جاءت عيون المها
وغمست أصابعها في آنية الشمس
تحرّسْي يا عيون : (إن الملأ يأتمرون بكَ ليقتلوك) ..

وأنا هنا من قمّة وجدي أنادي : (سيُهزم الجمع ويولون الدبر) ..

عوّذ مفرداتك بالقلاقل خشيةَ العين ..

لم ألقَ وجهي الأوّل .. كلماتكَ أربكتْ كلّ عضوٍ ينتمي لي .. هل أعبّ نميرَكَ طمعاً في الارتواء أم زيادةً في الظمأ !!
لم أعد أنتسب لبشريّتي فالطينُ الذي تكوّنتُ منه تألق حتى صار قدّيساً ..

هكذا أنتَ يا عيون تتدلّين كعنقودٍ وتشمخين كنخلة .. أعيريني عنب القوافي .. أعيريني تمر المعاني ..

عنقي لا تحتمل هذا الطوق الياسميني .. فلا تحمّل جيدي مالا طاقة له على حمله ..

لقد دفنتُ رأسي تحتَ كثبان حيائي وما أخرجته إلا وأنا أشعث أغبر كأنما صالت عليّ أفراسٌ من الصمت ..

ترفّقي بي يا عيون فكلما زادت القصيدة في يمينك سمنةً زادت روحي ما بين جنبيّ نحولاً ..

لذلك فإنني لا أملك إلا أن أعيدَ حصّتي الأولى هاهنا وإن كانت غير كاملة النصاب :

بحرفكَ الشفّافِ=توهّجتْ أطرافي
هلْ أصطفيكَ خلاًّ=محبّباً ووافي !!
أمْ أجتليكَ شعراً=مذهّبَ القوافي !
أفكاره عروسٌ=تاقتْ إلى الزفافِ
حروفكَ اللآلي=توطّنتْ شغافي
حتّى امتطيتُ طيفي=لأبتدي اصطيافي
جدّفتُ في المعاني=حيثُ الهوى مجدافي
وتهتُ في بحورٍ =وما تمّ اكتشافي
ركبتُ كلّ موجٍ=وما انتهى مَطَافي
أومئْ لكيْ تراني=للفاتشِ العرّافِ
علِقْتُ بالأماني=يا أيها الخرافي
فلا تُهنْ عشيقاً=يدنو منَ الضفافِ
يراكَ خيرَ مرسىً=من جملة المرافي
نسيتُ نبضَ قلبي=على الضفافِ حافي
فجدْ عليه شعراً=بأفخرِ اللحافِ
ولا تدعْ فؤادي=يصاهرُ المنافي
في هدأةِ الليالي =وخطرةِ الأطيافِ
الحبُّ فيكَ صاحٍ=وأنتَ عنه غافي
لا أدّعي هراءً=يا آخرَ الأشرافِ
حَملتُ بعضَ جوعي=نعشاً على أكتافي
وجئتُ فوق شوقي=أهفُو إلى القِطافِ
قوادمي معانٍ=وأحرفي الخوافي
تآلفتْ جراحي =تجرّحَ ائتلافي
هل أبقى طولَ عمري=أحيا على الكَفَافِ !
كأنّني غريقٌ=والاشتياقُ طافي
رأيتُ ألفَ نهرٍ=مكدّرٍ وصافي
وما سواكَ نهراً=يدعُو إلى اغترافي
يا سارقَ اشتهائي=وخاطفاً أوصافي :
وُلدتَ يومَ حجٍّ=مطهّرَ النطافِ
يا مُحْرِماً تجلّى=في السعيِ والطوافِ
كلّ الحروفِ بِكْرٌ=تنمو على العفافِ
سموتَ بالمعاني =عن بؤرةِ الإسفافِ
غيومكَ استهلّتْ=لتحتوي جفافي
فاخضرّ كلّ نبضٍ=كخضرةِ الأريافِ
أنا الهوى رصيدي=طغى على الصرّافِ