الإهداءات | |
|
التسجيل | التعليمـــات | التقويم | البحث | مشاركات اليوم | اجعل كافة الأقسام مقروءة |
رياض الصالحين على مذهب أهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||
|
|||||||
إن للأمم مع نفوسها غفوة تعقبها غفوات
بسم الله الرحمن الرحيم
إن للأمم مع نفوسها غفوة تعقبها غفوات، وللأفراد المنفردين كما للأمم والشعوب سواءً بسواء، وإذا كانت غفوة الفرد تعد بالساعات فإن غفوة الأمم تعد بالسنين، لأن السنة في حياة الأمة تقوم مقام اليوم أو بعضه في حياة فردٍ من الأفراد، وحينما تتعرض الأمم لنكبات تزلزلها وتبلبلها؛ يكون من المتحتم على أفرادها ومجتمعاتها أن يعودوا إلى أنفسهم؛ ليتبينوا مواقع أقدامهم ويبصروا مواقع خطواتهم، لأنهم يصبحون حينئذٍ في أشد الحاجة إلى عملية تشييد أو بناءٍ جديد، حتى تعود نفوسهم لبناتٍ صالحة لإقامة صرح الأمة المشيد، ولذلك يقول الحق جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) إن الفساد في الدنيا، إنما يكون ظاهراً جلياً، حينما لا يتوقع المجتمع حساباً من ربٍ قاهر، أو من ولي حاكم، أو من مجتمعٍ محكوم، أو من نفسٍ لوامة، وحينما لا يتوقع أفراد المجتمع حساباً على تصرفاتهم؛ فإنهم ينطلقون في حركاتهم كما يحبون، ويموجون كما يشتهون، وكما تهوى أنفسهم، فيقبلون على الحياة ودروبها بلا زمامٍ ولا خِطام، فيتشبهون بأهل النار من حيث يشعرون أو لا يشعرون: (إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّاباً) فهؤلاء لم يكونوا مؤمنين بالمحاسِب ولا موقنين بالمحاسَب. والذي ينبغي على الناس بعامة أن يكونوا على وعيٍ وبصيرة بمقدار ما يفعلون من خطأ وصواب، والحق أن هذا الانقلاب في مهام الحياة أفراداً وجماعات دون اكتراث بما كان وما يكون، أو الاطلاع بنظرة خاطفة إلى بعض الأعمال البارزة أو الأعراض المخوفة، الحق أن ذلك نذير شؤم والعياذ بالله! وقد عده الله في كتابه الكريم من الأوصاف التي يعرف بها المنافقون، الذين لا كياسة لديهم ولا يقين لهم: (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) إن العقول السوية والفطر السليمة لن تخرج عن إطارها إذا اعتبرت النفس الصالحة هي البرنامج الوحيد لكل إصلاح، وأن ترويضها للإستقامة وتذليلها للطاعة هو الضمان الحي لكل حضارة ورفعة، وإن النفس إذا اختلت وزلت صارت الفوضى في أحكم النظم والبلبلة في كنف الهدوء، واستطاعت النفاذ من ذلك إلى أغراضها الدنيئة، ومطامعها المريبة، والنفس الكريمة ترقع الفتوق في الأحوال المختلفة، ويشرق نبلها من داخلها، فتحسن التصرف والمسير وسط الأنواء والأعاصير. إن أعجب الأشياء مجاهدة النفس ومحاسبتها، لأنها تحتاج إلى صناعة عجيبة، وقدرة رهيبة، فإن أقواماً أطلقوها فيما تحب؛ فأوقعتهم فيما كرهوا، وإن آخرين بالغوا في خلافها حتى ظلموها ومنعوها حقها، وأثر لومهم لها في تصرفاتهم وتعبداتهم، ومن الناس من أفرد نفسه في خلوة وعزلة أثمرت الوحشة بين الناس وآلت إلى ترك فرائض، أو فضلٍ من عيادة مريض أو بر والد. وإنما الحازم المحكم من تعلم منه نفسه الجد وحفظ الأصول، فالمحقق المنصف هو من يعطيها حقها ويستوفي منها ما عليها، وإن في الحركة بركة، ومحاسبة النفس حياة، والغفوة عنها لونٌ من ألوان القتل صبراً. لقد قال الله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) إن العبد المسلم لن يبلغ درجة التقوى حتى يحاسب نفسه على ما قدمت يداه، وعلى ما يعقب عليه العزم في شئونه في جميع الأمور، فينيب إلى الله مما اجترح من السيئات، ملتمساً عفو الله ورضاه طامعاً في واسع رحمته وعظيم فضله. ومحاسبة النفس المؤمنة سمة للمؤمن الصالح، والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني. والذنوب واردة على كل مسلم، ولكن لا بد لها من توبة، ولا توبة من دون محاسبة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون } رواه الترمذي . يتوب العبد بعد أن يحاسب نفسه، ويحاسب نفسه؛ لينجو من حساب الآخرة، فإن الشهود كثير، ولا يملك العبد في الاحتيال من فتيلٍ ولا نقير ولا قطمير: (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) إن ارتفاع النفس ونضوجها لا يتكون فجأة ولا يولد قوياً ناضجاً دونما سبب، بل يتكون على مكث وينضج على مراحل، وإن