عرض مشاركة واحدة
قديم 09-30-2005, 11:52 PM   #5


الصورة الرمزية أبوفارس
أبوفارس غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 49
 تاريخ التسجيل :  Sep 2002
 أخر زيارة : 12-27-2021 (10:06 AM)
 المشاركات : 4,596 [ + ]
 التقييم :  1
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي مشاركة: هااام... مالمقصود بتجديد الخطاب الديني؟؟؟؟



تكملة التقرير [line]

■ ملامح الحملة:

تمخض عن مبادرة باول برنامج تنفيذي معلن يضم 47 برنامجاً تفصيلياً، تغطي 14 دولة عربية على الأقل، بميزانية إجمالية تبلغ 29 مليون دولار للعام المنصرم، ورغم ضآلة هذا المبلغ إلا أن تفصيلات البرامج تعطينا مؤشرات لاتجاهات أمريكا واهتماماتهـا فـي المنطقـة، إذ يتضـح أن هنـاك تركيزًا واضـحًا ـ على المستوى الجغرافي ـ على اليمن والمغرب والجزائر ودول الخليج ـ خاصة البحرين وقطر ـ. أما على المستوى الموضوعي: فإن التعليم، والسياسة والانتخابات والبرلمانات، والاقتصاد، والمرأة والأسرة تقف على رأس سلم أولويات هذه المبادرة، ثم يأتي بعد ذلك: القضاء والقانون، والإعلام والاتصال، والاطلاع على الغرب، وتنمية المجتمع المدني والقطاع الأهلي.

ولكن الذي يهمنا هنا أن الجانب غير المذكور في هـذه المبـادرة ـ أو المكمل لها على أقل تقدير ـ كان هو (إصلاح) أو (تجديد) الخطاب الديني، ومما يومئ بذلك أن إعلان هذه المبادرة كان بمثابة إشارة البدء لانطلاق حملة كبرى اشتملت على نشاط إعلامي محموم للترويج لما أسموه (تجديد الخطاب الديني)، صاحبه برامج ومؤتمرات ودورات لتنفيذ المخطط المشار إليه، وقبل أن نستعرض بعض جوانب لهذا النشاط وهذه البرامج نشير إلى بعض الملامح التي لوحظت على هذه الحملة، وهي في نظري ما يأتي:

■ أن هذه الدعوة ظهرت في البلاد التي يقوى فيها النفوذ الأمريكي، مع وجود نشاط ملحوظ في البلدان التي تعد تاريخيًا مرجعيات العالم الإسلامي.

■ وأنها جاءت اتساقًا مع خطة تطوير مناهج التعليم التي أملتها وأوعزت بها قوى خارجية معينة، مستغلة أحداثًا وظروفًا معروفة، فجاءت هذه الحملة استكمالاً لمخطط إعادة تشكيل العقلية المسلمة.

■ الالتباس المتعمد في هذه الدعوة، فعلى عادة العلمانيين والتغريبيين في الإيهام والغموض عندما يتعلق الأمر بخطوة يصعب على الجماهير هضمها، جاءت الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني، فكلمة (الخطاب) تحتمل أن يكون المقصود بها (مضمون) الخطاب ومحتواه، وتحتمل أن يكون المقصود بها (شكل) الخطاب بما يتضمنه هذا الشكل من أساليب ووسائل عرض المضمون.

ولا شك أن مقصود مروجي هذه الدعوة هو تجديد مضمون الخطاب الديني، أي (تجديد) القيم والتصورات والمبادئ التي يحتويها هذا الخطاب، ولا يخفى على القارئ ما تتضمنه كلمة (تجديد) من معانٍ تشمل كون هذه القيم والمبادئ والتصورات أصبحت بالية ولا تصلح لهذا العصر، ففي معرض إيضاحه للمقصود بكلمة (الخطاب) يذكر الكاتب أحمد عبد المعطي حجازي أن هذا العصر الذي نعيش فيه هو عصر العلم الذي نرجع إليه في كل أمر من أمور حياتنا، أو أن هذا ما ينبغي أن نفعله، فنقرأ، ونفهم، نناقش، ونجرب، نحلل، ونقارن لنعرف الأسباب، ونتوقع النتائج، ونفسر ما يحدث في الطبيعة والنفس، والجسم، والمجتمع.

