\
/
كان أن عاد والده ووالدته من الرياض ، وبقي عمه هناك لمتابعة الرحلة العلاجية التي قرروا له أثناء مراجعته لمستشفى الملك فيصل التخصصي عمه الذي سافر قبل أيام قليلة وقد أوصاه بعائلته في غيابه وإلا يقوم بأي عمل يغضب الزعيم .. مما يعني زيادة الاهتمام بالدراسة !
أوصاها أن تبقى قوية كما رباها ، وأن تهتم بدراستها وأخواتها الصغار ، ألا تغضب والدتها .. !!
وطلب منهما معاً ، أن يتصلا به هاتفياً إن احتاجا أي شيء .. من الرياض قرروا أن يسافر إلى أمريكا ..
هو : ما الذي جرى لكِ ، عهدتكِ قوية ومؤمنة .. لماذا تبكين ؟
هي : لماذا طلبوا منه أن يسافر .. لماذا ؟
هو : لقد اتصلت بهم في الرياض وعرفت أن رحلة أمريكا لإجراء تحاليل طبية للتأكد من أن التحاليل التي كانت في الرياض سليمة وإن شاء الله سنحتفل بعودته كما احتفلنا به عندما عاد من رحلته العلاجية في أوربا !
هي : لا أعرف منذ يومين وجدت والدتي تبكي .. ولما سألتها لم تجبني وذهبت إلى غرفتها ولم تخرج سوى في اليوم التالي !!
هو : أحياناً الإنسان يبكي من لا شيء .. فما بالك وزوجها بعيد عنها في رحلةٍ علاجية وهي رحلة وقائية لا أكثر
هي : إنني خائفة .. خائفة كثيراً .. ألا أراه مرة أخرى .. خائفة أن افتقده .. وأبقى وحيدة ..!!
لقد تحدثت مع والدتي بضرورة السفر إليه .. يجب أن نكون بجانبه .. فيزداد قوة بنا !!
هو : ما بالك .. ما هذا اليأس .. تتحدثين وكأنه يصارع الموت .. هل جننتِ .. أقول لكِ أنها رحلة وقائية !
هي : سأدعو له ليل ونهار .. سأدعو بأن يعود إلينا سالماً معافى .. ويضمنا بابتسامته من جديد .. في المكالمة الأخيرة كان يضحك معنا ويداعبنا كأننا أمامه .. وكلما انتهت المكالمة تغيب والدتي في حجرتها فتبكي .. حتى في صلاتها تبكي ؟
هو : سأذهب الآن إلى المنزل وإن احتجتم لشيء .. اتصلي بي .. ولا أريدكِ أن تبكي ففي البيت أطفال صغار .. ويجب أن تكوني عون والدتكِ في الاهتمام بهم ..!!
هي : إلى اللقاء .. !!
خرج من المنزل .. كان جاهلاً أنها تعلم كل شيء عن حالة والدها الصحية .. لم يجازف ليخبرها بما يعلم خوفاً عليها وكانت تحجب عنه ما تعلم خشيةً عليه لأنها تعلم مدى الحب الذي يسكنه اتجاه والدها .. !!
صار يأتي كل يوم إلى بيت عمه .. يحمل الألعاب للصغار أنواع الحلويات والعصائر .. كان يمضي ساعات في مداعبة الصغار .
لم يكن يريد لهم أن يشعروا بغياب أغلى الرجال إلى قلبه .. بل أنه كان يؤنس نفسه بوجودهم فيتناسى غياب عمه ..!! هذا العم الذي طالما قام بحمايته من غضب الزعيم ..
اتصلت به قبل موعد النوم .. كما تعودا
هي : مرحباً .. لقد قررت والدتي السفر ..
هو : هل ستذهبون جميعاً ..
هي : لا الصغار فقط سوف يرافقونها .. اتصل عمي الكبير من الرياض وطلب منها أن تحضر لترافق الوالد إلى أمريكا ..
هو : أود لو نرافقهم فنقضي معهم أياماً جميلة في أمريكا ..
هي : سأذهب إلى هناك .. لن أبقى هنا ووالدي بعيدان عني .. لن أبقى هنا !!
هو : سمعت أن والدي سوف يرسلكم إلى الرياض بعد انتهاء الدراسة ..
