التواضع
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول الإمام أحمد بن عطاء الله السكندري -رحمه الله ورضى عنه-:
“لَيْسَ المُتَواضِعُ الَّذي إذا تَواضَعَ رَأى أنَّهُ فَوْقَ ما صَنَعَ. وَلكِنَّ المُتَواضِعَ الَّذي إذا تَواضَعَ رَأى أنَّهُ دُونَ ما صَنَعَ.”
التواضع خلق أساسي من أخلاق السائرين إلى الله وخصلة لابد للعبد أن يحرص عليها ويراقب نفسه خوفاً من أن ضيّعها. وعكس التواضع الكبر، وهو عيب جدّ خطير. والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه ذره من كبر). ثم فصّل فقال: (الكبر بطر الحق وغمط الناس). وبطر الحق إنكاره، وغمط الناس احتقارهم.
قال الله تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}. وقال: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.
وننظر إلى رسولنا -صلى الله عليه وسلم- ، وهو من هو، لكن الله -عز وجل- أمره فقال: {واخفض جناحك للمؤمنين}، وخفض الجناح هذا مثل قوله تعالى في حق الوالدين: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة}، وهذا من أعلى درجات التواضع. والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان هيناً ليناً.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان من تواضعه أحياناً أن يغير رأيه بناء على المشورة، وهذا في الأمور الدنيوية لا في أمور الوحي طبعًا، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- كان يشاور، وكان الصحابي يتجرأ أن يقول له: (ليس هذا بمنزل)، أي هذا رأي غير سليم، لابد أن ننزل بعد بئر الماء، أو نحفر خندق، أو غير ذلك.
والله -عز وجل- خلقنا كلنا سواء وجعل بعضنا فوق بعض درجات في مسائل العقل والوظائف والمال والصحة والجاه، ولكن هذه المسائل لا ينبغي أن تؤدي إلى الكبر في القلب وإنما تؤدي إلى شكر نعم الله علينا -عز وجل-. فليس المتواضع الذي يتواضع شكلاً أو يجلس مع هذا أو يتكلم بكذا وهو يرى أنه فوق ما يصنع! وإنما المتواضع لابد أن يرى في قلبه أنه أقل من الناس، وأنه يحتاج إلى الناس، وآرائهم، ودعائهم.
|