اللقطة الأولى:
يظهر فيها حسن تعامل النحل مع أوامر ربه .يظهر فيها كيف يتعامل هذا المخلوق مع أوامر الخالق فمنذ أن أوحى الله سبحانه وتعالى إلي النحل " وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون* ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا......"(النحل 69) منذ ذلك الوقت يستحيل أن تجد للنحل بيوتا في غير هذه الأمكنة الثلاث : الجبال .. والشجر.. والبيوت. على نفس ترتيب الآية. أمر من الله. أعقبه تنفيذ من النحل.بلا تسويف ولا تحايل ولا تباطؤ .
أنها صورة تعكس أرقى درجات السمع والطاعة للخالق من مخلوق.
ومن حسن الامتثال وكمال السمع والطاعة عند النحل , تجد أيضا أن أكثر بيوت النحل في الجبال – وهي المتقدمة في الآية ثم الشجر ثم فيما يعرش الناس ويبنون بيوتهم . وكذلك تجد أن أرقى وأجود أنواع العسل هي عسل نحل الجبال ثم عسل نحل الشجر ثم عسل نحل البيوت . وهنا لا يجب أن يفوتنا أن نضع هذه الصورة جنبا إلى جنب مع صورة تعاملنا نحن بني البشر مع أوامر ربنا عز وجل . لنقارن.. ونقارن.. ونمعن في المقارنة. علنا ندرك جانبا من الإجابة علي السؤال: لماذا شبه الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمن الحق بالنحلة ؟ .
ومن طبائع النحل المعروفة والتي تدل على حسن امتثاله لأوامر ربه, أنه دائما ما يتخذ البيوت قبل المراعى . فهي إذا ما أصابت موضعا مناسبا بنت فيه بيوتها أولا. ثم بعد ذلك تخرج من تلك البيوت ترعى وتأكل من كل الثمرات ثم تأوي إلى بيوتها . لأن ربها سبحانه وتعالى أمرها بذلك . أمرها باتخاذ البيوت أولا ثم الأكل بعد ذلك . وهنا قد تبعد المراعى عن البيوت الأميال والأميال. وقد يفصل بين المراعي وبيوت النحل السهول و الجبال. وقد يتطلب هذا من النحل عبور الروابي والوديان . ومع ذلك فإن طاعتها لربها جعلها تنسى بعد المسافات وكثرة المشقات
فالمؤمن الحق – كالنحل – يجب ألا يفكر إلا في تنفيذه الأوامر الربانية. أما المشقات , والتبعات , والمنغصات فهي أمور ثانوية يجب ألا يفكر فيها المسلم . لأنه لو فكر فيها فربما تلكأ أو تباطأ أو قصر . ولكن طالما أن الأمر من عند الحق فيجب أن لا يشغل بال المؤمن الحق غير تنفيذ أمر الحق . وهكذا يفعل الصالحون.
انظر إلى نبي الله نوح لما أمره الله بأن يصنع الفلك في البيئة الصحراوية .وانظر إلي سيدنا موسى لما أمره الله : "أن اضرب بعصاك البحر . وانظر كيف تعامل سيدنا إبراهيم مع أمر الله له بذبح إسماعيل. وكلها أوامر تفوق قدرات عقول البشر . لكن انظر كيف كانت درجة السمع والطاعة من هؤلاء جميعا وكيف كانت النتائج . ليتأكد لك أن السعادة والفوز يكمنان في حسن تنفيذ العبد لأوامر ربه, حتى ولو كانت هذه الأمور تفوق قدرات عقولنا القاصرة ,أو حتى عجزنا عن استيعاب مرامي التكاليف ساعة التنفيذ.