نعرف الآن مثلاً أن الزلزال يقع نتيجة لتصدع طبقات الأرض وتحركها، وليس لأن المدن شريرة أو لأن الآلهة ثائرة غضبى، ونعرف أن الجنون مرض يصيب العقل وله أسباب مختلفة وصور شتى وطرق في العلاج تتعدد بتعدد أسبابه وأنواعه، وليس حلولاً لجن أو شيطان في جسد المريض كما كان يعتقد الناس من قبل، وكما يعتقد كثيرون منهم حتى اليوم، وهذا هو الخطاب الذي يتفق مع روح العصر، لأنه يتفق مع العلم، أي مع العقل والتجربة»، «ونحن إذن أمام مصدرين للمعرفة: العقل الذي نفسر به الظواهر، ونتتبع التحولات، وننتقل من السبب إلى النتيجة، يبدو لنا العالم مفهومًا، ونشعر بقدرتنا على التحكم فيه والسيطرة عليه، والنص الذي يعتقد النصوصيون الحرفيون فئران الكتب وحفارو القبور أنه علم سابق على كل علم وأن كل معرفة جديدة صادرة عنه ومتضمنة فيه، فالأسلاف لم يتركوا شيئا للأخلاف، ولا جديد تحت الشمس !» (الأهرام المصرية 23/7/2003م).

ولكن غموض هذا العنوان (تجديد الخطاب الديني) لهذه الدعوة (هدم القيم والثوابت والتصورات الإسلامية واستبدالها) أفادهم ـ فوق التعمية على مقصدهم الحقيقي ـ تورط بعض المنتسبين إلى الدعوة الإسلامية من علماء أو دعاة في الترويج لها ظنًا منهم أن المقصود هو تجديد الوسائل والأساليب، وهذا التورط أعطى غطاءً مناسبًا لأصحاب الدعوة الأصليين من متبجحي العلمانيين، حتى وإن همش فيما بعد هؤلاء العلماء والدعاة.

■ تشابه مفردات هذا الخطاب عند الدعاة (البروتستانت) مع القضايا التي أثارها العلمانيون، التي تتفق بدورها مع أهداف مبادرة باول، وقد تمثلت هذه المفردات في:

1 - إعلاء قيمة العقل والمصلحة ـ بمعناهما الوضعي والمادي ـ على النص الشرعي.

2 - تغليب المادي والمشاهد على العاطفي والغيبي.

3 - مسايرة الأحداث والخضوع لها باسم التواكب مع العصر.

4 - غلبة الخطاب الدفاعي والانهــزامي بدعـوى دفـع التهـم ـ وخاصة الإرهاب وهضم حقوق الإنسان ـ عن الإسلام، مع التركيز في هذا الخطاب على تناول قضايا المرأة والأسرة، والمرتد وحرية العقيدة.

5 - التأكيد على أهمية الديمقراطية، والمشاركة الشعبية، وإظهار إشراك الفئات المهمشة، وإبراز مكانتها في الإسلام.

6 - (تلطيف) الموقف من الآخر، بإعادة تشكيل بعض المفاهيم ذات العلاقة به (بدءًا من التكفير، ومرورًا بالولاء والبراء، ووصولاً إلى الجهاد)، مع التأكيد على ضرورة التواصل مع هذا الآخر، وخاصة الغرب.

7 - تحويل الخطاب الديني الإسلامي (الدعوة الإسلامية) إلى مجرد إحدى مفردات وسائل دعم سياسات الدولة المحلية ومواقفها الخارجية.

