![]() |
|
|
التسجيل | التعليمـــات | التقويم | مشاركات اليوم | البحث |
رياض الصالحين على مذهب أهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
#11 |
![]() ![]() |
![]()
والمحبة أنواع متعددة ؛ فأفضلها وأجلُّها : المحبةُ فى الله ولله ؛ وهى تستلزِمُ محبةَ ما أحبَّ اللهُ ، وتستلزِمُ محبةَ الله ورسوله .
ومنها : محبة الاتفاق فى طريقةٍ ، أو دين ، أو مذهب ، أو نِحْلة ، أو قرابة ، أو صناعة ، أو مرادٍ ما . ومنها : محبةٌ لنَيْل غرض من المحبوب ، إمَّا مِن جاهه أو من ماله أو مِن تعليمه وإرشاده ، أو قضاء وطر منه ، وهذه هى المحبة العَرَضية التى تزول بزوال مُوجِبها ، فإنَّ مَن وَدَّك لأمر ، ولَّى عنك عند انقضائه . وأمَّا محبةُ المشاكلة والمناسبة التى بين المحب والمحبوب ، فمحبةٌ لازمة لا تزولُ إلا لعارض يُزيلها ، ومحبةُ العشق مِن هذا النوع ، فإنها استحسانٌ روحانى ، وامتزاج نفسانى ، ولا يَعرِض فى شىء من أنواع المحبةِ من الوَسْواس والنُّحول ، وشَغْلِ البال ، والتلفِ ما يعرضُ مِن العشق . فإن قيل : فإذا كان سببُ العشق ما ذكرتم من الاتصال والتناسب الروحانى ، فما بالُه لا يكون دائماً مِنَ الطرَفين ، بل تجدُه كثيراً من طرف العاشق وحده ، فلو كان سببُه الاتصالَ النفسى والامتزاجَ الروحانى ، لكانت المحبةُ مشتركة بينهما . فالجواب : أنَّ السبب قد يتخلَّفُ عنه مسبِّبه لفوات شرط ، أو لوجود مانع ، وتخلُّف المحبة من الجانب الآخر لا بد أن يكون لأحد ثلاثة أسباب : الأول : عِلَّةٌ فى المحبة ، وأنها محبة عَرَضية لا ذاتية ، ولا يجب الاشتراكُ فى المحبة العَرَضية ، بل قد يلزمها نُفرةٌ من المحبوب . الثانى : مانعٌ يقوم بالمحِب يمنع محبة محبوبه له ، إما فى خُلُقه ، أو خَلْقِهِ أو هَدْيه أو فعله ، أو هيئته أو غير ذلك . الثالث: مانعٌ يقوم بالمحبوب يمنعُ مشاركته للمحبِ فى محبته ، ولولا ذلك المانعُ ، لقام به من المحبة لمحبه مثلَ ما قام بالآخر ، فإذا انتفتْ هذه الموانعُ ، وكانت المحبة ذاتيةً ، فلا يكون قَطُّ إلا من الجانبين ، ولولا مانعُ الكِبْر والحسد ، والرياسة والمعاداة فى الكفار ، لكانت الرُّسُلُ أحبَّ إليهم من أنفسهم وأهليهم وأموالهم ، ولما زال هذا المانعُ من قلوب أتباعهم ، كانت محبتُهم لهم فوقَ محبة الأنفس والأهل والمال . فصل والمقصود : أنَّ العشق لما كان مرضاً مِن الأمراض ، كان قابلاً للعلاج ، وله أنواع مِن العِلاج ، فإن كان مما للعاشق سبيلٌ إلى وصل محبوبه شرعاً وقدْراً ، فهو علاجه ، كما ثبت فى ((الصحيحين)) من حديث ابن مسعود رضى الله عنه ، قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ((يا معشر الشَّبَاب ؛ مَن استطاع منكم الباءةَ فلْيتزوَّج ، ومَن لم يستطِعْ فعليه بالصَّوْم ، فإنَّه له وِجَاءٌ)) . فدَل المحبَّ على علاجين : أصلىٍّ ، وبدلىٍّ . وأمره بالأصلى ، وهو العلاج الذى وُضع لهذا