والعناية بها "الحوقلة"، وهي:
"لا حول ولا قوة إلا بالله"، فإن هذه الكلمة العظيمة لها من الفضائل والفوائد
والثمار ما لا يحصيه إلا الله، وفيها من المعاني العميقة والدلالات المفيدة ما يثبت
الإيمان، ويقوي اليقين، ويزيد صلة العبد بربّ العالمين.
الحوقلة كلمةٌ منحوتة من "لا حول ولا قوة إلا بالله"، وهذا الباب سماعي، وهو من
الفعل الرباعي المجرد كما هو مقرر في كتب الصرف.
والنحت "هو أن ينحت من كلمتين أو أكثر كلمة واحدة تدل على معنى الكلام الكثير، وذلك
على النحو التالي":
أ- النحت من كلمتين مركبتين تركيبًا إضافيًا مثلما نحتوا من عبد قيس: عبقسي.
ب- النحت من جملة مثل: بسمل أي: قال بسم الله، حوقل، قال: لا حول ولا قوة إلا
بالله.
ويقال لها أيضًا: "الحولقة"، قال النووي رحمه الله: "قال أهل اللغة: ويعبر عن هذه
الكلمة بالحوقلة والحولقة". {شرح النووي 17-27}.
وقال في موضع آخر: "ويقال في التعبير عن قولهم: لا حول ولا قوة إلاّ بالله الحوقلة،
هكذا قاله الأزهري والأكثرون، وقال الجوهري الحولقة، فعلى الأول وهو المشهور الحاء
والواو من الحول، والقاف من القوة، واللام من اسم الله تعالى، وعلى الثاني الحاء
واللام من الحول، والقاف من القوة، والأول أولى لئلا يفصل بين الحروف". {شرح النووي
4- 87}.
وقد
ورد في بيان معنى هذه الكلمة وتوضيح المراد بها عن السلف وأهل العلم نقول عديدة من
ذلك:
1- قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في "لا حول ولا قوة إلا بالله" أي: "لا حول
بنا على العمل بالطاعة إلا باللَّه، ولا قوة لنا على ترك المعصية إلاَّ بالله".
رواه ابن أبي حاتم.
2- وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال في معناها أي "لا حول عن معصية
الله إلا بعصمته، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته".
3- وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في معناها أي: "أنا لا نملك مع الله
شيئًا، ولا نملك من دونه، ولا نملك إلاّ ما ملكنا مما هو أملك منا".
4- وسُئل زهير بن محمد عن تفسير: "لا حول ولا قوة إلا بالله" فقال: "لا تأخذ ما
تحبّ إلا بالله، ولا تمتنع مما تكره إلاّ بعون الله". رواه ابن أبي حاتم.
و ولقد
وردت نصوص كثيرة في السنة في بيان فضل هذه الكلمة وعظم شأنها، وقد تنوعت هذه النصوص
في الدلالة على تشريف هذه الكلمة وتعظيمها، مما يدل بجلاء على عظم فضل هذه الكلمة
ورفعة مكانتها، وأنها كلمة عظيمة ينبغي لكل مسلم أن يعني بها ويكثر من قولها؛ لكثرة
ثوابها عند الله، ولما يترتب عليها من خيرات متنوعة وفضائل متعددة في الدنيا
والآخرة، ومما يدل على فضل هذه الكلمة العظيمة ما يلي:
1- أنها وردت في عدة أحاديث مضمومة إلى الكلمات الأربع الموصوفة بأنها أحبّ الكلام
إلى الله.
فقد ثبت في المسند وسنن الترمذي والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي
الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما على الأرض رجلٌ يقول: لا
إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله،
إلا كُفّرت عنه ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر". {صحيح الجامع (5636)}.
وثبت في سنن أبي داود والنسائي والدارقطني وغيرهم عن ابن أبي أوفى رضي الله عنهما
قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني لا أستطيع أن
أتعلم القرآن فعلّمني شيئًا يجزيني، قال: "تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله
إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله". فقال الأعرابي هكذا وقبض يده،
فقال: هذا لله، فما لي؟ قال: "تقول: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني واهدني".