■ تشابه بعض الأساليب المتبعة في نشاطات تجديد الخطاب الديني مع الأساليب السياسية الأمريكية في تحويل الاتجاهات والميول، وذلك عن طريق المشاركة في أنشطة ودورات تعقد في أمريكا، والعمل على تذويب الفوارق النفسية والفكرية بين أصحاب الاتجاهات المختلفة ـ خاصة العقائدية ـ بالمخالطة والمعايشة اليومية فيما بينهم:

فعلى سبيل المثال: كان أول برنامج ينفذ برعاية مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط برنامجًا بعنوان (النساء كقادة سياسيين: الانتخابات الأمريكية والحملات السياسية)، وقد جلب البرنامج وفدًا من 55 زعيمة سياسية عربية، ما بين مسؤولات منتخبات ومعينات، ومرشحات لمناصب، وناشطات في الدفاع عن حقوق المرأة، وقادة مجتمعات مدنية، وصحفيات.. إلى الولايات المتحدة؛ لتوفير نظرة متعمقة إلى الانتخابات الأمريكية على المستوى الأساسي، وعرض البرنامج واجهات تنظيمية من الحملات الانتخابية، وفحص أهمية وأساليب تجنيد متطوعين للحملة، واستكشف استراتيجيات فعالة للعلاقات العامة والإعلامية، بالإضافة إلى حضور هذه الفعاليات السياسية النسائية مؤتمرات على مستوى رفيع في واشنطن وتلقيهن تدريبًا على مهارات في الحملات السياسية.

ولعلنا لا ننسى أيضًا أسلوب التعايش اليومي بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي أثناء مفاوضات كامب ديفيد برعاية الرئيس الأمريكي السابق كلينتون.

وفي المقابل: يتضمن مشروع خطة تطوير الخطاب الديني في مصر والدول العربية دورات تدريبية مكثفة في القاهرة وواشنطن.. حيث من المقرر أن يلتحق بدورات واشنطن ما بين 500 إلى 600 من الدعاة، وذلك بعد الانتهاء من الدورات التدريبية في مصر.. وفي هذا الإطار كانت وزارة الأوقاف قد انتهت من دورة أخرى لعدد من الدعاة بالاشتراك مع الهيئة الإنجيلية بالقاهرة.. كانت مدتها أكثر من 3 أشهر، حيث تم اختيار الدعاة بدقة متناهية للإقامة في أحد فنادق القاهرة بمشاركة عدد مماثل من القساوسة، وكان نظام الدورة يعتمد على ورش عمل بين الأئمة والقساوسة لإعداد أبحاث علمية في قضايا شتى ثم مناقشتها مع الخبراء والمفكرين الليبراليين؛ وذلك بهدف كسر الحاجز الديني وتغيير الفكرة الذهنية عن الآخر من خلال المشاركة بين القس والخطيب، ومن ثم فإن النتيجة من هذه المشاركة ستكون في صالح الإدارة الأمريكية.. على اعتبار أنها الموجه الرئيسي لهذه الأفكار.

ومن وجهة نظر الإدارة الأمريكية فإن مثل هذه الدورات، ومن خلال مشاركة عدد من رجال الدين الكبار الذين يرفضون الإرهاب ولديهم تفسير عقلاني للدين، تسعى لترسيخ مفردات الخطاب الديني الجديد وليس موضوعاته فقط ـ خاصة ما ورد في القرآن أو السنة ـ؛ لأنه وفق رؤيتهم فإن هذه المفردات هي التي تشكل السلوك العام والتفصيلي الذي يلتزم به الأفراد.. (مصطفى سليمان، جريدة الأسبوع، 16/6/2003م).

وتشابه هذه الأساليب لم يأت إلا نتيجة تطبيق دراسات وأبحاث قامت بها مراكز متخصصة؛ بغية الوصول إلى أفضل النتائج حسب الأهداف التي رسموها، وهذا ما يوضحه ريتشارد إيتش. سولومون، رئيس المعهد الأمريكي للسلام في مقاله المعنون بـ (المنهج التطبيقي في حل النزاعات)، حيث يقول: «.. وفي حين نقارب رسالتنا بنفس بعض الطرق التي تتبعها مؤسسات الفكر والرأي التقليدية وغير الحكومية - عبر الأبحاث، والدراسات، وتقديم المنح، والمناسبات العامة، والنشر ـ إلا أن لدينا أيضاً برامج عملية أكثر تطبيقيةً من تلك التي تقوم بها مؤسسات الفكر والرأي التقليدية. يحلو لنا ـ كما قلت في البداية ـ وصف أنفسنا بمؤسسة فكر وفعل؛ إذن: ما هو جزء (الفعل) من هذه المعادلة؟:

