#1
|
|||||||
|
|||||||
![]() جلسة مع مبتعث قبل اربع وعشرين ساعة من كتابة هذا المقال ، كنت قد تشرفت بالجلوس مع أحد المبتعثين السعوديين في الخارج ( وعندما أقول - تشرفت - فأنا أعني ذلك ) ، فقد نقل لي ذلك الشاب صورة حسنة عن شبابنا المبتعثين ، وعن النماذج الممتازة لشبابنا في الخارج ، والتي كنت وما زلت أؤمن أن هناك شبابا يوضعون على الرؤوس لأدبهم وأخلاقهم ودينهم وتربيتهم ، بعكس الصورة السيئة التي ينقلها لنا الانترنت عن شبابنا هناك. وموضوع المبتعثين موضوع شائك ودائما ما يشغل بالي وأحب البحث فيه والجلوس مع أهل الشأن من المبتعثين والسؤال عن أوضاع الابتعاث لأنهم يتكلمون من أرض الواقع. حتى لا أطيل فقد جلست معه وسألته عن جملة من المواضيع ، وجعلته طوال الوقت يتحدث وأنا أصغي وأحفظ وأحلل وأستنتج حتى وصلت إلى مجموعة من المعلومات التي فادتني شخصيا في بحث أعمل عليه حاليا يدرس حال الابتعاث وحقيقته والفرق بين ما بني عليه وما هو عليه في الواقع. لم يكن ذلك جلوسي الأول مع مبتعث ولا حتى العاشر ، ولكني سعدت كثيرا بالجلوس مع هذا الشاب خصوصا لصراحته وثقافته وأدبه ومنطقه الرائع ، وكان الحوار في جو هادئ وجميل وفي حضرة شيء من المشروبات الباردة والساخنة ، تحدث فيها صاحبي هذا بكل صدق وكان يتحدث بلسانه وقلبه وبعينيه ويديه وتفاعل معي في الحديث حتى خرج منه الكلام صادقا معبرا عما يختلج في فؤاده من تصورات وأحوال عاشها في سنوات ابتعاثه ، إلا أنني لا أخفيكم أنه فاجأني بأمر ما سأخبركم به في موضعه في ثنايا هذا المقال. بداية أخبرني هذا الشاب بأن هناك نسبة ليست بالقليلة من الشباب السعوديين المبتعثين قد تغيروا فكريا ، وباتوا يحملون فكرا مناوئا للدين ، ولخص لي أسباب ذلك في عدة نقاط ، لعل أهمها انتقال بعض أولئك الشباب من بيئات بسيطة اقتصاديا وثقافيا وتعليميا ، إلى بيئة تعج بالأفكار المتنوعة والمتباينة ومليئة بأفكار أفعال مختلفة تماما عما كان يراه ويعرفه في وطنه ، تسببت له في صدمات نفسية وفكرية ، كان لها الأثر الكبير على فكرهم ، إضافة إلى عامل مهم وهو سهولة الوصول إلى المحضورات الشرعية هناك ، وانغماس بعض الشباب فيها ما تسبب لهم في ضعف الوازع الديني وبالتالي سهولة تشربهم لهذه الأفكار ، بالإضافة لعوامل أخرى لا تقل أهمية كجهود التنصير الكبيرة في أوساط المسلمين في جامعاتهم التي إن سلم فيها الشاب من التنصير فلا يسلم على الأقل من تغيير الفكر. من النقاط الهمة التي تعرضت لها أنا وصاحبي هذا ، مسألة القروبات الشبابية السعودية هناك ، وأطلعني على مجموعة كبيرة من سلبياتها التي تعود بشكل سيء على أفراد تلك القروبات ، وذلك لأن وجود مجموعة من الشباب المراهقين سويا في مكان واحد أمر يسهل لهم الانحراف والغرق في وحل السقوط الأخلاقي المنتشر في المجتمعات الغربية ، بالإضافة إلى أن انحراف شخص واحد قد يتسبب في سلوك البقية لنفس الطريق ، وذلك ما جعل صاحبي هذا يترك القروب الذي كان يسكن معه وينفرد لوحده في سكن خاص ، بل وينتقل من مدينته إلى مدينة أخرى وسائل الوصول إلى المحضورات فيها أقل - على حسب تعبيره - حماية لدينه وأخلاقه ( ألم أقل لكم أنني تشرفت به ). وفي استقراء لحال المبتعثات السعوديات هناك ، أعجبني كثيرا أنه بدأ بوصف النماذج المشرفة من المبتعثات أولا ، حيث أخبرني بأن الكثير منهن لا ترى منها شيئا من شدة تمسكها بحجابها ودينها ومبادئها ، وفي الجانب الآخر توجد نماذج أخرى لفتيات انحرفن بنسبة 180 درجة حتى وصلوا إلى مراحل أرفع قدركم عن الحديث عنها ، إلا أنها لا تعبر عن وطننا ولا أخلاقنا ، ولكن يجب على مؤسسات الدولة المعنية بشأن المبتعثين حل هذه المشكلة حتى لا يخرج الابتعاث عن أهدافه الأساسية. تعرضنا في ثنايا الحديث للأندية الطلابية االسعودية هناك ، وأخبرني عن