عرض مشاركة واحدة
قديم 10-16-2006, 04:57 AM   #45
مركز تحميل الصور


الصورة الرمزية $بلزاك$
$بلزاك$ غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 190
 تاريخ التسجيل :  Jan 2003
 أخر زيارة : 07-09-2009 (01:25 AM)
 المشاركات : 619 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي مشاركة: بدايتي ..كانت..نهايتي .



\
/
و في أمسية صيفية رائعة في الخيمة البيضاء كان هنالك ضيوفاً مدعوين عند والده على وليمة العشاء ، رن جرس الهاتف ..
كان الهاتف أمامه .. ولكن شيئاً ما منعه من أن يجيب ، حمل الهاتف وهو يرن أمام الجميع و تقدم به إلى الزعيم!
استغرب الحضور أنه لم يجب .. فهو الذي لم يسمح لأي إنسان أن يرد على الهاتف غيره لكي لا تسأل عنه أي من الفتيات الخمس اللواتي صارت كل واحدة منهن حبيبة لوحدها !! .. إلا أنه لم يرد على هذا الهاتف وأعطاه لوالده ..
كان الخبر الصاعقة .. لقد .. مات أغلى الرجال ..!!
جلس في مكانه وغاب عن الوعي .. ولما عاد إليهم .. كان حتى الرجال يبكون رحيل أغلى الرجال !!
خرج من حوش البيت إلى الأشجار المحيطة .. لم تدمع عينه حتى الآن .. !!
عاد بأحد الشبان الذي ركض يبكي خارجاً .. لم تدمع عينه حتى الآن .. !!
دخل .. إلى البيت .. فوجد أمه .. وبعض من النسوة .. يصرخن فقدان أغلى الرجال .. لم تدمع عينه حتى الآن .. !!
أغلى الرجال .. كان معروفاً بين أفراد القبيلة بأنه أطيب الرجال قلباً .. وأكثرهم مرحاً .. و أشدهم إرادةً .. !!
حتى أهل مدينة الذكريات عرفوا عنه طيبته وكرم أخلاقه .. فصار ملجأ الفقير .. وصاحب الحاجة .
كان أغلى الرجال قد سافر قبل سنوات إلى ألمانيا في رحلة علاجية وهناك لم يشأ أن يسمع بنصائح الأطباء وعاد إلى بيته وأهله وأصدقائه مؤمناً أنه سيرحل في اليوم الذي كتبه له الله عز وجل .
رحل أغلى الرجال .. ذبلت أزهار المدينة حزناً .. والرياح اشتدت في غير موسمها كأنها حزنت عليه !!
سهر وحيداً حتى الصباح .. كانت العصافير تزقزق كل صباح .. ولكنه لم يسمعها هذا الصباح ..لم تدمع عينه حتى الآن !
تمكن منه النعاس للحظات لم تكمل الساعة حتى جاءه الزعيم وأيقظه من فوق الأريكة التي تتوسط الصالة الكبيرة في البيت !! ولم تدمع عينه حتى الآن .. !!
نظر إلى أبيه .. سأله في نفسه : كيف ستحتمل العيش بدون ذراعك الأيمن ؟
وكأن الزعيم سمع سؤاله .. جلس بجانبه على الأريكة التي كان قبل قليل ممدداً عليها ، تحدث معه : أنها مشيئة الله ..!!
كان الزعيم يتحدث .. وكان هو في نفسه يعاتبه لأنه لم يسمح له بالسفر إليه .. فمنذ سنتان غادر أغلى الرجال هذه المدينة ولم يراه !!
حتى الزعيم بكى في غرفته .. إلا هو .. لم تدمع عينه حتى الآن .. !!..
كان طوال الوقت صامتاً ..
ينظر إلى الرجال الذين وصلوا للتو من قريته بعدما وصلهم خبر وفاة عمه للعزاء والوقوف على استقبال المعزين
رأى رجلاً من أقربائه بجانب شجرة صغيرة يبكي .. ولم تدمع عينه حتى الآن !!
من الطبيعي أن يبكي الرجال مثل النساء .. كأنهم في سباق بكاء .. والفرق أنك تسمع صوت بكاء المرأة بعكس الرجل ..
إلا في هذا السباق .. كنت تستطيع أن تسمع صوت الرجال يبكون ويصرخون أغلى الرجال بصوتٍ أعلى من صراخ النساء اللواتي تجمعن من كل صوب .. وحتى هذه اللحظة .. لم ينطق بكلمة .. ولم تدمع عينه حتى الآن .. !!