إنه ـ إلى حد كبير ـ التدريب والتعليم، إننا منخرطون في نشاط واسع لتدريب صانعي السلام اليوم... هناك مثال حديث عن عمل البرنامج يتمثل في مُقرر تعليمي متفاعل مُدته أسبوعان، قوامه بناء الثقة وتعزيز العمل ضمن فريق عمل أنشئ لما يقرب من 30 قيادياً شاباً في منظمات غير حكومية من صربيا وكوسوفو، وللبرنامج أربعة مكوّنات: مقرر تعليمي مدته نهار كامل يتكون من تحديات متنوعة تُجرى في الهواء الطلق، وتتطلب تخطيطاً مشتركاً وعملاً جماعياً، ثم هناك يوم ثان للمناقشات والتمارين حول المفاوضات والوساطة، وثلاثة أيام تجري خلالها محاكاة مكثفة بواسطة الكومبيوتر تتعلق بالمفاوضات وصنع السياسة، ويوم حوار مع صانعي السياسة في واشنطن.

خلال المحاكاة، يُحَثّ المشاركون في بيئة ضاغطة جداً، على معالجة مشاكل بلد وهمي يصارع تحديات حقبة ما بعد النزاع، كالتوتر الإثني، والبطالة الواسعة، وتدهور البيئة، ووباء الإيدز...

وتعمل مبادرة الدين وصنع السلام التابعة لمعهد السلام على تعزيز قدرات المجتمعات القائمة على الإيمان لكي تصبح قوة من أجل السلام، وتنظم المبادرة حوارات ما بين الأديان وورش عمل في البلقان، والشرق الأوسط، والولايات المتحدة.

■ ويلاحظ أن هذه الدعوة (التجديدية) التي يلوكها بعض متبجحي العلمانيين لا تنتسب إلى الإسلام وأصوله، بل تدعو إلى طرحه كلية وهدم أسسه، بخلاف بعض الدعوات السابقة التي كانت تحاول أن تمد نسبها إلى أصول شرعية، كتأويل أهل البدع الذي كان وفق أسس تنتمي إلى المرجعية الإسلامية وإن كانت فاسدة، أو كاجتهادات المدرسة الإصلاحية في مطلع القرن الميلادي السابق.

■ كما أن من الملاحظ ظهور نشاط محموم في البلاد التي ظهرت فيها هذه الدعوة لمطاردة ومحاصرة من يجددون في أساليب (الخطاب الديني)، مقابل إفساح المجال لمن (يجتهدون) في إعادة تشكيل مضامين هذا الخطاب.

■ ثم تتوالى السهام:

أما أهم الأحداث المرتبطة بحملة (تجديد الخطاب الديني) فيمكن رصدها فيما يأتي، وعلى القارئ أن يقارن بين هذه الأحداث والمخطط المذكور في أول المقال وملامح الحملة المذكرة سابقًا، كما لا يفوته أن الأحداث المذكورة هي مما أمكن معرفته وأتيح ذكره:

■ أعلنت اللجنة الدينية بمجلس الشعب المصري عن وضع استراتيجية لتطوير الخطاب الديني من خلال دراسة المشكلات التي تواجه هذا الخطاب وتأهيل الدعاة وتطوير المناهج في المعاهد الدينية والكليات الشرعية حتى تواكب متطلبات العصر. ومن ناحية أخرى شكل المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية لجنة لوضع أسس وضوابط معاصرة للخطاب الديني يلتزم بها الدعاة داخل مصر وخارجها (البيان الإماراتية، 1/3/2001م).

■ وفي صباح الاثنين 5/4/2003م عقد مجلس الشعب المصري جلسة لمناقشة تطوير الخطاب الديني.

■ وفي يوم الخميس 24/4/2003م أكد وزير الأوقاف المصري محمود حمدي زقزوق ـ في لقائه مع أكثر من 1600 إمام وداعية في محافظة قنا جنوب مصر ـ أهمية تجديد الخطاب الديني، واعتبره حقيقة أصبحت ملحة في ظل المتغيرات التي يشهدها العالم حاليًا، وأمام حملات التشويه المستمرة على الإسلام، رافضًا ما يتردد حول وجود ضغوط خارجية لتحقيق ذلك الهدف.