فأخذها الأعرابي وقبض كفيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قال : "أمَّا هذا فقد
ملأ يديه بالخير". {صحيح أبي داود (1-157)}.
2- ورودها معدودةً في الباقيات الصالحات التي قال الله عنها:
{والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا}
{الكهف: 46}.
فقد روي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"استكثروا من الباقيات الصالحات". قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: "التكبير
والتهليل والتسبيح والحمد ولا حول ولا قوة إلا بالله". رواه أحمد وابن حبان والحاكم
وغيرهم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، ولكن في إسناده أبو السمح دراج بن سمعان
صدوق، في حديثه عن أبي الهيثم ضعف، وهذا منها.
لكن جاء عدُّ "لا حول ولا قوة إلا بالله" في جملة "الباقيات الصالحات" عن غير واحد
من الصحابة والتابعين، فقد روى الإمام أحمد في مسنده أنَّ أمير المؤمنين عثمان بن
عفان رضي الله عنه سُئل عن "الباقيات الصالحات" ما هي؟ فقال: "هي لا إله إلا الله،
وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله". {المسند
(1-71)}.
وروى ابن جرير عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سئل عن "الباقيات الصالحات"؟ فقال: لا
إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. {تفسير الطبري
(15-255)}.
وعن سعيد بن المسيب قال: "الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا
الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله".
وروى ابن جرير الطبري عن عمارة بن صياد قال: "سألني سعيد بن المسيب عن "الباقيات
الصالحات"، فقلت: الصلاة والصيام، قال: لم تصب، فقلت: الزكاة والحج. فقال: لم تصب،
ولكنَّهنَّ الكلمات الخمس: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله،
ولا حول ولا قوة إلا بالله".
وأثر ابن المسيب هذا يوهم أن "الباقيات الصالحات" محصورة في هؤلاء الكلمات الخمس،
والذي عليه المحققون من أهل العلم أنَّ "الباقيات الصالحات" هنَّ جميع أعمال الخير،
كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله:
والباقيات الصالحات
قال: "هي ذكر الله، قول: لا إله إلاَّ الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأستغفر
الله، وصلى الله على رسول الله، والصيام والصلاة والحج والصدقة والعتق والجهاد
والصلة وجميع أعمال الحسنات وهن الباقيات الصالحات، التي تبقى لأهلها في الجنة
مادامت السماوات والأرض".
3- إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنها كنزٌ من كنوز الجنة.
فقد روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى
الله عليه وسلم في سفر، فكنا إذا علونا كبّرنا. وفي رواية: فجعلنا لا نصعد شرفًا
ولا نعلو شرفًا ولا نهبط في واد إلاّ رفعنا أصواتنا بالتكبير، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم : "أيها الناس، اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، ولكن
تدعون سميعًا بصيرًا". ثم أتى عليّ وأنا أقول في نفسي: لا حول ولا قوة إلا بالله.
فقال: "يا عبد الله بن قيس، قل: لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنزٌ من كنوز
الجنة". أو قال: "ألا أدلك على كلمة هي كنزٌ من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا
بالله". {صحيح البخاري (4205، 6384)، وصحيح مسلم (2704)}.
قال بعض أهل العلم في التعليق على هذا الحديث: "كان عليه الصلاة والسلام معلِّمًا
لأمته فلا يراهم على حالة من الخير إلاَّ أحبّ لهم الزيادة، فأحب للذين رفعوا
أصواتهم بكلمة الإخلاص والتكبير أن يضيفوا إليها التبري من الحول والقوة فيجمعوا
بين التوحيد والإيمان بالقدر". {فتح الباري (11-501)}. وقد جاء في الحديث: "إذا قال
العبد: لا حول ولا قوة إلاّ بالله، قال الله: أسلم واستسلم". رواه الحاكم بإسناد
قال عنه الحافظ ابن حجر: "قوي". {فتح الباري (11-501)}.