الداء ، فلا ينبغى العدولُ عنه إلى غيره ما وَجد إليه سبيلاً . وروى ابن ماجه فى ((سننه)) عن ابن عباس رضى الله عنهما ، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((لَمْ نَرَ للمُتحابَّيْنِ مِثْلَ النِّكاح)) . وهذا هو المعنى الذى أشار إليه سبحانه عقيب إحلال النساء حرائرِهن وإمائهن عند الحاجة بقوله : {يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ، وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفاً}[النساء : 28] فذكرُ تخفيفِه فى هذا الموضع ، وإخبارُه عن ضعف الإنسان يدل على ضعفه عن احتمال هذه الشهوة ، وأنه سبحانه خفَّف عنه أمرها بما أباحه له من أطايب النساء مَثْنى وثُلاثَ ورُباعَ ، وأباح له ما شاء مما ملكتْ يمينُه ، ثم أباح له أن يتزوَّج بالإماء إن احتاج إلى ذلك علاجاً لهذه الشهوة ، وتخفيفاً عن هذا الخُلق الضعيف ، ورحمةً به . فصل وإن كان لا سبيلَ للعاشق إلى وِصال معشوقه قدْراً أو شرعاً ، أو هو ممتنع عليهِ من الجهتين ، وهو الداء العُضال ، فمِن علاجه ، إشعارُ نفسه اليأسَ منه ، فإنَّ النفسَ متى يئستْ من الشىء ، استراحت منه ، ولم تلتفت إليه ، فإن لم يَزلْ مرضُ العشق مع اليأس ، فقد انحرف الطبعُ انحرافاً شديداً ، فينتقل إلى عِلاج آخرَ ، وهو علاجُ عقله بأن يعلم بأنَّ تعلُّق القلب بما لا مطمع فى حصوله نوعٌ من الجنون ، وصاحبه بمنزلة مَن يعشق الشمس ، وروحُه متعلقة بالصعود إليها والدَّوَرانِ معها فى فلكها ، وهذا معدودٌ عند جميع العقلاء فى زُمرة المجانين . وإن كان الوِصال متعذراً شرعاً لا قدراً ، فعِلاجُه بأن يُنزله منزلة المتعذر قدراً ، إذ ما لم يأذن فيه الله ، فعِلاجُ العبد ونجاتُه موقوف على اجتنابه ، فليُشعرْ نفسَه أنه معدوم ممتنع لا سبيلَ له إليه ، وأنه بمنزلة سائر المحالات ، فإن لم تُجبْه النَّفْسُ الأمَّارة ، فليتركْه لأحد أمرين : إما خشية ، وإما فواتِ محبوب هو أحبُّ إليه ، وأنفع له ، وخير له منه ، وأدْوَمُ لَذَّةً وسروراً ، فإن العاقل متى وازَنَ بين نَيْل محبوب سريع الزوال بفوات محبوب أعظمَ منه ، وأدومَ ، وأنفعَ ، وألذَّ أو بالعكس ، ظهر له التفاوتُ ، فلا تبعْ لَذَّة الأبد التى لا خطرَ لها بلذَّة ساعة تنقلبُ آلاماً ، وحقيقتُها أنها أحلامُ نائم ، أو خيالٌ لا ثبات له ، فتذهبُ اللَّذة ، وتبقى التبعةُ ، وتزولَ الشهوة ، وتبقَى الشِّقوة . الثانى : حصولُ مكروه أشقَّ عليه مِن فوات هذا المحبوب ، بل يجتمع له الأمران ، أعنى : فوات ما هُو أحبُّ إليه من هذا المحبوب ، وحصولُ ما هو أكرهُ إليه من فوات هذا المحبوب ، فإذا تيقَّن أنَّ فى إعطاء النفسِ حظَّها من هذا المحبوب هذين الأمرين ، هان عليه تركُه ، ورأى أنَّ صبره على فوته أسهلُ من صبره عليهما بكثير ، فعقلُه ودينه ، ومروءته وإنسانيته ، تأمُره باحتمال الضرر اليسير الذى ينقلِبُ سريعاً لذَّةً وسروراً وفرحاً لدفع