■ وفي يوم 11/6/2003م انتهت أول دورة راقية للأئمة والخطباء في المساجد ـ بحسب وصف وزارة الأوقاف المصرية ـ شارك فيها نحو 50 إمامًا وخطيبًا معظمهم من حملة الماجستير والدكتوراه؛ ليكونوا نواة لجيل جديد من الأئمة المتميزين المتحدثين بلغـة الخـطاب الديني الجــديد، وقد اسـتمرت الدورة 3 أشهر في الإسكندرية بنظام الإعاشة الكاملة للمتدربين.

■ وفي يوم الخميس 3/7/2003م، عقد بالقاهرة مؤتمر (نحو خطاب ثقافي جديد)، شارك فيه 150مثقفًا ومفكرًا عربيًا، وقد طالب المثقفون المجتمعون بـ «أفق مجتمعي جديد يضمن حرية الاجتهاد الفكري المسؤول (...) الذي يرفض الوصايات التي تحتكر المقدسات القومية والدينية»، واعتبروا أن ذلك «يمر عبر الوصول إلى الشروط الاجتماعية والثقافية التي تنتج خطابًا دينيًا متطورًا منفتحًا على العصر يتجاوز الخطابات الدينية الركودية والمتزمتة التي أساءت إلى الإسلام والعرب والمسلمين»، وطالبوا «الدول العربية أن تأخذ موقفًا محايدًا في صراع الأفكار والاجتهادات دون توظيف ديني للسياسة أو توظيف سياسي للدين!!».

وقد برز في مناقشات المؤتمر المطالبة بالتصدي للمؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية؛ حتى يمكن إعادة صياغة الخطاب الثقافي ومن ثم المشروع الثقافي المستقبلي، وأهم من عبر عن هذا الاتجاه حلمي شعراوي الذي طالب صراحة بإلغاء مؤسسة الأزهر.

كما أجمل وزير الأوقاف المصري محمود حمدي زقزوق سلبيات الخطاب الديني المعاصر بـ: «انفصال عن الواقع، تركيز على الشكليات، تركيز على أمور الآخرة وإغفال أمور الدنيا، التخويف والترهيب، النظرة الدونية إلى المرأة، الانتقاد الداحض لحضارة الغرب مع أننا من صنّاعها، اعتبار التضامن الإسلامي كأنه رفض للآخر».

ولا يسع المقام هنا اقتباس مقتطفات مما باح به بعض متبجحي العلمانيين العرب في هذا المؤتمر الذي نال فيه (تجديد الخطاب الديني) اهتمامًا ملحوظًا، ولكن يمكن القول عمومًا إن ما قاله هؤلاء كان من الخطورة بحيث رفضه واستنكره مثقفون علمانيون آخرون حضروا المؤتمر.

■ وفي يوم 23/9/2003م نظمت كازاخستان مؤتمرًا للحوار بين الحضارات وأتباع الأديان السماوية، حضرته وفود من معظم دول العالم الإسلامي، وفيه اقترح الدكتور حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري عقد مؤتمر لزعماء الأديان في العالم، يهدف إلى دعم الحوار بين الثقافات، وتأكيد التكامل بين الأديان، والتقارب بين الشعوب، وقد حظي الاقتراح بتأييد دولي، وتم الاتفاق على تشكيل لجنة من رؤساء الوفود المشاركين في المؤتمر لتنفيذه (الأهرام 15/10/2003م).

■ هل ينجحون؟

لا شك أن تحقق ذلك أو عدم تحققه يتوقف على عوامل كثيرة خارجية وداخلية، ولكن ما يعنينا أن في قلوب القوم أماني ساردة تبدو على ألسنتهم وفي كتاباتهم من حين لآخر، كما أن في أذهانهم أهدافًا محددة تشير إليها مخططاتهم وأنشطتهم، ومن غير المبالغ فيه القول إن من أماني أئمتهم: محو القرآن من الوجود، ولعلمهم باستحالة ذلك فإنهم يعملون على تحقيق أهداف يظنون تحقيقها ممكنة، وعلى رأس هذه الأهداف: تحريف المعاني القرآنية، وتفريغ القرآن من أهدافه ورسالته، وإبعاد المسلمين عن تدبر القرآن والعمل به، أي إنهم يريدون أن يتحول القرآن إلى حبر على ورق ـ كما يقولون ـ، والله من ورائهم محيط.