وفي رواية: "ألا أدلك على كلمة من تحت العرش من كنز الجنة؟ تقول: لا حول ولا قوة
إلا بالله، فيقول الله عز وجل: أسلم عبدي واستسلم". رواه الحاكم، وقال: "صحيح ولا
يحفظ له علة" ووافقه الذهبي.
قال النووي رحمه الله: "ومعنى الكنز هنا أنَّه ثواب مدخرٌ في الجنة، وهو ثوابٌ
نفيسٌ كما أن الكنز أنفس أموالكم".
وقال ابن حجر رحمه الله: "كنز من كنوز الجنة من حيث إنه يدخر لصاحبها من الثواب ما
يقع له في الجنة موقع الكنز في الدنيا؛ لأنَّ من شأن الكانز أن يَعُد كنزه لخلاصه
مما ينوبه والتمتع به فيما يلائمه".
4- ورود الأمر بالإكثار منها والإخبار أنها من غراس الجنة.
روى الإمام أحمد وابن حبان عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم ليلة أُسري به مرَّ على إبراهيم، على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فقال:
"يا محمد، مُرْ أُمتك أن يكثروا من غراس الجنة، قال: وما غراس الجنة؟ قال: لا حول
ولا قوة إلا بالله" {صحيح ابن حبان}.
5- إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنها بابٌ من أبواب الجنة.
روى الإمام أحمد والحاكم عن قيس بن سعد بن عبادة أنَّ أباه دفعه إلى النبي صلى الله
عليه وسلم يخدمه، قال: فمرّ بي النبي صلى الله عليه وسلم وقد صليت فضربني برجله
وقال: "ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟" قلت: بلى، قال: لا حول ولا قوة إلا
بالله. {السلسلة الصحيحة 4-35}.
6- تصديق الله لمن قالها.
روى الترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، وغيرهم عن أبي إسحاق عن الأغر أبي
مسلم، أنه شهد على أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أنهما شهدا على رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا قال العبد: لا إله إلا الله والله أكبر،
قال: يقول الله تبارك وتعالى: صدق عبدي لا إله إلا أنا وأنا أكبر، وإذا قال: لا إله
إلا الله وحده، قال: صدق عبدي لا إله إلا أنا وحدي، وإذا قال: لا إله إلا الله لا
شريك له، قال: صدق عبدي لا إله إلا أنا لا شريك لي، وإذا قال: لا إله إلا الله له
الملك وله الحمد، قال: صدق عبدي، لا إله إلاَّ أنا لي الملك ولي الحمد، وإذا قال:
لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال: صدق عبدي لا إله إلاَّ أنا ولا
حول ولا قوة إلا بي".
ثم قال الأغر شيئًا لم أفهمه، قلتُ لأبي جعفر: ما قال؟ قال: "من رُزِقهنّ عند موته
لم تمسّه النار".
وقال الترمذي: حديث حسن، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال الشيخ الألباني رحمه
الله: وهو حديث صحيح. {السلسلة الصحيحة 1390}.
قال ابن القيم رحمه الله: "الذكر سبب لتصديق الرب عز وجل عبده، فإن الذاكر يخبر عن
الله تعالى بأوصاف كماله ونعوت جلاله، فإذا أخبر بها العبد صدَّقه ربُّه، ومن
صدَّقه الله تعالى لم يحشر مع الكاذبين، ورجي له أن يحشر مع الصادقين". {الوابل
الصيب ص160}.
فهذه بعض الفضائل الدالة على عظم مكانة هذه الكلمة، ورفعة شأنها، وكثرة عوائدها
وفوائدها، وعظم ما يترتب عليها من أجور عظيمة وخيرات جليلة وفوائد متنوعة في الدنيا
والآخرة.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد
وآله وصحبه وسلم .