![]() |
|
|
التسجيل | التعليمـــات | التقويم | مشاركات اليوم | البحث |
رياض الصالحين على مذهب أهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||||||
|
||||||||
![]()
الأعمالُ بالنيّات
اللهم اصلح لنا النيه والذريه واصلح لنا اعمالنا كلها ماعلمنا منها ومالم نعلم ! لا شكّ أنّ أعظمَ ما يميِّز منهجَ السلف، وعلمَهم، وعملَهم، وحياتَهم، وموتَهم، هو عمرانُ قلوبِهم بالإخلاص لله تبارك وتعالى؛ وذلك لتمام علمِهم وقوّةِ يقينِهم بقول الله عزّ وجلّ: (قل إنّ صلاتي ونُسُكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين لا شريك له). فقد كانت الطاعةُ حاضرةً عند السّلف في ليلِهم ونهارِهم وفي كل جوانب حياتهم؛ حتى إنّهم ليأكلون بنيّةٍ، ويمشون بنيّةٍ، وينامُون بنيّةٍ؛ وكلُّ إناءٍ بما فيه ينضحُ! وقد بلغ بهم الأمرُ أن يغتنموا الحسناتِ من الأمور المباحة. كما قال ابنُ رسلان الرَّمْلي: وخُصَّ ما يُباحُ باستواءِ الفعلِ والتركِ على السواءِ لكنْ إذا نوى بأكلِهِ القُوَى لطاعةِ اللهِ له ما قد نوى ولله درُّ ابن السمعاني حيث قال في بيان فائدة إتباع ((إنما الأعمالُ بالنيّات)) بـ((وإنما لكل امريءٍ ما نوى)): "فيه دلالةٌ على أنّ الأعمال الخارجة عن العبادة لا تفيد الثواب؛ إلاّ إذا نوى بها صاحبُها القربة: كالأكل إذا نوى به القوّةَ على الطاعة، والنومِ إذا قصد به ترويحَ البدن للعبادة، والوطءِ إذا أُريد به التعفُّفُ عن الفاحشة، كما قال عليه السلام: (وفي بُضْع أحدكم صدقة...) الحديث". ومن هنا يمكن أن نقرِّرَ أنه كلّما قلَّتْ حظُوظُ المرءِ من فِقْهِ النيّةِ؛ انحطَّتْ في قلبه المعاني الرِّساليّة، وترحَّلتْ من حياتِه حقيقةُ العبوديّة! فأساسُ أعمالِ الورى نيّاتُهم وعلى الأساسِ قواعدُ البنيانِ وقد ذكر أهلُ العلمِ أنّ الصادقين المخلصين يجعل الله على قولهم نوراً؛ وهذا معنى قول أهل العلم: "إنما يُعطَى الرجلُ على قدر نيّته" و"ليست النائحة الثكلىكالمستأجَرَة"! فمن كانت نيّتُه صالحةً فيما يقول، خالصةً فيما يفعل؛ فإنّ الله يجعل عملَه مباركاً ويضع له القَبول في قلوب عباد الله الصالحين؛ كما قال الله عزّ وجل: (إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وُدّاً). وما أصدقَ ما قيل: من أخلص النيّاتِ كان لقوله نفعٌ وكان لفعله تأثِيرُ! فاستحضارُ القلبِ معانِيَ التعبُّد يكسو الأعمالَ نوراً وجمالاً؛ حتى تُشْرقَ لها القلوبُ قَبُولاً وإجلالاً، وتنشرَح لها الصدورُ عرفاناً وإقبالاً؛ وهذا يتأتّى لمن جاهد نفسَه حتى خلصت من الشوائب وسلمت من سوء المقاصد؛ لأنّ التوفيقَ حليفُ الصالحين، كما قال الله تعالى: (إن يعلم اللهُ في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أُخِذ منكم). إذا كان سَعْيُ المرء سُلِّمَ قصدُهُ فإنّ بلوغَ القصدِ لا يتعذّرُ! وتأمَّلْ فقهَ الصحابة رضي الله عنهم حينما قال لهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (في بُضعِ أحدِكم صدقة)؛ فقد لاحظوا أنّ لنفوسهم حظوظاً في إتيان الزّوجات قد تُعَكِّرُ عليهم فتحرمهم من الأجر؛ فتساءلوا ![]() وإنّ كثيراً من الأخلاق الكريمة؛ تُثمرها النيّاتُ العظيمة، ولله درُّ البخاري حيث ترجم في كتاب الإيمان باب (ما جاء: إنّ الأعمال بالحسبة والنيّة، ولكل امريء ما نوى؛ فدخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة والحجّ والصوم والأحكام. وقال الله تعالى: (كلٌّ يعمل على شاكلته): على نيّته، ونفقة الرجل على أهله يحتسبها صدقة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ولكن جهادٌ ونيّةٌ). فليست النيّة قاصرةً على فقه الإخلاص؛ بل تتعدّى ذلك إلى تربية التواضع وبعث الورع وتزكية الأعمال؛ كما بوّب البخاري في كتاب الإيمان "باب خوف المؤمن من أن يحبط عملُهُ وهو لا يشعر"، وقال إبراهيم التيمي:"ما عرضتُ قولي على عملي إلا خشيتُ أن أكونَ مكذَّبا"ً، وقال ابنُ أبي مُلَيْكة: "أدركتُ ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلُّهم يخاف النفاقَ على نفسِه؛ ما منهم أحدٌ يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل"، ويُذكَر عن الحسن:" ما خافه إلا مؤمنٌ، ولا أمنه إلا منافقٌ"! وقد كان السلف رضي الله عنهم يستحضرون النيّةَ في كلّ شيءٍ؛ وهذا سببُ النورِ في علمِهم والبركةِ في عملِهم، كما قال ابن رجب رحمه الله: "كل حركات القلب والجوارح إذا كانت كلُّها لله؛ فقد كمل إيمانُ العبدِ بذلك باطناً وظاهراً! ويلزم من صلاح حركات القلب صلاحُ حركاتِ الجوارح. فإذا كان القلبُ صالحاً ليس فيه إلا إرادةُ اللهِ وإرادةُ ما يريده؛ لم تنبعث الجوارحُ إلا فيما يريده الله؛ فسارعتْ إلى ما فيه رضاه، وكفّتْ عمّا يكرهه وعمّا يخشى أن يكون ممّا يكرهه وإن لم يتيقَّنْ ذلك. قال الحسن رحمه الله: ما نظرتُ ببصري ولا نطقتُ بلساني ولا بطشتُ بيدي ولا نهضتُ على قدمي حتى أنظر: أعلى طاعةٍ أو على معصيةٍ؟ فإن كانت طاعة تقدَّمتُ، وإن كانت معصية تأخَّرتُ! وقال محمد بن الفضل البلخي: ما خطوتُ منذ أربعين سنةً خطوةً لغير الله عزّ وجلّ! وقيل لداود الطائي: لو تنحَّيْتَ من الظلّ إلى الشمس؟ فقال: هذه خُطًى لا أدري كيف تُكتَب؟ فهؤلاء القوم لمّا صلحتْ قلوبُهم: فلم يبقَ فيها إرادةٌُ لغير الله؛ صلحتْ جوارحُهم؛ فلم تتحرّكْ إلا لله عزّ وجلّ وبما في مرضاته"! وقد ختم السيوطي كتابه (منتهى الآمال في شرح حديث إنما الأعمال) بما حكاه ابنُ النجار في "تاريخ بغداد" عن أبي الحسن محمد بن أبي الفضل عبد الملك بن إبراهيم الحمداني، قال: "كان أبي إذا أراد أن يؤدّبني يأخذ العصا بيده؛ ويقول: نويتُ أن أضرب ابني هذا تأديباًَ كما أمرني الله، وإلى أن يتمّ فيه النيّة أهرب منه"! فلا بدّ أن تزكوَ خواطرُنا بشذى الآيات، وتزهوَ عواطفُنا بصالح النيّات؛ فنتذكّر الله تعالى قبل أداء العبادات، ونستحضر الثواب والعقاب، ونستشرف الجنّة والنار! وقد قال النووي: "روينا عن حبيب بن أبي ثابت التابعي رحمه الله أنه قيل له: حدِّثنا. فقال: حتى تجيء النيّة، وعن أبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري: ما عالجتُ شيئاً أشدّ عليَّ من نيّتي؛ إنها تتقلّب عليَّ!" ورحم الله أبا الفرج ابن الجوزي؛ فقد قال في (صيد الخاطر): "احذرْ كلَّ الحذر من هذا الزمان وأهله؛ فما بقي مُواسٍ ولا مُؤْثِرٍ! ولا من يهتمّ لسدّ خَلَّةٍ، ولا من لو سئل أعطى إلا أن يُعطي نذراً بتضجُّر ومنّةٍ يستعبده بها المعطي بقيّة العمر! ويستثقله كلما رآه، أو يستدعي بها خدمته له أو التردّد إليه؛ وإنما كان في الزمان الماضي مثل أبي عمرو بن نُجيد سمع أبا عثمان المغربي يقول يوماً على المنبر: "عليَّ ألفُ دينارٍ وقد ضاق صدري؛ فمضى إليه عمرو بالليل بألف دينارٍ وقال: اقضِ دَيْنَك؛ فلما عاد وصعد المنبر قال: نشكر لأبي عمرو فإنه أراح قلبي وقضى دَيني؛ فقام أبو عمرو، وقال: أيها الشيخ ذلك المال كان لوالدتي وقد شقّ عليها ما فعلتُ؛ فإن رأيتَ أن تتقدّم بردّه فافعلْ! فلما كان في الليل عاد إليه، وقال له: لماذا شهرتني بين الناس؟ فأنا ما فعلتُ ذلك لأجل الخلق؛ فخذهُ ولا تذكرْني! ماتوا وغُيِّب في الترابِ شخوصُهم والنَّشْرُ مِسْكٌ والعظامُ رميمُ!" ![]() ![]() ![]() ![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|