وحتى لا نخدع أنفسنا فإنه يجب التنبه إلى أن تحقيقهم لهذه الأهداف ـ أو بعضها ـ في عالم الواقع ليس مستحيلاً شرعًا أو عقلاً؛ فالله ـ عز وجل ـ تعهد بحفظ الذكر، ولكنه لم يتعهد بحفظ معانيه في عقول المسلمين وقلوبهم، ومسيرة الانحراف في فهم الكتاب والسنة وتطبيقهما مسيرة قديمة، حقق فيها أعداء الإسلام نجاحات لا يستهان بها، ومن هنا يمكن القول: إن المعوَّل عليه في الحفاظ على هذه المعاني من التحريف والتبديل وتطبيقها في واقع المسلمين في أي وقت وأي مكان: هو ما يقوم به أهل الحق أنفسهم بحسب جهدهم ووفق سنن التغيير التي تسير بها حركة المجتمعات، وليس وفق الأماني والنيات.

وقد أشار إلى هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عندما قال: «ولما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر: أن هذه الأمة تتبع سنن من قبلها حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه: وجب أن يكون فيهم من يحرف الكلم عن مواضعه فيغير معنى الكتاب والسنة فيما أخبر الله به أو أمر به.

وفيهم أميون لا يفقهون معاني الكتاب والسنة، بل ربما يظنون أن ما هم عليه من الأماني ـ التي هي مجرد التلاوة، ومعرفة ظاهر من القول ـ هو غاية الدين، ثم قد يناظرون المحرفين وغيرهم من المنافقين أو الكفار مع علم أولئك [المحرفين] بما لم يعلمه الأميون، فإما أن تضل الطائفتان ويصير كلام هؤلاء [الأميين] فتنة على أولئك [المحرفين]؛ حيث يعتقدون أن ما يقوله الأميون هو غاية علم الدين ويصيرون في طرفي النقيض، وإما أن يتبع أولئك الأميون أولئك المحرفين في بعض ضلالهم.

وهذا من بعض أسباب تغيير الملل، إلا أن هذا الدين محفوظ؛ كما قال ـ تعالى ـ: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَـحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، ولا تزال فيه طائفة قائمة ظاهرة على الحق، فلم ينله ما نال غيره من الأديان من تحريف كتبها وتغيير شرائعها مطلقًا؛ لما ينطق الله به القائمين بحجة الله وبيناته الذين يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصِّرون بنوره أهل العمى؛ فإن الأرض لن تخلو من قائم لله بحجة؛; لكيلا تبطل حجج الله وبيناته»(4).

فالفيصل في المحافظة على المعاني والقيم والتصورات الإسلامية صحيحة في عقول المسلمين وقلوبهم وحياتهم هو مدى تحقيق أهل الحق لسنة التدافع مع الأطراف الأخرى، وهذا يتطلب يقظة وجهدًا ونشاطًا وعملاً دؤوبًا ومنظمًا من جميع الأفراد.

والذي أراه أن الظرف الذي تمر به الأمة يتطلب ـ فوق اليقظة والنشاط ـ حلولاً غير تقليدية لاستنفار جموع الأمة واستخراج القوى الكامنة في قطاعاتها الشعبية، بعد أن رفعت معظم الأنظمة جميع الرايات البيضاء التي في حوزتها، حتى إنهم رفعوا أخيرًا ما كانوا يسترون به عوراتهم أمام شعوبهم.

نسأل الله ـ عز وجل ـ أن ينصر دينه ويعلي كلمته.


--------------------------------------------------------------------------------

(1) د. محمد محمد حسين، الإسلام والحضارة الغربية، ص 45 ـ 46.

(2) السابق، ص 133- 134.

(3) راجع إن شئت مداخلة الكاتب على هذه الوثيقة، في مجلة البيان، العددين: 175، 176

(4) مجموع الفتاوى، جـ 25، ص 130 ـ 131، وانظر: جـ 17، ص 442 ـ 444.

http://www.albayan-magazine.com/bayan-195/bayan-07.htm


 

رد مع اقتباس