هذين الضررين العظيمين . وجَهلُه وهواه ، وظلمه وطيشه ، وخفته يأمره بإيثار هذا المحبوب العاجل بما فيه جالباً عليه ما جلب ، والمعصومُ مَن عصمه الله . فإن لم تقبل نفسُه هذا الدواء ، ولم تُطاوعه لهذه المعالجة ، فلينظر ما تجلبُ عليه هذه الشهوةُ مِن مفاسد عاجِلته ، وما تمنعه مِن مصالحها ، فإنها أجلبُ شىء لمفاسد الدنيا ، وأعظمُ شىء تعطيلاً لمصالحها ، فإنها تحول بين العبد وبين رُشده الذى هو مِلاكُ أمره ، وقِوامُ مصالحه . فإن لم تقبل نفسُه هذا الدواء ، فليتذكر قبائحَ المحبوب ، وما يدعوه إلى النُّفرة عنه ، فإنه إن طلبها وتأملها ، وجدها أضعافَ محاسنه التى تدعو إلى حبه ، وليسأل جيرانَه عما خفى عليه منها ، فإنَّ المحاسن كما هى داعيةُ الحبِّ والإرادة ، فالمساوئ داعيةُ البغضِ والنُّفرة ، فليوازن بين الداعيَيْن ، وليُحبَّ أسبَقهما وأقرَبَهما منه باباً ، ولا يكن ممن غَرَّه لونُ جمال على جسم أبرصَ مجذوم وليُجاوِزْ بصره حُسنَ الصورة إلى قبح الفعل ، ولْيَعبُرْ مِن حُسن المنظر والجسم إلى قبح المخبر والقلب . فإن عجزت عنه هذه الأدوية كلها لم يبق له إلا صِدقُ اللجأ إلى مَن يُجيب المضطَر إذا دعاه ، وليطرح نفسه بين يديه على بابه ، مستغيثاً به ، متضرعاً ، متذللاً ، مستكيناً ، فمتى وُفِّقَ لذلك ، فقد قرع باب التوفيق ، فليَعِفَّ وليكتُم ، ولا يُشَبِّبْ بذكر المحبوب ، ولا يفضحْه بين الناس ويُعرِّضه للأذى ، فإنه يكون ظالماً متعدياً . ولا يغترَّ بالحديث الموضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى رواه سُويد بن سعيد ، عن علىّ بن مُسْهرٍ ، عن أبى يحيى القَتَّات ، عن مجاهد ، عن ابن عباس رضى الله عنهما ، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم ، ورواه عن أبى مسهر أيضاً ، عن هشام بن عروةَ ، عن أبيه ، عن عائشة ، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم ، ورواه الزُّبَيْر بن بَكَّار ، عن عبد الملك ابن عبد العزيز بن الماجِشُون ، عن عبد العزيز بن أبى حازم ، عن ابن أبى نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس رضى الله عنهما ، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((مَنْ عَشِقَ ، فعَفَّ ، فماتَ فهو شهيدٌ)) وفى رواية : ((مَنْ عَشِقَ وكتم وعفَّ وصبرَ ، غفر اللهُ لَهُ ، وأدخَلَهُ الجنَّة)) . فإنَّ هذا الحديثَ لا يصِحُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يجوز أن يكونَ من كلامه ، فإنَّ الشهادة درجةٌ عالية عند الله ، مقرونةٌ بدرجة الصِّدِّيقية ، ولها أعمال وأحوال ، هى شرط فى حُصُولها ، وهى نوعان : عامةٌ وخاصةٌ . فالخاصة : الشهادةُ فى سبيل الله . والعامةُ خمسٌ مذكورة فى ((الصحيح)) ليس العشقُ واحداً منها . وكيف يكون العشقُ الذى هو شِرْكٌ فى المحبة ، وفراغُ القلب عن الله ، وتمليكُ القلب والروح ، والحب لغيره تُنال به درجةُ الشهادة ، هذا من المحال ، فإنَّ إفساد عشق الصور للقلب فوقَ كل إفساد ، بل هو خمرُ الروح الذى يُسكرها ، ويصدُّها عن ذكر الله وحبِّه ، والتلذذِ بمناجاته ، والأنسِ به ، ويُوجب عبودية القلب لغيره ، فإنَّ قلبَ العاشق مُتَعبِّدٌ لمعشوقه ، بل العشقُ لُبُّ العبودية ، فإنها كمال الذل ، والحب والخضوع والتعظيم ، فكيف يكون تعبُّد القلب لغير الله مما تُنال به درجةُ أفاضل الموحِّدين وساداتهم ، وخواص الأولياء ، فلو كان إسنادُ هذا الحديث كالشمسِ ، كان غلطاً ووهماً ، ولا يُحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظُ العشق فى حديث صحيح ألبتة . ثم إنَّ العشق منه حلالٌ ، ومنه حرامٌ ، فكيف يُظَن بالنبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه يحكم على كُلِّ عاشقٍ يكتُم ويَعِفُّ بأنه شهيد ، فترَى مَن يعشق امرأةَ غيره ، أو يعشق المُرْدانَ والبغَايا ، يَنال بعشقه درجةَ الشهداء ، وهل هذا إلا خلافُ المعلوم من دينه صلى الله عليه وسلم بالضرورة ؟ كيف والعشقُ مرض من الأمراض التى جعل اللهُ سبحانه لها الأدويةَ شرعاً وقدراً ، والتداوى منه إما واجب إن كان عشقاً حراماً ، وإما مُسْتَحَب وأنت إذا تأملت الأمراضَ والآفاتِ التى حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابها بالشهادة ، وجدتها من الأمراض التى لا علاج لها ، كالمطعون ، والمَبْطُون ، والمجنون ، والحريقِ ، والغرِيقِ ، وموتِ المرأة يقتُلها ولدُها فى بطنها ، فإنَّ هذه بلايَا من الله لا صُنع للعبد فيها ، ولا عِلاجَ لها ، وليست أسبابُها محرَّمة ، ولا يترتب عليها مِن فساد القلب وتعبُّده لغير الله ما يترتب على العشق ، فإن لم يكفِ هذا فى إبطال نسبة هذا الحديثِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلِّدْ أئمةَ الحديث العالمين به وبعلله ، فإنه لا يُحفظ عن إمام واحد منهم قَطُّ أنه شهد له بصحة ، بل ولا بحُسن ، كيف وقد أنكروا على سُويدٍ هذا الحديث ، ورموه لأجله بالعظائم ، واستحلَّ بعضُهم غزوَه لأجله . قال أبو أحمد بن عَدِىٍّ فى ((كامله)): هذا الحديث أحدُ ما أُنكر على سُويد ، وكذلك قال البَيْهقى : إنه مما أُنكر عليه ، وكذلك قال ابن طاهر فى ((الذخيرة)) وذكره الحاكم فى ((تاريخ نيسابور)) ، وقال : أنا أتعجب من هذا الحديث ، فإنه لم يحدَّث به عن غير سُويد ، وهو ثقة ، وذكره أبو الفرج بن الجوزى فى كتاب ((الموضوعات)) ، وكان أبو بكر الأزرقُ يرفعه أوَّلاً عن سُويد ، فعُوتب فيه ، فأسقط النبىَّ صلى الله عليه وسلم وكان لا يُجاوِزُ به ابنَ عباس رضى الله عنهما . |
![]()
الــــــــalwaafiــــــــوافي
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
::: حق الله على العباد ::: لشيخنا الدكتور محمد سعيد رسلان حفظه الله تعالى | Aboabdalah | الصوتيات والمرئيات الإسلامية وأناشيد الأطفال | 2 | 09-16-2009 01:15 AM |