ترويض النفس على الكمال والخير وفطامها عن الضلال والشر يحتاج إلى طول رقابة، وكثرة حساب، وإن عمارة دارٍ جديدة على أنقاض دارٍ خربة لا يتم طفرة بارتجال واستعجال ؛ فكيف ببناء النفس وإنشائها المنشأ السوي، وإذا كانت النفس الرديئة دائمة الإلحاح على صاحبها، تحاول العود بسلوكه بين الحين والحين، فلن يكفكف شرها أجل مؤقت، وإنما تحتاج إلى عاملٍ لا يقل قوة عنها، يعيد التوازن على عجلٍ إذا اختل، ألا وهو عامل المحاسبة. إنه لا أشد حمقاً ولا أغرق غفلة ممن يعلم أنه يُحصى عليه مثاقيل الذر، وسيواجه بما عمله من خيرٍ أو شر، ويضل في سباته العميق لاهياً، غير مستعتب لنفسه ولا محاسب لها، يمسي على تقصير، ويصبح على تقصير، سوء يتلوه سوء، كذبٌ وزور، غيبة ونميمة، حسدٌ وتشفي، دجلٌ وفجور، فجورٌ في السلوك، وفجورٌ في التطاول بالسوء على من سوى نفسه وأهله. أيها المسلم إن قهرتك النفس بغلبتها فَسُل عليها سوط العزيمة، فإنها إن عرفت جدك، استأسرت لك، الدنيا والشيطان خارجان عنك، والنفس عدوٌ مباطنٌ لك، ومن أدب الجهاد: (قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ) إن مالت بك الشهوات فألجمها بلجام التقوى، فإن رفعت نفسها بعين العجب؛ فذكرها خساسة أصلها، فإنك والله ما لم تجد مرارة الدواء في حلقك لم تقدر على ذرة من العافية في بدنك. النفس مثل كلب السوق متى شبع نام، وإن جاع بصبص إليك بذنبه، والمعلوم المشاهد أنه متى قوي عزم مجاهدة النفس لانت له بلا حرب، ولما قويت مجاهدة النبي صلى الله عليه وسلم تعدت إلى كل من تعدى، فأسلم قرينه صلوات الله وسلامه عليه، و الفاروق رضي الله عنه يشيد به المصطفى صلى الله عليه وسلم: {إيه يا بن الخطاب ! إيه يا بن الخطاب ! والله ما رآك الشيطان في فج إلا سلك فجاً غير فجك }. فيا أيها المسلم: بدّل اهتمامك لك باهتمامك بك، واسرق منك لك فالعمر قليل، تظلَّم إلى ربك منك، واستنصر خالقك عليك، يأمرك بالجد وأنت على الضد أبداً تفر إلى الزحف! وما ارتقيت درجة مجاهدة النفس ومحاسبتها، أتروم حينها الحصاد وأنت لم تبذر بعد؟! أن النفوس ثلاث: نفسٌ أمارة بالسوء، ونفسٌ لوامة، ونفسٌ مطمئنة، ولا شك أن شر هذه النفوس هي الأمارة بالسوء، الداعية إلى الضلال، المحرضة صاحبها على الانحراف والاعتساف، والإنسان الغافل الضال حينما تدركه نفسه رحمة خالقه؛ ينازع نفسه بعد طول شقاء، ويقاومها لينقلها من منبت السوء إلى منبت الخير، ويوقظ فيها صوت الضمير، فإذا هي النفس اللوامة تتفكر وتتدبر وتعتبر فتنزجر، ثم تبلغ القمة والعلو فإذا هي نفسٌ مطمئنة، لا تزلزلها الأهوال ولا الشدائد الثقال، فليت كل واحدٍ منّا يسائل ذاته: أين نفسي بين تلك النفوس الثلاث؟! وفي أي طريقٍ تسير؟ أفي المقدم أم في المؤخر؟ أفي العلو أم في السفل؟! هل سألت نفسك أيها المرء فحاسبتها قبل أن تحاسب؟! هل تفكرت فيها، تفكر محقق؟! هل نظرت إلى خطايا لو عوقبت ببعضها لهلكت سريعاً؟ ولو كشف للناس بعضها لاستحييت من قبحها وشناعتها، أفٍ ثم أفٍ لنفسٍ مريضة، إن نوظرت شمخت، وإن نوصحت تعجرفت، وإن لاحت الدنيا طارت إليها طيران الرخم، وسقطت عليها سقوط الغراب على الجيف. وقد حُمل ابن سيرين رحمه الله تعالى ديناً فُسئل فقال: إني لأعرف الذنب الذي حُمل به علي الدين، قيل له: ما هو؟ قال: قلت لرجلٍ منذ أربعين سنة يا مفلس. لقد قلت ذنوبهم فعرفوا من أين يؤتون، وكثرت ذنوبنا فليس ندري من أين نؤتى، اللهم اعصمنا من شر الفتن،وعافنا من جميع البلايا والمحن، وأصلح منّا ما ظهر وما بطن، ونق قلوبنا من الغل والحقد والحسد، ولا تجعل علينا تبعة لأحدٍ من خلقك يا أرحم الراحمين |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
لآآآآ تـضـربــو الأطــفــآل ! | نواااااره | قسم الأسرة والمجتمع | 7 | 06-09-2011 06:51 AM |
غفوة الضمير (هم).. | تراتيــــل | المواضيع العامة والإخبارية | 10 | 04-11-2011 02:06 PM |
للخيانة رائحة عفنة، لا يشمها ويتأذى منها سوى الأوفياء ..! | توليب | المواضيع العامة والإخبارية | 6 | 03-25-2010 03:05 PM |
يومياتنا في الصيف!!! تعالوا هلم ممممم | أبو شهاب | وسع صدرك | 1 | 07-13-2007 10:46 AM |
دام ألأمل حَصل شـتاتي مع الناس | المسكت | عطر الكلمات | 8 | 02-13-2006 11:48 AM |