هي : لا أعتقد أنني سأنتظر حتى نهاية الدراسة .. سوف اتصل بوالدي واطلب منه أن يسمح لنا بمرافقته .. !!
هو : لقد تحدثت معه في الرياض .. وقد سألني عن دراستي و طلب مني أن أنجح .. وطلبت منه أن يعود إلينا !!
هي : سيعود بإذن الله .. هل تعلم أننا نجيب على خمسين اتصالاً تقريباً في كل يوم من كل مدينة و من أناسٍ لم أسمع بهم من قبل .. يسألون عنه وعن صحته ومتى يعود .. أحد المتصلين قال أنه سيعد وليمة كبيرة عندما يعود والدي وأن هذه الوليمة ستوزع على الفقراء ، وأنها وعد ودين عليه ..
هو : إن شاء الله سيعود .. وسوف نقيم ولائم كثيرة في كل مكان .. إن شاء الله
هي : أحبك كثيراً .. ووجودك بقربي ساعدني كثيراً وشد من أزري .. أحبك ..
هو : أود أن أنهي المكالمة الآن لأنام على أروع وأحلى نغمات في العالم .. تصبحين على خير ..
هي : أحلام سعيدة ..
هو : في ظهيرة اليوم التالي .. ومن أن عاد من المدرسة حتى اتصل بها في المنزل ..
هل غادروا إلى الرياض ..
هي : نعم ذهبوا في العاشرة صباحاً مع السائق إلى المطار .. والرحلة في الحادية عشر .. أعتقد إنهم في الرياض الآن ..
هو : إنها الواحدة والنصف وقد وصلوا الرياض بالتأكيد ..
هي : سأتصل بهم الآن ..
هو : حسناً .. أراكِ فيما بعد ..
أنهى المكالمة سريعاً لكي تتصل في الرياض و تطمئن على وصول والدتها . .
هي : مرحباً .. كيف حالك !
هو : بخير وأنتِ .. هل اتصلت ِ ..
هي : نعم وسوف يغادرون جميعاً إلى أمريكا بعد عشرة أيام !! تمنيت لو كنت معهم ..
هو : سوف نستقبلهم إن شاء الله في المطار عندما يعودون وسوف أستأجر عشرون سيارة .. سأجعله موكب فرح لمدة ساعتين من المطار حتى المنزل .. سأعد حفلاً كبيراً .. أتعلمين لقد تحدثت مع والدي عن هذا الأمر ووافقني الرأي !!
هي : عندما يعود سنقيم حفلاً لمدة شهر .. شهراً كاملاً .. دعوه يعود أولاً .. وسترى هذه المدينة حفلاً كبيراً كبيرا .!
هو : إن شاء الله .. سأذهب الآن و سنلتقي فيما بعد ، إن احتجتِ شيئاً فاتصلي بي .
هي : في رعاية الله .. لا تتأخر ، لا أطيق أن أبقى وحيدة ، وأنت بعيد عني !!
هو : حسناً سأعود في المساء .. إلى اللقاء
يخرج وحيداً في شوارع المدينة ، غير مصدقٍ لما سمع من أخبار عن والدها ، و غير مدركٍ أنه أخفى عنها حقيقة المرض !!
وحتى الآن لم يكن أحدهما يعلم أن الآخر مدركاً لمأساة المرض !
وهكذا بقيا معاً يخفي كلاً حقيقة الأمر عن الآخر خوفاً على هذا الآخر !!
كان يمشي بضع ساعات في مساء المدينة .. كان الكثير يشاهدونه ويسألوه عن الرجل الطيب الذي تقدره هذه المدينة كثيراً
كان أكثر إنسـان يكتسي الشموخ مع طيبة و كرما و صبرا .. الذي كاد مرة أن يبيع سيارته ليساعد رجلاً مسجوناً بسبب دين بعد أن جاءت عائلة السجين وبكت عند باب داره .. لكن مرافقيه طلبوا منه انتظار الزعيم الذي قام بكل شيء أراده أخيه !