دورها الكبير والإيجابي مع الشباب في احتوائهم والإبتعاد بهم عن مواطن الانحراف ، وتوعيتهم وجمعهم في كل يوم جمعة في اجتماع بالشباب وبالعوائل يعيش فيه الشباب جواً رائعاً وكأنهم موجودون في وطنهم وبين أهلهم وإخوانهم. وعند سؤاله عما رآه في دولة ابتعاثه من إيجابيات يتمنى أن يراها في بلادنا ، تحدث وأسهب كثيرا في هذا الموضوع حتى علمت أنني ربما وقعت على الجرح ، وكان ملخص ما قال أن المشكلة لدينا في بلادنا ليست في كيفية الأنظمة ، فهي أنظمة على مستوى عالي من الشرعية والمنطقية والقانونية ، إلا أن مشكلتنا الأساسية هي في آلية تنفيذ هذه الأنظمة من جانب ، وفي الأشخاص المخولون بتطبيقها على الواقع من جانب آخر ، وفي الحقيقة لمست في كلامه قدرا كبيرا من الصحة ، ضرب لي خلاله أمثلة ومواقف حدثت معه هنا وهناك وقارن بينها ليصل إلى نتيجة أن النظام سليم ولكن المشكلة في تنفيذه وفي من ينفذه. قلت له حينذاك أنه هنا يأتي دوركم أيها الشباب المبتعثون لتأتوا لنا من هناك بخلاصة إيجابيات الغرب منقّاة من سلبياتهم لتطبقوها لدينا وتنهضوا بوطنكم ومجتمعكم وأمتكم ، وهنا أتت المفاجأة التي أخبرتكم عنها والتي توقفت عندها كثيرا وأنا أسمع كلام ذلك الشاب الوضيء عندما أخبرني بأنه غير متفائل كثيرا في هذا الجانب ( يقصد جانب أن الشباب المبتعثين سينهضون بالوطن ) ، ولا أخفيكم أن هذا الكلام رسم فوق رأسي العشرات من علامات الاستفهام والمئات من علامات التعجب والآلاف من علامات التحسّر ( علامة التحسر علامة جديدة نحتاجها كثيرا في عالمنا العربي شكلها سيكون على شكل دمعة تسقط على كمية من اللبن المسكوب ) وعندما سألته عن سر عدم تفاؤله بدور شبابنا في النهوض بالوطن ، أخبرني بأن الإبتعاث - واقعا - لا يحقق أهدافه الحقيقية المعلنة الموجودة حبرا على ورق في مكاتب وزارة التعليم العالي ، وهذه مشكلة كبيرة بالفعل. مما آلمني في الحقيقة - ولكنه ليس أكثر إيلاماً من النقطة السابقة - شكواه لي من بعض أفراد المجتمع الذين عندما سمعوه ينتقد بعض السلبيات الموجودة في بلادنا والتي لا يسلم منها أحد اتهموه بأنه منحرف أو علماني أو نحو ذلك من هذه الإتهامات ، رغم أنني في ثنايا الحديث لمست منه قدرا كبيرا من الالتزام وحب الدين والعلماء ، وكذلك دار الحديث عن الهيئة ودورها وكان ينتقد بكل أدب ولم ينتقص بأي شكل من الأشكال من الدين وأهل الحسبة ، وهنا أوجه رسالة هامة لنفسي أولا ثم لأفراد مجتمعي الغالي تبرؤ بها الذمة أن اتهام الناس جزافا لمجرد الآراء والأطروحات بالعلمانية ونحوها خطأ كبير جدا ، لأن مفهوم العلمانية خطير جدا ومن اتهم به شخصا لمجرد رأي أو أطروحة فقد اتهمه بأمر عظيم وخطير ، وأذكر أنني جلست في مجلس أحد كبار أهل العلم في عسير وحذرنا من هذا الأمر كثيرا. أخيرا ... ليس بالضرورة أنني أوافق صديقي هذا في كل ما قال ولكنه تحدث من الواقع وبعين البصيرة والعقل ، ولهذا فقد كان لكلامه تقدير واحترام كبير لدي ، وأدعو له بالتوفيق وأرجو منكم أيضا تدعوا له بالتوفيق والنجاح وان يكثر الله من أمثاله من النماذج الطيبة بين شبابنا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. عبدالعزيز آل قاسم ( سيد الموقف )
![]() ![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
مبتعث سعودي يؤسس للصحة الذكية ويحصد جائزة أفضل تطبيق صحي .. | تراتيــــل | المواضيع العامة والإخبارية | 6 | 12-19-2012 05:13 PM |
عمري مبتعث في امريكا | عمري مبتعث في امريكا | أفراح بني عمرو | 18 | 09-25-2010 07:38 AM |
رساله الى كل مبتعث | بہرسہتہيہج | مواضيع الحوار والنقاش | 12 | 03-16-2009 02:25 AM |
نجاة مبتعث سعودي سقطت سيارته من ارتفاع ثمانية أدوار في أمريكا | بلا حدود | المواضيع العامة والإخبارية | 2 | 05-08-2008 06:18 PM |