بدأ العزاء .. اليوم الأول .. كان الزعيم يتوقع قدوم الكثير من الناس معزين .. مشاركين في أحزانه بفقدانه أغلى الرجال !!
ولكن لم يكن الزعيم يتصور هذا الحجم من الناس ، حتى أن الرجل الأول في المدينة أمر بوضع من يتحكم بحركة المرور أمام بيت الزعيم لتجنب أية حوادث من شدة الازدحام !
منتصف الليل .. وقف أمام الزعيم الذي كان يتحدث مع بعض الرجال .. و كان ينظر إلى الزعيم .
حسبه الزعيم أنه يود الخروج , فطلب منه أن يذهب لأجل أن يبعده عن جو العزاء .. على أن لا يقود السيارة ..
فرد عليه بسؤال كصوت الرعد في السماء :

هل أنت متأكد من أنه رحل !!!!

صرخ .. بكى .. وركع على رجليه أمام الزعيم .. وعيناه تدمعان .. تنظران إلى الزعيم ..!!
حاول الزعيم أن يضمه إلى صدره .. صرخ به أن يتوجه إلى غرفته .. وصاح أحد الرجال من كبار السن بأن يتركوه يبكي .. ؟
كان الكثير ممن يعرفون العلاقة بينه وبين عمه .. خائفين عليه ، وكانوا يراقبونه ويطلبون منه أن يجلس فيستريح بدلاً من وقوفه مستقبلاً المعزين مع الزعيم .. ولكنه لم ينطق .. لم يبكي .. إلا في منتصف الليل .. في ذات الساعة التي سمع بها الخبر في الليلة الماضية !!!
كان يصرخ .. يصرخ .. يصرخ .. حاولوا نقله إلى المستشفى ورفض ..
راح يمشي بالشارع وثلاثة من أقربائه يراقبونه من بعيد ..
ما زال يصرخ .. كان يضرب شجر الشارع .. يحطم الأغصان .. يمزق وريقات الشجر !!
وقع على الأرض .. ركض الثلاثة إليه و حملوه بالسيارة إلى المستشفى .. يسابقون الريح التي هبت في تلك الليلة فجأة !
وبعد ساعات عاد إلى غرفته .. وأغلق الباب لمدة أسبوعين حتى أن العزاء لم ينتهي وكان المعزين يأتون من كل أنحاء البلاد !!
..
قرر السفر .. قرر أن يرحل إلى الرياض .. لأول مرة يشعر أن هذه المدينة تسكنها الأشباح ..
فلم يعد يتعرف على شوارعها ولا حدائقها .. و لا حتى من يقطنها من البشر ..
قرر السفر .. حدث الزعيم وحصل على موافقته مباشرة .. !! وفي يوم السفر .. طلب من مرافقيه أن يتريثوا قليلاً حتى يعود ..
اتجه إلى حيث السور الأبيض .. والدلة العربية .. إلى منزل أغلى الرجال الذي لم يغلق منذ أن بناه أغلى الرجال .. !!
وقف يناجي جدران المنزل ونوافذه .. يتذكر أياماً لا مثيل لها كان قد أمضاها في هذا البيت .. أياماً كانت بعمر السنين .. !!
في الصباح ترك مدينة الذكريات التي ترعرع فيها وعرف فيها أم كلثوم وميادة ووردة وفنان العرب ونزار قباني وجبران خليل جبران وفيروز ووديع الصافي وسيد درويش وعمر أبي ريشة وحافظ إبراهيم .. ودع هذه المدينة ودع حديقته .. متمنياً أن يكون لها زعيماً من بعده يستحقها .. يقدرها!
ودع أصدقائه والدمع سجيناً في أعينهم .. وقف أمام الحائط الكبير لمدرسته وودعه ..
ذهب إلى صاحب المتجر الذي كان يستدين منه ليكرم أصدقائه .. وأعطاه ما تبق له من نقود .. حتى العجوز كاد أن يبكي ..
ومن أمام مدرسة الفتيات مر .. مودعاً نوافذها وأسوارها .. متمنياً أن تجد شاباً من بعده يحترم حرمتها ..
كانت الصرخة تسكنه .. أراد منها أن تخرج إلا أنها أبت ..
سأله صديقه الرائع الذي رافقه في رحلة الوداع هذه .. ألن تشتاق .. ألن تغير قرارك وتعود .. ؟
لم يجبه على سؤاله بل لف ذراعيه حول صديقه مودعاً إياه كآخر من يودع .. نعم بكى صديقه ..!!
تمنى له التوفيق وأعطاه أرقام الهواتف التي سيجده عليها في الرياض ..
ساعات طوال .. جديدة في ذات الطريق التي سلكها من قبل إلى الرياض .. ؟

--------------------------------------------------

نكمل لاحقاً ......... تحياااااااتي



 
 توقيع : $بلزاك$

"كلّما ازداد حبنا تضاعف خوفنا من الإساءة إلى من نحب"

" أنوريه دى بلزاك"


رد مع اقتباس