يذكره صاحب هذا المحل الصغير الذي يصلح الدراجات وإطارات السيارات .. يذكره حين وجده يحمل ابنته الصغيرة التي وقعت من الطابق الثاني للعمارة التي يسكنها ، يوم كان يركض بها إلى المستشفى فوقف هذا الرجال بسيارته الألمانية الفاخرة .. وطلب من شقيقية ومني أن نستقل سيارة أجرة إلى البيت و وضع الطفلة وأبيها في المقعد الخلفي وطار بهما إلى المستشفى ..!!
يذكره ذاك الفلاح الذي وجده صدفة حين كان متجهاً ببعض الضيوف الذين وصلوا من الرياض للتو .. في فصل الصيف .. فدعاهم إلى مأدبة غداء في احد المنتزهات .. فوجدوا الفلاح يبكي على قارعة الطريق .. !!
توقف عنده .. ونزل وجلس أمامه مستفسراً .. لقد داهمت حشرات سامة أرض هذا الفلاح .. وسوف تقضي على محصوله إن لم يقضي عليها ولم يعد يملك من المال ما يكفي لشراء المواد التي يجب أن ترش فوق الأرض !!
كان المبلغ المطلوب أكثر مما يحمل في محفظته .. ولأن ضيوفه ليسوا بغرباء .. فقد جمع كل ما لديهم مع ما لديه ومنحه للفلاح وأعطاه رقم هاتفه في المدينة التي عاد إليها بعدما انتهت نقوده وأنهى ما يحمل ضيوفه أيضاً !!
يذكره صاحب الإبل الذي جاء مستنكراً ما قامت به دورية بمصادرة بعض من إبله التي اقتربت من مدينة وسط صحراء البدو ..
كان هذا البدوي العجوز .. يوبخه وهي طريقة كبار السن من البدو في طلب مساعدة أبناء القبيلة الواحدة !!.. "كان يعتقد انه من نفس القبيلة"!!
((لو كان الشيخ … رحمه الله على قيد الحياة لما استطاع أحداً التعرض لي .. لكن أنتم ما فيكم خير .. ولا عون)!!
ابتسم .. وغادر برفقة هذا العجوز على الصالون الذي اخترق به طرق الصحراء و أعاد الإبل لصاحبها وتناول بعض من لبنها مع حبات تمر (ثم اخبر العجوز انه جنوبي من قبيلة كذا) وعاد في منتصف الليل إلى بيته !!
هي : عمت مساءً .. أين كنت منذ ساعات وأنا اتصل أود أن تجيب أنـت ؟
ألم تقل أنك ستعود في المساء ، أين كنت .؟ ؟
هو : لقد ذهبت إلى داخل المدينة .. ولم أحبذ العودة إليكم في وقت متأخر !
هي : منذ متى وتخاف من رقيب في هذا البيت ، هل سبق وسألك أي إنسان لماذا حضرت في هذا الوقت أو ذاك ؟؟ أنه بيت عمك يعني بيتك ..
هو : ما بالك حبيبتي !! لما أنت منزعجة ؟؟
هي : لا أعرف ، أصبحت عصبية بدرجة لا تتخيلها ، لم أعد أطيق أن أبقى وحيدة ؟؟
هو : وهؤلاء الذين حولك ، لقد حضرت عائلة بكاملها للمكوث معكم ..
حاولي السماح لهم بأن يتحدثوا معكِ ، فهم يحبونك مثل الآخرين .. وسوف تعتادين عليهم وتروحين عن نفسك بعض الشيء !!
هي : لا أطيق بـُعد والدي وجزء من أخوتي ، إنها المرة الأولى التي نبتعد بها عن بعضنا البعض ؟
هو : سيعودون جميعاً ، فقط لندعي أن تكون عودتهم سريعة ويكونوا جميعاً سالمون معافون .
يحاول أن يخبرها وتمنعه كلماتها ، يمنعه خوفها وقلقها وحزنها من ابتعادهم عنها ، فكيف يستطيع أن يخبرها بالحقيقة ، وأن الله كتب لوالدها عمراً من المتوقع أن ينتهي بعد أشهرٍ قليلة !!!
وتحاول أن تخبره ويمنعها ذاك الأمل المتدفق مع كل كلمة ينطقها ، ذاك التفاؤل الذي يعيش معه ويكبر في كل لحظة ، فكيف ستخبره بالحقيقة ؟
نكمل لاحقا.... تحيااااااااااتي